|
نشرت مجلة الشؤون الخارجية Foreign Affairs في عددها كانون الثاني – شباط 2013 مقالاً للكاتب Eric x. Li(1) تحدث فيه عن السياسات الداخلية لنظام الحزب الواحد في الصين وعن الديمقراطية الصينية مقارنةً بالديمقراطية الليبرالية الغربية. الموضوع أثار الكثير من النقاشات وردود الافعال، سنحاول الوقوف على مجمل ما جاء في المقال.
في نوفمبر 2012 عقد الحزب الشيوعي الصيني مؤتمره الوطني الثامن عشر دعا فيه لنقل السلطة الى جيل جديد من القادة. وكما متوقع، تولّى شي جين بينغ(Xi Jinping) السلطة كسكرتير عام للحزب واصبح رئيساً لجمهورية الصين الشعبية في مارس 2013. التحول كان سلسا ومرتباً جيداً في دولة عظمى تنهض بثقة عالية. غير ان ذلك التحول لم يمنع الاعلام الدولي وحتى المفكرين الصينيين من وصف الحدث بلحظة الكارثة. في عدد الايكونومست الصادر قبل بداية المؤتمر نقلت المجلة عن باحث لم يذكر اسمه قوله ” الصين هي عدم استقرار في الطبقة الدنيا واكتئاب في الطبقة الوسطى، وفقدان السيطرة في القمة”. قبل شهور من نقل السلطة ، ادّت الفضيحة التي احاطت بـ بوشي لاي (Bo Xilai) الرئيس السابق لفرع الحزب في بلدية تشو نغتشينغ الى تشويه مظهر وحدة الحزب الشيوعي الصيني، تلك الوحدة التي كانت السبب في الحفاظ على الاستقرار السياسي الداخلي منذ اضطرابات ساحة تينامين عام 1989. والشيء الاسوأ ان الاقتصاد الصيني الذي حافظ على نسبة نمو كبيرة في الناتج المحلي الاجمالي طوال عقدين بدأ يتثاقل في سبعة فصول متتالية.النموذج الصيني في التصنيع السريع والتصنيع المعتمد على العمالة المكثفة والاستثمار الحكومي الواسع في البنية التحتية ونمو الصادرات يبدو انه توقف تقريبا.البعض في الصين وفي الغرب ذهبوا بعيداً في التنبؤ بنهاية دولة الحزب الواحد والتي وفق ادعائهم لا يمكن ان تستمر اذا توقف القادة السياسيون الكبار عن تقديم معجزات اقتصادية.
مثل هذا التشاؤم، هو في غير محله. لا شك ان هناك تحديات شاقة تنتظر الرئيس(شي). لكن اولئك الذين يعتقدون ان الحزب الشيوعي الصيني غير قادر على التعامل معها انما هم يخطئون تماما السياسة الصينية وقدرتها المرنة في ادارة مؤسساتها الحاكمة. بكين ستكون قادرة على مواجهة امراض الدولة بدينامية ومرونة و بفضل قدرة الحزب الشيوعي الصيني على التكيف، واعتماد نظام النخب الكفوءة القائم على المقدرة والذكاء (meritocracy)، وعلى الشرعية امام الشعب الصيني. في العقد القادم، ستستمر الصين بالصعود وليس بالتراجع. ان قادة الصين سيعززون نموذج الحزب الواحد وهم في هذه العملية سيتحدّون الحكمة التقليدية الغربية حول التطور السياسي والمسيرة الحتمية نحو الديمقراطية الانتخابية. في عاصمة المملكة الوسطى، سيشهد العالم ولادة مستقبل ما بعد الديمقراطية.
التعلم اثناء العمل
الادّعاء بان حكم الحزب الواحد غير قادر بطبيعته على التصحيح الذاتي لا يعكس السجل التاريخي للصين. خلال الـ 63 سنة من الحكم، اثبت الحزب الشيوعي قدرته الاستثنائية على التكيف. منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية عام 1949 اعتمدت الدولة نطاقاً واسعاً من السياسات الاقتصادية. اولا، قام الحزب بادخال المزارع الجماعية الراديكالية في بداية الخمسينات. هذا تبعهُ سياسات الوثبة الكبرى في اواخر الخمسينات والثورة الثقافية في اواخر الستينات حتى اواسط السبعينات. بعد ذلك جاء نظام شبه الخصخصة للاراضي الزراعية في بداية الستينات، اصلاحات السوق لـ (دنغ شياو بينغ) في اواخر السبعينات، وافتتاح (جيانغ زيمين) عضوية الحزب الشيوعي لرجال الاعمال في القطاع الخاص في التسعينات. الهدف الاساسي كان دائما النمو الاقتصادي، وعندما لا تعمل السياسة كما في – الوثبة الكبرى الكارثية والثورة الثقافية – كانت الصين قادرة على ايجاد البدائل الناجحة: مثل، إصلاحات (دينج)، التي قفزت بالاقتصاد الصيني الى موقع ثاني اكبر اقتصاد في العالم.
وعلى جبهة المؤسسات ايضا، لم يكن الحزب الشيوعي الصيني بعيداً عن الاصلاحات.احد الامثلة هو وضع حدود زمنية في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي لمعظم المواقع السياسية (وحتى تحديد سنوات العمر بـ 68-70 لمعظم القيادات العليا في الحزب). قبل هذا، كان القادة السياسيون قادرين على استخدام مواقعهم للاحتفاظ بالسلطة وادامة حكمهم. ماو زيدونك كان مثالا جيداً. هو أنهى الحرب الاهلية التي عمّت الصين ودحر الغزو الاجنبي ليصبح مؤسساً للصين الحديثة.غير ان حكمهُ الطويل قاد الى اخطاء كارثية مثل الثورة الثقافية. حاليا، يستحيل تقريبا للقلة التي في أعلى السلم الاحتفاظ بسلطة طويلة الامد. الحركة التصاعدية ضمن الحزب تزايدت ايضا.
وبالنسبة للسياسة الخارجية، غيرت الصين ايضا نهجها عدة مرات لتحقق العظمة القومية.هي انتقلت من التحالف الوثيق مع موسكو في الخمسينات الى تحالف ظاهري مع الولايات المتحدة في السبعينات والثمانينات عندما سعت الاخيرة لإحتواء الاتحاد السوفيتي. واليوم ،اعتمادها لسياسة خارجية اكثر استقلاليةً وضعها مرة اخرى في تضاد مع الولايات المتحدة. لكن الصين في سعيها الدائم للعظمة هي تريد تحدّي السوابق التاريخية وتنهض بسلام متجنبةً العسكرة التي سادت المانيا واليابان في النصف الاول من القرن الماضي.
ومع اجتياز الصين للسنوات العشر من التحول، تزايدت الدعوات داخل البلاد وخارجها لجولة اخرى من الاصلاح السياسي. احد المعسكرات الراديكالية في الصين وفي الخارج يطالب الحزب بان يسمح بالانتخابات والتعددية الحزبية او على الاقل يقبل بفصائل داخلية رسمية ضمن الحزب ذاته. وفق هذه الرؤية، فقط النظام البرلماني التعددي هو منْ يضمن حصول الصين على القيادة التي تحتاجها. ومهما كانت تلك الدعوات صادقة ،الاّ انها جميعها تجانب الحقيقة الاساسية: وهي ان الحزب الشيوعي الصيني كان واحداً من اكثر المنظمات السياسية القادرة على التصحيح الذاتي في التاريخ الحديث. لاشك ان قادة الصين الجدد يواجهون عالما مختلفا عما قام به هيو جيناتو حين استلم الحكم عام 2002 ، لكن هناك امكانية كبيرة بان (شي) سيكون قادراً على التكيف لمواجهة التحديات الجديدة المتمثلة بالتغيرات المحلية المتسارعة وارباكات البيئة الدولية. ذلك يعود جزئيا، الى ان الحزب الشيوعي الصيني هو كفوء جدا ولديه القدرات والتجارب الناجحة.
