الكاتب الجزائري كريم عكوش : مسألة الهوية هي أم المشاكل في الجزائر
حاوره حميد زناز
السبت 23 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013
بعد مسرحيته “من يأتي ليزهر قبري” والتي نالت نجاحا كبيرا في مدينة مونريال الكندية، يدعونا الكاتب الجزائري الشاب كريم عكوش زيارة “بلد الطفولة الضائعة” لنعيش مع أبطال روايته الفوضى العارمة التي يعيش فيها الشبان الجزائريون اليوم. في هذا الحديث يحدثنا الكاتب عن جزائره وإحباطات الشباب الجزائري.
“لم يعد للعلم قيمة تذكر والبيروقراطية تحولت إلى سلوك يومي والفساد أصبح أخلاقا سياسية…كل شئ يقززني هنا !” هكذا يشتكي زار (ص 90). خمسون سنة بعد الاستقلال ، هل نحن في عبثستان، في بلاد العبث كما يقول صديقه أهواوي أحد أبطال روايتك “بلد الطفولة الضائعة”؟
عبثستان هي تسمية ساخرة تصف جيدا جزائر اليوم حيث الواقع أكثر غرابة من الخيال و حيث تتعايش البيروقراطية و التطرف الديني وحيث التعصب والعبث يمرحان ويسرحان إذ مجرد طلب شهادة ميلاد من مصالح البلدية أصبح كمسار المحارب المحفوف بالمصاعب. حينما تنتهك الحقوق الاساسية و حينما تعتبر هبة أو خدمة من الدولة فهذا يسمى بيروقراطية. علامات الفساد بادية في كل مكان في الجزائر. في ميناء الجزائر العاصمة مثلا يبتز رجال الجمارك المسافرين على مرأى و مسمع الجميع. لو عاد الكاتب كافكا إلى الحياة لكانت الجزائر موضوعه المفضل. و يمكن القول دون تردد أن الجزائر هي حقيقة بلد العبث هي رواية القلعة والمحاكمة لكافكا مضروبتين في ألف.
الشعب الذي لا يقاتل من أجل كرامته هو على شفا حفرة من العبودية “. هل يمكن أن تشرح أكثر هذه الجملة الجميلة التي وضعتها على لسان الفنان الهواوي في روايتك (ص78)؟
الكرامة هي شرف الانسان، وأول كرامة هي الحرية. وإذا لم نناضل من اجلها سنفقدها ونصبح خاضعين أذلاء، بل عبيدا. يوجد الديمقراطيون الجزائريون في حالة شلل جراء فخ الإستقطاب الذي نصبته لهم السلطة وسقطوا فيه منذ ما سمي بالانفتاح الديمقراطي سنة 1989. كسذج اختار كل معسكره، ساند بعضهم الإسلاميين والبعض الآخر وقف إلى جانب العسكر بينما كان الأحرى بهم أن يشكلوا جبهة من أجل النضال ضد الخطر ذي الرأسين، القبعة و القلنسوة السلفية: ذلك الغول الذي خنق و يخنق أنفاس الجزائر. لا يمكن أن نفصل بين التطرف الديني ولصوصية الدولة أي حكم المافيا. فهذا الأخير يستخدم الدين لتخدير الشعب الجزائري وإغراقه في خمول دائم. وواهمون هؤلاء الذين يعتقدون أن التطرف الديني يمكن أن يكون لطيفا ووديعا في يوم من الأيام ويمكن أن يكون قابلا للذوبان في المسيرة الديمقراطية. التطرف الديني ليس بالمرض الهين ولكنه سرطان حقيقي يتربص بالمجتمعات بغية السيطرة على الأفراد وإذلالهم.
في ايت وادحو، غاب الأمل والشبان المعتادون على الغد الهارب لا يعرفون إلى أين يتجهون؟” (ص 15). إلى أين تتجه الجزائر في رأيك؟
غرقت الجزائر في الوهن و بدأت مؤسساتها تتداعى. و بات واضحا أن لا شيء يبدو إيجابيا في الافق. البلد منكوب، الاقتصاد راكد ركودا تاما. وبغض انظر عن بعض المبادرات الشبانية القليلة لا شئ يتحرك. ولا تقتات الجزائر سوى بعائدات البترول والغاز ولا ينتج فيها أدنى ثراء ويتم استيراد كل السلع الضرورية من الخارج كالحليب والقمح وحتى البطاطس.
والهوية؟
قبل كل شيء المشكل الجزائري هو مشكل هوية إذ هناك هوية قاتلة هي الهوية الرسمية وهويات أخرى مقتولة وميزان القوى بينها غير معفول. فالأولى تعتمد على وسائل الدولة المؤسساتية والمالية واللوجيستيكية. أما الهويات الأخرى فقد أنزلت إلى مرتبة الممثل الهامشي. مرتبة الهوية الفلكلورية. هي انتحارية سياسة النعامة تلك التي تنتهجها السلطة في الجزائر منذ الاستقلال نحو الأمازيغ و البربر وعلى الخصوص القبائل. وسيتحول صراع الهويات إلى صراع حضاري إذا لم يجل بطريقة عقلانية . وإذا ما أردنا ان ننقذ وطن “الجزائر” فمن المستعجل إطفاء نار الهوية.
قلت لي أن مسرحيتك الجديدة “كل امرأة نجمة تبكي” جاهزة للعرض ابتداء من أكتوبر القادم في مدينة مونريال الكندية فهل يمكن أن نعرف موضوعها؟
هو نص مسرحي يحتفي بالمرأة و يفضح بأسلوب مرح كل الذين يحاولون هدم الاشياء الجميلة في حضارتنا ويريدون فرض الانغلاق و التقوقع. سيكتشف المتفرج حكايات نساء من شتى بقاع العالم يقاومن تعسف التقاليد الخانقة و التطرف الديني و العنف والبطريركية وختان النساء والمتاجرة بجسد المرأة.
…………
عن صحيفة الاوان ..الخميس 28 نونبر 2013