الهرمنوطيقا والقدرة على الإصغاء حوار مع غادامير

حاوره فاركاس -زلتان هاجدوس*

الأربعاء 21 آب (أغسطس) 2013
عن موقع الاوان
  


سؤال: بروفيسور غادامير، تقصد بمصطلح هرمنوطيقا القدرة على الإصغاء إلى شخص آخر، مع الاعتقاد في أنّه قد يكون على حقّ. ولكن ماذا يحدث لموقفنا على ضوء مثل ذلك التصوّر؟ ألا يجعلنا هذا النوع من التواضع في وضع هشّ؟


جواب: لا أستطيع أن أرى في ذلك أيّ تواضع. فليس من التواضع أصلا الاعتقاد في أنّ شخصا ما قد يكون على حقّ. إنّه الشكّ اللازم لكلّ من لا يريد أن ينخدع. على المرء أن يؤمن بإمكان إقناع الآخرين. وعندما تقول «يكون على حقّ» فإنّ تلك طبعا صياغة مبالغ فيها، ولكنّها بما هي كذلك فهي مفرطة في الجدّيّة. أعني بذلك أنّ الإنسان يميل دائما إلى الجهل بأحكامه المسبقة ولا يدركها أبدا. تلك هي الجملة الأولى. هل لديك تحفّظات على ذلك؟

-كلاّ. 

إذن فإنّ كلّ شيء قد قيل من خلال ذلك. يساعدني الآخر ربما حتّى على تغيير أحكامي المسبقة الخاصّة. لا أرى في هذا أيّ تواضع. فالإنسان لا يمكنه الاقتصار على التمسّك بالمبادئ طبعا. يبدو لي الأمر هنا كما لو كان عليّ التخلّي عن شيء ما. ولكن تصوّر من فضلك فقط أنّ روح الحياة اللغويّة تكمن في التساؤل، والتساؤل يعني: انتظار ردّ (1)، شيء يأتي في المقابل.

كتبت في رسالة إلى هايدغر سنة 1971 : «.. . أعرف جيّدا بدوري أنّ ميلي إلى الاعتدال تحديدا واللاّقرار الذي يكاد يرقى إلى مستوى المبدأ الهرمانوطيقي، يجعلني شفّافا ومقبولا.. «ماذا يعني اللاّقرار في هذا السياق؟

يعني أنّ المرء لديه أسئلة. ومن لا ينتظر أجوبة مختلفة على سؤال فهو لم يسأل حقّا. إنّ امتلاك الأسئلة وفهم الأجوبة يبقى محدّدا في هذا السياق.


نحاول عند المحادثة الانفتاح على مخاطبنا، وهذا يعني الإمساك بالشأن المشترك الذي يجمعنا. أرغب في الاقتراب أكثر من هذا «الشأن المشترك». هل يتعلّق الأمر بسمة أنثروبولوجيّة يمكن أن نجدها في كلّ واحد منّا؟ 

كلاّ، ولكن يحاول المرء طبعا عند المحادثة أن يتكلّم بحيث يفهم الواحد الآخر. وهذا ما تفعله أنت الآن أيضا.

  بلى، فأنت تتحدّث عن «الشأن المشترك للعالم الذي يجعل التضامن الأخلاقي والاجتماعي ممكنا أصلا». هل للعالم شأن مشترك؟

نعم، نحن نملك أيضا شأنا مشتركا. نحن نعيش سويّا بالطبع ولا نلجأ ببساطة إلى قتل بعضنا البعض، بل نحاول أن يقنع الواحد منّا الآخر دائما حيث لا نعرف شيئا ونرغب في إدراك سبب تفكير الآخر بشكل مختلف.


  هل هناك تقنية لطرح السؤال، بفضلها نستطيع صياغة أسئلتنا بحيث تكون متعلّقة بالشأن المشترك، ويجد الآخر صدى لنفسه في أسئلتنا؟

لا، إنّها ليست تقنية، بل هي الرّغبة في الحصول على إجابة حقيقيّة على أسئلتنا. الآن مثلا، أستمع إليك باهتمام لأنّني لا أعرف إلى أين سيقودنا الحديث. ولكنّني أحاول مع ذلك أن أجيب بحيث تستطيع أنت أيضا أن تشعر بقضيّتي. ولكنّنا مازلنا في البداية، فلنتقدّم إلى الأمام.

