القاعدة في بلاد المغرب تتحول إلى ‘أقلمة’ الجهاد بدلا من ‘تدويله’ |
المغرب.. حجر عثرة أمام سيطرة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي على المنطقة الأفريقية. |
عن صحيفة العرب [نُشر في 31/10/2013، العدد: 9365، |
الرباط – ناقوس إنذار يدقّه الخبراء محذّرين من تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي الذي نجح في التغلغل بمنطقة الساحل والصحراء وشمال أفريقيا وهو يخطّط إلى تطوير قاعدته مستهدفا أكثر المناطق التي استعصى عليه اختراقها، وعلى رأسها المغرب.
نجح تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في التوالد وتكوين سلسلة إرهابية على طول المنطقة الأفريقية، شمالا وجنوبا، مستغلّا الظرف الأمني السيئ في بلدان الشمال الأفريقي والصراعات المتواصلة في الجنوب.
بلد واحد لم ينجح أنصار القاعدة في أفريقيا باختراقه، نظرا لأنه لم يكن ضمن منظومة ما بات يعرف بـ «الربيع العربي»، وحدوده مع الجزائر محصّنة ضدّ أي اختراق محتمل مثلما هي حدوده مع دول الساحل والصحراء. لكن مع ذلك، شهدت المملكة المغربية بعض الهجمات الإرهابية في فترات سبقت «الربيع العربي».
واليوم بات تهديد القاعدة أكثر خطورة في محاولة لاختراق الثغرة المغربية التي تعيق تواصل السلسلة الإرهابية على طول المنطقة الأفريقية، مستغلّة مخيمات تندوف وأزمة الصحراء المغربية وتعنّت جبهة البوليساريو أمام حلّها.
وكان خبراء ومراقبون قد أكّدوا في دراسات وندوات دولية عديدة تواطؤ عناصر «البوليساريو» مع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، التي تسعى من خلال قاعدة المقاتلين والمجندين الموالين لها إلى زعزعة استقرار منطقة الساحل والصحراء، بعد أن أضحت «بؤرة لعدم الاستقرار». وينشط كثيرا من جبهة البوليساريو في صفوف «جماعة التوحيد والجهاد بغرب إفريقيا»، أحد فروع تنظيم القاعدة.
في محاولة لاستغلال الظرف الأمني السيّئ الذي تعيشه المنطقة، في ظل الصراع في نيجريا ومالي، وما تشهده تونس من هجمات إرهابية تستهدف بالأساس رجال الأمن، ظهر في شهر سبتمبر- أيلول الماضي شريط مصور، نسب إلى تنظيم القاعدة، وفيه تهديد واضح لأمن المملكة المغربية ويتضمن تحريضا واضحا على العنف وارتكاب أعمال ضد المجتمع المغربي.
ويدعو الفيديو الذي تبلغ مدته 41 دقيقة، «شباب المغرب إلى الجهاد» وينتقد النظام الملكي، لكن إدارة موقع «يوتيوب» حذفت الشريط لعدم احترامه القواعد الخاصة المتعلقة بالتحريض على العنف.
محمد مصباح الباحث في «المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية» ببرلين، سلّط في تحليل نشر ضمن دراسات مؤسسة كارنغي للأبحاث، الضوء على محتوى هذا الشريط وحقيقة انتسابه إلى القاعدة.
طبيعة استقطابية
مما جاء في تحليل مصباح أنه على الرغم مما يتضمنه شريط الفيديو الذي نشر يوم 12 سبتمبر-أيلول لتنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي من انتقاد لاذع للنظام المغربي، إلا أنه لا يشكل خطرا على الاستقرار السياسي في المدى القريب، بقدر ما يمكن اعتباره خطابا ذا طبيعة استقطابية للشباب المتحمّس إلى الجهاد للانخراط في صفوف تنظيم القاعدة إقليميا، والتركيز على الجهاد المحلي بدلا من الدولي، كما أنه يشكل ضغطا غير مباشر على الجانب المغربي لإيجاد حل عملي لملف الإرهاب.
شكّك البعض في نسبة الشريط إلى القاعدة واتهموا جهات خارجية، على رأسها الجزائر والبوليساريو، بفبركته، إلا أن مصباح يرى في تحليليه أن الشريط صادر فعلا عن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، ويستند في ذلك على أن القاعدة لم تصدر حتى الآن نفيا لهذا الشريط، حيث من المعروف عن التنظيم حرصه الدقيق على تكذيب الأمور التي لا ترتبط به، مثل نفي صلته بتفجيرات مراكش نهاية نيسان- أبريل 2011.