تصميم درجات المسؤولية
المراقبون الغربيون للصين استخدموا التقارير المتعلقة بالفساد والفضائح السياسية الحساسة مثل قضية بوشي لاي لوصف الحزب الحاكم بالمريض الذي لا امل في شفائه. المرض موجود، لكن العلاج الاكثر اهمية هو الحزب ذاته. من البديهي ، وكما يبدو للغربيين ان الحزب الشيوعي الصيني تكرست قوته في الدستور الصيني باعتباره واحداً من اجدر المؤسسات السياسية في العالم.
من بين الـ 25 عضو الذين شكلوا المكتب السياسي للمؤتمر الثامن عشر، وهم أعلى هيئة حاكمة في الحزب الشيوعي الصيني، هناك فقط خمسة اعضاء(احيانا يطلق عليهم بالامراء) جاؤوا من خلفيات ارستقراطية. العشرين الاخرين بمن فيهم الرئيس هيو ورئيس الوزراء وين جيباو جاؤوا من الطبقة الوسطى او الدنيا. من الملاحظ ان اكبر لجنة مركزية للحزب الشيوعي الصيني التي تتكون من اكثر من 300 شخص، نجد نسبة العناصر الذين ينتمون لعوائل ثرية وذوي سلطة كانوا من القلائل. الغالبية العظمى من اولئك الذين في الحكومة عملوا وشقوا طريقهم من خلال مراتب او درجات الى القمة. من المسلم به، ان السكرتير العام الجديد (شي) هو ابن قائد الحزب السابق. غير ان الغالبية الساحقة من اولئك الذين تسلقوا السلّم كانت بداياتهم متواضعة.
اذاً كيف يمكن للصين ان تضمن حكم الجدارة او النخبة الكفوءة(meritocracy) ؟ في جوهر القصة هناك موقف ملفت نادراً ما درسهُ الغربيون، وهو يتعلق بقسم التنظيم في الحزب الشيوعي.هذا القسم يُجري عملية متقنة من الاختيار البيروقراطي والتقييم والترقية التي ربما تعوق اي فساد. المكتب السياسي للحزب يستمر بلعب دور بلا شك ولكن الدور الرئيسي هو للجدارة والاستحقاق اللذان يقرران منْ سيصعد عبر تلك الرتب.
في كل سنة، تقوم الحكومة والمنظمات المرتبطة بها بتعيين عدد من خريجي الجامعات في وظائف المستوى الاول ضمن واحد من بين ثلاثة انظمة خاضعة للدولة: وهي الخدمة المدنية، والمشاريع المملوكة للدولة، والمنظمات الاجتماعية المرتبطة بالحكومة مثل الجامعات او برامج الجالية. معظم التعيينات الجديدة تشغل المستوى الادنى،او كي يان (ke yuan).وبعد عدة سنوات يقوم قسم التنظيم بمراجعة ادائهم ويمكنه ترقيتهم خلال اربعة مراتب ادارية شديدة النخبوية وهي : فيو كي(fu ke) ،كي(ke) ،فيو شو(fu chu)، شو(chu).
ان نطاق الوظائف في هذه المستويات هو واسع جداً، يغطي كل شيء من ادارة نظام الرعاية الصحية في القرى الفقيرة الى جذب الاستثمارات التجارية في احياء المدن.
يقوم قسم التنظيم مرة واحدة في السنة بمراجعة سجلات الاداء الكمي لكل مسؤول في كل من تلك الدرجات، ويجري مقابلات مع المتفوقين والزملاء والمرؤوسين، ويفحص السلوك الفردي.استبيانات مكثفة ومستمرة للرأي العام تجرى ايضا وفق اسئلة تتراوح من مدى القناعة بالاتجاه العام للبلاد الى آراء الناس حول السياسات المحلية المحددة والعادية. وحالما يجمع القسم ملفات كاملة عن جميع المرشحين ويتأكد من قناعة الجمهور العامة او عدم قناعته بادائهم، ستقوم اللجان بمناقشة البيانات وترقية الفائزين.
بعد هذه المرحلة، يأخذ مسار الموظفين العموميين اتجاهاً آخراً، والافراد يمكن ان يعملوا اما ضمن او خارج تلك المسارات الثلاثة (الخدمة المدنية والمشاريع المملوكة للدولة والمنظمات الاجتماعية). المسؤول ربما يبدأ العمل في السياسة الاقتصادية ومن ثم ينتقل الى وظيفة تتعامل مع القضايا الاجتماعية او السياسية.هو ربما يذهب من وظيفة حكومية تقليدية الى دور اداري في مشروع مملوك للدولة او جامعة. في عدة حالات،قسم التنظيم يقوم ايضا بارسال عدد كبير من الموظفين الجيدين للخارج ليتعلموا احسن التطبيقات حول العالم. مدرسة كندي للحكومة في جامعة هارفرد والجامعة الوطنية في سنغافورة تستضيفان دائما مسؤولين صينيين في برامجهما التدريبية.
وبمرور الزمن، تتم ترقية العمال الاكثر نجاحا مرة اخرى، الى ما يُعرف بـمستويات (فيو جيو) و (جيو)، وعند هذه النقطة تكون المهمة النموذجية هي ادارة القطاعات ذات الكثافة السكانية المليونية او شركات ذات عوائد تقدر بمئات الملايين من الدولارات. ولكي ندرك مدى صرامة عملية الاختيار، كان في عام 2012 حوالي 900 ألف موظف في مستويي (فيو كي) و (كي) و 600 ألف موظف في مستويي (فيو شو) و (شيو). كان هناك فقط 40 ألف موظف في مستويي (فيو جو) و (جو).
وبعد مستوى (جو)، يصعد عدد قليل من ذوي الذكاء العالي والموهبة متخطين العديد من المراتب حتى يصلوا بالنهاية الى اللجنة المركزية للحزب. ان العملية بالكامل قد تأخذ عقدين او ثلاثة عقود من الزمن، ومعظم من يصل الى القمة يكون قد امتلك خبرة ادارية في كل قطاع من المجتمع الصيني. في الواقع، من بين الاعضاء الـ 25 في المكتب السياسي قبل انعقاد مؤتمر الحزب الثامن عشر، كان هناك 19 عضواً حكموا مقاطعات اكبر حجماً من معظم دول العالم واداروا وزارات بميزانيات اكبر من متوسط ميزانية حكومة قومية. الفرد الذي يمتلك خبرة مهنية موازية لخبرة اوباما قبل الرئاسة سوف لن يتمكن من ادارة حتى مقاطعة صغيرة في النظام الصيني.
ان المسار المهني لـ (شي) هو واضح للعيان.في مسيرة ما يقارب 30 سنة صعد من كونه في مستوى (فيو كي) كنائب لرئيس مقاطعة في قرية فقيرة الى سكرتير حزب في شنغهاي وعضو في المكتب السياسي. وبمرور الزمن وصل شي الى القمة. نجح (شي) في ادارة مناطق بكثافة سكانية تصل الى 150 مليون شخص ولها ناتج محلي اجمالي يبلغ اكثر من واحد ونصف ترليون دولار.عملهُ المهني يُثبت ان الكفاءة هي التي تقود السياسة الصينية وان منْ يصل لقيادة البلاد لابد ان يكون لديه تاريخ مهني ناجح وموثق.
اما الابتكار او الجمود
ان تكنوقراطية الصين المركزية تعزز ايضا الابتكارية والريادة في الاعمال الحكومية. تطبيق سياسة اعلى- اسفل في مواقع منتقاة وتعميم استخدام التجارب الناجحة على كل الدولة ثبتت صحتها.احسن مثال على ذلك هو “المناطق الاقتصادية الخاصة” التي اوجدها (دينج) في الثمانينات من القرن الماضي. اول منطقة كانت في (شينزين). القطاع جرى تشجيعه ليعمل تحت مبادئ السوق بدلا من التخطيط المركزي.اقتصاد شينزين نما بسرعة،وهو ما شجع الحكومة المركزية على تكرار البرنامج في مدن زوهاي و شانتو، وفي مقاطعة جونكدونج، واكسامين وفي مقاطعة فوجان وفي جميع انحاء منطقة هينان.