ما هي الشروط التي ينبغي علينا أن نحملها معنا حتى نجري مثل تلك المحادثة؟ هل يتوقّف الأمر على تكويننا ومعارفنا اللغويّة؟

كلاّ، لا يكون الأمر كذلك إلاّ في ما يتعلّق بالمسائل العلميّة الخالصة. المهمّ هو إن كان المرء يوافق الآخر أم لا. وعندما لا يحصل توافق، نبدأ في التساؤل بمرور الزمن إن كنّا ربّما على خطأ. ذلك جزء من جوهر اللاّ معرفة والتساؤل والرغبة في المعرفة. لا أعرف أنا بدوري شيئا عن تلك الشروط، ولكنّ ذلك ممّا يمكن ملاحظته. لقد أتيت إليّ كغريب. لك طبعا شروط معيّنة من بينها أيضا أن أكون على معرفة بما تعنيه ترانسيلفانيا (2) وكذلك من هم المجريّون وما يوجد هناك من قضايا، اليوم في خضمّ هذا العالم الذي يعيش على وقع العولمة. إنّني لست من أتباع اللغة الكونيّة بالتأكيد، بل أنا من المدافعين عن اللغة الأم. ولذلك فأنا طبعا مهتمّ بمحادثة من هذا النوع، مثل التي نجريها الآن. وأنا في شوق إلى ما ستؤول إليه. ولكنّي أردت أن أضيف شيئا وهو إن كان المرء بإمكانه فعلا أن يتحادث مع الغير فتلك مسألة أخرى… هناك أشخاص لا نصل إلى التحادث معهم. يمكن أن يكونوا حتّى من بين المفكّرين الكبار جدّا. كان هايدغر مثلا واحدا من هؤلاء. لا يمكن للمرء أن يجري معه محادثة. فهو يحاول تحديدا مساءلة شخص ما، دون أن يظهر نفسه. ذلك أمر موجود طبعا. أي، إن كانت المحادثة يمكن أن تتمّ أصلا… كان هايدغر مثالا للحوار الأحادي الجانب. لقد كان طبعا أكثر ذكاء من أن لا يعرف أنّ في ذلك نقصا ونزعة أحاديّة. ولكن كانت لديه إلى جانب ذلك قوّة التفكير التي تعمل بداخله، وهو ما لم يسهّل عليّ دائما إجراء حوار معه. ومع ذلك أجرينا في الفترة الأخيرة من حياته محاورات جيّدة، لا سيّما منذ أن نشرت كتابا حول سيلان (3). عندها كان شديد التحمّس، قبل أن يكتب لي قائلا :» هذا هو المجلّد الثاني من «الحقيقة والمنهج»(4).

بروفيسور غادامير، بالنسبة إلى المجريين، كانت الصورة التي يحملها الغرب عنهم دائما شديدة الأهميّة، وهو ما قد يكون نما عندهم بتأثير الإحساس بالنقص لدى الشعوب الأوروبيّة الصغيرة. لقد لعب الانتماء إلى الثقافة الغربيّة دائما دورا هامّا في ثقافتنا. كيف هي صورة المجريّين عندك؟

المجريّون أصحاب مواهب كبيرة جدّا في اللّغات الأجنبيّة. زرت المجر كثيرا، وكنت على اتصال بالأوساط الأكاديميّة المجريّة، حتّى عندما كانت تحت الحكم الشيوعي. أثار ذلك استغرابا كبيرا حينها، ولكنّه حدث لأنّني كنت مهتما قبل كلّ شيء بالفلسفة الإغريقيّة، والأكاديميات لا تزال أيضا مهتمة طبعا بما هو خارج مجالها اللغوي…

هل نحن أسرى لغتنا الأمّ؟ يزعم عالم الأنثروبولوجيا الأمريكي «هال»(5) أنّنا، نحن البشر، مقيّدون كلّنا بشكل وثيق ببعدنا الثقافي. كم هو متصلّب بعدنا الثقافي؟ هل يمكننا أن نخرج منه؟

نعم بواسطة تعلّم لغات أخرى.

هل يقتصر الأمر على تعلّم لغة أجنبيّة؟

لا أعتقد أنّها اللغة وحدها. إنّنا لا يمكننا أن نتعلّم، لو كانت هي اللغة وحدها. نحن نريد أن نبلغ شيئا بواسطة اللغة. نريد تحديدا فهم الآخر والأحكام المسبقة للآخر وأحكامي المسبقة مقارنة بها. ذلك ما لا ينبغي نسيانه أبدا.

هل يمكنك، من فضلك، تقديم تفسير أدقّ، لما تعنيه بالأحكام المسبقة؟

تلك التي لا ندركها أبدا، ما يلاحظه المرء بالتأكيد في غيره. مثلا السيّد غروندان (6)، الذي كتب عن سيرتي الذاتيّة والذي سعى، من خلال جمع كلّ الوقائع التي رويتها له، بالأساس وبوجه ما إلى بلوغ إجابة عن فرضياته مثلا حول علاقة الألمان بالروح العسكريّة أو بالإدارة العموميّة. أراد ذلك لأنّه رأى فيه دائما شيئا فريدا. أي إنّه أراد أن يتعلّم. تعلّم من خلال ذلك – كان ذلك أملي، وهو ما لم يكن دائما ممكنا، ولكنّي أملت أن أجعل الأمر قابلا للإدراك- إنّنا في أمور محدّدة مختلفون عن الفرنسيين. ما الذي أثّر فينا، وما الذي نتج عن ذلك. أي إنّني أخذت بعين الاعتبار مثلا درجة تعليم الطاعة التي لدينا بسبب الماضي العسكري لمؤسسة الدولة، الألمانيّة بالخصوص. ولكن ليست الدولة الألمانيّة وحدها، فالدولة النابوليونيّة لم تكن مختلفة عن ذلك كثيرا.

