الشهيد عمر بنجلون، ومقاومة التحريف بوجهيه: السياسي، والنقابي…..بقلم ..محمد الحنفي
الإهداء إلى:
ـ روح الشهيد عمر بنجلون.
ـ الرفيق أحمد بنجلون قائدا عماليا.
ـ الرفاق في إقليم خريبكة.
ـ الطبقة العاملة المعنية بالعمل النقابي الصحيح.
ـ من أجل الانخراط الجماعي في مقاومة كافة أشكال التحريف التي تستهدف الممارسة النقابية.
ـ من أجل نقابة مبدئية تسعى إلى تحقيق الوحدة النقابية، تجاه تردي الأوضاع المادية، والمعنوية للعمال، وباقي الأجراء.
محمد الحنفي
مقدمة:
إننا عندما نرتبط بشخصية الشهيد عمر بنجلون لا ترتبط بشخصية عادية، بقدر ما نرتبط بشخصية شديدة التنوع إلى درجة الخصوبة، الأمر الذي أقلق النظام القائم في المغرب، ومعه كل عتاة الرجعية المتخلفة، وعتاة الظلامين، وهو ما أدى غلى قيام تحالف رجعي / ظلامي، قام بتصفيته جسديا، في عز النهار، في 18 دجنبر 1975، وأمام منزله، وامام انظار الجماهير الشعبية الكادحة، من أجل بث الرعب في صفوف الحركة العمالية، واليسارية، والتقدمية، والديمقراطية، ومن أجل أن لا تجد أفكاره المتتظرة طريقها إلى الجماهير الشعبية الكادحة، وطليعتها الطبقة العاملة.
واستهداف الشهيد عمر بنجلون، ارتبط بالتحاقه بالاتحاد المغربي للشغل، كنافذة للأرتباط بالطبقة العاملة، وقيادته لنقابة البريد، وحرصه على ديمقراطية، وتقدمية، وجماهيرية، واستقلالية، ووحدوية العمل النقابي، في إطار النقابة التي كان يقودها، وفي التنظيم المركزي للإتحاد المغربي للشغل. وذلك عندما قام الجهاز البيروقراطي، بتعذيبه في دهاليز المقر المركزي، من أجل ثنيه عن العمل على جعل الاتحاد المغربي للشغل، نقابة مبدئية، ما دامت المبدئية تتناقض مع مصالح الجهاز البيروقراطي في ذلك الوقت. وهو ما يعني أن اسم الشهيد عمر بنجلون، ارتبط، ومنذ البداية، بمقاومة التحريف النقابي، الذي يمارسه الجهاز البيروقراطي، إلى جانب عمله على ترسيخ الفكر الاشتراكي العلمي في صفوف الحركة الاتحادية، التي كان يناضل من خلالها، وكأحد قادتها، ضد الطبقة الحاكمة، وضد المؤسسة المخزنية، ومن أجل تحقيق الحرية، والديمقراطية، والاشتراكية، وقيام الدولة الديمقراطية، ودولة الحق، والقانون، التي ترعى مصالح الكادحين، وطليعتهم الطبقة لعاملة، وتحمي تلك المصالح.
وحتى نوفي الشهيد عمر بنجلون حقه، ماأمكن ذلك، فإننا سوف نتناول، في هذه الأرضية، الجوانب المتعلقة بتحريف شخصية الشهيد عمر بنجلون بعد اغتياله مباشرة، حتى يصير ذلك الاغتيال في خدمة جهة معينة، توظفه لتحقيق تطلعاتها الطبقة، كما نتناول أوجه رمزية الشهيد عمر بنجلون، وعمر بنجلون كمقاوم للطبقة الحاكمة، ولإيديولوجيتها، ولسياستها، وكمناضل من أجل بنا الحركة العمالية، وترسيخ أيديولوجية الطبقة العاملة بين كادحي الشعب المغربي، وطليعتهم الطبقة العاملة، وبناء المواقف السياسية المناهضة لسياسة الطبقة الحاكمة، من أجل قيام دستور ديمقراطي، وإجراء انتخابات حرة، ونزيهة، وبناء مؤسسات منتخبة معبرة عن احترام إرادة الشعب المغربي، وقيام حكومة من الأغلبية البرلمانية، تكون في خدمة مصالح الشعب المغربي تشريعا، وتنفيذا، سعيا إلى تحقيق الحرية، والديمقراطية، والاشتراكية، كما نتناول شخصية الشهيد عمر بنجلون كمناضل نقابي، من اجل الارتباط بالعمال، وباقي الأجراء، وبناء حركة نقابية مبدئية، من خلال مقاومة التحريف النقابي في الاتحادالمغربي للشغل، وبلورة الأسس، والمنطلقات التي يقوم عليها العمل النقابي الصحيح، بالإضافة إلى تناول مظاهر تحريف العمل النقابي التي يفترض أن الشهيد عمر بنجلون يكون قد قاومها فكرا، وممارسة، وتنظيما، ونضالا، وأفقا، كما هو الشأن بالنسبة لمظهر الممارسة البيروقراطية، ومظهر تبعية النقابة لأجهزة الدولة، أو لأي حزب سياسي، ومظهر تحزيب النقابة، ومظهر جعل النقابة إطارا للإعداد، والاستعداد لتأسيس حزب معين، مبينين أن مقاومة التحريف تهدف إلى بناء تنظيم نقابي منتج للعمل النقابي الصحيح، على أساس ديمقراطية النقابة، وتقدميتها، وجماهيريتها، واستقلاليتها، ووحدويتها، حتى تربط النقابة بين النضال النقابي، والنضال السياسي، وترتبط بالحركة الديمقراطية، والتقدمية، وتتغلغل في صفوف الجماهير العمالية وباقي الأجراء، والاستقلال عن أجهزة الدولة، وعن الأحزاب السياسية، وتحقيق الوحدة النقابية، والتنسيق بين النقابات التي تجمعها قواسم مشتركة، كما نتناول مشروع الشهيد عمر بنجلون الذي تم اغتياله على يد التحالف المخزني / الرجعي / الظلامي المتخلف، دون إتمامه على جميع المستويات: التنظيمية، والإيديولوجية، والسياسية، والنقابية، لنصل إلى أن اغتيال الشهيد عمر بنجلون، لا يعني أنه مات، بقدر ما هو حي فينا، ومستمر في النضال من أجل حرية الإنسان، وحرية الأرض، وديمقراطية الدولة، والمجتمع، والتنظيمات السياسية، والنقابية، والجماهيرية، واشتراكية النظام الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والمدني، والسياسي.
فشخصية الشهيد عمر بنجلون، هي شخصية متكاملة، لا يمكن الفصل فيها بين السياسي، والنقابي، والجماهيري، بقدر ما يحضر كل ذلك في اهتمامات هذه الشخصية، من أجل تحقيق الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، كما ضاعها الشهيد عمر بنجلون، من خلال الحركة الحركة الاتحاديةالأصيلة.