هناك ايضا آلاف من تجارب السياسة التي تنبثق من المستويات الدنيا. سوق الوظائف الحكومية التنافسية يعطي للمسؤولين المحليين الكفوئين الحوافز لتبنّي المخاطرة وتمييز انفسهم عن المجموعة. من بين 2326 ممثل حزبي حضروا مؤتمر الحزب الثامن عشر، برز (كيو هي) نائب سكرتير الحزب لمقاطعة يانان.في المؤتمر،اختير كيو كعضو مناوب في اللجنة المركزية، وهو شخص في سن الـ 55 يتمتع باستقلالية التفكير والاقرب الى قمة المؤسسة السياسية. كيو هو رجل السياسة الافضل من نوعه. ولد في منطقة ريفية فقيرة في الصين،كان ينظر الى اثنين من اخوانه الثمانية وهم يموتون بامراض نقص التغذية. بعد اجتيازه امتحان القبول في الكلية الوطنية، اصبح قادراً على حضور الجامعة. عندما دخل ميدان العمل شغل العديد من وظائف الخدمة المدنية في المستويات الدنيا قبل ان يُعين كسكرتير للحزب في مقاطعة شايانغ، الى الشمال من مقاطعة جانكسو في التسعينات. كانت مقاطعة شينانغ افقر المناطق الريفية في البلاد تضم 1.7 مليون شخص بدخل فردي بمقدار 250 دولار(اقل من خمس المعدل القومي).والمقاطعة عانت ايضا من نسبة الجرائم العالية والفساد الحكومي المدمر.
قام كيو بعدد واسع من التجارب السياسية الشائكة والخطيرة، لو انها فشلت سوف تقضي على مستقبله السياسي. كان تركيزه الاول على اقتصاد شيانك المتعثر. في عام 1997 افتتح كيو برنامج شراء السندات الالزامية المحلية. البرنامج يتطلب من المقيمين في كل مقاطعة شراء سندات لتمويل مشاريع البنية التحتية ذات الحاجة الملحة. نجاح الخطة كان مضاعفاً. اولا،هو لم يستطع توفير المال عبر الضرائب لأنه، في هذا المستوى، ليست لديه سلطة ضريبية. ثانيا، برنامج السندات الالزامية وفر للمواطنين في شيانك شيئا لا توفره الضرائب: نعم، كان مطلوباً منهم شراء السندات لكنهم في النهاية استرجعوا نقودهم مرة اخرى مع الفوائد.كيو ايضا خصص حصص لكل مسؤول مقاطعة حكومية لجذب الاستثمارات التجارية.ولكي يدعم جهودهم بالاضافة الى إعمار المناطق،عرض كيو نسب ضريبة مشجعة واراضي رخيصة للشركات. وفي غضون سنوات قليلة،انتشرت الالاف من المشاريع الخاصة وتحولت الملكيات الريفية المخططة مركزيا الى اقتصاد سوق نابض بالحياة.
التركيز الثاني لكيو هو مكافحة الفساد وانعدام الثقة بين السكان والحكومة.في اواخر التسعينات،هو اسس اثنين من المعايير غير المسبوقة لجعل اختيار المسؤولين اكثر شفافية وتنافسية.احدهما كان نشر التعيينات الرسمية المقرر اجرائها قبل اتخاذ القرارات النهائية لكي يسمح للناس بفترة للتعليق.اما الاخر كان ادخال نظام التصويت بمستويين الامر الذي مكّن القرويين للتصويت بين اعضاء الحزب لمرشحيهم المفضلين لوظائف معينة. لجنة الحزب المحلية بعدئذ تختار بين اعلى الحاصلين على صوتين.
كيو واجه في البدء مقاومة هائلة من البيروقراطية المحلية ومن السكان.ولكن اليوم، هو له الفضل في تحويل واحدة من اكثر الاقاليم المتخلفة في البلاد الى مركز حضري رائع للتجارة والتصنيع.الاقاليم الفقيرة الاخرى تبنّت العديد من تجاربه في السياسة الاقتصادية.علاوة على ذلك، جرى تبنّي فترة المناقشة العامة بشكل واسع في عموم الصين.التصويت التنافسي يجد طريقه الى اعلى المستويات الهيراركية للحزب. كيو كوفئ شخصيا بالانتقال بسرعة الى اعلى السلّم: الى نائب حاكم مقاطعة جيانكسو ثم الى مدير بلدية كومن ثم الى نائب سكرتير الحزب في مقاطعة ينان والآن عضو مناوب في اللجنة المركزية.
الاهتداء بالمطالب الشعبية
حتى لو وافق المنتقدون على ان الحكومة الصينية متكيفة وتكنوقراطية، هم لازالوا يتسائلون عن شرعيتها. الغربيون يفترضون ان الانتخابات التعددية هي المصدر الوحيد للشرعية السياسية. ولأن الصين لا تعمل بهذه الانتخابات، فان الحزب الشيوعي الصيني الحاكم يرتكز بطبيعته على ارض رخوة. وفق هذا المنطق تنبأ النقاد بانهيار الحزب منذ عقود ولكن لم يحصل اي انهيار.احدث صيغ الجدال كانت ان الحزب الشيوعي الصيني تمكن من الاحتفاظ بالسلطة فقط بسبب ما حققه من نمو اقتصادي- او ما يسمى بشرعية الاداء.
لاشك ان الآداء يشكل مصدراً رئيسياً لشعبية الحزب. ففي استبيان لمواقف الصينيين نشرهُ مركز ابحاث (بيو) عام 2011 وُجد ان 87% من المستجوبين اعربوا عن قناعتهم بالاتجاه العام للبلاد، 66% اعلنوا عن تقدم كبير في حياتهم في السنوات الخمس الماضية، 74% قالوا انهم يتوقعون مستقبلاً افضل. ان شرعية الاداء، هي فقط مصدر واحد لدعم شعبية الحزب. الشيء الاكثر اهمية هو دور القومية الصينية والشرعية الاخلاقية.
عندما قام الحزب الشيوعي الصيني ببناء نصب تذكاري لأبطال الشعب في مركز ساحة تينامين عام 1949، هو تضمن رمزاً فنيا يصور كفاح الصينيين لتأسيس الجمهورية الشعبية. ربما يتوقع احد ان الحزب الشيوعي الصيني- الحزب الماركسي اللينيني،سيجعل اعظم قصة رمزية سياسية له تبدأ مع الشيوعية – كأن تكون مثلا كتابة البيان الشيوعي او ميلاد الحزب الشيوعي الصيني في عام 1921. بدلا من ذلك، كانت اول المعالم الفنية في النصب تصف حدثا يعود لعام 1839: فيه الناس يحرقون افيوناً استوردهُ (لن زيكسو) وزير امبراطوري من سلالة كيونك، والذي اثار اولى حروب الافيون. خسارة الصين اللاحقة لبريطانيا جسدت ما سمي قرن الاذلال. في المئة السنة اللاحقة عانت الصين من الغزو والحروب والمجاعات المتعددة التي اختُزنت كلها في الذاكرة الشعبية حتى عام 1949. واليوم، يبقى تمثال الرموز الابطال موقعاً عاماً مقدساً وأهم رمز للسلطة الاخلاقية والقومية للحزب الشيوعي الصيني.