خلال طفولتك في برسلاو (7) كان الألمان هناك بروسيين أكثر من البروسيين. هل يجب على أقليّة أن تعتني بطابعها القومي وبأحكامها المسبقة – كما تسمّيها أنت، أكثر من الأكثريّة؟

ذلك ما لا أعرفه في حالة بريسلاو، ولكن عندما أستحضر ترانسيلفانيا، يجب أن أقول أنّ الأمر هو كذلك بكلّ تأكيد. إنّهم يدافعون عن تاريخهم الخاصّ، وهو أمر طبيعي.

ولكن ماذا يحدث عندما يفرّق التاريخ بين أهل ترانسلفانيا المجريين والرومانيين في مسألة شديدة الأهميّة؟ يتعلّق الأمر تحديدا بهذه المسألة الملعونة: من الذي وجد هناك أوّلا؟ هل يمكن لمحادثة هرمانوطيقيّة أن تساعدنا في هذا المقام؟

الهرمانوطيقا لا تساعد أصلا بل هي النظريّة التي تقول ما الذي يجب أن يفعله المرء. وما يجب أن يفعله المرء ينبغي أن يفعله كلا الاثنين إذا ما كان على اثنين أن يتفاهما، وهي ليست سوى أفق ينضاف إلى ذلك عندما يصل المرء في درجة الهرمانوطيقيّة إلى حدّ القول إنّ الآخر يمكن أن يكون على حقّ. ونحن لا نكون بذلك على خطأ. بل إنّنا ربما نبدأ الرؤية، من خلال ذلك، بطرق متقاربة والتفاهم مع بعضنا البعض. ولكنّ الهرمانوطيقا ليست فنّا في حين أنّ الفهم فنّ. الهرمانوطيقا هي تفكير الفيلسوف حول الشروط، ولكن لا يحتاج إلى معرفتها كلّ شخص ينشد إجادة الفهم. إنّها مرّة أخرى موهبتنا في التفكير كفلاسفة. إنّها ليست تقنية.

ولكنّ لذلك دون شكّ بعدا أخلاقيّا؟ 

جواب: أعتقد ذلك. إنّ السلطة الأقوى في ردّ الفعل الإنساني هي طبعا تأكيد الذات في المقام الأوّل. وتتمثّل مهمّتنا في كبح جماح تلك النزعة لتأكيد الذات، إذ بغير ذلك يصبح المرء غير قابل للاحتمال.

ولكن هذه مهمّة لا يجب على الفلاسفة وحدهم أخذها مأخذ الجدّ.

بحقّ الربّ لا! الفلسفة ليست بأي حال للفلاسفة وحدهم.

ولكن كيف يمكن للمرء اليوم، في عالم الاتصال أحادي الجانب والإعلاميّة، حيث يقرأ الناس قليلا، أن يتمّ حثّ الناس على أن يقرؤوا الفلسفة أكثر؟

ذلك سؤال شديد الجديّة. إنّ الإعلاميّة هي طبعا نقيض التفكير الحقيقي. يقول المرء أيضا: «جمعت المعلومات» وهو ما يعني: أعرف ذلك الآن ولا أريد الاستماع أبدا إلى شيء آخر. إنّ الإعلاميّة هي من العلامات الواضحة على وجود اتجاه مستقبليّ لتنميط البشر. ولا ينبغي علينا أن ننسى، باعتبارنا نتحدّث لغات شديدة الاختلاف، أنّه يعتبر مكسبا هائلا وحظّا كبيرا أن نفهم بعضنا البعض بشكل أفضل، ثمّ عقد توافقات ومراعاة الآخر. أنا للأسف مثال سيّء جدّا لتنظيم ملموس لحوار متعدّد اللغات، حيث أنتمي إلى سجناء الحرب أي «حرب الثلاثين سنة» التي عزلتنا من سنة 1914 إلى سنة 1950. إنّ أيّ طالب يعرف عن العالم أكثر منّي. لقد بدأت القيام بسفرات حول العالم فقط في السبعين من عمري. أوّلا، لأنّني دعيت مرّات عديدة وثانيا لأنّني أيضا قد أتممت واجباتي المهنيّة، وصرت عندها أستاذا متميّزا. ولكن حين كنت طالبا كنّا معزولين تماما، ولم نكن نستطيع الذهاب إلى أيّ مكان. لم يكن لدينا مال طبعا. أعرف الفرنسيّة جيّدا لأنّني تعلّمتها في الصغر، ولكن لم تتوفر لي أيّة فرصة-أو بالكاد- لاستكمال تعلّمي في فرنسا. لاحقا، سنة 1970 بدا لي شيء من الأمل فقلت ربما يمكنني الآن الذهاب إلى فرنسا. ولكنّ الفرنسيين لم يكونوا راغبين في ذلك. وهكذا ذهبت إلى أمريكا. ثمّ زرت بلدانا أخرى. ولكنّ فرنسا مازالت تنتمي وحدها-للأسف- إلى البلدان التي أعرف لغاتها بما لا يضاهى بالشكل الأفضل.. .