فما هي الغاية من تحريف شخصية الشهيد عمر بنجلون؟
ولماذا يتم الالتفاف على رمزية الشهيد عمر بنجلون؟
هل باعتباره رمزا للتضحية، والنضال؟
هل باعتباره منظرا للحركة العمالية المغربية؟
هل باعتبار ساعيا إلى تاسيس هذه الحركة؟
هل بسبب قيامه بترسيخ الفكر الاشتراكي العلمي في صفوف مناضلي الحركة الاتحادية، وفي الواقع المغربي؟
هل بسبب كونه محللا سياسيا محنكا؟
هل كان ذلك باعتباره إعلاميا متمرسا؟
وما هي أوجه مقاومة الشهيد عمر بنجلون؟
هل كان يقاوم الطبقة الحاكمة، باعتبارها طبقة مستغلة للكادحين؟
هل كان يقاوم إيديلوجية هذه الطبقة، ورديفتها الرجعية، والظلامية؟
هل كان يقاوم سياسة الطبقة الحاكمة، والسياسة الرجعية، والظلامية؟
من أجل ماذا كان يناضل؟
هل كان يناضل من أجل بناء الحركة العمالية؟
هل كان يناضل من أجل ترسيخ إيدولوجية الطبقة العاملة بين الكادحين؟
هل صارع من اجل بناء المواقف السياسية المناهضة لسياسة الطبقة الحاكمة؟
ومن أجل ماذا كان يسعى إلى بناء المواقف السياسية؟
هل كان يسعى إلى إقرار دستور ديمقراطي؟
هل كان يسعى إلى إجراء انتخابات حرة، ونزيهة؟
هل كان يرغب في إيجاد مؤسسات منتخبة، معبرة عن احترام إرادة الشعب المغربي؟
هل كان يناضل من أجل قيام حكومة من الأغلبية البرلمانية، حتى تكون في خدمة الجماهير الشعبية التي انتخبت تلك الأغلبية؟
وهل كان نضاله من أجل كل ذلك، سعيا إلى تحقيق الحرية، والديمقراطية، والاشتراكية؟
وما هي الغاية من نضاله النقابي؟
هل هي تحقيق الارتباط بالعمال، وباقي الأجراء؟
هل هي المساهمة في بناء حركة نقابية مبدئية؟
هل هي مقاومة التحريف النقابي في الاتحاد المغربي للشغل؟
هل تكمن في عمله على بلورة الأسس، والمنطلقات التي يجب أن يقوم عليها العمل النقابي الصحيح؟
واذا كان الشهيد عمر بنجلون يقاوم التحريف في الإتحاد المغربي للشغل، ذلك التحريف المتجسد، بالخصوص، في الممارسة البيروقراطية:
ألا توجد ممارسات تحريفية أخرى تطبع العمل النقابي في المغرب؟
وما هو موقفه المفترض من باقي الممارسات التحريفية، لو بقي حيا؟
هل كان سيقبل بها؟
هل يعمل على مقاومتها، كما قاوم الممارسة البيروقراطية؟
فما موقفه المفترض من الممارسة البيروقراطية؟
وما موقفه المفترض من تبعية النقابة لجهة معينة؟
ما موقفه المفترض من تحزيب النقابة؟
ما موقفه المفترض عن اعتبار النقابة مجالا للإعداد، والاستعداد لتأسيس حزب معين؟
وما هي الغاية من مقاومته للتحريف في الممارسة النقابية؟
هل هي بناء نقابة ديمقراطية؟
هل ترسيخ تقدمية النقابة، والعمل النقابي؟
هل تكمن في تحقيق نقابة جماهيرية؟
هل تكمن تلك الغاية في جعل الإطار النقابي مستقلا عن الدولة، وعن أي حزب سياسي؟
وهل تتجسدفي جعل النقابة اطارا لوحدة العمال، وباقي الأجراء؟
وماذا ينتج عن تحقيق الأسس التي كان يسعى إلى تحقيقها الشهيد عمر بنجلون؟
هل ينتج عن تحقيقها الربط الجدلي بين النضال النقابي، والنضال السياسي؟
هل ينتج عن تحقيقها الارتباط بالحركة الديمقراطية؟
هل ينتج عن تحقيقها الارتباط بالحركة التقدمية؟
هل ينتج عن تحقيقها التغلغل في صفوف الجماهير العمالية، وباقي الأجراء؟
هل ينتج عن تحقيقها استقلال النقابة عن أجهزة الدولة، وعن الأحزاب السياسية؟
هل ينتج عن تحقيقها التنسيق بين النقابات التي تجمعها قواسم مشتركة؟
واذا كان الشهيد عمر بنجلون قد اغتيل قبل قبل أن يتم مشروع التغيير الذي كان يعمل على بنائه:
فما هي أوجه هذا المشروع الذي لم يكتمل حتى الآن؟
هل هي بناء التنظيم الحزبي الثوري؟
هل هي بناء إيديولوجية التنظيم الحزبي الثوري؟
هل هي بناء المواقف السياسية الثورية، عن طريق التنظيم الحزبي الثوري؟
هل هي بناء نقابة مبدئية قادرة على قيادة النضالات المطلبية العمالية، ونضالات باقي الأجراء؟
ونحن عندما نطرح هذه الأسئلة، وغيرها، مما يمكن أن يرد في هذه الأرضية، فلأننا نسعى إلى أن تصير شخصية الشهيد عمر بنجلون حاضرة فينا، وفي ممارستنا، باعتبارها شخصية متكاملة على المستوى النظري، وعلى مستوى الممارسة، حتى تستطيع الاستمرار على نهجه، مسترشدين بفكره، وبممارسته التي نسعى إلى جعلها تنتقل غلى الأجيال القادمة، التي تعتبر اكثر حاجة إلى مثل الشهيد عمر بنجلون كمفكر، وكمنظر، وكمبدع، وكمناضل ثوري، وكقائد عمالي، وكمناهض لكل اشكال التحريف، سواء تعلق الأمر بالنضال السياسي، أو بالنضال النقابي، أو بالنضال الجماهيري، في مستوياته الثقافية، والتربوية، والحقوقية، وغيرها، من إعادة صياغة المجتمع المغربي، بصيرورته مجتمعا حرا، وديمقراطيا، واشتراكيا.
أوجه تحريف شخصية الشهيد عمر بنجلون:
إننا عندما نرتبط بتاريخ الشهيد عمر بنجلون، نرتبط بتاريخ مناهضة تحريف العمل النقابي، والعمل السياسي، وعلى جميع المستويات، ولكننا عندما نرتبط بتاريخ ما بعد اغتيال الشهيد عمر بنجلون، فإننا نرتبط كذلك بتاريخ تحريف شخصية الشهيد عمر بنجلون النقابية، والسياسية. وهذا التحريف، ومن هذا النوع، يهدف إلى توظيف شخصيته في الاتجاه الذي يخدم مصالح الجهات الممارسة لهذا النوع من التحريف على المستوى التنظيمي، وعلى المستوى الإيديولوجي، وعلى المستوى السياسي.
1) فعلى المستوى التنظيمي، نجد أن الشهيد عمر بنجلون قبل اغتياله، كان يحرص على أن يكون التنظيم الحزبي في اطار الحركة الاتحادية الأصيلة، تنظيما عماليا ثوريا، كما تدل على ذلك المذكرة التنظيمية التي أصدرها سنة 1965، والوصول بالحركة الاتحادية الأصيلة إلى الاقتناع بالاشتراكية العلمية كوسيلة، وكهدف، وإلى اعتبار إيديولوجية الطبقة العاملة، هي إيديولوجية هذه الحركة، حتى يصير التنظيم مبنيا على اسس إيديولوجية سليمة، تدفع به إلى الواجهة التي تجعله قائدا في النضال السايسي العام، في افق تحقيق الأهداف الكبرى، المتمثلة في تحقيق الحرية، والديمقراطية، وبناء الدولة الاشتراكية، التي تصير دولة عمالية بامتياز. إلا ان المحرفين الذين لم يرقهم ما كان يسعى إليه الشهيد عمر بنجلون، لتناقضه مع مصالحهم الطبقية، باعتبارهم متسلقين طبقيا، في أفق التمكن من تحقيق تراكم رأسمالي، يصنفهم إلى جانب التحالف البورجوازي الإقطاعي المتخلف، سعيا إلى تحريف التنظيم الثوري عن مساره، من منطلق أنه لا يتناسب مع خصوصية الشعب المغربي، ومع طبيعة الحركة الاتحادية في نفس الوقت، وصولا إلى القول، بطريقة غير مباشرة، بأن الشعب المغربي ليس من حقه أن يكون حرا، وليس من حقه أن يتمتع بالممارسة الديمقراطية، في أبعادها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، بدعوى خصوصية هذا المجتمع الذي لا يناسبه وجود تنظيم ثوري، كما لا يناسبه التغيير الذي يسعى اإى تحقيقه التنظيم الثوري، الأمر الذي دفع بقيادة الحركة الاتحادية، بعد استشهاد الشهيد عمر بنجلون، إلى تغيير التاكتيك، والإستراتيجية، ليصير التاكتيك وسيلة للوصول إلى المجالس المزورة، ولتصير تلك التطلعات هو الإستراتيجية التي تجعل قيادة الحركة الاتحادية، جزءا لا يتجزأ من الطبقة الحاكمة. وهذا التغيير الذي حصل في التاكتيك، وفي الإستراتيجية، بعد استشهاد عمر بنجلون، هو الذي قاد إلى قيام صراع ديمقراطي تطور إلى صراع تناحري داخل الحركة الاتحادية. ذلك الصراع الذي تم حسمه في 8 ماي 1983، بإفراز تنظيمين: تنظيم يتمسك بالنهج التنظيمي الذي رسمه الشهيدعمر بنجلون، وتنظيم اختار التحالف مع الطبقة الحاكمة التي جندت أجهزتها القمعية، إلى جانبه، في محطة 8 ماي 1983، ليصير تحريف الحركة الاتحادية هو القاعدة، والتمسك بالنهج التنظيمي للشهيد عمر بنجلون هو الاستثناء، ولكنه الاستثناء الذي سوف ينتصر للتاريخ، وللشهيد عمر بنجلون، بضمان استمرار الحركة الاتحادية الأصيلة، التي تحولت فيما بعد إلى حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، كحزب للطبقة العاملة، وكحزب يسعى إلى أن يصير ثوريا، ويتمسك بنهج الشهيد عمر بنجلون، ويسعى إلى تحقيق الحرية، والديمقراطية، والاشتراكية، كأهداف كبرى، رسمها الشهيد عمر بنجلون في المؤتمر الإستثنائي سنة 1975.
