العَربيةُ بين المُقدِّسين و المُتَربِّصين!!البحث عن هوية قاتلة بقلم .. ذ.محمد العمري ــ1 ــ
نقطة نظام: الخروج من مهرجان «بني دَالَانَ « 1ـ 1ــ من أعطاب الحياة السياسية الموروثةِ عن سنوات الرصاص، في المغرب، أنَّ جميعَ الأطراف تُفضِّل اللعبَ خارجَ الملعب، لتُمرِّرَ ما يُمكن تمريرهُ بعيدا عن الأنظار، وفي غِيابِ الآخرين، حتى ولو كان خيرا، أو صادراً عن حُسنِ نِيَةٍ، كقضية «القَسَم على المـُصحف» المشهورة. هذا هو المأخذُ الأولُ الذي أخذَهُ الجميعُ على السيد نور الدين عيوش الذي «كَمَّسَ» ما دار في ندوتِه وتوجه به إلى القصر الملكي. وهي ندوةٌ مُهرَّبة بالنظر إلى موضوعها؛ غاب عنها ذَوُو الاختصاص، وأصحابُ الحقوق: جلس المتنادون لتفويتِ تركة الفصحى في غياب القضاة والورثة. (ومن فلتات اللسان الكاشفة قول السيد عيوش للأستاذ عبد الله العروي: لو عرفتُ أنك ستتفق معي، أو تؤيدني، لاستدعيتك!!). ولذلك فربما تكون هذه أكبرَ محاولةٍ للسرقة السياسية عرفَها ما بعْد الدستور الجديد. فقد اعتقدنا أن سلوكَ الفاعلين السياسيين سيتغيرُ تدريجيا بعد هذا الدستور الذي حددَ بعضَ قواعد اللُّعبة برغم غموضها، وإن كان هو نفسُه قد «خَرجَ من الخيمة» على الحالة التي تَرَوْن، بعدَ أن سُرقت منه، في اللحظة الأخيرة، مَدَنيةُ الدولة بنفس المنهجية الاختلاسية. ولا شك أن السيد عيوش (ومَن مَعَه) ما كانَ ليَجْــرُأ على هذا القَفز العُلوي لو لم يَسْتأنِسْ بسلوك الحكومة اليمينية الحالية التي تُقايضُ التأويلَ الديمقراطي الحداثي للدستور بالمقاعد و»التمكين» وتمرير بعض أفكارها المعادية للحداثة بعيداً عن أنظار المعارضة والمجتمع المدني. وقد وصل بها الأمر إلى حد تقديم هَدايا مفضوحة رُدَّتْ في وجهها، كما وقع في قضية «القوانين التنظيمية» التي اختطفتْها الحكومةُ بفجاجة وسوء تأويل من البرلمان وأعادها الملك إليه. هذا النوع من الغِش في اللعب لن يخدُم المصالح العليا للمغرب، وسيُعقِّد أموراً معقَّدةً بطبيعتَها، مثل قضيتي اللغة والوحدة الوطنية. ومَن يُثيرُ الغبار قَصْدَ استغفال شُـرَكائه (في العصر الحديث خاصة) سُرْعانَ ما ينكشفُ عنه الغبارُ ويَكتشفُ بنفسه أنه أكبرُ المغفلين. ولعل هذا هو الانطباع الذي خرج به السيد عيوش من هذه التجربة، فقد انهال عليه الطوب والحجارة من كل صَوْبٍ وحَدَب. وقدْ بَينتْ محاولةُ بعض خبرائه الدفاع َعن مشروعه أنه «كَـانْ مْـحَزَّماً بَالْـ كَــرْعَةِ الدكالية!». بمثل هذا السلوك الاستغفالي يتحول الأذكياء إلى موضوع للتَّندُّر. نتمنى أن يستمر الملكُ في رد مثل هذه الهدايا الملغومة، حتى يقتنع مُـــوَرِّدُو تلك البضائع ومصدِّروها أن المغرب دَخَلَ منطقةَ الضوْء والسوق الحرة. 1ـ 2 ــ أما الفوضى التي وقعتْ بعْدَ انتشار «شائعة» استبدال الفُصحى بالعامية، نتيجة تدخل كثير من الـمُفْتين المتطفلين على الموضوع، وأشباه المتعلمين، وأصحاب الحسابات الخفية، فقد ذكَّـرتني بجمْع، أو تجمُّع، «بني دَالانَ» في قول الشاعر: كَأنَّ بَـني دَالانَ إِذْ جَاءَ جَـمْعُهُمْ فَرارِيجُ يُلْقَـى بَيْنَهُنَّ سَوِيـقُ السَّويقُ: «الزَّمِّيطَة»، بكل بساطة، دقيقٌ من حبوب مُـحَمَّصة (مـَكـلية). والفراريج: جمع فَرُّوج، صغارُ الديوك، ودُونَـها الفَلاليسُ، جمع فَـلُّوس. هل تعرفون ما يقعُ حين يُلقى السَّويقُ بين الفراريج؟ أبناء المدن لا يعلمون: تتطايرُ مُتصايحة في نفس الوقت، وتضربُ بأرجلها وأجْنِحَتها فتُبعثر السويق، فلا هي انتفعتْ به، ولا تركته لغيرها ينتفع به. وبنو دالان يَضِجُّون جميعاً في نفس الوقت، فلا يسمعُ أحدُهم ما يقوله الآخرُ، ولا ينتفعُ بكلامه. وزَمِّيطةُ السيد علوش تَنازعَها الفراريجُ والفلاليسُ قبلَ أن يقتربَ منها الديوكُ شبهُ العُقلاء مثلي مطالبين بشيء من النظام. ومعروف أن الفروج الأعرج هو الذي يَقْلبُ الشَّـ?