ان دور الحزب في حماية وتحديث الصين هو مصدر الشرعية الاكثر ديمومة من مصدر الاداء الاقتصادي للبلاد. انه يوضح لماذا حتى في اسوأ اوقات حكم الحزب في الـ 63 سنة الماضية، بما فيها كارثة الوثبة الكبرى والثورة الثقافية، كان الحزب الشيوعي قادراً على ادامة دعم التيار الرئيسي في الصين لفترة طويلة تكفي لتصحيح اخطائه. انجازات الصين الاخيرة،بدءاً من النمو الاقتصادي وحتى استكشاف الفضاء، تعزز قوة العاطفة القومية في البلاد خاصة بين الشباب. الحزب يستطيع الوثوق بدعمهم لعدة عقود قادمة. السبب الاخر لإدامة الحكم يأتي من القمع، الذي يعتبرهُ المراقبون الغربيون القوة الحقيقية وراء الحزب الشيوعي. هم يشيرون الى الرقابة على المطبوعات وتعامل النظام القاسي مع المنشقين والذي هو قائم فعلاً. لكن الحزب يعرف جيدا ان القمع العام لا يمكن الاستمرار فيه. بدلا من ذلك، هو يسعى لتطبيق سياسة الاحتواء الانيق. الاستراتيجية التي يؤمن بها هي ان يعطي الغالبية العظمى من السكان نطاقاً واسعاً من الحريات الفردية. واليوم، نرى الشعب الصيني اكثر تحرراً من اي فترة اخرى في الذاكرة الحديثة، معظم الصينيين يستطيعون العيش اينما يريدون ويعملون حيثما يختارون، يذهبون للعمل دون اي معوقات، الفرد الصيني يستطيع السفر داخل الدولة وخارجها وينتقد علناً الحكومة على الاون لاين دون خوف او وجل. في هذه الاثناء، تركز سلطة الدولة على احتواء عدد صغير من الافراد الذين لديهم اجندة سياسية معينة ويريدون الاطاحة بنظام الحزب الواحد. وكما يعرف اي مراقب عادي،عبر السنوات العشر الاخيرة، ان كمية الانتقاد ضد الحكومة في الاون لاين وفي الصحف المطبوعة تزايدت اضعافا مضاعفة – دون اي انتقام . في كل سنة، هناك عشرات الالاف من المحتجين المحليين ضد سياسات معينة. معظم الخلافات تُحل بطريقة سلمية. لكن الحكومة تتعامل بشدة مع القلة من الافراد الذين يسعون الى تخريب النظام السياسي الصيني، مثل ليو اكسيبو، الناشط الذي يدعو الى انهاء نظام الحزب الواحد والذي هو الآن في السجن.
ذلك لا يعني القول بعدم وجود مشاكل. الفساد يمكن ان يؤذي جداً سمعة الحزب الشيوعي. لكنه سوف لن يحطم وبسرعة نظام الحزب الحاكم. الفساد لم يكن متأصلاً في النظام السياسي الصيني وانما هو نتاج عرضي للتحول السريع للبلاد.عندما قطعت الولايات المتحدة مسار التصنيع قبل 150 سنة ، كان العنف، وفجوة الثروة، والفساد في البلاد مساوي لما هو عليه الان في الصين ان لم يكن اسوأ منه. وطبقا لتقارير الشفافية الدولية، كان ترتيب الصين في الفساد العالمي 75 وهي تتحسن تدريجيا.هي اقل فساداً من اليونان (ترتيبها 80) ومن الهند (95) واندونيسيا والارجنتين (100) والفلبين(129)- في كل منها ديمقراطية انتخابية. وضمن هذا السياق،لا يمكن اعتبار فساد الحكومة الصينية موضوعاً مستعصياً.حيث ان المؤازرة الشعبية للحزب المتجذرة بعمق سوف تسمح له بالتعامل حتى مع أقسى المشاكل.
دخول التنين
ان قادة الصين الجدد سوف يحكمون البلاد في العشر سنوات القادمة، خلالها هم سوف يثقون بقدرة الحزب الشيوعي على التكيف، وادارة النخب الكفوءة، وشرعية معالجة التحديات الكبرى. ومع ان الركود الاقتصادي الحالي مقلق، لكنه بشكله الأعم لا يخرج عن الطبيعة الدائرية ،هو ليس ركوداً هيكليا.
هناك قوتان سوف تنشطان الاقتصاد لجيل آخر على الاقل: هما التمدين urbanization وريادة الاعمال entrepreneurship .في عام 1990، كان فقط 25% من الصينيين يعيشون في المدن.اليوم، يعيش فيها 51%. قبل عام 2040، يُتوقع 75%من السكان – تقريبا بليون شخص –ان يقيموا في المدن. حجم الطرق الجديدة والمساكن والمنافع العامة وشبكات الاتصالات المطلوبة لمجاراة هذا التوسع هي مذهلة. ولذلك، فان ما يبدو من اي فقاعة سكنية او فقاعة بنية تحتية ستكون طارئة وقصيرة جداً.
في الحقيقة، سوف تحتاج قيادة الصين الجديدة للاستمرار وحتى لزيادة الاستثمار في هذه القطاعات في السنوات القادمة. ذلك الاستثمار وقوة العمل الجديدة الهائلة في المناطق الحضرية مع كل انتاجها واستهلاكها، سوف يرفع نسبة النمو الاقتصادي. وان مقدرة الحزب الاستثنائية على تطوير وتنفيذ السياسة وسلطته السياسية سوف تمكنانه من ادارة هذه العمليات.
ان المبادرة (المخاطرة في الاعمال) سوف تساعد الصين في التغلب على التهديدات لنموذجها الاقتصادي القائم على التصدير. خارجيا، ادى الركود الاقتصادي العالمي وارتفاع قيمة العملة الى خفض تجارة الصين. داخليا، ارتفعت تكاليف العمالة في مناطق التصنيع الساحلية في البلاد. لكن السوق سيحل هذه المشاكل. في الواقع، لم تكن معجزة الصين الاقتصادية مرتبطة فقط بظاهرة التخطيط المركزي.بل ان بكين عملت على تطوير نموذج اقتصاد سوق قوي، كان رجال الاعمال النشطين هم الدماء للنظام. وهؤلاء المخاطرون يتمتعون بالقابلية الكبيرة للتكيف. بعض الصناعات الرخيصة الكلفة انتقلت الى الداخل بعيدا عن الساحل لكبح تكاليف العمل. هذا تزامن مع استثمارات البنية التحتية الثقيلة للحكومة والجهود الابتكارية لجذب الشركات الجديدة. في المناطق الساحلية، هناك العديد من الشركات تنتج باستمرار بضائع عالية الكلفة.
بالطبع، الحكومة ستحتاج للقيام بتسويات اقتصادية. ذلك لأن العديد من المشاريع المملوكة للدولة تضخمت كثيرا وادّى الانفاق المتزايد عليها الى خفض النمو في القطاع الخاص وهو قطاع حيوي للاقتصاد. كذلك تم اعتماد خططاً تتطلب من الشركات ان تدفع ارباحاً للمساهمين كما فُرضت قيوداً اخرى على التوسع. هذه الخطط يُحتمل ان تُنفذ مبكرا في الادارة الجديدة. تنفيذ بعض الاجراءات يشجع التحرير المالي، مثل السماح للسوق ليقرر سعر الفائدة وتطوير مؤسسات اقراض خاصة صغيرة ومتوسطة الحجم، التي بدورها سوف تقلل كثيرا من اسعار البنوك المملوكة للدولة ذات السمة الاحتكارية في عمليات الاقراض التجاري. هذه الاصلاحات سوف تسهّل تدفق رأس المال الفعال الى الشركات.
التحرير الاقتصادي يُحتمل ان يتوازى مع مسارين من اصلاح السياسة الاجتماعية. اولا، ان عملية توسيع مظلة الحزب ، والتي بدأت مع جيانك في دمجه رجال الاعمال مع الحزب الشيوعي، ستتسارع. ثانيا، سيبدأ الحزب بممارسة تفويض مهام الرعاية الاجتماعية المحددة الى منظمات غير حكومية كفوءة. التمدين السريع يسهل نمو القطاعات الشعبية ذات الدخل المتوسط. وبدلا من المطالبة بحقوق سياسية مطلقة، كما يتوقع العديد في الغرب، ركز تمدين الصينيين على ما يسمى قضية (معيشة “من شينغ”). الحزب قد لا يكون قادراً على ادارة هذه المخاوف لوحده. ولذا ستتم دعوة الشركات الخاصة والمنظمات غير الحكومية لتوفير الرعاية الصحية والتعليم في المدن، وهي العملية التي بدأت سلفا في مقاطعة جونغدونغ.