وفيما يخص المستوى الإيديولوجي، نجد أن الشهيد عمر بنجلون، سعى قبل اغتياله إلى ترسيخ ايديولوجية الطبقة العاملة، القائمة على أساس الاقتناع بالاشتراكية العلمية كوسيلة، وكهدف، كما كان يقول الشهيد عمر بنجلون. وبعد اغتياله، عملت قيادة الحركة الاتحدية، وبكل وسائلها الممكنة، وغير الممكنة، إلى التخلي، وبصفة نهائية، عن إيديولوجية الطبقة العامل،ة والإستعاضة عنها بإيدلوجية البورجوازية الصغرى، ذات الطبيعة التوفيقية، والتلفيقية، التي تتيح الفرصة امام إمكانية التشويش على إيديولوجية الطبقة العاملة، وفسح المجال أمام مد الجسور مع الطبقة الحاكمة، حتى تتمكن هذه القيادة من تحقيق تطلعاتها الطبقية، هي، وكل عملائها في الحركة الإتحادية.
والداعي الى تخلي قيادة الحركة الاتحادية عن إيديولوجية الطبقة العاملة، باعتبارها ايديولوجية ثورية، قائمة على أساس الاقتناع بالاشتراكية العلمية، كوسيلة، وكهدف، هو أن هذه الإيديولوجية، لا تتناسب مع طبيعة المجتمع المغربي، الذي يتميز بخصوصية ترفض أن تصير الطبقة العاملة طليعة المجتمع المغربي، كما ترفض أن تصير الدولة الاشتراكية، بمفهومها الصحيح، هي التي تحكم المجتمع المغربي.
والواقع أن قيادة الحركة الاتحادية، عندما تمارس التحريف الإيديولوجي، لإيديولوجية الطبقة العاملة، التي صارت على يد الشهيد عمر بنجلون إيديولوجية الحركة الاتحادية الأصيلة، وإيديولوجية سائر الكادحين، فلأن هذه القيادة التي تسعى غلى تحقيق التطلعات الطبقية للبورجوازية الصغرى، عن طريق توظيف إيديولوجية خاصة بالبورجوازية الصغرى، تستند إلى:
ا ـ الأخذ بما يخدم مصلحتها الطبقية، من إيديولوجية الطبقة العاملة، حتى تمتلك شرعية قيادة الحركة الاتحادية، باعتبارها حركة للعمال، ولسائر الكادحين، بالإضافة إلى شرائح البورجوازية الصغرى الدنيا، والمتوسطة، والعليا.
ب ـ الأخذ بما يخدم مصلحتها الطبقية، من ايديولوجية الطبقة الحاكمة، المتكونة من التحالف البورجوازي / الإقطاعي المتخلف، حتى تتقرب بذلك من هذه الطبقة، وحتى يساعد ذلك التقرب على فسح المجال أمامها من أجل تحقيق تطلعاتها الطبقية.
ج ـ الأخذ بما يخدم مصلحتها، من إيديولوجية الإقطاع، ذات المرجعية الخرافية، ومن أجل الإيغال في تضليل الكادحين، وإعطاء الشرعية لاستمرار الإقطاع في المجتمع المغربي.
د ـ الأخذ بما يخدم مصلحتها، من الإيديولوجية البورجوازية، حتى توهم العمال، والكادحين، بان هذه القيادة، يمكن أن تعمل على جعل المجتمع المغربي مجتمعا صناعيا، ومن أجل التقرب من البورجوازية، التي تساعد البورجوازية الصغرى على تحقيق تطلعاتها الطبقية.
ه ـ الأخد بما يخدم مصلحتها الطبقية، من إيديولوجية اليمين المتطرف، حتى توهم هذا اليمين بأنها تصلح لأن تحتويه، وأن تجعله ينتمي إلى الحركة الاتحادية، التي لا تتناقض معه، ولضمان جماهيرية هذه الحركة، حتى تصير متكلمة باسم مجموع الطبقات الاجتماعية.
و ـ الأخذ بما يخدم مصلحتها من القيم الدينية الشائعة بين افراد المجتمع المغربي، حتى توهم الجماهير الشعبية الكادحة، بأن الإشتراكية المغربية التي تسعى قيدة الحركة الاتحادية إلى تحقيقها لا تتناقض مع الدين، كما هو الشان بالنسبة لإيديولوجية الطبقة العاملة، لإعطاء تبرير باغتيال الشهيد عمر بنجلون من داخل الحركة الاتحادية.
وهذا الأخذ المتنوع من الإيديولوجيات المختلفة، هدفه خلق تحالف إيديولوجي على يد قيادة الحركة الاتحادية في ذلك، لتحقيق أهداف تتمثل في:
ا ـ جعل الحركة الاتحادية وعاء يضم كل الطبقات الاجتماعية، لقطع الطريق أمام إمكانية صيرورتها حركة عمالية.
ب ـ محاصرة إيديولوجية الطبقة العاملة، والقضاء عليها في صفوف المنتمين إلى الحركة العمالية.
ج ـ إضعاف الحركة العمالية القائمة خارج الحركة الاتحادية، في أفق القضاء عليها.
د ـ قطع الطريق أمام إمكانية تحقيق الحرية، والديمقراطية، والاشتراكية، كما صاغها الشهيد عمر بنجلون، باعتبارها تتناقض مع رغبة البورجوازية الصغرى في تحقيق تطلعاتها الطبقية.
ه ـ ضمن تأبيد الاستبداد القائم، باعتباره إطارا يساعد على تحقيق التطلعات الطبقية للبورجوازية الصغرى.
و ـ الانخراط الواسع فيما صار يعرف بديمقراطية الواجهة، وإيهام الشعب المغربي بأن هذا الشكل من الديمقراطية، هو الذي يتناسب مع خصوصية هذا الشعب.
ولا داعي إلى القول بأن ممارسة قيادة الحركة الاتحادية، بعد اغتيال الشهيد عمر بنجلون، تعتبر:
ا ـ خيانة لكل الجهود، والتضحيات التي قدمها الشهيد عمر بنجلون في حياته، من أجل بناء حركة اتحادية عمالية رائدة.
ب ـ خيانة الحركة الاتحادية، بتحريفها عن الأهداف الآنية، والمرحلية، والإستراتيجية، كما رسمها الشهيد عمر بنجلون.
ج ـ خيانة للشعب المغربي الذي كان يراهن على الدور الذي تلعبه الحركة الاتحادية، كما خطط له الشهيد عمر بنجلون.
د ـ خيانة طموحات، وآمال الشعب المغربي، المتمثلة في تحقيق الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية.
ه ـ خدمة مصالح التحالف البورجوازي / الإقطاعي المتخلف، الذي صار يمتلك الشرعية من بابها الواسع.
و ـ خدمة مصالح الإقطاع، والبورجوازية، اليمين المتطرف، باعتباره معاديا بالحركة العمالية، ومساهما في تنظيم عملية اغتيال الشهيد عمر بنجلون.
ذلك أن عملية التحريف الإيديولوجي بالخصوص، لا يمكن أن تؤدي إلا إلى تقديم الخدمات المختلفة للطبقة الحاكمة، ولكل الطبقات الرجعية المستفيدة من عملية الاستغلال الممارس على الشعب المغربي.
3) اما على المستوى السياسي، فإن التحريف يصير واضحا، من منطلق أن المواقف السياسية لا يمكن أن تكون إلا واضحة. والوضوح ينبني على مبررات تحريفية / تضليلية، تجعل العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، يعتقدون أن المواقف السياسية لم يطلها التحريف. ويتجلى التحريف السياسي للمواقف السياسية التي أسس لها الشهيد عمر بنجلون في:
ا ـ القبول بالدستور الممنوح، باعتباره قانونا للدولة، والتخلي عن المطالة بدستور ديمقراطي يضمن سيادة الشعب على نفسه، حتى يصير منطلقا لبناء دولة الحق، والقانون. ومعلوم أن الدستور الممنوح لا يخدم إلا مصالح المؤسسة المخزنية، ومصالح الطبقة الحاكمة، وسائر المستفيدين من الاستغلال المادي، والمعنوي، ويشرعن كافة أشكال تزوير الإرادة الشعبية في مختلف المحطات الانتخابية، لإفراز مؤسسات تكون رهن إشارة أجهزة السلطة المخزنية، باعتبارها وصية على تلك المؤسسات، وفي اطار ما صار يعرف بديمقراطية الواجهة، التي ليست إلا ديمقراطية التحالف البورجوازي / الإقطاعي المتخلف. هذه الديمقراطية التي تشرعن الفساد السياسي، كنتيجة لسيادة الفساد الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والمدني، والسياسي، الذي ينخر كيان المجتمع المغربي. ومعلوم أن سكوت قيادة الحركة الإتحادية، بعد استشهاد الشهيد عمر بنجلون، عن المطالبة بدستور ديمقراطي، وعن طريق المجلس التأسيسي، يعتبر تحريفا للمواقف السياسية، التي أسس لها الشهيد عمر بنجلون، وخيانة لطموحات الشعب المغربي في إقرار الدستور الديمقراطي.
