كمال الهشومي: مشروعنا ومعركتنا هي معركة المجتمع التقدمي الحداثي الذي أصبح مهددا أكثر من أي وقت مضى
كمال الهشومي من الشباب الاتحادي الذين وضع فيهم شيوخ الحزب ثقتهم، وكان واحدا أساسيا ضمن خلية مصغرة كانت وراء نجاح المؤتمر الوطني التاسع لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، إنها رئاسة المؤتمر التي ترأسها قيدوم الحزب، رفيق بنبركة، وبوعبيد، واليازغي، عبد الواحد الراضي، الذي وعد ووفى، حيث سلم مشعل الكتابة الأولى لإدريس لشكر، وبالتالي يفسح المجال لجيل جديد لتدبير شؤون الحزب.
كمال الهشومي، الحاصل على الدكتوراة في القانون الدستوري، وعضو اللجنة الإدارية للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، في حوار مع “إناس بريس” يتوجه إلى رفاقه في الحزب، الاتحاديون والاتحاديات يذكرهم إلى أن مشروع الاتحاد الاشتراكي ومعركته هي معركة المجتمع التقدمي الحداثي، هذا المشروع الذي أصبح مهددا بشكل كبير أكثر من أي وقت مضى، مشيرا إلى أن المطلوب هو ضبط بوصلة عملهم والانتباه إلى خصومهم الحقيقيين والى مهامهم الحقيقية التي أكيد تتجاوز جدران مقر العرعار إلى المجتمع المغربي بمختلف فئاته من شباب ورجال ونساء.
ما تقييمكم لنتائج المؤتمر الوطني التاسع للاتحاد الاشتراكي؟
في الواقع بالرجوع إلى مرحلة التحضير التي دامت أزيد من 6 أشهر، وطبيعة القرارات المستحدثة في المقرر التنظيمي، خاصة ما يتعلق بنظام وطبيعة الاقتراع، وما واكب التحضير من تواصل إعلامي مهم، ونقاش فكري وايديولوجي بين المرشحين، وتعبئة كل الاتحاديات والاتحاديين محليا، واقليميا، وجهويا، ووطنيا، أعتقد أن المؤتمر التاسع مر في جو ديمقراطي، وعبر المؤتمرات والمؤتمرون على أرائهم، ومارسوا حقهم في اختيار القيادة الجديدة للحزب، وما يمكن أن أشير إليه يمكن أن تكون العملية الانتخابية للمؤتمر قد عرفت نوعا من الأخطاء التقنية، لكن ما يطمئن أنها أخطاء نسبية، وجد محدودة ولا يمكن القياس عليها، وتمت معالجتها في حينه، بناءا على تدخل رئاسة المؤتمر بعد تلقي بعض التظلمات.
هل تعكس النتائج الخريطة التنظيمية للحزب؟
أولا يجب أن نقر بأن الخريطة التنظيمية للحزب ليست على ما يرام، وإذا رجعنا إلى أرضيات المرشحين للكتابة الأولى نجدهم يتكلمون على هذا الجانب، ويعتبرونه أولوية الأولويات في حالة فوزهم، لكن ما يمكن أن أؤكده أن المقرر التنظيمي المعتمد لانتخاب أجهزة الحزب يفرض بالضرورة تمثيلية الخريطة التنظيمية للحزب، على المستوى الوطني والجهوي حيث قسم عدد اللجنة الإدارية إلى جزئين متساويين50% تمثيلية وطنية وأخرى جهوية، وهو شيء أعتقد أنه إيجابي ومهم ويفسح المجال للنخب المحلية بالتمثيل في الأجهزة التقريرية للحزب على المستوى الوطني.
هل يعتبر انتخاب لشكر كاتبا أولا تحولا في التركيبة البشرية للحزب أم ظاهرة “شباطية” كما يروج في الإعلام؟
يجب أولا أن نتفق على أمرين مهمين، أولا أرفض رفضا تاما وقاطعا أن أشبه أي مناضل اتحادي مهما كانت درجة مسؤوليته بالحزب محليا أو وطنيا بأي شخص آخر من خارج الحزب، وهي ليس شوفينية ولكن هي قيمة اتحادية أصيلة، الأمر الثاني يجب الاعتراف به، مهما اختلفنا مع المرشحين للكتابة الأولى للحزب، أن الترشح هي جرأة سياسية واختيار ديمقراطي داخلي، ثم أنه درس اتحادي لمن يهمه الأمر إلى أن حزب الاتحاد الاشتراكي اختار الأساليب الديمقراطية في اختيار زعيمه ولم يعد معنى للقيادة التاريخية، حيث انطلق هذا الاختيار بمرحلة انتقالية مع الأخ عبد الواحد الراضي ديمقراطيا في المؤتمر الوطني الثامن وها هو يترسخ في المؤتمر التاسع، وبالتالي انتخاب الأخ إدريس لشكر هي إرادة اتحادية عبرت الرغبة في التجديد وفي إعطاء الفرصة لجيل جديد ونفس الشيء ولو انتخب الأخ احمد الزايدي.