في أمريكا قدّمت دروسا لجامعات كنسيّة بالخصوص..

نعم، كان ذلك فقط لأنّ الجامعات الكاثوليكيّة هي الوحيدة التي كانت مهتمة أصلا باللغة اليونانيّة. اللغة اليونانيّة لا يحتاجها أحد. ثمّ إنّ ممثّلي الفلسفة التحليليّة، الذين يسيطرون اليوم على التدريس الجامعي، يقولون في كلّ الأحوال: كلّ ذلك لا يستند إلى المنطق.. .

يذهب غروندان إلى أنّ كون هايدغر كاثوليكيا وكونك بروتستانتيا، قد أثّر في تصوراتكما. هل يمكن لديانات مختلفة أن تؤثّر بطرق مختلفة؟

في الحقيقة، لا يؤثّر ذلك في الشخص بحيث لا يستطيع التعلّم بمعزل عن تلك المؤثّرات. أي إنّ الأمر ليس فعلا بتلك الحدّة. لقد بيّن ذلك هايدغر طيلة حياته. فهو تربّى تربيّة كاثوليكيّة ثمّ مرّ باللاهوت البروتستانتي لماربورغ (8) قبل أن يجعل من هولدرلين (9) كتابه المقدّس الجديد. كان طوال حياته بصدد البحث. وذلك شأننا جميعا في الأصل. إذ ما هي الأديان غير محاولات إجابة عن ذلك البحث؟ أتصوّر أنّ مهمّة المستقبل ستكون السعي إلى توسيع دائرة المعرفة، ليس باتجاه نشرها لدى الآخرين بل بمعنى البحث عمّا يجمع. إنّ ادعاء عقلانيا ومضادّا للدين كالماركسيّة مثلا، هو الأبعد بالنسبة إليّ والأكثر غربة. كلّ ما عدا ذلك يستحقّ في نظري، للوهلة الأولى، أعلى درجات التقدير. وحتّى في ما يخصّ الماركسيّة يلازمني تساؤل دائم عن كيفيّة ظهورها، أي تحديدا لماذا أخذ ماركس تفكيره عن هيغل؟ مثّلت تلك بالنسبة إلي أسئلة هامّة، دائما وباستمرار. لقد كنت على علاقة غير مباشرة بالماركسيّة، عندما كنت رئيسا للجامعة بلايبزيغ، بعد رحيل النازيين.

هل كانت تقنيات تسلّط الماركسيين مختلفة عن تلك التي للنازيين؟

لقد كان أولا لإحدى الإديولوجيتين فلسفة تلقنّها. سأقول إنّ النازيّة لم تصل إلى الطبقة المثقفة. أي ليس هناك شخص أخذ نظريّة الأعراق مأخذ الجدّ حقّا. أعني، بقدر ما كان الأمر مرعبا بالنسبة إلى الضحايا، بقدر ما لم يكن هناك حديث عنه. هذا التصرّف الغريب، وهو طبعا أيضا من تبعات ذلك السلوك الأعمى نوعا ما حقا الذي كان للفرنسيين زمن معاهدة فرساي. لم يكن ليترتّب عن ذلك إلاّ الشرّ. لقد كان فعلا من الجنون، فصل كونغسبرغ (10) عن برلين. ذلك هو السبب في اندلاع الحرب العالميّة الثانيّة. كان ذلك تقديرا خاطئا لهتلر أو لمستشاريه.. . نعم اعتقدوا بشكل قاطع أنّ كلّ شخص يجب أن يفكّر مثلهم في أنّه لا يمكن للمرء تقسيم البلدان ببساطة على طاولة حسب الطريقة الأمريكيّة. وبالطبع فإنّ تقطيع المجر أيضا كان جنونا تامّا. ولكن شرقنا الألماني دون شكّ أيضا. وكون بولونيا، بالمناسبة، كانت تحظى بالأولويّة، فإنّ ذلك ما أعرفه كشليزي (11).