ب ـ القبول بالمشاركة في الانتخابات دون قيد، أو شرط. هذا القبول الذي يترتب عنه قبول مسبق بالنتاائج التي ترسمها الطبقة الحاكمة، عن طريق أجهزة وزراة الداخلية التي تخطط للانتخابات في جميع مراحلها، من بداية التسجيل في اللوائح الانتخابية، وانتهاء بإعلان النتائج. وإذا كان هناك شيء تبرع فيه وزارة الداخلية المغربية، ومنذ استقلال المغرب سنة 1956، هو تزوير إرادة الشعب المغربي. وقيادة الحركة الاتحادية عندما تقبل بالمشاركة في الانتخابات، بعد استشهاد الشهيد عمر بنجلون، ودون شروط مسبقة، وعندما تقبل بالنتائج التي تعلن عنها وزارة الداخلية، وتعتبرها شرعية، فلأنها ترى في الوصول إلى المؤسسات المزورة، وفي ظل الفساد الإداري، والسياسي، وسيلة سريعة لتحقيق التطلعات الطبقية، عن طريق توظيف الموارد الجماعية، لخدمة مصالح الأعضاء الجماعيين، تماما كما يفعل المنتمون إلى الأحزاب الرجعية، وفي مقدمتها الأحزاب الإدارية. وما دام الأمر كذالك، فإن المشاركة في الانتخابات، ليس الهدف منها هو فضح ممارسة التزوير، وتعرية الجهات التي تمارس ذلك التزوير، وبيان أن التزوير هو نتيجة لوجود الدستور الممنوح، الذي لم يجن منه الشعب المغربي إلا تزوير إرادته، لإنتاج مؤسسات تقف وراء التسريع بتحقيق التطلعات الطبقية لأعضائها. ولو كان الشهيد عمر بنجلون، كقائد عمالي للحركة الاتحاديةحيا، لكانت المشاركة في الإنتخابات وسيلة لمحاربة كافة أشكال التزوير، التي تسهدف إرادة الشعب المغربي. ولكنه التحريف الذي يستهدف المسار السياسي للشهيد عمر بنجلون.
ج ـ القبول بالقوانين الانتخابية التي تضعها الطبقة الحاكمة، والتي تشرعن التزوير في مختلف المراحل الانتخابية. وهو ما ينتج عنه وجود لوائح انتخابة غير دقيقة، تشتمل على مجموعة من الخروقات التي تقف وراء تزوير الإرادة الشعبية. وقد كان المفروض أن يصير وضع قوانين انتخابية تضمن حرية الانتخابات، ونزاهتها، وتمكن من وضع حد للفساد الإداري، والفساد السياسي، ولشراء الضمائر بطريقة مكشوفة، وعلى مرآى من الغادي، والبادي، ومن أجل التأثير في مسار الانتخابات، وصولا إلى نتائج محددة، لا تخدم في نهاية المطاف إلا مصالح المؤسسة المخزنية، ومصالح الطبقة الحاكمة، التي تفسح المجال أمام إمكانية قيام الشرائع العليا من البورجوازية الصغرى، بتحقيق تطلعاتها الطبقية، مقابل السكوت عن الفساد الذي يستشري في الإدارة المغربية، وفي الأجهزة المخزنية، التي تتحمل مسئولية تطبيق القوانين الانتخابية المجحفة.
د ـ القبول بأشكال التزوير التي تمارس أثناء الانتخابات، من بدايتها، إلى نهايتها، انطلاقا من التسجيل في اللوائح الانتخابية، ومرورا بإجراء مختلف العمليات انتخابية، وانتهاء بإجراء الانتخابات، وإعلان النتائج؛ لأن ما يهم قيادة الحركة الاتحادية، بعد اغتيال الشهيد عمر بنجلون، ليس هو إجراء انتخابات حرة، ونزيهة، بل هو الحرص على استغلال مناسبة الانتخابات، من اجل الوصول، وبكل الوسائل الممكنة، وغير الممكنة، الشرعية، وغير الشرعية، إلى المؤسسات المزورة، ما دامت توفر الإمكانيات اللازمة لتحقيق التسلق الطبقي، في اتجاه التصنيف إلى جانب التحالف البورجوازي الإقطاعي المتخلف. وهذا القبول باشكال التزوير الممارسة في مختلف المحطات الانتخابية، التي كانت تجرى، بعد اغتيال الشهيد عمر بنجلون، هو الذي وقف وراء قيام صراع ديمقراطي، تحول فيما بعد الى صراع تناحري داخل الحركة الاتحادية، بين الخط النضالي الديمقراطي، وبين الخط الانتخابي، خاصة، وأن القرارات الرسمية الصادرة عن الأجهزة التقريرية، حينداك، كانت تقتضي مغادرة المؤسسات المزورة، واعتبار المشاركة في الانتخابات مشروطة بالتخلي عن كل أشكال التزوير، التي تقوم أجهزة الداخلية بممارستها من بداية التسجيل في اللوائح، إلى إعلان النتائج، حتى تكون المشاركة في الانتخابات منتجة لحرية الانتخابات، ونزاهتها، وصولا إلى تكريس احترام إرادة الشعب المغربي، وانتهاء بوجود مؤسسات منتخبة، تحترم فيها تلك الإرادة، تعبيرا عن الوفاء لدماء شهداء حركة التحرر الوطني، وشهداء الشعب المغربي، الذين لم يقدموا دمائهم الزكية من أجل أن تسعى الشرائع العليا من البورجوازية الصغرى، من تحقيق تطلعاتها الطبقية، بقدر ما قدموا تلك الدماء من أجل احترام إرادة الشعب المغربي، من بداية التسجيل في اللواح الانتخابية، إلى إعلان النتائج.
ه ـ القبول بنتائج التزوير، مهما كانت مجحفة، في مقابل التحايل على مناضلي الحركة الاتحادية الذين يرفضون كل ذالك، ارضاء للمؤسسة المخزنية، وللطبقة الحاكمة، التي تسعى إلى اكتساب الشرعية الديمقراطية على المستوى الدولي. وهو ما يعني في عمق ممارسة قيادة الحركة الاتحادية، بعد اغتيال الشهيد عمر بنجلون، أن القبول بنتائج التزوير، جاء في إطار خطة مرسومة، لا تعرفها إلا المؤسسة المخزنية، والطبقة الحاكمة من جهة، وقيادة الحركة الاتحادية من جهة أخرى، حتى لا يفسح المجال أمام إمكانية تصعيد نضال الحركة التحرر الوطني، والحركة الاتحادية الأصيلة، في أفق فرض احترام إرادة الشعب المغربي قولا، وفعلا، ومن خلال القوانين التي يتم وضعها من أجل إجراء العمليات الانتخابية في مراحلها المختلفة. ومما يدل على ذهبنا إليه، هو التحول الذي عرفه الخط الانتخابي، في اتجاه صيرورته في خدمة المؤسسة المخزنية، وفي خدمة الطبقة الحاكمة، خلال الثمانينيات، والتسعينيات من القرن العشرين، مما أدى بهذا الخط إلى الوصول إلى الحكومة، من أجل تدبير الشان العام للدولة المخزنية، وللطبقة الحاكمة، ومن أجل الإيغال في تضليل الشعب المغربي، وطليعته الطبقة العاملة. هذا التضليل، الذي لعب دورا مزدوجا، تمثل في الوقوف وراء التراجع الخطير الذي عرفته الحركة اليسارية بصفة عامة، والحركة الاتحادية بصفة خاصة، وفي الوقوف وراء قوة التيارات الظلامية المتطرفة، التي أخذت تظهر، وكأنها البديل المنتظر، والمنقذ للشعب المغربي، مع أنها لا تتجاوز أن تكون مجرد ساعية إلى فرض استبداد بديل.
ذلك أن قيادة الحركة الاتحادية، بعد اغتيال الشهيد عمر بنجلون، تتحمل مسئولية كبيرة، وأساسية، فيما آل إليه وضع هذه الحركة التي افرزت العديد من الأحزاب السياسية، التي صارت تساهم، ومن موقع ضعفها، إما في النضال من أجل المحافظة على نهج شهداء حركة التحرر الوطني، ونهج الشهيد عمر بنجلون، وإما في دعم نهج المؤسسة المخزنية، والطبقة الحاكمة. ومسئوليتها تلك، ناتجة عن أشكال التحريف التي مارستها لمحاصرة فكر، ونهج الشهيد عمر بنجلون، حتى لا يستمر في التغلغل في صفوف الجماهير الشعبية، وطليعتها الطبقة العاملة.
وهذا التحريف الذي اتخذ طابعا تنظيميا، وإيديولوجيا، وسياسيا، لا يمكن اعتباره إلا خيانة ل:
1) نهج حركة التحرر الوطني، التي قدمت المزيد من الشهداء، والكثير من التضحيات، من أجل انعتاق الشعب المغربي من الاستعباد، والاستبداد، والاستغلال.
2) نهج الحركة الاتحادية نفسها، التي قدمت المهدي، وعمر، على طريق التضحيات العظيمة، من أجل تحقيق الحرية،، والديمقراطية، والاشتراكية.