ْـفة فيُريق الماء ويحرم الآخرين منه. أمامَ هذا الهجوم العنيف الذي اُسْتُغِلَّت فيه أصواتٌ حادةٌ، ومخالبُ جارحة، أصبحَ بُوبُــولْ، وهو كبيرُ دُيوك السيد عيوش ورائدها، يَــفِــرُّ بتاجه الأحمر الطري ليجد نفسه وجها لوجه مع قُرون تُيوسِ الرمال القادمة حالاً من الثُّلث الخالي (خالي من العقل في الغالب) لنصرة لغة «مقدسة»! يَعتقدون أنها كانتْ هكذا منذ الأزل؛ لم يُـــزَدْ فيها حرفٌ، ولم يُنقصْ منها حرف! وستبقى كذلك ليتفاهَمَ بها أهلُ الجنة، حسَبَ حديثٍ أجمع المدققون الثقاة على أنه موضوع. ورغم أن الحوارَ بين العربية الدارجة، أي الرائجة، والعربية الفصحى، أي الممعيرة، كان يبدو شأنا «عُروبيا» «أعرابيا» في خطاب الإخوة المنشغلين ببناء الأمازيغية المعيار وتمكينها في التعليم والإعلام ــ وفَّقَهُم اللهُ إلى سواء السبيل ــ فقد رحَّبَ الكثيرُ منهم بدعوة السيد عيوش، وتحدثوا عن الطبيعة الوطنية للدارجة المشبعة بالروح الأمازيغية، المندمجة في نظامها النحوي، بخلاف الفصحى التي سيُشدد عليها الخناق حتى تَعودَ إلى جُحرها الضيق في جزيرة العرب، حسَب أكثر التعليقات تشاؤما. هكذا قال فراريج الأنتيرنيت وفلاليسُها الذين ينطحون أيَّ لَوْنٍ يخالف لونَهم الوحيد المحبوب قَبْل أن تُنبههم الديوكُ العاقلة، التي حنكتها التجاربُ، إلى أنَّ تعميمَ الدارجة لا يُشكل خطرا على الفُصحى فحسب، بل هو خطر على الأمازيغية أيضا. فلا ينبغي الانجراف مع التيار، إذ الوقوف في وجه الفصحى التي «لا يتحدثُ بها أحد» ــ وهذه أمنية أخرى ــ أهونُ من الوقوف في وجه دارجة يتحدث بها أغلبُ السكان، ويكاد يفهمها الجميع، ومن هنا بدأوا في مراجعة قولهم بأن الدارجة «لغة مغربية» لأنها بنت الأمازيغية أيضا. ولا شك أن الأمازيغية هي خالةُ الدارجة المغربية، والخالةُ رحيمة كالأم، ولذلك يظهر أن من يريدون تمزيق الطفل في تجاذب مع أمه الطبيعية البيولوجية يحملون توكيلا مزيفا من الخالة. هذه نقطة نظام مقلوبة، وإن عدتم عدنا. وسنحاول في النقط التالية استشكال بعض القضايا التي تعامل معها الطرفان باستسهالٍ أو تجاهلٍ ضارين. وكلامنا مجرد اجتهاد يخاطب العقول والنوايا الحسنة، مهما قست لغته. ـــ 2 ــ من الطبيعي أن يرى الأصوليُّ أنَّه ليس هناك مُشكلٌ أصلا، لأن نمطَ العيش الذي يَعيشُه، ومُستوى الفكر الذي يُفكرُه لا يَستهلكُ حتى لغةَ القرن الثالث والرابع الهجريين. وقد عانينا من هذا العطب الأصولي، في العقود الثلاثة الأخيرة، ونحن نُحاول تجديدَ مناهج البلاغة والدرس الأدبي: فكل اقتراح جديد يُشكل لديهم خطرا على الهوية العربية الإسلامية، ويُكوِّن استلابا أو مؤامرة خبيثة. وإذا أعوزهم الفهم والتحليل والمقارعة بالحجة فلا يعوزهم الكيدُ والهجاء. ولذلك فأيُّ توسُّع في اللغة يجعلهُم يثورون ويحتجُّون بالشعر الجاهلي ولغة أعراب الجاهلية. ولِستْــر عجزهم يسحبون المقدس على التاريخي؛ فاستعمالُ الدارجة بالنسبة إليهم استهانةٌ بلغة القرآن الكريم ومعصيةٌ لربِّ العالمين. أما الديوك «بوبول وأصدقاؤه» فحين يسمعُون هذه اللغة المتعصِّة للجاهلية يُصابون بالرعب، ويختلط عليهم الأمر فيرون أن الداء كلَّه في اللغة العربية، وأنها أصلُ كل الشرور، وتطويرُها مستحيل لأنها مُشتركةٌ مع أقوام رُكِّبتْ عيونهم في ظهورهم، وعقولهم وحواسهم، تحت أحزمتهم، وَ»الوَجْهْ الـمـَـشْروكْ مَا يَتّْغْسَلْ». فيَسْعَوْن للتخلص منها بشتى الحيل والمكايد، ولو خنقاً في الظلام. |
||
..عن جريدةالاتحاد الاشتراكي ..10/12/2013 |
الثقافة العالمية والثقافة المعولمة * عبد السلام بنعبد العالي
على عكس الرؤية الميتافيزيقية التي تفترض فكرًا كونيًّا يتعالى على الأحقاب التاريخية والفروق…