والفضاء الساحلي الصحراوي
باماكو – مالي، أيام 3-4 دجنبر 2013
الهجرة والأمن بمنطقة المغرب العربي
بمبادرة من مؤسسة فردريش ابرت ببماكو بمالي، نظم في الأسبوع الماضي ندوة جهوية حول موضوع الهندسة الأمنية الجديدة في إفريقيا الوسطى بحضور الأحزابالاشتراكية الديمقراطية بدول المنطقة وعدد من الخبراء العسكريين وممثلي منظمات المجتمع المدني والمنظمات الجهوية والإقليمية. ومثل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المساوي العجلاوي، استاذ بالمعهد الدراسات الإفريقية بالرباط ومحمد عامر عضو بمجلس النواب الذي شارك بمساهمة عالجت موضوع الهجرة والأمن بمنطقة المغرب العربي ودول جنوب الصحراء.
المغرب العربي والانتقال الهجري
تشكل منطقة المغرب العربي مسرحا لحركية بشرية كثيفة منذ عدة عقود توجهت أساسا إلي اروبا وبالخصوص إلى فرنسا بحكم العلاقات التاريخية بين الطرفين. واتسعت خريطة هذه الحركية خلال المرحلة الأخيرة في اتجاه أمريكا الشمالية ومنطقة الخليج العربي. وما زالت جحافل من الشباب الراغبة في المرور الي الضفة الشمالية مستعملة كل الو سائل بما فيها تلك التي تشكل خطرا حقيقيا علي ارواحها. غير انه خلال العقد الأخير أصبحت هذه المنطقة تستقبل هجرة من نوع جديد، هجرة قادمة من دول جنوب الصحراء في اتجاه اروبا الجنوبية،هجرة العبور. وقد استطاع عدد كبير من هؤلاء الوصول إلي مبتغاهم رغم العدد الهائل من الضحايا والمفقودين في مياه البحر الأبيض المتوسط. وبسبب الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها دول اروبا وخاصة الجنوبية، والتشدد الكبير في مراقبة الحدود والمجهودات الكبيرة المبذولة في محاربة شبكات التهريب والاتجار في البشر، تقلصت الى حد كبير إمكانيات الاختراق والعبور في اتجاه دول الشمال. وأمام هذا الوضع الجديد، أصبح المهاجرين مضطرون إلى تمديد فترة عبورهم في انتظار الفرصة التي قد تأتي و لا تأتي، وتحولت بذلك هجرة العبور إلى هجرة للاستقرار.
إن تزايد عدد الهاجرين الذين يصلون بلدان المغرب العربي في السنوات الأخيرة واستقرار عدد كبير منهم داخلها وخاصة في المغرب أضحى يطرح تحديات غير مسبوقة يصعب مواجهتها في غياب رؤية مندمجة وخطة متضامنة على المستويات الوطنية والإقليمية والجهوية ودعما دوليا فاعلا. لقد قدرت الكثير من الدراسات التي عالجت الموضوع عدد النازحين من الجنوب ب ١٠٠الف مهاجر في السنة، تتوجه غالبيتهم إلى ليبيا. ويصل عدد المهاجرين الذين يوجدون في الوقت الحالي في المغرب ب ٤٠الف مهاجر حسب آخر التقديرات. ومن دون شك، ان عدد المهاجرين من دول جنوب الصحراء سيزداد ارتفاعا بسبب الأوضاع الأمنية الصعبة التي تشهدها الكثير من الدول واستمرار تأثيرات الظروف المناخية القاسية. وبطبيعة الحال، يشكل هذا الوضع فرصة ثمينة أمام شبكات التهريب والاتجار في البشر لبسط نفوذها على الطرق الرابطة بين نقاط الانطلاق ومراكز الوصول على الحدود.