3) لنهج الشهيد عمر بنجلون، الذي وهب حياته لبناء الحركة الاتحادية على أساس الاقتناع بالاشتراكية العلمية، في أفق تحولها إلى حزب ثوري، يسعى إلى تحقيق التغيير اللازم لقيام الدولة الاشتراكية، التي تشرف على تحويل الملكية الفردية، إلى ملكية جماعية، تضمن جعل إنتاج الخيرات في خدمة مجموع أفراد الشعب المغربي.
4) الشعب المغربي الذي أجهضت أحلامه، ليصل أفراده إلى الإصابة باليأس من المستقبل، والاستسلام للانسياق إما وراء الرموز المخزنية المتمثلة في الأحزاب الرجعية، التي صنعتها أجهزة وزارة الداخلية، وإما وراء التوجهات الظلامية التي تدخل المجتمع المغربي في دهاليز الظلام، والرجعية، والتخلف، من أجل تأبيد الاستبداد القائم، أو من أجل فرض استبداد بديل.
وهذه الخيانة، وبهذا التنوع، ومن هذا المستوى، ونظرا للنتائج التي أدت إليها، لا يكن أن تصنف إلا في خانة الخيانة العظمى، في حق تاريخ الشعب المغربي، الذي عرف ترديا لا حدود له.
ونظرا لكون الشهيد عر بنجلون ارتبط اسمه بالطبقة العاملة، التي سعى إلى جعل تنظيمها النقابي مبدئيا، كما سعى، في نفس الوقت، إلى بناء حزبها الثوري، انطلاقا من إعادة بناء الحركة الاتحادية، كمشروع لذلك الحزب الثوري، مما ترتب عنه اغتياله على يد التحالف المخزني / الرجعي / الظلامي المتخلف، فإن قيادة الحركة الاتحادية، وبعد اغتيال الشهيد عمر بنجلون مباشرة، لا يروقها أن يعرف بشهيد الطبقة العاملة، فسارعت إلى اعتباره:
شهيد الصحافة، التي ليست إلا وسيلة للارتباط بالجماهير الشعبية الكادحة، وطليعتها الطبقة العاملة المغربية. والتحريف يبلغ مداه، عندما تصير الوسيلة غاية. فالشهيد عمر بنجلون، كانت غايته تنظيم الطبقة العاملة، وقيادتها بعد امتلاك وعيها الطبقي: الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والمدني، والسياسي. واذا كان الشهيد عمر بنجلون قد اشتغل في صحافة الحركة الاتحادية، كمدير مسئول عن إصدار جريدة المحرر، فلأنه كان يرى في ذلك وسيلة للارتباط بالطبقة العاملة: تأطيرا، وتوجيها، وقيادة، وفعلا، في اتجاه بناء الحركة العمالية الثورية، كحركة اتحادية، وتقوية هذه الحركة، وربطها بالجماهير الشعبية الكادحة، والعمل على فرض سيادتها على أرض الواقع، حتى تكون أكثر تأثيرا في صفوف الجماهير المعنية بالنضال من اجل تحقيق الحرية، والديمقراطية، والاشتراكية.
وقيادة الحركة الإتحادية عندما عملت على تحريف استشهاد الشهيد عمر بنجلون عن مساره الصحيح، ليصير شهيد الصحافة، بدل أن يعرف بشهيد الطبقة العاملة، فلأن هذه القيادة كانت تعادي الطبقة العاملة، ولا ترى فيها إلا مجالا لممارسة كافة أشكال التضليل، حتى تستفيد من أصواتها في مختلف المحطات الانتخابية، ومن أجل خدمة المؤسسة المخزنية، ومنها الطبقة الحاكمة في تلك الخدمة، وسعيا الى جعل الوصول الى المؤسسات المنتخبة مجرد وسيلة لتحقيق التطلعات الطبقية للشرائح العليا للبورجوازية الصغرى، وليس خدمة مصالح الشعب المغربي، كما تدعى ذلك قيادة الحركة الاتحادية بعد استشهاد الشهيد عمر بنجلون.
2) اعتباره قائدا اتحاديا، وليس قائدا عماليا، والفرق واضح بين القيادتين. فكون الشهيد عمر بنجلون قائدا عماليا، يعني أن الحركة الاتحادية، بقيادتها، مستمرة على نهجه، في أفق صيرورتها حركة عمالية، تسعى إلى تغيير الواقع تغييرا جذريا، عن طريق تحقيق الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية. أما كون الشهيد عمر بنجلون قائدا اتحاديا، فيعني أن الحركة الاتحادية، بقيادتها، تسير في اتجاه التنكر لما أنجزه الشهيد عمر بنجلون، من أجل تحويل الحركة الاتحادية، إلى حركة عمالية. وهذا التنكر يتمثل في السعي إلى:
ا ـ التخلي عن إيديولوجية الاشتراكية العلمية، من منطلق عدم مناسبتها لخصوصية الحركة الاتحادية، ولخصوصية المجتمع المغربي في نفس الوقت، ومن أجل اعتماد إيديولوجية البورجوازية الصغرى: التوفيقية، والتلفيقية، التي تبقى مشرعة أمام إمكانية فتح جسورالتواصل مع المؤسسة المخزنية، ومع الطبقة الحاكمة، ومع الأجهزة الإدارية المخزنية.
ب ـ بناء تنظيم الحركة الاتحادية على أساس السعي إلى الانخراط في مختلف المحطات الانتخابية، التي تمكن من الوصول إلى المؤسسات المنتخبة / المزورة، التي تساهم في التسريع بتحقيق التطلعات الطبقية، وليس على أساس تحويل الحركة الاتحادية إلى حركة عمالية، كما كان يسعى إلى ذالك الشهيد عمر بنجلون، حتى لا تصير الحركة الاتحادية مصدر إزعاج للمؤسسة المخزنية، وللطبقة الحاكمة، وحتى لا تحول دون الوصول إلى المؤسسات المنتخبة / المزورة، التي تمكن قيادة الحركة الاتحادية، ومعها الشرائح العليا من البورجوازية الصغرى، والمتوسطة، من تحقيق تطلعاتها الطبقية، ومن أجل إرضاء المؤسسة المخزنية، والطبقة الحاكمة، التي قدمت كل الدعم إلى قيادة الحركة الاتحادية، التي أقامت حصارا ضد المتمسكين بنهج الشهيد عمر بنجلون في محطة 8 ماي 1983، حيث هبت أجهزة القمع الموجهة من قبل القيادة الاتحادية، لاعتقال مناضلي الحركة الاتحادية الأصيلة، الذين بلغ عددهم 34 مناضلا اتحاديا أصيلا، كانوا يخوضون صراعا إيديولوجيا، وتنظيميا، وسياسيا، في إطار ما كان يعرف، في ذلك الوقت، عند هؤلاء المناضلين، بالخط النضالي الديمقراطي، الذي كان يخوض صراعا في أبعاده المذكورة ضد القيادة الاتحادية، التي كانت تمثل الخط الانتخابي.
ج ـ التخلي عن المواقف السياسية التي بلورها الشهيد عمر بنجلون، والاستعاضة عنها بمواقف سياسية تتودد للمؤسسة المخزنية، وللطبقةالحاكمة، ولأجهزة الدولة الإدارية، كما هو الشأن بالنسبة للمطالبة بانتخاب مجلس تأسيسي، يوكل إليه وضع دستور يضمن سيادة الشعب على نفسه، وإعادة النظر في كل القوانين، والمراسيم، والقرارات المعتمدة في تنظيم الانتخابات، وانضاج الشروط الموضوعية المناسبة لإجراء انتخابات حرة، ونزيهة. وغاية هذا التخلي تكمن في رغبة قيادة الحركة الاتحادية، بعد اغتيال الشهيد عمر بنجلون، في مد جسور التواصل مع المؤسسة المخزنية، ومع الطبقة الحاكمة، من خلال مد الجسور مع أجهزة الدولة الإدارية، والقمعية، حتى يصير ذلك التواصل وسيلة للسماح بالوصول إلى المؤسسات المنتخبة / المزورة، حتى وإن كان ذلك في سياق التزوير الذي مورس في انتخابات 1976 و1977، والذي مهد الطريق أمام اتباع، ومؤيدي قيادة الحركة الإتحادية، حينذاك، من الوصول إلى المؤسسات الجماعية، وإلى البرلمان. وهذا الوصول إلى المؤسسات المذكورة، هو المقابل الذي تلقته قيادة الحركة الاتحادية، بعد اغتيال الشهيد عمر بنجلون. وهذا المقابل، هو الذي مكن شرائح مهمة من البورجوازية الصغرى من تحقيق تطلعاتها الطبقية من أجل التصنيف إلى جانب البورجوازية الكبرى، وإلى جانب التحالف البورجوازي الإقطاعي المتخلف، على حساب إقبار طموحات الشعب المغربي، في تحقيق الحرية، والديمقراطية، والاشتراكية.
