التغيير السياسي بالمغرب والحاجة إلى جبهة وطنية لدعم الحداثة والديمقراطية لماذا خيار النضال الديمقراطي من الداخل؟
الحسين بوخرطة…عن موقع جريدة الاتحاد الاشتراكي نود في البداية أن نوضح للقارئ والمتتبع الدوافع التي كانت وراء اختيار عنوان هذا المقال. أولا إنه اختيار ليس منعزلا عن سلسلة مقالاتنا السابقة. لقد تطرقنا بما يكفي إلى محور مزايا خيار النضال الديمقراطي من الداخل في السياق السياسي المغربي، الذي نعتبره ذا طابع «خاص» مقارنة مع أوضاع دول المشرق العربي ودول الخليج، كما تطرقنا كذلك، وبنفس الأهمية، إلى محور التغيير السياسي بالمغرب ومقوماته. كما نود أن نشير كذلك، إلى أننا حاولنا بحرص شديد أن نتشبث بالموضوعية لضمان المسافة الحيادية اللازمة لتبرير الارتباط بين المحورين. الفكرة الموجهة لكتاباتنا هو التركيز على تبرير كون العبور إلى «ضفة» الخلاص أو الأمان السياسي لا يمكن أن يتحقق إلا في حالة الوصول إلى تقوية الحرص المجتمعي على دعم الديمقراطية والحداثة وصيانتهما، وبالتالي تمكين البلاد من المرور إلى اعتماد المشروعية الشعبية في الحكم بدلا من التركيز أكثر على المشروعية التاريخية والدينية. هذا الهم، الذي شغل بال قيادات الأحزاب الوطنية الديمقراطية مباشرة بعد الاستقلال، أصبح اليوم، نتيجة التطورات الدولية، مطلبا ملزما يفرض نفسه بإلحاحية. فالتطور السياسي المحبذ دوليا بعد سقوط جدار برلين أصبح مرتبطا بضرورة المرور إلى الديمقراطية بأحزاب سياسية إيديولوجية قوية، حيث لا يمكن أن تكون عملية الاختيار السياسي ذات دلالة سياسية إلا إذا كان أساسها فكريا مجسدا في البرامج السياسية للأحزاب المشاركة، وقدرة هذه الأخيرة على التميز فكريا وإيديولوجيا، وبإمكانياتها الإبداعية والابتكارية، وبقدرتها على الاستجابة لانتظارات المواطنين. إنه رهان تأسيس التناوب السياسي على السلطة على أساس «التقاطب» السياسي الإيديولوجي الواضح.
وعليه، أعتقد أن الوصول إلى تحقيق هذا الرهان يبقى إلى حد بعيد مرتبطا بالقدرة المجتمعية للتصدي للغموض والخلط الذي يكتنف العلاقة ما بين الدولة والدين بصفة خاصة، وما بين السياسة والدين بصفة عامة. وهذا التصدي يجب أن يتوج بقناعة مترسخة تجعل من الدين الإسلامي أحد الممتلكات الأساسية للمغاربة، وتمتيعه بمرتبة سامية فوق الجميع، والحرص على تحصينه من سوء الاستعمال والاستغلال «السياسوي»، والدفاع عليه سلميا بالاجتهاد والحوار. إن الحسم مع هذه الإشكالية المعقدة سيشكل بلا شك بوابة ستمكن القوى السياسية والمجتمعية الديمقراطية من التركيز على تجديد الثقافة المغربية، وتحديثها، وتأصيلها، وتوطيد العلاقة الجدلية بين تراثها والحداثة. وهذا الرهان هو الذي دفعنا إلى إدراج عبارة «حاجة بلادنا إلى جبهة وطنية لدعم الديمقراطية والحداثة» في عنوان هذا المقال. إنه تعبير بمثابة دعوة لتجميع الجهود لتحرير الدين ونصوصه التراثية من قبضة مختلف الجهات التي تطمح إلى احتكاره وفرض نفسها وصية عليه. كما نعتبر أن النجاح في هذا المهام، الذي نعتبره مصيريا، سيمكن المغرب، بشعبه ومؤسساته في الدولة والمجتمع، من الوفاء لمسار تطوره السياسي، هذا التطور الذي سنخصص له حيزا كبيرا في هذا المقال للوقوف على أهم محطاته، وقوف سيكون بمثابة جواب عن سؤال : لماذا خيار النضال الديمقراطي من الداخل؟. إن الدافع الأساسي الذي جعلنا نختار هذا الموضوع هو أولا حبنا لهذا الوطن الذي نريده أن يتطور سياسيا بالسرعة المطلوبة التي ستفتح لأبنائه المجال للمساهمة في تنميته والدفاع على استقراره، وثانيا، اعتقادنا أن مجتمعنا قد خطى خطوات مهمة في اتجاه تجاوز ما نسميه «أزمة العقل المغربي»، اقتباسا لما سماه الجابري «أزمة العقل العربي». فإذا كان طابع المحافظة في السياسة مغربيا قد تجسد فقط في عدد المقاعد البرلمانية التي حققها حزب العدالة والتنمية في الاستحقاقات الأخيرة، فإن استحضار عدد مجموع الناخبين في المملكة (المصوتون والعازفون بشكل إرادي أو غير إرادي)، وتوزيع الأصوات الصحيحة المعبر عنها ما بين الأحزاب المشاركة، يؤكد أن نسبة الأصوات ذات التعبير المحافظ ليست مقلقة، الشيء الذي يبرر حاجة بلادنا إلى جبهة قوية لدعم الديمقراطية والحداثة من أجل إرجاع الثقة وتقويتها ما بين النخبة السياسية وعامة الشعب، وبالتالي الرفع من سرعة «قطار» التغيير السياسي في اتجاه الملكية البرلمانية. 