الذكرى 38 للمسيرة الخضراء.. المغاربة متشبثون بمغربية الصحراء

المغرب يتمسك بأحقيته في الصحراء المغربية متوخيا الدبلوماسية، والتنمية لمواجهة التحديات المطروحة.

 

عن صحيفة العرب

محمد بن امحمد العلوي

[نُشر في 07/11/2013، العدد: 9372،

تعتبر الصحراء المغربية قضية حيوية فرض واقعها على الأرض من خلال تمسك المغرب بأحقيته في أراضيه معززا ذلك بالطرق السياسية والدبلوماسية، ومفضلا حل القضية سلميا منذ سنين، فكانت مسيرة وصفت بالخضراء نظرا إلى طابعها السلمي.

بعد أن قررت أسبانيا نقل سيادة الصحراء في يوليو- تموز 1975 احتج المغرب وطالب الجمعية العامة للأمم المتحدة بإحالة النزاع القانوني مع أسبانيا حول الصحراء إلى محكمة العدل الدولية.

وهو ما كان، حيث دعت الجمعية العامة في 13 ديسمبر – كانون الأول من نفس السنة المحكمة إلى الإجابة عن سؤالين رئيسيين اعتبرتهما مفتاح القضية القانوني وهما:

1 – هل الصحراء الغربية وادي الذهب والساقية الحمراء كانت، عندما أقدمت أسبانيا على احتلالها، أرضا خلاء لا صاحب لها؟

2 – إذا كان جواب الأول بالسلب فما هي الروابط القانونية التي تربط هذه الأرض بالمملكة المغربية وبالمجموع الموريتاني؟

سؤالان أجابت عنهما محكمة العدل الدولية في 16 أكتوبر-تشرين الأول 1975 وتم من خلال الإجابة الاعتراف بأن «الأراضي الصحراوية التي تحتلها أسبانيا لم تكن عند استعمارها أرضا خلاء لا صاحب لها». وأضافت «كانت بين الصحراء والمملكة المغربية روابط قانونية وروابط ولاء».

 

المسيرة الخضراء

للمغرب تاريخ جذوره عميقة في جميع الأقاليم بما فيها الصحراوية، تلك القنطرة الأساسية في اتجاه أفريقيا وامتداد جغرافي ومؤسساتي وفكري ومذهبي لدولة المغرب على تعاقب الأسر الحاكمة فيها وصولا إلى الدولة العلوية التي جاءت للمحافظة على وحدة المغرب جغرافيا ومذهبيا وسياسيا.

كان القرار بعد الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية، بالزحف نحو الأقاليم الجنوبية المحتلة، قد اتخذه الملك الراحل الحسن الثاني، فخاطب الأمة من أقرب نقطة لتلك الأقاليم الصحراوية يشملها البث التلفزي آنذاك، وهي مدينة أغادير، ليعطي الانطلاقة في الخامس من نوفمبر- تشرين الثاني 1975 وتبدأ المسيرة الخضراء يوم السادس من نفس الشهر.

شارك في هذا الحدث ثلاثمائة وخمسون ألف متطوع مغربي ومغربية، ولم تسجل حالة وفاة واحدة بين هذا المد الجارف من البشر، بل بالعكس كانت هناك إحدى عشرة حالة ولادة فوق رمال صفراء في غضون شهر ونصف الشهر، وكانت الأعلام المغربية ومصاحف القرآن الكريم، هما السلاح الذي واجه به المغربيون عساكر ودبابات أسبانيا.

أمام هذا الواقع الذي لم يتوقعه الاحتلال الأسباني لم يجد خيارا آخر غير التفاوض مع المغرب، وكان الاتفاق الذي أبرم في الرابع عشر من نوفمبر- تشرين الثاني 1975 بين المغرب وموريتانيا وأسبانيا الذي استرجع به المغرب صحراءه.

