هذا ما ينبغي على المغاربة معرفتُه حول قضية الصحراء
نص المقال ..
في شهر نونبر من كل سنة يحتفل المغرب بذكرى المسيرة الخضراء التي انطلقت في السادس من نونبر عام 1975 وشارك فيها 350 ألف مغربي من جميع الفئات، حيث زحفوا نحو الصحراء لتحريرها من الحكم الإسباني. وشكلت هذه المسيرة السلمية نقطة تحول في التاريخ المغربي المعاصر.
ويتزامن احتفال المغاربة هذه السنة بالذكرى الثامنة والثلاثين لهذا الحدث التاريخي، في ظل التوتر التي تعرفه العلاقات بين المغرب والجزائر، والمناورات التي تقوم بها الجارة الشرقية للمغرب، من أجل إجهاض كل المحاولات التي يقوم بها المجتمع الدولي للتوصل إلى حل سياسي دائم ومقبول للطرفين، المغرب والبوليساريو.
وهنا يجب استحضار بعض الحقائق التاريخية بخصوص هذا الملف ليتمكن المغاربة قاطبةً من معرفة كل التفاصيل التي أحاطت به منذ استقلال المغرب إلى يومنا هذا، بالإضافة إلى الحجج التي يمكن استعمالها أمام الخصوم للدفاع عن الوحدة الترابية للمغرب، وعن حقه المشروع في الحفاظ عن سيادته في هذا الإقليم المتنازع عليه، فلا يكفي القول إن الصحراء مغربية، بل ينبغي التسلح بكل البراهين التي بإمكانها تقوية موقفنا، وإظهار مدى درايتنا بأدق التفاصيل والحقائق المتصلة بهذا الملف.
بعض الأفكار المسبقة عن قضية الصحراء
من خلال مناقشاتي مع الملتمسين الذين يقدمون كل سنة إلى الأمم المتحدة للدفاع عن البوليزاريو أمام اللجنة الخاصة المعنية بإنهاء الاستعمار (لجانه الأربعة والعشرين التابعة للجنة الرابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة)، أدركت مدى جهلهم بقضية الصحراء، فأول حجة يقدمونها هي أن المغاربة ” يحتلون” الصحراء وأن المغرب سعى إلى “ضمها”، وهذه الجملة نفسها تتردد في النشرات الإخبارية كلما تعلق الامر بقضية الصحراء, ودائما ما نقرأ في هذه التقارير الإخبارية عن “ضمِ المغرب للصحراء عام 1975″.
ولكن جهلهم بالسياق التاريخي الواسع للصحراء يتضح حين يطلب منهم الحديث بشكل معمق عن تاريخ المنطقة، إذ أن أجوبتهم غالبا ما تكون متضاربة وغير دقيقة، مما يظهر أن هؤلاء المدافعين عن حق “تقرير المصير” يناصرون قضية وهم لا يعرفون خلفيتها التاريخية.
وعند الرجوع إلى المعجم، نجد أن كلمة ” ضم” تعني الحصول بشكل رسمي على شيء ما (خاصة الارض) عن طريق الإخضاع أو الاحتلال. ومن خلال هذا التعريف فإن أقوال مناصري البوليزاريو تلمح إلى أن المغرب حاول الاستيلاء على الصحراء واحتلالها. ولكن أيتصور أحد ضم بلد ما لمنطقة شكلت لقرون جزءا منه؟
ويظهر أن هؤلاء المدافعين عن البوليزاريو يجهلون بالخصوص الروابط التاريخية التي جمعت الساكنة الصحراوية بالسلاطين المغاربة. ويبدو أيضا أنهم لا يعرفون تاريخ الصحراء الحديث، وخصوصا وضعها القانوني خلال السنوات الأولى لعملية إنهاء الاستعمار بالأمم المتحدة، حيث كانت لجنة الأربعة والعشرين الخاصة في الأمم المتحدة تعتبر هذا الإقليم المتنازع عليه جزءً من الاقاليم التي يجب على إسباني إعادتها إلى المغرب.
هل ينطبق تعريف الضمِ هذا على حالة الصحراء؟ هل قام المغرب بضم الصحراء؟ هل كانت هناك دولة اسمها الصحراء قبل 1975 أو قبل 1884 وهي السنة التي بدأت فيها إسبانيا بسط نفوذها على الصحراء؟ أكانت حركة تدعى البوليزاريو تشن حرب تحرير ضد إسبانيا منذ 1884؟ هل كان البوليزاريو أول كيان يطالب اسبانيا بإنهاء وجودها في الصحراء ويتفاوض مع مدريد على شروط الانسحاب؟
لقد ناضل المغرب في سبيل إرجاع الصحراء إلى السيادة المغربية منذ استولت عليها إسبانيا سنة 1884. ورغم أن إسبانيا شرعت في احتلالها للمغرب سنة 1884 فإن المقاومة التي واجهتها منعت القادة الإسبان من زيارة الإقليم حتى سنة 1950 حيث قام فرانكو بزيارة رسمية له. ولم يتنازل المغاربة طيلة هذه الفترة عن رغبتهم بطرد الإسبان من الصحراء.