فاعتبار الشهيد عمر بنجلون قائدا اتحاديا، وليس قائدا عماليا، أو مشروع عمالي على الأقل، حسب فهم قيادة الحركة الاتحادية، يعتبرتحريفا لأحد أوجه شخصية الشهيد عمر بنجلون من أجل:
ا ـ الفصل بين شخصية الشهيد عمر بنجلون الحقيقية، كمؤسس للحركة العمالية، وكساع إلى صيرورتها في الواقع المغربي على مستوى التنظيم، وعلى مستوى الإيديولوجية، على المستوى السياسي، وبين هذه الشخصية، كما تتصورها قيادة الحركة الاتحادية بعد اغتيال الشهيد عمر بنجلون.
ب ـ العمل على جعل الحركة العمالية تتناقض تناقضا مطلقا مع الحركة الاتحادية، حتى يصير ذلك التناقض وسيلة لجعل الحركة الاتحادية تتلخص من كل المفاهيم التي تقود إلى تحويل الحركة الاتحادية إلى حركة عمالية، بما في ذلك التخلي عن اعتماد الاشتراكية العلمية، كوسيلة، وكهدف، كما قال الشهيد عمر بنجلون في تقديمه للتقرير الإيديولوجي في المؤتمر الاستثنائي المنعقد في يناير1975، بدعوى عدم مناسبة الاشتراكية العلمية لخصوصية الحركة الاتحادية من جهة، وللمجتمع المغربي من جهة ثانية، فكأن الحركة الاتحادية، والمجتمع المغربي، كانا قابلين بذلك، قبل اغتيال الشهيد عمر بنجلون، وصارا رافضين لذلك بعد اغتياله.
والواقع، أن قيادة الحركة الاتحادية، هي التي ترى أن الاشتراكية العلمية، كوسيلة، وكهدف، تتنناقض مع مصالحها، باعتبارها قيادة لشرائح البورجوازية الصغرى، الساعية إلى تحقيق التطلعات الطبقية، على حساب إقبار طموحات الشعب المغربي الكادح، الساعي إلى تحقيق الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية بمفهومها الاشتراكي.
ولعل العمل على جعل الحركة العمالية تتناقض مع الحركة الاتحادية، يجعل إقدام التحالف المخزني الرجعي الظلامي المتخلف على اغتيال الشهيد عمر بنجلون مشروعا، لتخليص المجتمع المغربي من الحركة العمالية، حتى يصير مشروعا أمام عبث الظلاميين، على اختلاف توجهاتهم، بمستقبل الشعب المغربي، سواء كانوا يسعون إلى تابيد الاستبداد القائم، أو يعملون على فرض استبداد بديل.
ج ـ زراعة الوهم بأن ما تصير عليه الحركة الاتحادية، وما تسعى إلى تحقيقه، بعد اغتيال الشهيد عمر بنجلون، لا يتناقض مع كان يسعى إليه الشهيد عمر بنجلون، مع أن ما جرى في مسيرة الحركة الاتحادية، يؤكد أن ما تدعيه قيادة الحركة الاتحادية، بعد اغتيال الشهيد عمر بنجلون، ليس إلا وهما يجب تنفيده، وفضحه، وتبخيسه، كما حصل في محطة 8 ماي 1983، التي عرفت قيام مناضلي الحركة الاتحادية الأصيلة، بالحسم مع قيادة الحركة الاتحادية، التي اقدمت على تحريف شخصية الشهيد عمر بنجلون، واستعادة الأمل في بناء الحركة الاتحادية الأصيلة، باعتبارها مشروعا للحركة العمالية، كما كان يسعى إلى بنائها الشهيد عمر بنجلون، والتي صارت تحمل اسم حزب الطليعة الديمقراطي الإشتراكي، كحزب للطبقة العاملة المغربية، وكمجسد للحركة العمالية، كما تصورها الشهيد عمر بنجلون.
د ـ السعي إلى ارتباط قيادة الحركة الاتحادية التحريفية، بعد اغتيال الشهيد عمر بنجلون، بالمؤسسة المخزنية، وبالطبقة الحاكمة، من منطلق أن ارتباطا من هذا النوع، سيساعد على التسريع بتحقيق التطلعات الطبقية للشرائح العليا من البورجوازية الصغرى. والمتوسطة وهو ما حصل في أواخر السبعينيات، وخلال الثمانينيات، والتسعينيات من القرن العشرين، حيث صارت هذه الشرائح جزءا لا يتجزأ من الطبقة الحاكمة إيديولوجيا، وتنظيميا، وسياسيا، وإلى الآن. الأمرالذي يترتب عنه تحول هذه الشرائح المستأسدة على الشعب المغربي، إلى لعب دورين أساسيين:
الدور الأول: يتمثل في الاستمرار في تضليل الكادحين، حتى يصيروا عاجزين عن الوعي بعمق تردي الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والمدني، والسياسي.
والدور الثاني: يتمثل في إنضاج شروط تحقيق استغلال الشعب المغربي لصالح المؤسسة المخزية، ولصالح الطبقة الحاكمة، ولصالح الشرائح العليا من البورجوازية الصغرى.
وهذان الدوران تجسدا، على التوالي، من خلال الثمانينيات، والتسعينيات من القرن العشرين، سعيا إلى تحقيق هدف صيرورة الشرائح العليا من البورجوازية الصغرى، جزءا لا يتجزأ من الطبقة الحاكمة، عن طريق تحقيق عملية الاندماج الكلي.
ومعلوم ان اعتبار الشهيد عمر بنجلون قائدا للحركة الاتحادية، التي خرجت، وانحرفت عن نهجه، وصارت أداة، ووسيلة لمحاربة هذا النهج، وإغراق مناضلي الحركة الاتحادية الأصيلة في السجون المغربية، حتى لا يتمكنوا من مقاومة الانحراف، بأبعاده الإيديولوجية، والتنظيمية، والسياسية، ومن أجل تحقيق عملية اندماج الشرائح العليا من البورجوازية الصغرى، في صفوف التحالف البورجوازي / الإقطاعي المتخلف، والحاكم، حتى تصير تلك الشرائح اكثر خدمة للطبقة الحاكمة، وللمؤسسة المخزنية عى حد سواء، يصير اكبر عملية تحريفية تستهدف شخصية الشهيد عمر بنجلون.
3) اعتبار انطلاقه في تحليله العلمي من قوانين الاشتراكية لخصوصية المجتمع المغربي، من أجل الوصول إلى اكتشاف القوانين التي تتحكم في هذا الواقع، في أفق امتلاك نظرية تكون منطلفا لصياغة برنامج العمل، في أفق التغيير الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والمدني، والسياسي، يتناقض مع خصوصية المجتمع المغربي، التي ترفض قوانين التحليل العلمي القائمة على اساس الاقتناع بالاشتراكية العلمية، كوسيلة، وكهدف، من أجل اعتماد القوانين المناسبة لتكريس تحليل الشرائح البورجوازية للواقع المغربي، وصولا إلى صياغة تصور يعتمد لصياغة برنامج يصلح للمحافظة على مصالح التحالف البورجوازي / الإقطاعي المتخلف، ولتحقيق تطلعات البورجوازية الصغرى، ولتعميق استغلال الكادحين، وطليعتهم الطبقة العاملة، حتى لا يمتلكوا وعيهم الطبقي، وحتى لايفكروا، في يوم ما، في مقاومة همجية الإستغلال، ومن أجل أن يصيروا مرضى بتحقيق التطلعات الطبقية، كممارسة بورجوزاية صغرى، مما يجعلهم يقبلون بالاستغلال الممارس عليهم في أفق ذلك، وسعيا إلى اقبار نهج الشهيد عمر بنجلون، وبصفة نهائية، حتى لا يعتمد في بناء الحركة الاتحادية الأصيلة القائمة على أساس ذلك النهج، المتجسد في الاقتناع بالاشتراكية العلمية، كوسيلة، وكهدف، وفي أفق تحقيق الحرية، والديمقراطية، والاشتراكية.
والغاية من اعتبار انطلاق الشهيد عمر بنجلون، في تحليله العلمي، من قوانين الاشتراكية العلمية لخصوصية المجتمع المغربي، يتناقض مع هذه الخصوصية، كما تفهمها قيادة الحركة الاتحادية بعد مقتل الشهيد عمر بنجلون، على ايدي التحالف المخزني / الرجعي / الظلامي المتخلف.
وفهم هذه القيادة المذكورة يتمثل في:
ا ـ أن المجتمع المغربي هو مجتمع لا يرقى إلى مستوى المجتمعات التي عرفت إبداع الفكر الاشتراكي العلمي، بقوانينه: المادية الجدلية، والمادية التاريخية، كما أنه لا يرقى إلى مستوى المجتمعات التي تم فيها تفعيل تلك القوانين العلمية، مما أدى الى تحقق الاشتراكية، كما هو الشان بالنسبة للمجتمع السوفياتي سابقا، والمجتمع الصيني، والمجتمع الكوبي، والمجتمع الفيتنامي… الخ.