أدخلت الهرمانوطيقا الغاداماريّة، حسب هابرماس، التحضّر على المقاطعة الهايدغيريّة. ما يهمنّي هو التحضّر بالمعنى الأوسع، وتحديدا لأنّني قادم من منطقة بأوروبا، كان فيها للقرى، خلال وقت طويل، دور رئيسي في تحديد المشهد الجغرافي والاجتماعي. والمجموعات القرويّة تتكوّن جزئيا حتّى اليوم أيضا من شكل أصبح في الغرب منذ زمن طويل جزء من التاريخ. ففي ترانسلفانيا لم يتمّ استكمال السيرورة الحضريّة للقرى إلى حدّ الآن، ولا زالت الكثير من القرى تحافظ على أخلاق القرون الوسطى وتقاليدها. وقد اشتغلت في الكثير من أعمالك بالطابع الطقوسي للحياة، وأنت تقول: “إنّ إطار الطقوس في حياتنا هو أهمّ بشكل بعيد ممّا يمكن موضعته علميا ولكن أيضا لغويا”.

 للمدن أيضا طقوسها. هي مختلفة طبعا. معنى بناء المدينة في العالم الإغريقي ثمّ في العالم الروماني، ولكن أيضا طبعا في الهند واسيا الصغرى… ولكنّ ما لا يزال إن شئنا فاعلا في هويّتنا الخاصّة هو طبعا الإغريقي واللاتيني وتحديدا اللغة التي تشكّلت في المدن. وذلك ينطبق بداهة- أنت ترى ذلك من خلال فرنسا بشكل من الأشكال- على الطريقة التي يتحدّث بها النّاس في باريس. فلو كنت الآن هناك في باريس، لتمّت ملاحظتي بسبب لغتي الفرنسيّة الجيّدة، لأنّني لست قادما من الجزائر مثلا. ما تقوله صحيح بالبداهة، غير أنّني لا أعرف أيضا هناك إلى ماذا تشير؟

الأمر متعلّق بمفهوم الغريب. ففي تلك المجموعات القرويّة يتكوّن العالم من المحلّيين، من «نحن» ومن الأجانب، الذين يظهرون من حين لآخر. في القرن الثامن عشر عندما صارت الثقافة المدينيّة أكثر قوّة، اختفت مع ذلك ومن باب المفارقة تلك الغربة، لأنّ الجميع وجدوا أنفسهم في المدن فجأة غرباء الواحد تجاه الآخر.

تلك الغربة موصوفة بشكل صحيح تماما، أستطيع فقط أن أقول، أنا شليزي، وأنا هنا أجنبي. لو تحدّث أهل القرية هنا عنّي، ويمكنني سماعهم، فأنا متأكد أنهم سيقولون: نعم، نعم، إنّهم الأجانب. ذلك يعني أنّهم ينشؤون– مثلما صوّرت ذلك بشكل صحيح تماما- تقاليدهم القرويّة بأشدّ درجات البداهة وبصورة مختلفة عن غيرهم. هناك إذن فعلا ثقافة المدينة وهناك ثقافة القرية. وتلعب الكنائس دورا كبيرا جدّا في إحداث التوازن بينهما. لا شكّ في ذلك أصلا.

تسمح الثقافة الحضريّة إذن بالحوار بين أناس مختلفين ومختلفي الأصل؟

بالتأكيد. ذلك هو الجانب الإيجابي من المسألة. ولكن يوجد طبعا أيضا اندثار كبير جدّا لأخلاق جميلة وذات قيمة. لم يكن ممكنا في شبابي، أن يهاتفني شخص لأنّني قدّمت محاضرة بالأمس، غير وارد أصلا. لم يحدث. كان هناك احترام أكثر في الماضي. كان الواحد يكنّ احتراما مختلفا تماما للأستاذ عما هو سائد اليوم. وبصفة عامّة اندثرت فرص الاحترام هذه. تصوّر مثلا أنّني تجرّأت كطالب على مهاتفة شيخ-حصل على رتبة أستاذ متميّز منذ عقود- وسألته : كيف يجب عليّ فهم كتابك أو ماذا تريد أن تقول في ذلك الكتاب؟

هذا يعني أنّ طقسا هامّا جدّا قد اندثر. 

بالتأكيد. ولدى هايدغر هناك طبعا وعي قويّ جدّا بالجذور مثلما يقال، أي الموطن وأيضا الموطن الديني. فرغم كلّ البحث عن الله لم يخرج عن الكنيسة (12). فقط اعتبر اللاّهوت غير ممكن.

أستاذ غادامير، ما هو الموطن عندك؟

نعم أنا من الرّحل، لا موطن لي. ولدت بماربورغ ونشأت ببرسلاو، ودرست حوالي عشرين سنة بماربورغ، عشت بمونيخ أو بفرايبورغ ثمّ عرفت التيه ببرسلاو، وأقمت بلايبتزيغ، ذلك ما ذكّرني في الكثير من الجوانب ببرسلاو.. . ولكن موطن؟ (13)، نعم، ذلك ما لا نملكه. قد أذكر على الأرجح ماربورغ، ولكنّ ماربورغ تبدو لي اليوم بعيدة. أمّا الآن فأعيش منذ خمسين عاما بهايدلبرغ.