الهجرة وإشكالية امن الحدود
بينت عدة تقارير ودراسات إن الهجرة القادمة من بلدان جنوب الصحراء مرتبطة بشكل كبير بنشاط الشبكات العابرة للحدود والتي تتاجرفي البضائع المهربة وفي الأسلحة والمخدرات والتي لها صلة وثيقة مع المجموعات الإرهابية التي تتحرك في نفس الفضاء. بل ،إن هذه الشبكات تستغل المهاجرين لتمويل أنشطتها عن طريق تنظيم تنقلاتهم فيما بين الحدود مقابل أثمان باهظة وفي ظروف مأساوية. وتتم هذه الهجرة عبر مراحل وتعتبر مدينة اكاديز في شمال النيجر نقطة تجمع لكل المهاجرين من مختلف البلدان، ومنها تنطلق قوافل البشرية في اتجاه بلدان شمال افريقيا. وعموما، تتخذ الهجرة، انطلاقا من هذه المدينة، اتجاهين أساسين: الاتجاه الأول نحو ليبيا مرورا بمدينة دركو، والاتجاه الثاني نحو الجزائر عبر مدينة تامنراست. وما بين اكاديز وحدود بلدان الشمال، تتكلف شبكات المهربين بنقل المهاجرين في حافلات بتنسيق مع وكالات اسفار تشتغل على مرأى ومسمع الجميع. وتتوجه غالبية هؤلاء (٨٠٪) إلى ليبيا نظرا للفوضى العارمة التي تشهدها الحدود الجنوبية وغياب المراقبة والأمن. وانطلاقا من الأراضي الليبية الساحلية تحاول جحافل من هؤلاء المهاجرين المرور الى الضفة الشمالية من المتوسط في الوقت الذي يتوجه فيه جزء آخر إلى المغرب مرورا عبر الجزائر.
وتشكل الحدود المغربية الجزائرية المعبر الرئيسي للغالبية العظمى للمهاجرين القاصدين المغرب. وانطلاقا من مدينة وجدة تتشكل ثلاثة طرق رئيسية: الأولى في اتجاه الساحل الشمالي وخاصة منطقة الناضور بهدف العبور إلى الشاطئ الاسباني مابين مدينتي مالقا والمريا. الطريق الثاني يتجه مدينة الرباط ومنها الى مدينة العيون في الجنوب للمرور الى جزر الكناري. ويقصد الطريق الثالث الساحل الشمالي الغربي ما بين مدينتي طنجة وتطوان في اتجاه الشواطئ الأندلسية . وتعتبر هذه الطريق الأكثر إقبالا وفي نفس الوقت الكثر مراقبة من طرف حرص الحدود المغربية الاسبانية. وفي السنوات الأخيرة، يلاحظ ميلاد منفذ آخر يخترق السنغال وموريتانيا ليصل الصحراء المغربية ومنها إلى جزر الكنارى.
إن الأبعاد التي اتخذتها ظاهرة الهجرة السرية في السنوات الأخيرة وما واكبها من انتشار لشبكات التهريب والاتجار في البشر تبين بجلاء ،من جهة، ضعف التعاون الثنائي والجهوي بين الدول المعنية، ومن جهة ثانية ، غياب المقاربة الشمولية لمعالجة معضلة الهجرة وامن الحدود.
محدودية التعاون الجهوي وغياب المقاربة المندمجة
تواجه دول شمال افريقيا وبلدان الساحل والصحراء تحديات هائلة لتامين حدودها من الأخطار المرتبطة بنشاط الشبكات العابرة للبلدان والتي تتجاوز متطلبات مواجهتها إمكانيات كل دولة منفردة على حدة. ولقد تعاظمت هذه الأخطار مع الأزمة الليبية وتفكك مؤسسات الدولة وسيادة الفوضى وانتشار الأسلحة واستغلال ذلك من طرف شبكات التهريب والإرهاب. يضاف إلى ذلك المشاكل العالقة بين بعض الدول وغلق الحدود كما هو الحال بين المغرب والجزائر، بالرغم من ان قضايا الأمن تفرض الحد الأدنى من التنسيق. ولقد بينت الأزمة المالية مخاطر الخصاص في العمل المشترك بين الدول المجاورة وكيف أن رفض الجزائر وموريتانيا تقديم الدعم للسلطات المالية في الشمال فسح المجال واسعا للحركة الإرهابية لبسط نفوذها وإقامة دولتها وتهديد المنطقة بكاملها.
بالإضافة إلى ذلك، ظلت المقاربات المنتهجة لمواجهة المخاطر الأمنية ، سواء على المستوى الأحادي او الثنائي او المتعدد الأطراف ، تتسم بغياب الطابع الشمولي والمندمج ، مركزة على البعد الأمني وإغفال الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية. كما تميزت جل البرامج والتدخلات المحلية والإقليمية والدولية التي أنجزت على ارض الواقع بالنقص في التنسيق والتكامل، الأمر الذي حد من مرد وديتها ونجاعتها. ويمكن الإشارة، على سبيل المثال لا الحصر، إلى المبادرات الوطنية والجهوية والدولية التي تخص منطقة الساحل والتي أشار تقرير الأمين العام للأمم المتحدة( يونيو ٢٠١٣) إلى ضعف التنسيق والتكامل فيما بينها والى ضرورة وضع الاطار الملائم لتحقيق الانسجام والاندماج الضروريين. كما أن العديد من القرارات والتوصيات الصادرة عن الهيئات التنسيقية الرسمية غالبا ما ينقصها البعد العملياتي والملموس، وتظل في شكل توصيات محدودة المفعول.