ان القضاء على الفساد بقي هو المهمة الصعبة. في السنوات الاخيرة، احدى العوائل المرتبطة بقادة الحزب استعملت تأثيرها السياسي لبناء شبكة كبيرة من المصالح التجارية. المحسوبية تنتشر من القمة الى الاسفل، والتي قد تهدد في النهاية حكم الحزب. قام الحزب بصياغة ستراتيجية من ثلاثة محاور للقضاء على المشكلة، ستنفذها القيادة الجديدة.ان المؤسسة الاكثر اهمية لإحتواء الفساد هي اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني لفحص الانضباط. قائد المؤسسة عادة يجلس في اللجنة الدائمة في الهيئة المركزية للحزب ولديه سلطة أعلى من اي جهاز قضائي في الدولة.هذا الشخص يستطيع احتجاز واستجواب اعضاء الحزب المشكوك بفسادهم دون حدود قانونية. في السنوات الاخيرة، كانت اللجنة قاسية جدا. في عام 2011، أجرت اللجنة تحقيقات رسمية في 137 ألف و 859 حالة قادت الى اتخاذ اجراءات تأديبية او اتهامات قانونية ضد مسؤولي الحزب.هذا العدد يمثل زيادة بمقدار اربعة اضعاف عن السنوات التي سبقت 1989، حين كان الفساد احد القضايا الرئيسية المسببة لإحتجاجات تينامين. احدى المسائل الهامة التي سيُنظر فيها اثناء الادارة المقبلة هي ما اذا كانت لدى الادارة السلطة في التحقيق بالاعمال المشينة للحلقة الداخلية القريبة من قيادة الحزب، حيث سيكون الفساد المقرر الرئيسي لمصداقية الحزب.
ان استكمال جهود الحزب المضادة للرشوة يتم بزيادة استقلالية الإعلام بشقيه الحكومي والخاص.المنظمات الجديدة كشفت سلفا عن حالات من فساد المسؤولين ونشرت استنتاجاتها على الانترنيت.الحزب الشيوعي الصيني استجاب بمتابعة بعض الحالات التي سلط عليها الاعلام الضوء. بالطبع،هذا النظام هو غير محصن، وبعض قنوات الاعلام هي ذاتها فاسدة. المدفوعات المحرمة للصحفيين والقصص المفركة هي مألوفة. اذا لم تُصحح هذه المشاكل بسرعة فان الاعلام الصيني سيفقد ما لديه من مصداقية.
طبقا لذلك، ربما تطور الادارة القادمة قوانين سياسية اكثر تعقيدا وقيود قانونية على الصحفيين وبما يسمح للقطاع بالنضج. المسؤولون ناقشوا سلفا مأسسة قانون الصحافة بما يحمي التقارير المشروعة والحقيقية ويعاقب افعال التشهير وسوء المعالجة. البعض ربما ينظر الى المبادرة كانها كبح للصحفيين من جانب الحكومة، لكن التأثير الكبير سيكون في جعل الميديا اكثر مصداقية في عيون الشعب الصيني.الصحفيون الذين يستلمون رشاوي او يخترعون الشائعات لجذب القراء يصعب عليهم اكتشاف فساد الحكومة.
ايضا لكي يعالج الفساد، يخطط الحزب لزيادة المنافسة المفتوحة ضمن صفوفه. متحفزاً بجهود المسؤولين مثل كيو. الامل هو ان مثل هذه المنافسة ستنشر الغسيل القذر وتحبط السلوك غير اللائق. ان ادارة (هيو) دشنت برنامج “الديمقراطية الداخلية” لتسهّل المنافسة المباشرة على المقاعد في لجان الحزب، وهي الفكرة التي نالت ثناءاً كبيراً في المؤتمر الثامن عشر.
إعادة عمل التاريخ
حينما تنجح مبادرات المؤتمر الثامن عشر للحزب، فان عام 2012 سيُنظر اليه في يوم ما كعلامة تاريخية لنهاية فكرة الديمقراطية الانتخابية باعتبارها النظام الوحيد الشرعي والفعال للحوكمة السياسية. وبينما تتطور الصين، نرى الغرب يزداد بؤساً : منذ ان ربحت الحرب الباردة، سمحت الولايات المتحدة ،وخلال جيل واحد، لطبقتها الوسطى لتتآكل. وبنيتها التحتية تمر في حالة سيئة،وسياستها سواء الانتخابية او التشريعية سقطت اسيرة للنقود وللمصالح الخاصة. مستقبل اجيالها سيكون مثقلاً بالديون بحيث اصبح الهبوط الدائم في مستوى المعيشة حقيقة ثابتة. في اوربا ايضا،ادت الصعوبات السياسية والاجتماعية والاقتصادية الى جنوح المشروع الاوربي. بينما في نفس الوقت، رفعت الصين مئات الملايين من الناس من الفقر المدقع وهي الآن قوة صناعية رائدة.
ان شقاء الغرب هو مفروض ذاتيا .الإدعاء بان النظام الانتخابي الغربي مثالي ومعصوم، أعاق التصحيح الذاتي له.الانتخابات يُنظر اليها كغاية بذاتها، وليست مجرد وسيلة للحوكمة الجيدة. وبدلا من انتاج قادة كفوئين ، اصبح من الصعب على القادة الجيدين الوصول الى السلطة بسبب السياسات الانتخابية. وفي حالات قليلة عندما يتم ذلك، سيجدون انفسهم في حالة شلل تام بفعل انظمتهم السياسية والقانونية.عندما تسافر وزيرة الخارجية الامريكية هيلري كلنتون للخارج ممجدةً الديمقراطية الانتخابية، فانها تتناسى ما يحصل من تآكل في شرعية جميع المؤسسات السياسية الامريكية. نسبة موافقة الامريكيين على الكونغرس لم تتعدّ 18% في نوفمبر.الرئيس كان يؤدي نوعا ما افضل حين حاز على 50%. وحتى التأييد للمحكمة العليا المستقلة سياسيا انخفض الى ما دون الـ 50%.
العديد من الدول النامية تعلمت سلفاً ان الديمقراطية لا تحل جميع مشاكلها. بالنسبة لهم ،الصين مثال مهم. نجاحها الاخير وفشل الغرب يعكس تبايناً صارخاً. ان نموذج الصين السياسي لن يستبدل ابداً الديمقراطية الانتخابية،لأنه، على عكس الديمقراطية الغربية، نظامها لا يتظاهر بالعالمية.هو لا يمكن تصديره. لكن نجاحه يبين ان العديد من انظمة الحكم السياسي يمكنها ان تعمل عندما تنسجم مع ثقافة البلد وتاريخه. ان اهمية نجاح الصين هي ليس لأن الصين تعطي العالم البديل وانما لانها تُثبت ان هناك خيارات اخرى ناجحة. قبل 40 سنة ، تنبأ المفكرالسياسي فرنسيس فوكاياما في “نهاية التاريخ والانسان الاخير” بان كل الدول ستتبنى بالنهاية الديمقراطية الليبرالية لكنه شعر بالأسى لأن العالم سيكون مكانا ضجراً نتيجة لذلك. الشفاء قادم الينا، ونحن على مقربة منه وربما سيكون زماننا اكثر متعةً.
في نوفمبر 2012 عقد الحزب الشيوعي الصيني مؤتمره الوطني الثامن عشر دعا فيه لنقل السلطة الى جيل جديد من القادة. وكما متوقع، تولّى شي جين بينغ(Xi Jinping) السلطة كسكرتير عام للحزب واصبح رئيساً لجمهورية الصين الشعبية في مارس 2013. التحول كان سلسا ومرتباً جيداً في دولة عظمى تنهض بثقة عالية. غير ان ذلك التحول لم يمنع الاعلام الدولي وحتى المفكرين الصينيين من وصف الحدث بلحظة الكارثة. في عدد الايكونومست الصادر قبل بداية المؤتمر نقلت المجلة عن باحث لم يذكر اسمه قوله ” الصين هي عدم استقرار في الطبقة الدنيا واكتئاب في الطبقة الوسطى، وفقدان السيطرة في القمة”. قبل شهور من نقل السلطة ، ادّت الفضيحة التي احاطت بـ بوشي لاي (Bo Xilai) الرئيس السابق لفرع الحزب في بلدية تشو نغتشينغ الى تشويه مظهر وحدة الحزب الشيوعي الصيني، تلك الوحدة التي كانت السبب في الحفاظ على الاستقرار السياسي الداخلي منذ اضطرابات ساحة تينامين عام 1989. والشيء الاسوأ ان الاقتصاد الصيني الذي حافظ على نسبة نمو كبيرة في الناتج المحلي الاجمالي طوال عقدين بدأ يتثاقل في سبعة فصول متتالية.النموذج الصيني في التصنيع السريع والتصنيع المعتمد على العمالة المكثفة والاستثمار الحكومي الواسع في البنية التحتية ونمو الصادرات يبدو انه توقف تقريبا.البعض في الصين وفي الغرب ذهبوا بعيداً في التنبؤ بنهاية دولة الحزب الواحد والتي وفق ادعائهم لا يمكن ان تستمر اذا توقف القادة السياسيون الكبار عن تقديم معجزات اقتصادية.