هل الموطن مكان جغرافي أصلا؟

كلاّ. إنّها الطفولة التي ترافق المرء إلى أعتى الكبر. ويجب إلى هذا الحدّ في الحقيقة أن أذكر برسلاو أكثر من ماربورغ، فهناك نشأت. وذكريات شبابي تصبح دائما أكثر حيويّة كلّما تقدّم بي العمر. وهذا أيضا أمر شديد الغرابة.



 هل يصبح الإنسان متأثّرا بطفولته كامل حياته؟



لديه تاريخ حياته الطويل، طبعا لا يحدث تأثّر دائم بسبب ذلك، بل في عالمنا الأكاديمي المتحرّك والمقلق يكون الأمر طبعا بحيث أنّنا كلّنا كثيري الحركة، ومجبرين على أن نكون كذلك. ولكنّني أميل إلى القول إنّه أيضا الأمل، أنت ترى الآن في البلقان، حجم التراجيديا التي تحدث هناك، إنّه مرعب حقّا. إن كانت واشنطن قد اختارت الطريقة الصحيحة؟ لا يمكن إلاّ أن يكون المرء متصلّبا في ذلك. أن يكون فعلا ممكن أن لا يرى المرء بأيّ عمى تمّت محاربة هتلر بواسطة القنابل، ودفع ذلك إلى منتهاه، فإنّ ذلك له كلّ الحظوظ، من أجل التخلّص من هتلر. كان قصف المدن الإمكانيّة الأخيرة. أتعرف أنّه ليس هناك أكثر غباء من محاربة نزعة قوميّة متوحشة وغير مبالية إطلاقا بواسطة القنابل. سيصبح شعبيا ميلوزيفتش هذا. (14)


 رغم هذا الحراك فإنّنا ننتمي أيضا إلى أمّة؟ يقول المجريّون: تغتصب القوميّة الحقوق، بينما تدافع الوطنيّة عنها.



إنّه شديد الصعوبة القول إلى أيّ مدى ينبغي أن نكون قوميين أو وطنيّين. الطقوس جزء من الحياة. ومن المؤكّد أنّها واحدة من نقاط الضعف الكبيرة لهذا الطوفان الأمريكي الحالي الذي يجتاح أوروبا والعالم، هذا الشكل من الإسميّة، التي لا تحترم الطقوس للأسف. ففي ذلك نجد لديهم طقوسا أكثر ممّا يحطمّون منها.


 هل يمكننا التمييز أصلا إلى أيّ مدى ننتمي إلى أمّة، وانطلاقا من أيّ حدّ يمكن أن نعتبر أنفسنا أوروبيين أو مواطنين أمميّين؟



أستطيع أن أفهم تلك المعظلة جيّدا. لقد كنت فعلا من الاضطراب بحيث لا أستطيع أن أقول ما هو الموطن عندي. إنّ ذلك لا يوجد بالمعنى الحقيقي إلاّ في شليزيا، وهي التي اندثرت في كلّ الأحوال. وعندما يتعلّق الأمر ببلد كلاسيكي مثل ترانسيلفانيا، حيث توجد أمم كثيرة إن أمكن القول، فإنّني أستطيع فهم هذا السؤال جيّدا. يمكنني فقط أن أقول مع ذلك إنّ الرقيّ الفكري وانتشار التعليم يعني إمكانيّة تعلّم لغات أخرى، وأيضا بطبيعة الحال إمكانيّة ترجمة أدب الرواية مثلا.. . دون الرواية الروسيّة لا يمكنني أن أتصوّر إلاّ بصعوبة، أنّني أجلس هنا الآن. إنّه أيضا شيء مما يتعيّن على المرء أن يقبله ببساطة. معظلتك التي تصفها هناك، تسمّى تعليما. أن يتخلّى المرء عن ذلك وهو متأثّر به شديد التأثّر.



ذلك يعني أنّنا نبتعد عن تلك الطقوس الوطنيّة بواسطة التعليم؟



هناك قولة مشهورة لهيجل، تقول: “إنّ التعليم يكمن أيضا في إرادة فهم رأي الآخر”. ودقيق جدّا ما نحسّ به عندما نسمع مثلا أناسا بسطاء في مطعم، ونلاحظ بأيّة ثقة ينطبعون-بسبب نقص في التعليم إن شئنا. ذلك هو التعليم. أؤمن بمستقبل، إذا ما سارت الأمور جيّدا، وهو ما ليس مؤكّدا أصلا، فربّما ستكون هناك نهاية سريعة جدّا للحياة على الأرض، عندما يتمّ استعمال الطاقة الذريّة مرّة في الحرب، إنّها النهاية. أو أيضا في شكل تسمّم يستعمل كسلاح. عندها تكون النهاية. يجب أن يكون واضحا لدينا أنّ التغيير الكبير للقرن العشرين يكمن في أنّ البشر أصبحوا يملكون أسلحة لا يفنون بها بعضهم البعض فقط، بل الكرة الأرضيّة بأكملها.