غير أن الحرب التي عاشتها الأراضي المالية خلال السنة الأخيرة في مواجهة شبكات الإرهاب وما واكبها من تعبئة إقليمية ودولية ووعي بالمخاطر المحدقة بذلك، يضاف الى هذا الأوضاع الأمنية المتفجرة في ليبيا، يمكن أن تشكل عامل تحول أساسي في التعامل مع قضايا الأمن والتنمية إقليميا ودوليا.
الأمن والتنمية، مبادرات في اتجاه تعاون امني انجع
كان للحرب في مالي والأحداث التي تشهدها اليوم بعض الدول الإفريقية ( ليبيا وإفريقيا الوسطى….) تأثير أساسي في اتجاه اتخاذ مبادرات للتنسيق والعمل المشترك في مجال الأمن وحماية الحدود، والتأكيد على ضرورة الاهتمام بكل الأبعاد المرتبطة بالإشكالية الأمنية وخاصة ما يتعلق بالأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية، باعتبار أن الوضع الأمني الصعب هو نتيجة طبيعية للخصاص في مجال الحكامة السياسية والتنموية في العديد من الدول. ومن المبادرات التي تدخل في هذا الإطار ما يتعلق بنتائج التنسيق بين وزراء الخارجية والأمن ( اجتماعي طرابلس في مارس ٢٠١٣ والرباط في نونبر ٢٠١٣) والتي أسست لمقاربة جديدة لمواجهة مشاكل امن الحدود واقترحت آليات عملية لترجمتها على ارض الواقع.
فمن حيث التشخيص، وقفت هذه المبادرات ، بالاضافة الى النقص في التنسيق في المجال الامني ،على على محدودية المقاربة الامنية الاحادية وعلى تشتت المبادرات المتخدة وضعف جانبها العملياتي والملموس، ومن حيث الاجراءات التي اقترحت، وخاصة في الاجتماع الاخير بالرباط، فبالاضافة الى التأكيد على ضرورة الانخراط في مقاربة شمولية تم وضع برنامج عمل يتضمن عددا من المشاريع التي تقتضي الانجاز في اطار تضامني بين الدول والمنظمات الاقليمية والدولية تفعيلا لمبدأ المسؤولية المشتركة.
المغرب في مواجهة التحديات المرتبطة بالهجرة والامن
يواجه المغرب بحكم موقعه الجيوسياسي تحديات امنية متعددة ، منها ما هو مرتبط بالهجرة السرية ومنها ما هو يتعلق بشبكات التهريب والاتجار في كل الممنوعات،بضائع، اسلحة ومخدرات. ويساهم المغرب في عدد من المبادرات الامنية على المستوى الافريقي،كمجموعة دول الصنصاد ومجموعة الدول المحيطة بالاطلسي ومؤ تمر وزراء الخارجية والامن.،وعلى العموم يمكن ملامسة استراتجية المغرب في هذا المجال من خلال تلاثة مستويات، الجهوي والثنائي والوطني.
على المستوى الجهوي: تعاون في تطور مستمر
ظل المغرب عنصرا فاعلا في صياغة مبادرات متعددة في مجال الامن وحماية الحدود معتمدا على ماراكمه من تجارب وخبرة في حماية حدوده وفي مواجهة شبكات الارهاب والاتجار في البشر وفي المخدرات. ولم يمنعه وجوده خارج منظمة الوحدة الافريقية من نسج تعاون وثيق مع الكثير من الدول والحكومات في مواجهة الاخطار الامنية. لذلك كانت مساهمته اساسية خلال الاجتماع الاخير لوزراء الخارجية واالامن في ة نونبرالماضي،بالرباط ، في بلورة خارطة طريق في مجال امن الحدود ركزت، بالاضافة الى الاجراءات الامنية الصرفة، على الاهتمام بالابعاد الاقتصادية لاشكالية الامن وتعبئة الفعاليات السياسية والمجتمعي وخاصةالاهتمام بالمناطق الحدودية.