مثل هذا التشاؤم، هو في غير محله. لا شك ان هناك تحديات شاقة تنتظر الرئيس(شي). لكن اولئك الذين يعتقدون ان الحزب الشيوعي الصيني غير قادر على التعامل معها انما هم يخطئون تماما السياسة الصينية وقدرتها المرنة في ادارة مؤسساتها الحاكمة. بكين ستكون قادرة على مواجهة امراض الدولة بدينامية ومرونة و بفضل قدرة الحزب الشيوعي الصيني على التكيف، واعتماد نظام النخب الكفوءة القائم على المقدرة والذكاء (meritocracy)، وعلى الشرعية امام الشعب الصيني. في العقد القادم، ستستمر الصين بالصعود وليس بالتراجع. ان قادة الصين سيعززون نموذج الحزب الواحد وهم في هذه العملية سيتحدّون الحكمة التقليدية الغربية حول التطور السياسي والمسيرة الحتمية نحو الديمقراطية الانتخابية. في عاصمة المملكة الوسطى، سيشهد العالم ولادة مستقبل ما بعد الديمقراطية.
التعلم اثناء العمل
الادّعاء بان حكم الحزب الواحد غير قادر بطبيعته على التصحيح الذاتي لا يعكس السجل التاريخي للصين. خلال الـ 63 سنة من الحكم، اثبت الحزب الشيوعي قدرته الاستثنائية على التكيف. منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية عام 1949 اعتمدت الدولة نطاقاً واسعاً من السياسات الاقتصادية. اولا، قام الحزب بادخال المزارع الجماعية الراديكالية في بداية الخمسينات. هذا تبعهُ سياسات الوثبة الكبرى في اواخر الخمسينات والثورة الثقافية في اواخر الستينات حتى اواسط السبعينات. بعد ذلك جاء نظام شبه الخصخصة للاراضي الزراعية في بداية الستينات، اصلاحات السوق لـ (دنغ شياو بينغ) في اواخر السبعينات، وافتتاح (جيانغ زيمين) عضوية الحزب الشيوعي لرجال الاعمال في القطاع الخاص في التسعينات. الهدف الاساسي كان دائما النمو الاقتصادي، وعندما لا تعمل السياسة كما في – الوثبة الكبرى الكارثية والثورة الثقافية – كانت الصين قادرة على ايجاد البدائل الناجحة: مثل، إصلاحات (دينج)، التي قفزت بالاقتصاد الصيني الى موقع ثاني اكبر اقتصاد في العالم.
وعلى جبهة المؤسسات ايضا، لم يكن الحزب الشيوعي الصيني بعيداً عن الاصلاحات.احد الامثلة هو وضع حدود زمنية في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي لمعظم المواقع السياسية (وحتى تحديد سنوات العمر بـ 68-70 لمعظم القيادات العليا في الحزب). قبل هذا، كان القادة السياسيون قادرين على استخدام مواقعهم للاحتفاظ بالسلطة وادامة حكمهم. ماو زيدونك كان مثالا جيداً. هو أنهى الحرب الاهلية التي عمّت الصين ودحر الغزو الاجنبي ليصبح مؤسساً للصين الحديثة.غير ان حكمهُ الطويل قاد الى اخطاء كارثية مثل الثورة الثقافية. حاليا، يستحيل تقريبا للقلة التي في أعلى السلم الاحتفاظ بسلطة طويلة الامد. الحركة التصاعدية ضمن الحزب تزايدت ايضا.
وبالنسبة للسياسة الخارجية، غيرت الصين ايضا نهجها عدة مرات لتحقق العظمة القومية.هي انتقلت من التحالف الوثيق مع موسكو في الخمسينات الى تحالف ظاهري مع الولايات المتحدة في السبعينات والثمانينات عندما سعت الاخيرة لإحتواء الاتحاد السوفيتي. واليوم ،اعتمادها لسياسة خارجية اكثر استقلاليةً وضعها مرة اخرى في تضاد مع الولايات المتحدة. لكن الصين في سعيها الدائم للعظمة هي تريد تحدّي السوابق التاريخية وتنهض بسلام متجنبةً العسكرة التي سادت المانيا واليابان في النصف الاول من القرن الماضي.
ومع اجتياز الصين للسنوات العشر من التحول، تزايدت الدعوات داخل البلاد وخارجها لجولة اخرى من الاصلاح السياسي. احد المعسكرات الراديكالية في الصين وفي الخارج يطالب الحزب بان يسمح بالانتخابات والتعددية الحزبية او على الاقل يقبل بفصائل داخلية رسمية ضمن الحزب ذاته. وفق هذه الرؤية، فقط النظام البرلماني التعددي هو منْ يضمن حصول الصين على القيادة التي تحتاجها. ومهما كانت تلك الدعوات صادقة ،الاّ انها جميعها تجانب الحقيقة الاساسية: وهي ان الحزب الشيوعي الصيني كان واحداً من اكثر المنظمات السياسية القادرة على التصحيح الذاتي في التاريخ الحديث. لاشك ان قادة الصين الجدد يواجهون عالما مختلفا عما قام به هيو جيناتو حين استلم الحكم عام 2002 ، لكن هناك امكانية كبيرة بان (شي) سيكون قادراً على التكيف لمواجهة التحديات الجديدة المتمثلة بالتغيرات المحلية المتسارعة وارباكات البيئة الدولية. ذلك يعود جزئيا، الى ان الحزب الشيوعي الصيني هو كفوء جدا ولديه القدرات والتجارب الناجحة.
تصميم درجات المسؤولية
المراقبون الغربيون للصين استخدموا التقارير المتعلقة بالفساد والفضائح السياسية الحساسة مثل قضية بوشي لاي لوصف الحزب الحاكم بالمريض الذي لا امل في شفائه. المرض موجود، لكن العلاج الاكثر اهمية هو الحزب ذاته. من البديهي ، وكما يبدو للغربيين ان الحزب الشيوعي الصيني تكرست قوته في الدستور الصيني باعتباره واحداً من اجدر المؤسسات السياسية في العالم.
من بين الـ 25 عضو الذين شكلوا المكتب السياسي للمؤتمر الثامن عشر، وهم أعلى هيئة حاكمة في الحزب الشيوعي الصيني، هناك فقط خمسة اعضاء(احيانا يطلق عليهم بالامراء) جاؤوا من خلفيات ارستقراطية. العشرين الاخرين بمن فيهم الرئيس هيو ورئيس الوزراء وين جيباو جاؤوا من الطبقة الوسطى او الدنيا. من الملاحظ ان اكبر لجنة مركزية للحزب الشيوعي الصيني التي تتكون من اكثر من 300 شخص، نجد نسبة العناصر الذين ينتمون لعوائل ثرية وذوي سلطة كانوا من القلائل. الغالبية العظمى من اولئك الذين في الحكومة عملوا وشقوا طريقهم من خلال مراتب او درجات الى القمة. من المسلم به، ان السكرتير العام الجديد (شي) هو ابن قائد الحزب السابق. غير ان الغالبية الساحقة من اولئك الذين تسلقوا السلّم كانت بداياتهم متواضعة.
اذاً كيف يمكن للصين ان تضمن حكم الجدارة او النخبة الكفوءة(meritocracy) ؟ في جوهر القصة هناك موقف ملفت نادراً ما درسهُ الغربيون، وهو يتعلق بقسم التنظيم في الحزب الشيوعي.هذا القسم يُجري عملية متقنة من الاختيار البيروقراطي والتقييم والترقية التي ربما تعوق اي فساد. المكتب السياسي للحزب يستمر بلعب دور بلا شك ولكن الدور الرئيسي هو للجدارة والاستحقاق اللذان يقرران منْ سيصعد عبر تلك الرتب.