هل كانت للأجهزة “السرية” يد فعلا في انتخاب لشكر كاتبا أول للاتحاد؟
ما يمكن أن أؤكده لكم هو أن عملية انتخاب الكاتب الأول التي قيل فيها الكثير جرت بأبهى الصور الديمقراطية والشفافية والنزاهة، وشخصيا شاهدت وتتبعت كل مراحل الدورتين لانتخاب الكاتب الأول باعتباري عضو رئاسة المؤتمر، ومن الصعب جدا أن أتهم أي اتحادي بالتنسيق مع أي جهة خارج الحزب لممارسة قناعاته، ولنفترض جدلا أن هذه الجهات السرية تدخلت، لماذا لم تتدخل في الشوط الأول وتنهي الأمر دون ضرورة المرور إلى الشوط الثاني، وتؤكد سطوتها. ومن جهة أخرى فان المشكل أعمق وأخطر، فإذا قبلنا بهذا المعطى –تجاوزا- فان الإشكال الكبير هو ليس في الجهات السرية ولكن في المناضل الاتحادي، الذي يقبل أن تطوعه جهات أخرى في اختياراته، وأنا استبعد هذا الأمر، وثق بي لو صدر هذا الاتهام في مدة زمنية تاريخية معينة، لكانت أرواح سقطت نتيجة لذلك، ولان الاتحاديات والاتحاديين يختلفون، بل ويتصارعون، لكن من المستحيل أن يبيعوا ذممهم لهذه الجهات السرية. وعلى أي أنا من المناضلين الذين يؤمنون بالأدلة وبالمحاسبة، أتمنى صادقا لمن قدم هذه الاتهامات أن يتوجه إلى إعمال ما تسمح به القوانين لإثبات ما يدعيه.
أنتم مقبلون على انتخاب المكتب السياسي هل ستستمرون في إعمال الديمقراطية أم سيكون الباب مفتوحا أمام التوافقات ؟
أنا شخصيا وبصدق أومن بمنطق التوافقات في العمل السياسي، والسياسة في مفهومها الشامل هي فن إعمال الممكن عن طريق الحوار، والتفاوض بهدف المصلحة العامة للحزب، ولحماية الأطر والفعاليات والحكماء، وليس معناه أن يتم التوافق خارج الأساليب الديمقراطية، فالتوافق يكون على لائحة تمر بعد ذلك للاختيار الديمقراطي عن طريق التصويت وهذا هو التوافق السليم، لكن إذا كان هدف التوافق هو إقصاء المناضلين وفرض آخرين إما لمكانته الاجتماعية أو العائلية، على حساب المناضلين الذين تتوفر فيهم كل الشروط إلا ما اعتبر اجتماعيا أو عائليا فأنا، وأكيد جميع المناضلين، نرفض كل أشكال هذا التوافق، ونعتبر الصناديق هي المرجعية الوحيدة.
الملاحظ أن حزب الاتحاد بدأ يفتقد رموزه السياسية التاريخية في وسط الطريق بعد اليوسفي جاء الدور على الراضي وولعلو هل هذه الظاهرة صحية تفتح الأبواب أمام الشباب أم لها تأثيرات سلبية؟
في الواقع في المجتمعات المتقدمة يعتبر هذا الأمر شيء عادي بل أساسي وضروري في الدورة الطبيعية لأية مؤسسة، لكن نحن كمجتمع محافظ لا زلنا لم نتخلص من سلطة الأب، والأب هنا هو تعبير عن الآخر الذي نرى فيه استحالة استمرارية الجماعة بدونه، سواء كان ذا بعد اسروي، حزبي، جمعوي، نقابي، ….وبالفعل من الصعب علينا نحن كاتحاديين تقبل مثلا استمرار الحزب دون تواجد مثلا القادة عبد الرحمن اليوسفي، محمد اليازغي، عبد الواحد الراضي، محمد كسوس، فتح الله ولعلو، ونحن كذلك لعودة نوبير الاموي واخرين….. ضمن قيادته سيما أنهم لا زالوا على قيد الحياة أطال الله لنا في عمرهم، لكن بما أن هذا اختيارهم وبأن الاتحاد الاشتراكي حزب غير عقيم فانه يجب أن نعتبر التجديد في نخب الحزب مسألة مهمة وديمقراطية كذلك، لكن الغير السليم في هذه العملية هو التنكر لهم ولنضالاتهم ولأرائهم ولمكانتهم الاعتبارية، إذ وجب ضرورة التواصل معهم دائما من اجل التشاور والنصيحة، والإشكال هو أن القانون دائما يبقى مجحفا وجافا، حيث انه مثلا معظم هؤلاء القادة لم تكن لهم صفة مؤتمر في هذا المؤتمر، لأنهم ليسوا ضمن أجهزة الحزب، وهو ما اضطر بالأخ عبد الواحد الراضي حسب علمي إلى الاتصال بهم بل والتنقل إلى منازلهم من أجل تسليمهم دعوة الحضور إلى المؤتمر بصفتهم مؤتمرين وهو شيء يحسب للأخ عبد الواحد الراضي وللمكتب السياسي.