وما يثير الانتباه في هذا الشريط التطور الكبير في مستوى إخراجه الفني والتقني، بل ومضمونه أيضا -وهي ملاحظة تنسحب على عدد من أشرطة القاعدة الصادرة مؤخرا- حيث تضمن تحليلا سياسيا دقيقا معتمدا على مقاطع من وثائق ويكيلكس. بالإضافة إلى مقاطع من تقارير إخبارية نشرتها قناة الجزيرة وغيرها تسير في نفس المنحى. كما دعم الشريط تحليلاته بتصريحات لمثقفين محسوبين على تيار الإخوان المسلمين.
كما أن الشريط ركّز بشكل كبير على الرموز المعروفة في تاريخ شمال أفريقيا والأندلس مثل يوسف بن تاشفين وطارق بن زياد بدل الرموز المشرقية، وفيها دلالة على التوجه المحلي للقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي عوضا عن التوجه الدولي أو الإقليمي التقليدي الذي سعى التنظيم سابقا إلى التركيز عليه، على غرار النزاع العربي- الإسرائيلي والحرب في كل من أفغانستان والعراق. ويستعرض التحليل وثيقة أخرى صدرت في آذار- مارس 2013، عن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، يقول مصباح إنها تسير في الاتجاه نفسه، حيث تحدثت عن ضرورة انضمام (هجرة) الشباب في تونس والمغرب والجزائر إلى جبهات القتال في شمال مالي وجنوب الجزائر لمواجهة النفوذ الفرنسي وأيضا لمواجهة النظام الجزائري.
هذا ما يؤشر على تحول نحو «أقلمة» الجهاد بدلا من «تدويله»، مما يؤكد الطبيعة المحلية للتنظيم. وقد ألمحت إلى أفضلية البقاء في المنطقة المغاربية للقيام بأعمال الدعوة والاستقطاب، على الالتحاق ببؤر التوتر في سوريا وغيرها، واعتبرت أن هناك محاولة لإفراغ الساحة من المقاتلين عبر تسهيل عملية سفرهم للخارج، مما يحدّ من قدرتهم على التحرّك داخل بلدان شمال أفريقيا.
وطلب زعيم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي عبد المالك درودكال (المدعو أبو مصعب عبد الودود) من الشباب «الهجرة إلى الله ورسوله، بدل الهجرة إلى طلب الدنيا» (الدقيقة 39 من الشريط)، والراجح، وفق تحليل محمد مصباح، أنها دعوة إلى الالتحاق بالتنظيم الإقليمي للقاعدة بدلا من البحث عن عمل وحياة أفضل في أوروبا أو حتى السفر إلى أماكن مثل سوريا بدافع الجهاد.
تعبئة المقاتلين
شريط الفيديو الأخير ذو طبيعة استقطابية، أكثر منه تحريض مباشر ضد النظام المغربي، يسعى من خلاله ما يسمى بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي إلى تعبئة المقاتلين وتحفيزهم للانخراط في صفوفه، ولا سيما أن المغرب لايزال يشكل أرضية خصبة لذلك، حيث تتحدث بعض التقديرات عن وجود ما بين 200 إلى 700 مقاتل مغربي التحقوا بجبهات القتال في سوريا، أبرزهم فصيل حركة شام الإسلام بقيادة إبراهيم بنشقرون، وهو معتقل سابق في غوانتانامو من 2002 إلى 2004 وبعدها في المغرب من 2005 إلى 2011. لقد نجحت حركة شام الإسلام التي ترفض الديمقراطية وتعطي الأولوية للقتال ضد العدو البعيد (الغرب) وليس العدو القريب (الأنظمة العربية)، في تكوين فصيل مستقل عن القاعدة وجبهة النصرة، يضمّ في عضويته المغاربة بشكل كبير. وهذا هو التهديد الحقيقي للاستقرار في المغرب، إذ تشير بعض الإحصائيات غير الرسمية إلى أن حوالي 30 في المئة من الملتحقين بالعمل المسلح في سوريا هم من ضمن الأشخاص الذين قضوا أحكاما بالسجن في إطار قانون الإرهاب، أي أنهم تحولوا من جهاديين «فكريا» إلى جهاديين «عمليا». وسيعود الناجون بعد انتهاء الحرب الأهلية في سوريا بخبرات قتالية ميدانية.
ولتفادي هذا الورم الذي قد يتطوّر بشكل خطير وصامت داخل المجتمع المغربي يرى الباحث محمّد مصباح أن المغرب في حاجة إلى سياسة شاملة تقوم على الحؤول دون الجنوح نحو مزيد من التشدّد، والمضي قدما في تطبيق تعليم ديني عميق يستند إلى المفاهيم الإسلامية المعتدلة، والدخول في حوار مع تيار «السلفية الجهادية» إلى جانب خطة موازية وبعيدة المدى لمعالجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية الجوهرية.
عن صحيفة العرب ..السبت 16 نونبر 2013