في كل سنة، تقوم الحكومة والمنظمات المرتبطة بها بتعيين عدد من خريجي الجامعات في وظائف المستوى الاول ضمن واحد من بين ثلاثة انظمة خاضعة للدولة: وهي الخدمة المدنية، والمشاريع المملوكة للدولة، والمنظمات الاجتماعية المرتبطة بالحكومة مثل الجامعات او برامج الجالية. معظم التعيينات الجديدة تشغل المستوى الادنى،او كي يان (ke yuan).وبعد عدة سنوات يقوم قسم التنظيم بمراجعة ادائهم ويمكنه ترقيتهم خلال اربعة مراتب ادارية شديدة النخبوية وهي : فيو كي(fu ke) ،كي(ke) ،فيو شو(fu chu)، شو(chu).
ان نطاق الوظائف في هذه المستويات هو واسع جداً، يغطي كل شيء من ادارة نظام الرعاية الصحية في القرى الفقيرة الى جذب الاستثمارات التجارية في احياء المدن.
يقوم قسم التنظيم مرة واحدة في السنة بمراجعة سجلات الاداء الكمي لكل مسؤول في كل من تلك الدرجات، ويجري مقابلات مع المتفوقين والزملاء والمرؤوسين، ويفحص السلوك الفردي.استبيانات مكثفة ومستمرة للرأي العام تجرى ايضا وفق اسئلة تتراوح من مدى القناعة بالاتجاه العام للبلاد الى آراء الناس حول السياسات المحلية المحددة والعادية. وحالما يجمع القسم ملفات كاملة عن جميع المرشحين ويتأكد من قناعة الجمهور العامة او عدم قناعته بادائهم، ستقوم اللجان بمناقشة البيانات وترقية الفائزين.
بعد هذه المرحلة، يأخذ مسار الموظفين العموميين اتجاهاً آخراً، والافراد يمكن ان يعملوا اما ضمن او خارج تلك المسارات الثلاثة (الخدمة المدنية والمشاريع المملوكة للدولة والمنظمات الاجتماعية). المسؤول ربما يبدأ العمل في السياسة الاقتصادية ومن ثم ينتقل الى وظيفة تتعامل مع القضايا الاجتماعية او السياسية.هو ربما يذهب من وظيفة حكومية تقليدية الى دور اداري في مشروع مملوك للدولة او جامعة. في عدة حالات،قسم التنظيم يقوم ايضا بارسال عدد كبير من الموظفين الجيدين للخارج ليتعلموا احسن التطبيقات حول العالم. مدرسة كندي للحكومة في جامعة هارفرد والجامعة الوطنية في سنغافورة تستضيفان دائما مسؤولين صينيين في برامجهما التدريبية.
وبمرور الزمن، تتم ترقية العمال الاكثر نجاحا مرة اخرى، الى ما يُعرف بـمستويات (فيو جيو) و (جيو)، وعند هذه النقطة تكون المهمة النموذجية هي ادارة القطاعات ذات الكثافة السكانية المليونية او شركات ذات عوائد تقدر بمئات الملايين من الدولارات. ولكي ندرك مدى صرامة عملية الاختيار، كان في عام 2012 حوالي 900 ألف موظف في مستويي (فيو كي) و (كي) و 600 ألف موظف في مستويي (فيو شو) و (شيو). كان هناك فقط 40 ألف موظف في مستويي (فيو جو) و (جو).
وبعد مستوى (جو)، يصعد عدد قليل من ذوي الذكاء العالي والموهبة متخطين العديد من المراتب حتى يصلوا بالنهاية الى اللجنة المركزية للحزب. ان العملية بالكامل قد تأخذ عقدين او ثلاثة عقود من الزمن، ومعظم من يصل الى القمة يكون قد امتلك خبرة ادارية في كل قطاع من المجتمع الصيني. في الواقع، من بين الاعضاء الـ 25 في المكتب السياسي قبل انعقاد مؤتمر الحزب الثامن عشر، كان هناك 19 عضواً حكموا مقاطعات اكبر حجماً من معظم دول العالم واداروا وزارات بميزانيات اكبر من متوسط ميزانية حكومة قومية. الفرد الذي يمتلك خبرة مهنية موازية لخبرة اوباما قبل الرئاسة سوف لن يتمكن من ادارة حتى مقاطعة صغيرة في النظام الصيني.
ان المسار المهني لـ (شي) هو واضح للعيان.في مسيرة ما يقارب 30 سنة صعد من كونه في مستوى (فيو كي) كنائب لرئيس مقاطعة في قرية فقيرة الى سكرتير حزب في شنغهاي وعضو في المكتب السياسي. وبمرور الزمن وصل شي الى القمة. نجح (شي) في ادارة مناطق بكثافة سكانية تصل الى 150 مليون شخص ولها ناتج محلي اجمالي يبلغ اكثر من واحد ونصف ترليون دولار.عملهُ المهني يُثبت ان الكفاءة هي التي تقود السياسة الصينية وان منْ يصل لقيادة البلاد لابد ان يكون لديه تاريخ مهني ناجح وموثق.
اما الابتكار او الجمود
ان تكنوقراطية الصين المركزية تعزز ايضا الابتكارية والريادة في الاعمال الحكومية. تطبيق سياسة اعلى- اسفل في مواقع منتقاة وتعميم استخدام التجارب الناجحة على كل الدولة ثبتت صحتها.احسن مثال على ذلك هو “المناطق الاقتصادية الخاصة” التي اوجدها (دينج) في الثمانينات من القرن الماضي. اول منطقة كانت في (شينزين). القطاع جرى تشجيعه ليعمل تحت مبادئ السوق بدلا من التخطيط المركزي.اقتصاد شينزين نما بسرعة،وهو ما شجع الحكومة المركزية على تكرار البرنامج في مدن زوهاي و شانتو، وفي مقاطعة جونكدونج، واكسامين وفي مقاطعة فوجان وفي جميع انحاء منطقة هينان.
هناك ايضا آلاف من تجارب السياسة التي تنبثق من المستويات الدنيا. سوق الوظائف الحكومية التنافسية يعطي للمسؤولين المحليين الكفوئين الحوافز لتبنّي المخاطرة وتمييز انفسهم عن المجموعة. من بين 2326 ممثل حزبي حضروا مؤتمر الحزب الثامن عشر، برز (كيو هي) نائب سكرتير الحزب لمقاطعة يانان.في المؤتمر،اختير كيو كعضو مناوب في اللجنة المركزية، وهو شخص في سن الـ 55 يتمتع باستقلالية التفكير والاقرب الى قمة المؤسسة السياسية. كيو هو رجل السياسة الافضل من نوعه. ولد في منطقة ريفية فقيرة في الصين،كان ينظر الى اثنين من اخوانه الثمانية وهم يموتون بامراض نقص التغذية. بعد اجتيازه امتحان القبول في الكلية الوطنية، اصبح قادراً على حضور الجامعة. عندما دخل ميدان العمل شغل العديد من وظائف الخدمة المدنية في المستويات الدنيا قبل ان يُعين كسكرتير للحزب في مقاطعة شايانغ، الى الشمال من مقاطعة جانكسو في التسعينات. كانت مقاطعة شينانغ افقر المناطق الريفية في البلاد تضم 1.7 مليون شخص بدخل فردي بمقدار 250 دولار(اقل من خمس المعدل القومي).والمقاطعة عانت ايضا من نسبة الجرائم العالية والفساد الحكومي المدمر.
قام كيو بعدد واسع من التجارب السياسية الشائكة والخطيرة، لو انها فشلت سوف تقضي على مستقبله السياسي. كان تركيزه الاول على اقتصاد شيانك المتعثر. في عام 1997 افتتح كيو برنامج شراء السندات الالزامية المحلية. البرنامج يتطلب من المقيمين في كل مقاطعة شراء سندات لتمويل مشاريع البنية التحتية ذات الحاجة الملحة. نجاح الخطة كان مضاعفاً. اولا،هو لم يستطع توفير المال عبر الضرائب لأنه، في هذا المستوى، ليست لديه سلطة ضريبية. ثانيا، برنامج السندات الالزامية وفر للمواطنين في شيانك شيئا لا توفره الضرائب: نعم، كان مطلوباً منهم شراء السندات لكنهم في النهاية استرجعوا نقودهم مرة اخرى مع الفوائد.كيو ايضا خصص حصص لكل مسؤول مقاطعة حكومية لجذب الاستثمارات التجارية.ولكي يدعم جهودهم بالاضافة الى إعمار المناطق،عرض كيو نسب ضريبة مشجعة واراضي رخيصة للشركات. وفي غضون سنوات قليلة،انتشرت الالاف من المشاريع الخاصة وتحولت الملكيات الريفية المخططة مركزيا الى اقتصاد سوق نابض بالحياة.