على المستوى الثنائي: ارادة سياسية قوية لتطوير التعاون مغاربيا وافريقيا
على الصعيد المغاربي، يعتبر المغرب اندماج دول المنطقة هو اختيار استراتيجي تمليه ضرورات مغاربية وجهوية ودولية.وتشكل التحديات الامنية التي تواجهها مجموع دول المنطقة خير دليل على ان مثل هذه القضايا لايمكن مواجهتها بشكل ناجع الا في اطار رؤية وعمل مشترك ومتازر. لذلك ،يعتبر المغرب ان ليبيا في محنتها الامنية تحتاج الدعم اللامشروط وان المدخل هو نجاح الانتقال السياسي. وكان لهذا الموضوع مكانة خاصة في اشغال ونتائج المؤتمر الوزاري الاخير في الرباط.لقد ادى انهيار نظام القدافي الى تدفق غير مسبوق للاسلحة بكل انواعها في اتجاه الساحل والصحراء يشكل اليوم مصدر انشغال كبير لكل الدول المجاورة بل تهديدا .حقيقيا لوحدة اراضيها وسيادتها.يضاف الى ذلك الانفلات الامني الذي تعيشه ليبيا في الوقت الراهن وانسداد الافق السياسي للازمة وعلى صعيد التعاون الثنائى مع دول الساحل والصحراء،يعمل المغرب في اتجاه بناء شراكة نشيطة ومتضامنة تولي الاهمية الى التنمية البشرية وتقوية القدرات والتعاون الاقتصادي المتجدد بالاضافة الى المقاربة الامنية الرصينة والحازمة للاشكالية الامنية في الفضاء الساحلي الصحراوي.
على المستوى الوطني: بناء سياسة متجددة لتدبير الهجرة
بعدما تحول المغرب من دولة مصدر للهجرة الى دولة عبور لعشرات الآلاف للمهاجرين القادمين من دول جنوب الصحراء، وخلال السنوات الاخيرة الى دولة استقبال يستقر فيها اعداد من هؤلاء، اصبح مضطرا لبلورة رؤية جديدة لتدبير الهجرة وتداعياتها الانسانية والاجتماعية. ولقد ساهم السياق السياسي والدستوري الجديد الذي انخرطت فيه بلادنا في التعجيل بهذا التحول الهائل. فبموازاة الاستمرار في محاربة شبكات تهريب والاتجار في البشر ، اصبح من اللازم مقاربة اشكالية الهجرة من زاوية احترام حقوق الانسان بالنظر لما كرسه الدستور من مبادى، والتزامات بلادنا علي المستوى الدولي في هذا المجال بالاضافة الى الى العمق الافريقي للمغرب وما يفرضه من تازر وتضامن.
ان الاقرار بهذا التوجه لايعني ان المغرب قادر على استقبال كل الراغبين في القدوم اليه او عبوره نحو الضفة الجنوبية من المتوسط.
وتهدف السياسة المتجددة للهجرة ،في مرحلة اولى، الى معالجة اوضاع اللاجئين بتعاون مع المندوبية السامية للا جئين بالرباط وتسوية اوضاع المقيمين بشكل غير شرعي وفق شروط محددة.وبموازاة ذلك،ستعرف التشريعات والقوانين المرتبطة بالهجرة واللجوء مراجعة لملا ئمتها مع السياق الجديد. ومن الاجراءلت الاولية كذلك ما يرتبط بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني العاملة في مجال حقوق الانسان والتي ساهمت الى حد كبير في في تحقيق هذه النقلة النوعية في مقاربة موضوع الهجرة غير الشرعية.
الخلاصة
يقتضي تدبير اشكالية الامن بشمال افريقيا ومنطقة الساحل والصحراء مقاربة شمولية ومتضامنة. فإذا كان الوضع الامني المقلق يتطلب عملا استعجاليا لمواجهة التهديدات والمخاطر المحذقة بامن وسيادة الدول فان الاستقرار المستدام يتطلب معالجة الشروط المنتجة لهذه الاوضاع ويتعلق الامر اساسا بازمة الحكامة السياسية والخصاص في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.ان الوعي من طرف مجموع الدول والحكومات بحوية .التنسيق في الفضاء الامني والناتج عن الاحداث الاخيرة الخطيرة التي شهدتها بعض الدول يجب ان تتبعه خطوات جريئة في مجال التنمية المندمجة والمتضامنة. بدون ذلك لا تحقق المقاربة الامنية مبتغاها.
ان التعاون بين الدول يجب ان يواكبه عمل موازي من طرف الفاعلين السياسيين والمجتمعيين. فقضايا الامن لا يجب ان تظل حبيسة الدوائر الامنية والحكومية ،انها شأن عام يتطلب تعبئة وانخراط الجميع.ومن هنا تأتي أهمية هذه المبادرة التي تحتضن فعاليات تنتمي الى فضاءات متنوعة
...