1. التداخل التاريخي للدين بالدولة والوعي بضرورة التحديث عربيا ومغربيا إن تداخل الدين بالدولة بالمغرب ليس وليد اليوم، بل يعود إلى قرون مضت. وأول من استمد شرعية الدولة من الدين هو إدريس الأول. ومنذ ذلك الوقت، تراكمت الأحداث إلى أن أصبحنا نتحدث اليوم عن الشرعية الدينية والتاريخية للنظام السياسي المغربي, حيث اقترنت بالنسب الشريف الذي تجسد في إدريس الأول عم الحسين وأخ محمد النفس الزكية. ونظرا لهذا النسب بأبعاده الدينية، تمكن هذا السلطان، بعد مبايعته من طرف قبيلة أوربة الأمازيغية، من تكوين جيش من قبائل زناتة وأوربة وصنهاجة وهوارة، وتمكن من النجاح في ضم القبائل المغربية حوله، واستطاع أن يبني دولة، امتدت حدودها إلى بلاد تلمسان. فبالرغم من توالي الأسر الحاكمة من سلالات غير عربية، أي بربرية كالمرابطين والموحدين والمرينيين، استمر الاعتماد على نفس المشروعية في الحكم، واستمر الاعتماد على التأويل السطحي للنص الديني بالشكل الذي يحمس الجماهير ويدعم المنطق السياسي السائد. كما أكد التاريخ أن هذه المشروعية كانت دائما وراء تكريس قيم الحكم المطلق، وكانت دائما مرتبطة بالعنصر القبلي، والعنصر الفارسي الساساني المجسد في دولة الاستبداد الشرقي، المتمركزة حول الزعيم ذي البعد الإمبراطوري، والمؤسسة على الأحادية وتحريم «التعددية». أكثر من ذلك، كان رواد التقليد يقومون بتوهيم المواطنين أن التعددية السياسية بدعة وخرق للنظام السائد وتأسيس للخلافات والفوضى (تم ترسيخ هذا الوهم لقرون بالرغم من كون «الحق في الاختلاف» حق راسخ في القرآن الكريم). ونجح هذا المنطق في الاستمرار بحلات متجددة حسب المكان والزمان، ونجح في أن يتحول إلى تعاقد سياسي رمزي، وإلى مجال للسامي والقدسي، الذي يمنح للسلطة السياسية طابعا مقدسا. وقد تأسس هذا المنطق التقليدي، الذي يستثمر في الدين لشرعنة السلطة السياسية على حساب الشرعية الشعبية، في الماضي القديم، حيث ورث بواعث التعبير عن نفسه من التاريخ الأموي والعباسي، وهو التاريخ الذي شهد تحول «الخلافة» إلى ملك، وعرف ارتقاء ما يسمى ب»الطاعة» إلى فضيلة الفضائل. أكثر من ذلك، جاء في كتابات العروي والمرحوم الجابري، أن المنطق الأموي والعباسي استمد بدوره بواعث التعبير من المستبد الأسيوي (العروي) أو من أبيه أردشير الملك الساساني (الجابري). لقد تم تجميع مقومات ربط السلطة السياسية بالقداسة واعتبارها شأن ديني سماوي، وتم اعتبار الشعب مجرد راعية، والحاكم هو الأب الراعي صاحب السلطة المطلقة الذي لا يمكن مطالبته بتبرير ما يقوم به أو تعرضه للمساءلة أو الرفض من طرف الخاضعين له. إنه نظام سلطاني تقليدي فرمل بكل الوسائل الممكنة «قطار» التحديث السياسي والثقافي، وتمخضت عنه آثارا كارثية ساهمت في اختلال التفاعل ما بين ما هو سياسي واقتصادي وثقافي واجتماعي، الشيء الذي أحدث انطواء نفسيا للأفراد والجماعات من الفئات المهمشة الواسعة على الذات، وحولهم إلى رهينة بين يدي ماض انقضى عمليا. أما بخصوص الحديث عن التحديث عربيا ومغربيا فقد ارتبط بالسياق الأوروبي الذي عرف تطورا شاملا على مستوى الدولة والمجتمع. وقد انطلق هذا التحديث من مرحلة النهضة التي أحدثت تحولا عميقا بالتركيز على الإصلاح الديني وقيام الحركة الإنسية. وقد توجت هذه النهضة بإنجاز إنساني كبير حرف تداولا واسعا بين الشعوب والأمم، واتخذ مسارين الأول تقني متناغم مع ما هو فكري وفلسفي، والثاني معرفي عم مجالات العلوم الطبيعية والإنسانية والفيزيائية والكيماوية والتكنولوجية،…إلخ. وبالفعل تمكن هذا المسار من قلب التوازنات القائمة في مجال السلطة والسياسة سواء داخل الدول والمجتمعات أو على المستوى الكوني. |
||
1/24/2013 |
بيـــان المكتب الوطني للنقابة الوطنية للتعليم (ف.د.ش): يرفض الزيادة الهزيلة في الأجور التي اقترحتها الحكومة على المركزيات النقابية، ويشجب بأقصى عبارات الاستنكار الإجهاز الممنهج على مجانية التعليم العمومي من خلال القانون الإطار
تدارس المكتب الوطني للنقابة الوطنية للتعليم العضو في الفيدرالية الديمقراطية للشغل في اجت…