ولذلك لا داعي إلى تفعيل تلك القوانين، حسب قيادة الحركة الاتحادية، بعد استشهاد الشهيد عمر بنجلون، وفي إطار الحركة الاتحادية، للتعامل مع المجتمع المغربي، الذي لازال في حاجة إلى أشياء اخرى، لم يفصح عنها التحليل، والتركيب، خدمة لتوجه قيادة الحركة الاتحادية، بعد استشهاد الشهيد عمر بنجلن.
وللإيغال في التضليل، وزراعة الوهم، كانت هذه القيادة تعتبر ان مهمة الحركة الاتحادية، هي تحقيق الديمقراطية، دون تحديد:
ما نوع هذه الديمقراطية؟
ولصالح من يجب تحقيق الديمقراطية؟
وللتمادى في التضليل، تطرح هذه القيادة كذلك ضرورة تحديث الجتمع المغربي، دون تحديد:
ما نوع هذا التحديث؟
ولصالح من؟
والواقع أن مفهوم هذه القيادة، ومن يجري في فلكها، للديمقراطية، وللتحديث، يقتضي إنضاج الشروط الموضوعية المساعدة على إقدام الشرائح العليا من البورجوازية الصغرى، والمتوسطة، على تحقيق تطلعاتها الطبقية ،حتى تصطف إلى جانب البورجوازية الكبرى، وغلى جانب التحالف البورجوازي / الإقطاعي المتخلف الحاكم، وحتى تصير في خدمة المؤسسة المخزنية بامتياز.
ب ـ أن الأمية لازالت متفشية في المجتمع المغربي، مما ييجعل معظم أفراد المجتمع لا يرقون إلى مستوى فهم واستيعاب التحليل القائم على أساس توظيف قوانين الاشتراكية العلمية، في التعامل مع الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والمدني، والسياسي، ولا يستطيعون غدراك القوانين الخاصة بالواقع المتنوع، خاصة، وأن سيادة الأمية تجعل معظم المغاربة يعتمدون طرق الإنتاج المتخلفة، مما يجعل المستوى الاقتصادي لمعظم أفراد الجتمع ينحدر غلى ما دون مستوى عتبة الفقر. الأمر الذي يقتضي اعتماد المنهج الغيبي في التعامل مع الواقع، باعتباره منهجا معتمدا، ومفهوما، ومقبولا من قبل معظم أفراد المجتمع، بالإضافة إلى المنهج البورجوازي الصغير، أو المنهج البورجوازي الليبرالي، أو منهج التحالف البورجوازي / الإقطاعي المتخلف. وكلها ناهج مدعومة من قبل الطبقة الحاكمة، ومن قبل المؤسسة المخزنية. وهي، في نفس الوقت، مناهج تعمل على إنضاج الشروط المناسبة لتحقيق التطلعات الطبقية للشرائح العليا للبورجوازية الصغرى، والمتوسطة، التي تقودها قيادة الحركة الاتحادية، بعد اغتيال الشهيد عمر بنجلون.
وقيادة الحركة الاتحادية، عندما تعتبر أن ارتفاع نسبة الأمية في حينه، تتناقض مع توظيف قوانين الاشتراكية العلمية، كما اقتنع بها الشهيد عمر بنجلون، فلأن هذه القيادة لا ترغب، مطلقا، في أن تمتلك الجماهير الشعبية الكادحة وعيها الطبقي الحقيقي؛ لأن ذلك الوعي، إن تحقق، سيجعل الصلة بين قيادة الحركة الاتحادية بعد اغتيال الشهيد عمر بنجلون، وبين الطبقة الحاكمة غير قائمة، مما يحول دون إنضاج الشروط المساعدة على تحقيق التطلعات الطبقية للشرائح العليا من البورجوازية الصغرى، والمتوسطة، التي تنتمي اليها قيادة الحركة الاتحادية بعد غتيال الشهيد عمر بنجلون.
ج ـ أن الواقع الاقتصادي للمجتمع المغربي، لازال متخلفا، ولا يتحمل الأخذ بمبدأ التوزيع العادل للثروة، الذي يتناقض مع الرغبة الحاصلة لدى قيادة الحركة الاتحادية، بعد غتيال الشهيد عمر بنجلون، في إحداث تراكم رأسمالي، يجسد تحقيق التطلعات الطبقية للشرائح العليا من البورجوازية الصغرى، والمتوسطة. ذلك التراكم الرأسمالي، الذي يمكن من إقامة مشاريع صناعية، أو زراعية، أو تجارية، تجعل الشرئح العليا من البورجوازية الصغرى تتصنف إلى جانب التحالف البورجوازي / الإقطاعي المتخلف.
ونظرا لكون توظيف قوانين الإشتراكية العلمية في تحليل الواقع الاقتصادي، يقود إلى ضرورة إقامة نظام اقتصادي يضمن التوزيع العادل للثروة، فإن قيادة الحركة الاتحادية، بعد غغتيال الشهيد عمر بنجلون، ترى ان توظيف تلك القوانين في تحليل الواقع الاقتصادي في المغرب، يتناقض مع خصوصية المجتمع المغربي، الذي لازال يغلب عليه الطابع الزراعي، الذي يتسم بسيادة الفكر المتخلف، والغيبي، ذي البعد الخرافي، الذي يحول دون قيام تحديث هادف، في اتجاه رسملة المجتمع وبالشكل الذي يجعل الاقتصاد المغربي اقتصادا رأسماليا.
ولذلك فإن خصوصية هذا الإقتصا،د حينذاك، لا تتحمل تفعيل قوانين الاشتراكية العلمية، التي قد تقود إلى العمل على التوزيع العادل للثروة، الأمر الذي سوف يحول دون قيام رأسمالية محلية، تعمل على تحديث المجتمع، وتطويره، وتطوره، وفق منطق التطور الرأسمالي. وهو ما يعني، في نظر قيادة الحركة الاتحادية، بعد اغتيال الشهيد عمر بنجلون، استمرار تخلف المجتمع المغربي، الذي لا يعني، في نظرنا، إلا استمرار الحيلولة دون قيام البورجوازية الصغرى بتحقيق تطلعاتها الطبقية، ومنها قيادة الحركة الاتحادية، بعد اغتيال الشهيد عمر بنجلون، وكل من يسبح في فلكها.
د ـ أن البنيات التحتية: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، التي تؤهل المجتمع المغربي لتحمل التوزيع العادل للثروة، غير قائمة، واذا وجدت هناك بنيات تحتية، فإنها تبقى مجرد بنيات لا ترقى أبدا إلى الوقوف وراء جعل المجتمع المغربي متطورا، بقدر ما تعمل على جعل هذا المجتمع يستمر بالتشبت بتخلفه. الأمر الذي لا ينتج إلا قيام خصوصية لا تتناسب مع العمل على تفعيل قوانين الاشتراكية العلمية في التعامل مع الواقع، كما أنها لا تتناسب مع بناء حركة عمالية رائدة، كما تصورها الشهيد عمر بنجلون، التي تسعى إلى تحقيق الحرية، والديمقراطية، والاشتراكية، كما اقر ذلك المؤتمر الاستثنائي للحركة الاتحادية في يناير 1975. الأمر الذي أرعب قيادة الحركة الاتحادية، مما جعلها تعمل، بعد اغتيال الشهيد عمر بنجلون، على جعل التخلي عن اعتيار الاشتراكية العلمية تتناقض مع واقع المجتمع المغربي، ومع واقع الحركة الاتحادية، في نفس الوقت. والواقع، أنها لا تتناقض إلا مع مصالح البورجوازية، ومع رغبة البورجوازية الصغرى في تحقيق تطلعاتها الطبقية: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.
ولذلك نجد أن اعتبار تفعيل القوانين الاشتراكية العلمية، وبناء الحركة الاتحادية الأصيلة، المفضي إلى بناء حركة عمالية رائدة، يتناقض تناقضا مطلقا مع خصوصية المجتمع المغربي، باعتباره مجتمعا متخلفا عن المجتمعات الرأسمالية المتطورة، وباعتبار الأمية لا زالت متفشية فيه، وباعتبار الاقتصاد المغربي لا زال متخلفا، وباعتبار البنيات التحتية غير مؤهلة لتحمل تحقيق الحرية، والديمقراطية، والإشتراكية. وهو ما يعني ضرورة جعل الحركة الاتحادية، بعد اغتيال الشهيد عمر بنجلون، حركة تسعى، وعلى جميع الستويات، وفي مختلف المجالات: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، إلى تحقيق التطلعات الطبقية للشرائح العليا من البورجوازية الصغرى، والمتوسطة، لتجعل بذلك تحريفها لنهج الشهيد عمر بنجلون مشروعا.