انطلاقا من تجربتكم وبعد تحملكم مسؤولية جسيمة برئاسة المؤتمر هل سيكون الاتحاد في عهد لشكر أحسن وأفضل مستقبلا مما سبق بعد الأزمات التي تعرض لها؟
أولا لا يجب أن نضخم الأمور، وثانيا أدعوا جميع الاتحاديين والاتحاديات وانتم وسائل الإعلام على اختلافها إلى الرجوع إلى أرشيف الحزب وتتبع مساره منذ أن تم الاختلاف فيما بين القيادة التاريخية لحزب الاستقلال، مرورا بتأسيس حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وما عرفه من اختلافات عميقة وقوية بين الجناح النقابي وجناح المهدي بنبركة وعبد الرحيم بوعبيد، ووصولا إلى تأسيس الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وما عرفه هذا الأخير من انشقاقات في الثمانينات وخروج حزب الطليعة، وخلال المؤتمر الوطني السادس وخروج تيار نوبير الأموي ومرورا باستقالة الأخ محمد اليازغي ووصولا إلى المؤتمر الوطني التاسع، سيتضح للجميع أن مسألة الاحتجاجات للأسف داخل الاتحاد الاشتراكي بعد أي محطة تنظيمية أصبحت تقليدا متوارتا، لأن الاتحاد دائما يختار نهج أساليب جريئة في تدبير محطاته التنظيمية، ومن جهة أخرى، يبين بالملموس أن الاستمرار هو للمؤسسة وليس للشخص مهما علت مكانته بالحزب، وهذا منطق التطور ومنطق الطبيعة.
أعتقد أن الأخ إدريس لشكر الكاتب الأول أمامه تحديات كبيرة جدا ليست بالسهلة سواء على المستوى التنظيمي أو السياسي، فتنظيميا فان العمود التنظيمي للحزب محليا، اقليميا وجهويا معتل بشكل كبير، والقطاعات الموازية من شبيبة اتحادية وقطاع النسائي وقطاعات مهنية أخرى مشلولة كذلك، باستثناء النقابة التي في الواقع تقوم بعمل كبير، وعلى المستوى السياسي فالاتحاد الاشتراكي اليوم هو حزب معارض ويعتبر قائد الأحزاب اليسارية المغربية في مواجهة حزب محافظ حاكم وفي مجتمع محافظ، والحزب في تراجع على مستوى الانتخابات، والانتخابات الجماعية على الأبواب وأصبحنا مهددين حتى في المدن الكبرى التي ندبر شؤونها، وفي الوقت كذلك الذي أصبح فيه العمل السياسي بالمجتمع المغربي جريمة، إلى غير ذلك من رهانات على مستوى تحديث وتأهيل إدارة المقر الوطني ومقرات الفروع على المستوى المحلي، وجريدة الحزب….، وهي تحديات أكيد أن الأخ الكاتب الأول له تبصره وطريقته في التعامل مع كل هذه الجوانب، وأكيد كذلك أن العمل على معالجتها وربحها يتطلب عمل الفريق وليس الفرد مهما كانت فعاليته، وأنا شخصيا من عادتي التفاؤل ولا أومن بالمستحيل وأومن أكثر بأطر ونخب الاتحاد التي لها القدرة على ربح الرهان.
كلمة أخيرة؟؟
أتمنى أن ينتبه الاتحاديون والاتحاديات أن مشروعنا ومعركتنا هي معركة المجتمع التقدمي الحداثي، هذا المشروع الذي أصبح مهددا بشكل كبير أكثر من أي وقت مضى، علينا أن نضبط بوصلة عملنا وننتبه إلى خصومنا الحقيقيين والى مهامنا الحقيقية التي أكيد تتجاوز جدران مقر العرعار إلى المجتمع المغربي بمختلف فئاته من شباب ورجال ونساء، ودعم المجتمع المدني الذي أصبح يتقوى يوم بعد يوم والذي كان أيام العز الاتحادي خزان للأطر الاتحادية وواجهة مهمة لتصريف الثقافة والفكر التقدمي، والاهتمام بالمثقفين والأدباء وبمكونات اليسار وباقي المكونات التي نتقاسم معها هم الدولة المدنية الديمقراطية العادلة.
- حوار: عبد اللطيف فدواش