المغرب هو الطرف الوحيد المهتم بقضية الصحراء
منذ حصول المغرب على الاستقلال سنة 1956 وحتى سنةِ 1975 طالبت الرباط بسيادتها على الصحراء، وطرحت طوال هذه الفترة القضية أمام اللجنة الخاصة بإنهاء الاستعمار في الأمم المتحدة.
وكان المغرب أول من طرح قضية احتلال إسبانيا لمقاطعاته الجنوبية، بما فيها سيدي إفني والصحراء، سنة 1957 التي تزامنت مع بلوغ فترة إنهاء الاستعمار ذروتها، أمام مجلس الوصاية التابع للأمم المتحدة الذي أسس من أجل تعزيز حق تقرير المصير بعد الحرب العالمية الثانية للسكان المستعمرين.
وفي 14 دجنبر 1960، تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار 1514 المتعلق بالأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي، والذي طالب إسبانيا باتخاذ الخطوات اللازمة لإنهاء وجودها في جنوب المغرب.
واستغل المغرب دخول موريتانيا الأمم المتحدة كعضو كامل العضوية سنة 1961 ليثير بشكل أكبر قضية احتلال إسبانيا لإقليمه الجنوبي.
ولم يكن قط الحل المتصور من قِبل هيئة الأمم المتحدة ,خلال الفترة التي كانت الأمانة العامة تحث فيها إسبانيا على الالتزام بأحكام القرار1514 وإنهاء وجودها في جنوب المغرب، هو فصل مسالة سيدي إفني عن مسألة الصحراء، أو إجراء استفتاء لتقرير مصير الإقليم.
ومن ثم، فإن جميع القرارات المتعلقة بالنزاعات الإقليمية بين المغرب وإسبانيا وضعت سيدي إفني والصحراء في نفس الخانة، وذلك حتى يونيو 1966.
ففي هذه السنة، قام المغرب بخطوة ديبلوماسية غير مدروسة جعلت الأمم المتحدة لا تتصور حلا لقضية الصحراء إلا من خلال منظور إجراء استفتاء لتقرير المصير. لقد كانت هذه الخطوة خطأ سيدفع المغرب ثمنه غاليا خلال العقود التي تلته.
فصل الصحراء عن سيدي إفني كان خطأ فادحا
كان المغرب يناضل في سبيل استعادة سيادته على الصحراء وسيدي إفني، ويطالب في نفس الوقت بحقه في مدينتي سبتة ومليلية الواقعتين في شماله، واللتين لا تزالان تحت السيادة الإسبانية.
وبسبب الموقف المتلكئ للسلطات الإسبانية وامتناعها عن معالجة هذه القضايا في نفس الوقت، بالإضافة إلى الضعف النسبي للمغرب الحديثِ الاستقلال، قررت السلطات المغربية النزول عند الطلب الإسباني القاضي بفصل إقليمي سيدي إفني والصحراء الجنوبيين عن بعضهما.
وبما أنه لم تكن لإقليم سيدي إفني أية أهمية استراتيجية في نظر القادة الإسبان، فقد توصل المغرب وإسبانيا في الرابع من يناير عام 1969 إلى الاتفاق الذي يعرف “باتفاق فاس” والذي أعادت إسبانيا بموجبه سيدي إفني إلى السيادة المغربية.
وتبنت اللجنة الرابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة ابتداءً من يونيو 1966 مجموعة من القرارات التي حثت إسبانيا على اتخاذ الخطوات اللازمة في سبيل إجراء استفتاء بشأن تقرير المصير في الصحراء. وكان يفترض مبدئيا إجراء هذا الاستفتاء نهاية 1967 إذ أن القرار 2229، و هو أول قرار بهذا الشأن، اتخذ في العشرين من دجنبر عام 1966، وتبعه في العاشر من دجنبر 1967 القرار 2354 ثم القرار 2428 في الثامن عشر من دجنبر 1968 والقرار 2621 في الرابع عشر من أكتوبر 1970 ثم القرار 2711 في الرابع عشر من دجنبر عام 1970.