الشهيد عمر بنجلون الرمز:
وانطلاقا مما رأينا، يتبين لنا أن التخلي عن نهج الشهيد عمر بنجلون، الذي قدم روحه، من أجل انعتاق الشعب المغربي، يقتضي تحريف شخصيته، عن طريق نفي كونه شهيدا للطبقة العاملة، واعتباره شهيدا للصحافة الاتحادية، التي لا تلتزم حتى بنهجه الإعلامي، ونفي كونه قائدا عماليا، واعتباره قائدا للحركة الاتحادية، كما تراها قيادة الحركة الاتحادية بعد اغتيال الشهيد عمر بنجلون، واعتبارتوظيفه لقوانين الاشتراكية العلمية، يتناقض تناقضا مطلقا مع خصوصية المجتمع المغربي، حتى ينعدم تأثيره في صفوف المنتمين إلى الحركة الاتحادية، وفي صفوف مجموع أفراد الشعب المغربي، وحتى يتبين أن الشهيد عمر بنجلون، لا يختلف في فكره، وفي ممارسته، عن أعضاء قيادة الحركة الاتحادية بعد اغتياله.
وهذا التحريف المكشوف، في حينه، هو الذي أفرز من يعمل على مقاومته، مما جعل الحركة الاتحادية مجالا للصراع الديمقراطي بين خطين أساسين:
ا ـ الخط النضال الديمقراطي.
ب ـ والخط الانتخابي.
وهذا الصراع الذي تطور، فيما بعد، إلى صراع تناحري، قاد إلى اعتقال 34 مناضلا اتحاديا أصيلا، وعماليا، والذين أخدوا على عاتقهم، العمل على ترسيخ نهج الشهيد عمر بنجلون، كقائد عمالي، والاستمرار في العمل على بناء الحركة الاتحادية الأصيلة، باعتبارها حركة عمالية، تأخذ بمبادئ الاشتراكية العلمية، وتبني إيديولوجيتها على هذا الأساس، ويعمل على مناضلوها على توظيف قوانين الاشتراكية العلمية في التعامل مع الواقع الاقتصادي، وااجتماعي، والثقافي، والسياسي، حتى يصير ذلك التوظيف وسيلة تساعد على امتلاك نظرية عن هذا الواقع، تعتمد من أجل اعتماد التحليل الملموس، للواقع الملموس، التي يتم اكتشاف قوانين الواقع، والعمل على تفعيل تلك القوانين، في أفق حصول تغيير يؤدي إلى تحقيق الحرية، والديمقراطية، والاشتراكية، كما تصورها الشهيد عمر بنجلون قبل اغتياله، وكما يتصورها مناضلوا الحركة الاتحادية الأصيلة، متطورة، تبعا للتطور الذي يحصل في مختلف المجالات.
وبعد وقوفنا على مظاهر تحريف شخصية الشهيد عمر بنجلون، التي اعتمدتها قيادة الحركة الاتحادية، بعد اقدام التحالف المخزني / الرجعي / الظلامي، على اغتيال الشهيد عمر بنجلون، وبعد عملنا على تفنيد ادعاءات تلك القيادة، من أجل فرض تلك القيادة، من أجل فرض تحريف شخصية الشهيد عمر بنجلون، وكأنه تجسيد لواقع قائم، رغبة في تضليل الأجيال القادمة إلى الحركة الاتحادية، بالإضافة إلى تضليل كادحي الشعب المغربي، الذين كان الشهيد عمر بنجلون يجسد طموحاتهم في تحقيق الحرية، والديمقراطية، والاشتراكية، ننتقل إلى مناقشة رمزية الشهيد عمر بنجلون، الذي تحول إلى رمز. والرمز لا يمكن أن يموت، لأنه يبقى ملازما للفكر، والمارسة، في مسلكية الأفراد، والجماعات، في المجتمع المعني بذلك.
ورمزية الشهيد عمر بنجلون التي انفرزت من خلال النضالات المريرة، والتضحيات الجسيمة، التي قدمها الشعب المغربي خلال مرحلة الاستعمار، وفي مرحلة الاستقلال السياسي، إذا تم تفنيد التحريف الذي استهدف جوهر شخصيته النضالية المتميزة، خاصة، وأنها شخصة مبدعة في مجال الإيديولوجية، وفي مجال التنظيم، وفي المواقف السياسية النوعية.
وإذا كان هناك من أمل في رمزية الشهيد عمر بنجلون، فإن هذا الأمل يكمن في اعتماد نهجه في السعي إلى تغيير الواقع تغييرا جذريا، عن طريق النضال من أجل تحقيق الحرية، والدمقراطية، الإشتراكية.
ورمزية الشهيد عمر بنجلون متنوعة تنوع اهتمامات الشهيد عمر بنجلون. وهذا التنوع في الاهتمامات، أنتج تنوعا في عطاء هذه الشخصية، الأمر الذي جعل من الشهيد عمر بنجلون:
1) رمزا للنضال، والتضحية، كسمة تمبز التاريخ النضالي للشعب المغربي. ذلك أن كل من اقتنع بالنضال من أجل تحقيق أهداف، وطموحات الشعب المغربي، لا يعول إلا على نفسه، ولا يجعل من النضال وسيلة لتحقيق التطلعات الطبقية، ولا يسعى أبدا إلى اعتبار اختيار النضال وسيلة استثمارية، كما يحصل الآن في العديد من المواجهات الحزبية، والجماهيرية، التي تحولت إلى وسيلة للتسريع بانتقال الانتهازية من طبقة اجتماعية دنيا، إلى طبقة اجتماعية عليا.
فالتضحية بالمال، وبالجسد، هما الوسيلة المثلى لجعل الفكر، والممارسة النضاليتين، ينفذان إلى عمق الجماهير الشعبية الكادحة، ويصيران جزءا من بنيات تلك الجماهير، التي تنخرط في النضال من الباب الواسع، وتصير مستعدة للتضحية بالأموال، وبالأجساد، من أجل تحقيق طموحات الشعب المغربي في الحرية، والديمقراطية، والاشتراكية.
ونفاذ مفهوم التضحية إلى عمق ممارسة الشعب المغربي خلال الستينيات، والسبعينيات من القرن العشرين، عن طريق تفعيل الحركة الاتحادية الأصيلة، وتطورها، وتطويرها على يد الشهيد عمر بنجلون قبل اغتياله، هو الذي جعل الطبقة الحاكمة تضع من بين أهدافها:
ا ـ محاصرة المد التقدمي الهادف إلى جعل الحركة الاتحادية حركة عمالية، تقود نضالات الشعب المغربي، من أجل تحقيق الحرية، والديمقراطية، والاشتراكية، عن طريق اعتماد أساليب جهنمية، بما فيها دعم الحركة الأصولية التي تم تمكينها من المساج،د التي تحولت إلى مقار للعمل من على نشر الفكر الأصولي في صفوف أبناء الشعب المغربي، الذين يرتادون المساجد، التي تحولت، بسبب ذلك، إلى منابر لأدلجة الدين الإسلامي، ولتنوع هذه الأدلجة، وتكريس تحريف الدين الإسلامي، من أجل انتاج أنماط من التوجهات المؤدلجة للدين، التي يوحدها العداء المطلق للفكر الاشتراكي العلمي، وخدمة الاستبداد المخزني القائم، والسعي إلى مصادرة حقوق الإنسان الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، بما فيها حق الشعوب في تقرير مصيرها بما في ذلك الشعب المغربي، لذي يجب أن يقبل بالاستبداد كقدر لا مفر منه، سواء كان قائما، أو بديلا محتملا على يد التوجهات الأصولية / الظلامية.
وهذا الدور الذي أوكل إلى الحركة الأصولية / الظلامية، التي اكتسحت الميدان في ذلك الوقت، وبدعم من المؤسسة المخزنية، ومن التحالف البورجوازي / الإقطاعي المتخلف، هو الذي وقف وراء إقامة جبهة مخزنية / رجعية / ظلامية، للتخلص من الشهيد عمر بنجلون كرمز، وكمصدر للمد التقدمي في صفوف الجماهير الشعبية. وهذه الجبهة اعتبرت أن التخلص من الشهيد عمر بنجلون، عن طريق الاغتيال، هو المدخل الرئيسي لمحاصرة الفكر التقدمي. وهو المدخل الواسع لإشاعة الفكر الرجعي / الأصولي / الظلامي، في صفوف أفراد الشعب المغربي، ولأجل تحقيق ذلك الاغتيال المشئوم على يد الجبهة المخزنية / الرجعية / الظلامية، وفي واضحة النهار، وأمام أنظار أبناء الشعب المغربي. وتم التخلص من جسد الشهيد عمر بنجلون، اعتقادا من ممارسي الاغتيال، أنهم، بذلك، يستطيعون اغتيال فكر الشهيد عمر بنجلون، الذي تضاعف الاهتمام به، بعد اغتياله مباشرة، لولا تآمر قيادة الحركة الاتحادية على هذا الفكر. ذلك التآمر،
حياة الوطني المجاهد والزعيم بنسعيد آيت إيدر كلها وطنية ونضال وترافع .. * مصطفى المتوكل الساحلي
ولد وترعرع الوطني المجاهد والمقاوم والقائد السياسي سي محمد بن سعيد أيت إيدر في يوليو 1925…