هل يعني ذلك أنّنا من خلال التعليم نستطيع فهم أحكامنا المسبقة وطقوسنا بشكل أفضل؟



بمعنى احترام الآخر: نعم. بالطبع. نحاول كلّنا فهم الآخر في إمكاناته -أيضا عندما تجلس أنت أمامي، أحاول فوق ذلك قليلا أن أكتشف ما وراء ذلك- وألاحظ بالتدريج ما الذي يقودك. ما تريد أن تعرفه منّي، لا أعرفه بالتأكيد، ولكنّي لا أستطيع إلاّ الموافقة في ما يتعلّق بهذه الأشياء، ذلك ما أعتقده بالتدقيق. عندما استشهدت بهابرماس فإنّ ذلك إلى حدّ ما، إن شئنا، صياغة سطحيّة نوعا ما، يتميّز بها أحيانا صديقي هابرماس. أنا طبعا أكنّ له صداقة شديدة. لقد تبيّن لي أنّه طيّب بشكل مذهل وأنّه إنساني. ساعدته خلال مسيرته المهنيّة، وتعلّم منّي، وتعلّمت منه أيضا. ولكنّني أذهب خطوة أبعد منه من حيث أنّي لا أؤمن كثيرا بالعلم وبدوره، فالعلوم الاجتماعيّة هي عندي محلّ شبهة. ولكنّي أعتقد أنّ ما تقوله أنت صحيح، أنّنا نبني كلّنا في حياتنا المشتركة أشكالا للتعايش. وذلك من أوجه عديدة مكسب لكلّ شيء، أي أخلاقيا في كلّ ارتباط زوجي وكلّ عائلة. وهذا أيضا ممّا يجب الاعتراف به لهايدغر الذي شعر بطريقة صحيحة كيف يدمّر هذا العالم الجديد كلّ شيء. الإعلاميّة اليوم- الصندوق الذي يشاهده المرء، عندما يشاهد التلفزيون، عندما يكون الأطفال نائمين- هي أشياء فيها تتحطّم قوّة الطقوس الأصيلة. نعم، وبهذا المعنى فإنّ هابرماس على حقّ عندما يقول عنّي، أنّني أكثر ودّا وأسعى إلى فهم الآخرين أكثر بكثير من هايدغر الذي يتحدّى المرء دائما حتّى في بحثه عن الله وفي قوّة تفكيره. لقد حاولت دائما أن أرى، ما أمكنني ذلك، انطلاقا من إمكاناتي التعليميّة، ترك الطريق إلى المفكّرين الخطّيين مفتوحا. لقد وفّقت في ذلك إلى حدود، فأنا في نهاية المطاف لست ذلك المعلّم الكبير، ولكن يمكنني القول، مع هذا، أنّ هابرماس رأى الأمر بالطريقة الصحيحة عندما يقول إنّني مكّنت الكثيرين من الدخول إلى الفلسفة الهايدغريّة، لأنّني لست ببساطة متأثرا بها، بل أحاول دائما وبالتدريج وبجهد أن أبحث عن الطريق إليها، كما أفعل مع الشعر أو مع الروايّة الروسيّة أو غيرها.



 هل يحمل التعليم معه إلى حدّ ما جرعة من انعدام الأمان؟



جواب: لأنّك تعتقد بذلك أنّ طقوسك تصبح وراءك؟ إن كان ذلك ما ترمي إليه فأنا لا أعتقد ذلك تماما، فكلّ واحد ينشئ طقوسا. هناك طبعا طقوس ينساها الإنسان، تبهت. ولكن كان الأمر سيكون صعبا جدّا دون طقوس. الطقوس التي تركتها وراءك، يمكنك الآن رؤيتها وهي مكتملة، كما قلت أنت. وبالتالي فأنا أجد الأمر غريبا جدّا، عندما ألاقي شيئا قديما جدّا وأنا طبعا مثال جيّد على ذلك، إذ لم أتعلّم حتّى كيفيّة استعمال الآلة الكاتبة. مازلت أكتب كتابي بيدي.


 التعليم هو أيضا متعلّق بالتربية؟



كثيرا بالتأكيد! فقط ما التربية؟ التربية تعني أن يربّى المرء. يخطئ أولئك الذين يتلقّون تدريبا للتربية. التربية هي شيء يصيره المرء. ليس ما يفعله شخص آخر.



 إذن التربية الذاتيّة؟



ليس التربية الذاتيّة، ذلك شيء شديد الادعاء. كلاّ، كلاّ، إنّها الطقوس.. .