المسيرة الخضراء هي إجماع كل المغاربة على أنهم لم ولن يفرطوا في ذرة من أرضهم، واعتبرت حدثا تاريخيا وسياسيا بصناعة مغربية بامتياز، ولا يمكن التغاضي أو التزوير في معطيات التاريخ، فالصحراء كانت في لب مقاومة المستعمر الأسباني والفرنسي وليست وليدة اليوم كما يريد أن يوهم خصوم وحدة المغرب الترابية، عبر احتيالهم على منظمات ودول ووسائل إعلام. عدالة قضية الصحراء المغربية لا تشوبها شائبة، فالمغرب طرح هذه القضية أمام أنظار الأمم المتحدة تحت بند تصفية الاستعمار بالصحراء في سبتمبر- أيلول من عام 1965، وذلك بعد أن أصبح الحوار مستحيلا مع نظام «فرانكو» الأسباني الذي كان يماطل و يعالج صفقات تجارية من ضمنها الغاز مع الجزائر وهذا في حد ذاته تأكيد بأن أطماع الجزائر في الصحراء المغربية كانت قبل تبنيها للبوليساريو.

 

 

عدالة قضية

وللتاريخ فإن المغرب كان أكثر دول المنطقة تعاونا في ترتيب علاقات الجوار بين الجزائر وموريتانيا بالخصوص بشكل سلمي بقرار المسيرة الخضراء، وكانت قضية الصحراء المغربية تأخذ منحى سياسيا أكثر منه عسكريا، ولكي تنجح تلك المسيرة كان الرهان المغربي على إمكاناته الذاتية وتفهم الأصدقاء ودعم الشرفاء داخل وخارج النظام الأسباني سواء كانوا سياسيين أوعسكريين، ولم تكن فكرة تنظيم المسيرة الخضراء مرتبطة البتة برأي المحكمة الدولية أو بغيرها، فهي متقاربة زمنيا لكنها متباعدة سياسيا وتنظيميا.

يذكر أنه في حديث صحفي مع إذاعة «فرانس برس»، يوم 8 مايو- أيار ألمح الملك الحسن الثاني في جوابه عن دواعي وأسباب تجمع القوات المسلحة المغربية على طول الحدود مع الصحراء آنذاك، بأن ذلك بمثابة إجراء وقائي لحماية مسيرة سيقوم بها المغاربة والملك في مقدمتهم في اتجاه الصحراء، وذلك تحسبا لإمكانية قيام بعض الجهات «المعادية» بإطلاق مسلسل «تقرير المصير» بالصحراء.

وقد وصف الصحفي الإيطالي «أطيليو كاديو» تحرك تلك الجموع من المغاربة التي لبت نداء الملك، منطلقة من كل جهات المغرب في اتجاه الأراضي المحتلة لتحريرها «بعبقرية القيصر، لكن دون جحافله»، وكان ذلك الحراك خطوة سلمية في الوسيلة وعبر عن أحقية المغرب في مطلبه وشرعيته.

سر المسيرة جاء قرار الملك الراحل الحسن الثاني بتنظيم المسيرة سرا، وحدث أن استدعى وزير التجارة ووزير المالية وقال لهما: «إن شهر رمضان قد يكون قاسيا، إذ أن المحاصيل الزراعية كانت متوسطة، فهل يمكنكما من باب الاحتياط تخزين كمية من المواد الغذائية حتى إذا كنا في حاجة إلى عرضها في السوق أمكننا المحافظة على ثبوت الأسعار، وليكن تموين يكفي لشهر أو شهرين».

وكان ذلك تمويها لابد منه حتى لا يتفطن الوزيرين وبعض أنظار الأجهزة الخارجية التي تراقب تحركات المغرب خوفا مما كان ينظمه الملك في الخفاء.

ثم توسعت دائرة السر حيث اختار الملك ثلاثة من كبار الجنرالات في الجيش المغربي الذين أدوا اليمين بعدم إفشاء السرّ، بعد ذلك شرعوا في التخطيط لكل صغيرة وكبيرة لتدبير كل ما يحتاجه 350 ألف مواطنة ومواطن مغربي بدءاً بإحصاء كمية الخبز والماء والشموع والخيام والمؤن والأدوية، وظلوا يعملون في السر حتى مطلع شهر أكتوبر – تشرين الأول 1975. وأخيرا شملت دائرة السر الحكومة وعمال الأقاليم لتسجيل وإحصاء المتطوعين وجرد الحاجيات وتوفير وسائل النقل من حافلات وشاحنات وتنظيم وتأطير المتطوعين، ونتيجة كل هذا التنظيم المحكم والتعبئة لم يحصل أي نقص في أية مادة حيوية واستهلاكية داخل المغرب خلال المدة التي استمرت فيها المسيرة الخضراء.