غير أن القادة الإسبان استمروا في تجاهل مطالب الأمم المتحدة رغم كل هذه القرارات، إذ أن إسبانيا سعت إلى إبقاء الإقليم تحت سيادتها أو إنشاء كيان تابع لها فيه إذا ما فشلت في تحقيق الهدف الأول.
وأولى الخطوات التي اتخذتها إسبانيا في هذا السبيل هي إنشاء مجلس (جماعة) يفترض أنه يمثل ساكنة الإقليم حيث اختير أعضاءه بناء على مدى ولائهم لإسبانيا، حيث سارع بعضهم مباشرة بعد ذلك إلى التعبير عن تعلقهم بالوجود الإسباني في الصحراء. وقد وصف الباحث الأمريكي بول روكور الأمر بقوله “إن إنشاء الجماعة محاولة إسبانية لإسكات الانتقادات وإعطاء الطابع بأن الصحراء تتقدم في طريق الحكم الذاتي.”
التحالف القصير الأمد بين المغرب والجزائر وموريتانيا
وقد عقب تلكؤَ إسبانيا محاولةُ المغربِ تسويةَ خلافاته الإقليمية مع موريتانيا والجزائر بهدف إنشاء جبهة موحدة قادرة على الضغط على إسبانيا لجعلها تجري استفتاءً بشأن تقرير المصير في الصحراء. وكانت أول خطوة في سبيل تطبيع العلاقات بين المغرب وجارتيه هي عقد لقاء تلاثي على هامش قمة منظمة المؤتمر الإسلامي (التي أصبحت تعرف الآن باسم منظمة التعاون الإسلامي) بالرباط في شتنبر 1969.
ومقابل اعتراف المغرب باستقلال موريتانيا وتنازله عن مطالبته بإقليم تندوف للجزائر، تعهد البلدان بدعم المغرب في مساعيه الرامية لدفع إسبانيا نحو الخروج من الصحراء وجعلها تلتزم بقرارات الأمم المتحدة المتعلقة بهذا الشأن.
وأعقب هذا اللقاء الثلاثي قمتان مغاربيتان عُقدت أولهما في نواكشط في أكتوبر 1970 وثانيهما في الجزائر العاصمة في أبريل 1972، وتعهد قادة الدول الثلاث خلال هاتين القمتين بالاتحاد وتكثيف جهودهم لوضع حد للوجود الإسباني في الصحراء والتصدي لمناوراتها الرامية للحيلولة دون رجوع هذا الإقليم إلى السيادة المغربية.
ولكن ساء المغرب أن يرى أن هذا التحالف لم يدم طويلا، إذ أنه لم يستطع الصمود أمام الحملة العدوانية التي شنتها الديبلوماسية الإسبانية بهدف حرمان المغرب من دعم أقرب جيرانه له ولا أمام السياسة المزدوجة التي اتبعتها الجزائر التي لم تكن لقادتها مصلحة في رؤية المغرب يستعيد سيادته على الصحراء وكانوا مصممين على جعل الرباط تدفع ثمن “أطماعها” في تندوف وغيرها من المناطق الواقعة في غرب الجزائر،( والتي تعتبر جزءا من الحدود التاريخية للمغرب) وكذا ثمنَ “حرب الرمال” التي وضعت المغرب في مواجهة الجزائر عام 1963.
ومنذ استقلال المغرب في 1956 والجزائر في 1962، طرأت بينهما خلافات جوهرية بشأن الحدود الموروثة عن الاستعمار الأوروبي. وبما أن الجزائر خرجت من الاستعمار الفرنسي بأراضي شاسعة-استُلب جزء كبير منها من المغرب منذ 1844 عقب هزيمته أمام فرنسا في معركة لالا مغنية- فقد التزمت بمبدأ حرمة الحدود الموروثة عن الاستعمار. أما المغرب الذي فقد جزءا كبيرا من أراضيه التاريخية فقد اعتبر هذا المبدأ مضرا بسلامته الإقليمية وحقهِ في المطالبة بعدة مناطق، من بينها الصحراء، يؤمن أنها يجب أن ترجع إلى سيادته.
هذا ولم يكن الانتقامُ من المغرب بسبب “حرب الرمال”، أو فرضُ نفسها كقوة إقليمية في المنطقة المغاربية الدوافع الوحيدة وراء تحالف الجزائر مع إسبانيا ودعمها للبوليزاريو، بل شملت هذه الدوافع أيضا الرغبة في تفادي سابقة مع الصحراء مما ينطوي على خطر رؤية الرباط تحيي أطماعها في الجزائر.
المناورات الإسبانية في سبيل تأخير التوصل إلى تسوية في الصحراء
لقد استغلت إسبانيا توتر العلاقات بين المغرب وجارتيه وسارعت لإحباط مساعيه الرامية لتشكيل جبهة موحدة معهما.