طقوس ثقافيّة؟



نعم، طبعا. نحن نحيا مع ذلك. حديثك مهمّ بالنسبة إلي، لأنّني أعتقد بكلّ دقة أنّ ما بداخل تلك النزاعات الصغيرة ينتمي دائما تقريبا إلى الطقوس.



 كيف ينبغي على أقليّة إذن أن تتصرّف؟ هل يجب عليها أن تحافظ على طقوسها بشكل صارم، أم يجب علينا أن ننفتح من أجل البحث عن «الشأن المشترك»؟



سنكون كلّنا مجبرين خلال حياتنا على ذلك. أعتقد أنّه يجب علينا أن نحمي أنفسنا ما أمكننا ذلك ممّا يميّزنا لوحدنا. أي لا أعتبر مكسبا أن لا أستطيع تقديم إجابة على سؤال الموطن. ولكنّ ذلك مثلا في المهن الأكاديميّة من الأشياء الموجودة ببساطة. ورغم ذلك فإنّ الثورة الصناعيّة هي أقوى بكثير، بتبعاتها على العائلة.



 السيّد البروفيسور غادامير، سؤال أخير: هل ينبغي علينا بالنظر إلى الوضع الحالي للعالم ولآفاق المستقبل أن نكون متشائمين؟


 التشاؤم هو دائما تعبير عن انعدام النزاهة. نحن نكذب على أنفسنا. نحاول أن نكذب على أنفسنا عندما نكون متشائمين. لأنّنا في الحقيقة مفعمون بالأمل.



– السيّد البروفيسور غادامير، شكرا جزيلا على هذا الحوار.

 


 



هايدلبرغ، 10 ماي 1999

 


 


الهوامش:

 


*فاركاس زلتان هادجو، من مواليد سنة 1959 بسزكليربورغ بترانسيلفانيا، درس فقه اللغة بجامعة كلاوزنبورغ، حيث حصل على التأهيل الجامعي. إضافة إلى نشر دراسات، يساهم في تحرير مجلة «كورنك»بكلاوزنبورغ. يهتم خاصة بمواضيع في ميدان الإثنولوجيا، كما اشتهر بالترجمة من الألمانيّة والرومانيّة إلى المجريّة. يقيم منذ 1987 بهايدلبرغ.
نشر هذا بمجلة Aufklärung & Kritik ( تنوير ونقد) الألمانيّة العدد الثاني من سنة 2002.

 


هوامش المترجم:

 


1) كلمة (Anwort) تعني في الأصل «كلمة تأتي ردّا على أخرى».
2) ترانسلفانيا أو زيبنبورغن بالألمانيّة هي منطقة في رومانيا تتميّز بوجود أقليّة مجريّة.
3) المقصود «بول سيلان»والكتاب هو :
Hans-Georg Gadamer: Wer bin Ich und wer bist Du? Ein Kommentar zu Paul Celans Gedichtfolge ’Atemkristall’
4) Warheit und Methode (كتاب غادامير).
5) Edward Twitchell Hall, Jr. (1914 – 2009)
6) Jean Grondin (1955-) وهو فيلسوف كندي كتب سيرة ذهنيّة لغادامير.
7) Breslau وهي مدينة بولونيّة منذ الحرب العالميّة الثانيّة بعد أن كانت تابعة لألمانيا.
8) ذلك موضوع أحد أعمال غادامير : «مارتين هايدغر ولاهوت ماربورغ»(Martin Heidegger und die Marburger Theologie)
9) Friedrich Hölderlin (1770-1843) الشاعر الألماني.
10) Königsberg كانت جزء من ألمانيا قبل أن تصبح كاليننغراد تحت سلطة روسيا.
11) شليزيا هي مقاطعة كانت في الماضي مقسمة بين ألمانيا ومملكة النمسا-المجر قبل أن تصبح جزء من بولونيا.
12) تجدر الإشارة إلى أنّ «مغادرة الكنيسة»أو الخروج منها يتطلّب في ألمانيا إعلانا رسميا من جانب من يرغب في ذلك تصادق عليه المصالح الإداريّة المختصّة لكي يتمّ إعفاؤه من الضريبة الكنسيّة ولا يتمتّع بخدمات الكنيسة في كلّ ما يتعلّق بالحالة المدنيّة.
13) كلمة موطن (Heimat) تعني بالأساس مكان الولادة والنشأة الذي يتعلّق به المرء دون غيره.
14) يشير غادامير ضمن استطراد إلى حرب الناتو على صربيا سنة 1999 بسبب قضيّة الكوسوفو.

‫شاهد أيضًا‬

الثقافة العالمية والثقافة المعولمة * عبد السلام بنعبد العالي

على عكس الرؤية الميتافيزيقية التي تفترض فكرًا كونيًّا يتعالى على الأحقاب التاريخية والفروق…