 

 

مسيرة متواصلة رغم الصعوبات

كانت الكلفة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لقضية الصحراء ضخمة في فترة الثلاث سنوات من الحرب العسكرية المباشرة، تلتها ثلاثون سنة في وضعية «لا حرب ولا سلم» بما فيها تمويل المسيرة الخضراء، التي ضخت فيها الخزينة المغربية ملايين كثيرة من الدولارات من الناتج الخام الوطني ومساعدات الأشقاء، ولازالت هذه القضية تواجه صعوبات ومناورات جبهة «البوليساريو» المدعومة من الخارج.

والمسيرة التي بدأت في سنة 1975 بقيت مستمرة إلى الآن حيث عرفت الأقاليم الجنوبية تنمية كبيرة على عدة مستويات ومن المنتظر أن تشهد تطورا أكبر حين يتم تفعيل مبادرة المغرب للحكم الذاتي الموسع التي حظيت بإشادة دولية موسعة وعارضتها دعوات ذات نزعة انفصالية.

رغم كل السلوكيات الاستفزازية، سار المغرب في تدعيم برامج التنمية اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا وخدماتيا داخل أقاليمه الجنوبية في إطار تمتيع جميع الجهات ببنيات تحتية متكاملة بين جهات المملكة وانسجاما مع حل الحكم الذاتي لتنمية جهة الصحراء وممارسة سكّانها لكل حقوقهم واستثمار الطاقات المحلية وبتكامل مع جهات المغرب كلها في إطار متساو حقوقيا واقتصاديا طبقا للقانون وتحت مبدا المساواة دون تمييز أو تهميش.

وتطرح الرباط مبادرة شاملة وواقعية لمنح الصحراء حكما ذاتيا موسعا في إطار السيادة المغربية، لكن «البوليساريو» المدعومة ببعض الجهات النافذة في الجزائر تعمل على إدامة الأزمة.

وهذا ما يؤكد عليه العاهل المغربي محمد السادس في خطاباته وفي دعمه للمشاريع التنموية في الأقاليم الصحراوية.

 

 

ملحمة وطنية

المسيرة الخضراء، التي أبدعها الملك الحسن الثاني، انطلقت فيها جماهير المتطوعين من كل فئات وشرائح المجتمع المغربي، يوم 6 نوفمبر – تشرين الثاني سنة 1975 في اتجاه واحد صوب الأقاليم الصحراوية لتحريرها من براثن الاحتلال الأسباني.

تسلح 350 ألف مغربي ومغربية بقوة الإيمان وبأسلوب حضاري سلمي فريد من نوعه، أظهر للعالم أجمع صمود المغاربة وإرادتهم الراسخة في استرجاع حقهم المسلوب وعبقريتهم في إنهاء الوجود الاستعماري بالالتحام والعزيمة والحكمة.

وحققت المسيرة الخضراء أهدافها وحطمت الحدود المصطنعة بين أبناء الوطن الواحد، سلاحها العلم الوطني والقرآن الكريم والتمسك بالفضيلة وبقيم السلم والسلام في استرداد الحق والدفاع عنه.

استطاعت المسيرة الخضراء أن تظهر للعالم مدى التلاحم الذي جسدته عبقرية ملك مجاهد وتصميم كافة المغاربة من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب على استكمال استقلالهم وتحقيق وحدتهم الترابية، وأن سلاحهم في ذلك يقينهم بعدالة قضيتهم وتجندهم وتعبئتهم للدفاع عن مقدساتهم الدينية والوطنية والذود عن كيانهم، تحدوهم الإرادة الحازمة لتحقيق وحدتهم التي عمل المستعمر بكل أساليبه على النيل منها، إلى أن عاد الحق إلى أصحابه وتحقق لقاء أبناء الوطن الواحد.

لم يكن انتهاء عهد الحجر والحماية إلا بداية لملحمة الجهاد الأكبر لبناء المغرب الجديد الذي كان من أولى قضاياه تحرير ما تبقى من تراب المملكة من نير الاحتلال.

وقد تواصلت ملحمة صيانة الوحدة الترابية بكل قوة وإصرار لإحباط مناورات الخصوم، وها هو المغرب، اليوم بقيادة الملك محمد السادس.

‫شاهد أيضًا‬

حضور الخيل وفرسان التبوريدة في غناء فن العيطة المغربية * أحمد فردوس

حين تصهل العاديات في محرك الخيل والخير، تنتصب هامات “الشُّجْعَانْ” على صهواتها…