ومباشرة بعد القمة الثلاثية بالجزائر العاصمة، قام لوبيز برافو، وزير الخارجية الإسباني أنذاك، بزيارات متتالية إلى موريتانيا والجزائر بنية إثناء قادة البلدين عن دعم المغرب. وقد تُوجت زياراته هذه بتوقيع اتفاقي شراكة اقتصاديين مع البلدين، حيث تعهدت إسبانيا بتقديم الدعم الاقتصادي لموريتانيا وإنشاء مشاريع مشتركة لصيد الأسماك معها، ووقعت مع الجزائر اتفاق طاقة ستشتري إسبانيا بموجبه ما قيمته 500 مليون دولار من الغاز الطبيعي من الجزائر.
وكانت الجزائر تراهن على إنشاء كيان تابع في الصحراء لاعتقادها أنه سيخولها حرية الوصول إلى الأطلسي لتصدير الحديد من المناجم الواقعة في غارة جبيلات قرب تندوف، إذ لم يرد القادة الجزائريون البقاء تحت رحمة المغرب رغم أنه اقترح السماح لهم الوصول دون عراقيل إلى المحيط.
أما إسبانيا فظلت حريصة على إبقاء الصحراء تحت نفوذها طمعا في الموارد الطبيعية التي يتمتع بها الإقليم خاصة بعد اكتشاف الفوسفاط بداية الستينات بالإضافة إلى غنى مناطق صيد الأسماك بالمنطقة.وهكذا تشكل بين الجزائر وإسبانيا حلف يهدف لإعاقة مساعي المغرب نحو التوصل إلى تسوية لقضية الصحراء تتماشى مع حقوقه التاريخية بالإقليم ومصالحه الاستراتيجية.
وفي عام 1974، اتضحت أكثر استراتيجية إسبانيا المتشبثة بوجودها في الصحراء فقد علمت الرباط أن مدريد تنوي منح الإقليم استقلاله وإجراء استفتاء مزيف متجاهلةً تماما قرارات الأمم المتحدة التي تطالبها بالانسحاب من الصحراء ومنح سكانها حرية تقرير مصيرهم.
بالإضافة إلى هذا، عملت إسبانيا على خلق قومية زائفة في الصحراء حيث أعلن ممثلوها أنهم لا يمثلون لا المغرب ولا غيره من الدول.
وبناء على توصيات مدريد، ذهبت العديد من البعثات الصحراوية إلى نيويورك لحضور مناقشات اللجنة الخاصة المعنية بإنهاء الاستعمار حيث صرحوا بتعلقهم بالوجود الإسباني. وكانت هذه أولى الخطوات التي اتخذتها إسبانيا في سبيل افتعال كيان سيمكنها من الحفاظ على مصالحها في المنطقة. وكانت هذه المرحلة الأولى أيضا في إنشاء البوليزاريو عام 1973 والذي سيعتمد على الدعم السياسي والمالي السخي المقدم من الجزائر وليبيا وأخيرا على التعاطف الكبير للرأي العام الإسباني معه.
قرار الحسن الثاني اعتماد استراتيجية جديدة
وأمام تشبت إسبانيا بواحدة من آخر مستعمراتها، قرر المغرب اعتماد استراتيجية جديدة للضغط على مدريد. فقد قرر الملك الراحل الحسن الثاني الدخول في صراع مع إسبانيا. وبعد أن اطمأن أن أهم حلفائه الغربيين، وهما فرنسا والولايات المتحدة، سيدعمانه إذا ما انفجرت أزمة ديبلوماسية مع إسبانيا، قرر الحسن الثاني إطلاق المسيرة الخصراء.
ولم يكن المجتمع الدولي قد سمع بالبوليزاريو طوال هذه الفترة، إذ لم يبدأ هذا الأخير الادعاء أنه يمثل السكان الصحراوين ويطالب باستقلالهم إلا سنة 1973.
وبعد انسحاب إسبانيا من الصحراء وتوقيع اتفاق مدريد في الرابع عشر من نونبر 1975، بدأ الصراع على الصحراء بين المغرب والبوليزاريو واستمرت المواجهات بينهما حتى 1991 حين توسطت الأمم المتحدة في التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار دخل حيز التنفيذ في شهر شتنبر من نفس السنة.
عن موقع صحيفة هيسبريس
الاثتين 4 اكتوبر 2013
سمير بنيس، مستشار دبلوماسي في منظمة الأمم المتحدة، وخبير في ملف الصحراء و رئيس تحرير موقع Morocco World News