التركيز الثاني لكيو هو مكافحة الفساد وانعدام الثقة بين السكان والحكومة.في اواخر التسعينات،هو اسس اثنين من المعايير غير المسبوقة لجعل اختيار المسؤولين اكثر شفافية وتنافسية.احدهما كان نشر التعيينات الرسمية المقرر اجرائها قبل اتخاذ القرارات النهائية لكي يسمح للناس بفترة للتعليق.اما الاخر كان ادخال نظام التصويت بمستويين الامر الذي مكّن القرويين للتصويت بين اعضاء الحزب لمرشحيهم المفضلين لوظائف معينة. لجنة الحزب المحلية بعدئذ تختار بين اعلى الحاصلين على صوتين.
كيو واجه في البدء مقاومة هائلة من البيروقراطية المحلية ومن السكان.ولكن اليوم، هو له الفضل في تحويل واحدة من اكثر الاقاليم المتخلفة في البلاد الى مركز حضري رائع للتجارة والتصنيع.الاقاليم الفقيرة الاخرى تبنّت العديد من تجاربه في السياسة الاقتصادية.علاوة على ذلك، جرى تبنّي فترة المناقشة العامة بشكل واسع في عموم الصين.التصويت التنافسي يجد طريقه الى اعلى المستويات الهيراركية للحزب. كيو كوفئ شخصيا بالانتقال بسرعة الى اعلى السلّم: الى نائب حاكم مقاطعة جيانكسو ثم الى مدير بلدية كومن ثم الى نائب سكرتير الحزب في مقاطعة ينان والآن عضو مناوب في اللجنة المركزية.
الاهتداء بالمطالب الشعبية
حتى لو وافق المنتقدون على ان الحكومة الصينية متكيفة وتكنوقراطية، هم لازالوا يتسائلون عن شرعيتها. الغربيون يفترضون ان الانتخابات التعددية هي المصدر الوحيد للشرعية السياسية. ولأن الصين لا تعمل بهذه الانتخابات، فان الحزب الشيوعي الصيني الحاكم يرتكز بطبيعته على ارض رخوة. وفق هذا المنطق تنبأ النقاد بانهيار الحزب منذ عقود ولكن لم يحصل اي انهيار.احدث صيغ الجدال كانت ان الحزب الشيوعي الصيني تمكن من الاحتفاظ بالسلطة فقط بسبب ما حققه من نمو اقتصادي- او ما يسمى بشرعية الاداء.
لاشك ان الآداء يشكل مصدراً رئيسياً لشعبية الحزب. ففي استبيان لمواقف الصينيين نشرهُ مركز ابحاث (بيو) عام 2011 وُجد ان 87% من المستجوبين اعربوا عن قناعتهم بالاتجاه العام للبلاد، 66% اعلنوا عن تقدم كبير في حياتهم في السنوات الخمس الماضية، 74% قالوا انهم يتوقعون مستقبلاً افضل. ان شرعية الاداء، هي فقط مصدر واحد لدعم شعبية الحزب. الشيء الاكثر اهمية هو دور القومية الصينية والشرعية الاخلاقية.
عندما قام الحزب الشيوعي الصيني ببناء نصب تذكاري لأبطال الشعب في مركز ساحة تينامين عام 1949، هو تضمن رمزاً فنيا يصور كفاح الصينيين لتأسيس الجمهورية الشعبية. ربما يتوقع احد ان الحزب الشيوعي الصيني- الحزب الماركسي اللينيني،سيجعل اعظم قصة رمزية سياسية له تبدأ مع الشيوعية – كأن تكون مثلا كتابة البيان الشيوعي او ميلاد الحزب الشيوعي الصيني في عام 1921. بدلا من ذلك، كانت اول المعالم الفنية في النصب تصف حدثا يعود لعام 1839: فيه الناس يحرقون افيوناً استوردهُ (لن زيكسو) وزير امبراطوري من سلالة كيونك، والذي اثار اولى حروب الافيون. خسارة الصين اللاحقة لبريطانيا جسدت ما سمي قرن الاذلال. في المئة السنة اللاحقة عانت الصين من الغزو والحروب والمجاعات المتعددة التي اختُزنت كلها في الذاكرة الشعبية حتى عام 1949. واليوم، يبقى تمثال الرموز الابطال موقعاً عاماً مقدساً وأهم رمز للسلطة الاخلاقية والقومية للحزب الشيوعي الصيني.
ان دور الحزب في حماية وتحديث الصين هو مصدر الشرعية الاكثر ديمومة من مصدر الاداء الاقتصادي للبلاد. انه يوضح لماذا حتى في اسوأ اوقات حكم الحزب في الـ 63 سنة الماضية، بما فيها كارثة الوثبة الكبرى والثورة الثقافية، كان الحزب الشيوعي قادراً على ادامة دعم التيار الرئيسي في الصين لفترة طويلة تكفي لتصحيح اخطائه. انجازات الصين الاخيرة،بدءاً من النمو الاقتصادي وحتى استكشاف الفضاء، تعزز قوة العاطفة القومية في البلاد خاصة بين الشباب. الحزب يستطيع الوثوق بدعمهم لعدة عقود قادمة. السبب الاخر لإدامة الحكم يأتي من القمع، الذي يعتبرهُ المراقبون الغربيون القوة الحقيقية وراء الحزب الشيوعي. هم يشيرون الى الرقابة على المطبوعات وتعامل النظام القاسي مع المنشقين والذي هو قائم فعلاً. لكن الحزب يعرف جيدا ان القمع العام لا يمكن الاستمرار فيه. بدلا من ذلك، هو يسعى لتطبيق سياسة الاحتواء الانيق. الاستراتيجية التي يؤمن بها هي ان يعطي الغالبية العظمى من السكان نطاقاً واسعاً من الحريات الفردية. واليوم، نرى الشعب الصيني اكثر تحرراً من اي فترة اخرى في الذاكرة الحديثة، معظم الصينيين يستطيعون العيش اينما يريدون ويعملون حيثما يختارون، يذهبون للعمل دون اي معوقات، الفرد الصيني يستطيع السفر داخل الدولة وخارجها وينتقد علناً الحكومة على الاون لاين دون خوف او وجل. في هذه الاثناء، تركز سلطة الدولة على احتواء عدد صغير من الافراد الذين لديهم اجندة سياسية معينة ويريدون الاطاحة بنظام الحزب الواحد. وكما يعرف اي مراقب عادي،عبر السنوات العشر الاخيرة، ان كمية الانتقاد ضد الحكومة في الاون لاين وفي الصحف المطبوعة تزايدت اضعافا مضاعفة – دون اي انتقام . في كل سنة، هناك عشرات الالاف من المحتجين المحليين ضد سياسات معينة. معظم الخلافات تُحل بطريقة سلمية. لكن الحكومة تتعامل بشدة مع القلة من الافراد الذين يسعون الى تخريب النظام السياسي الصيني، مثل ليو اكسيبو، الناشط الذي يدعو الى انهاء نظام الحزب الواحد والذي هو الآن في السجن.
ذلك لا يعني القول بعدم وجود مشاكل. الفساد يمكن ان يؤذي جداً سمعة الحزب الشيوعي. لكنه سوف لن يحطم وبسرعة نظام الحزب الحاكم. الفساد لم يكن متأصلاً في النظام السياسي الصيني وانما هو نتاج عرضي للتحول السريع للبلاد.عندما قطعت الولايات المتحدة مسار التصنيع قبل 150 سنة ، كان العنف، وفجوة الثروة، والفساد في البلاد مساوي لما هو عليه الان في الصين ان لم يكن اسوأ منه. وطبقا لتقارير الشفافية الدولية، كان ترتيب الصين في الفساد العالمي 75 وهي تتحسن تدريجيا.هي اقل فساداً من اليونان (ترتيبها 80) ومن الهند (95) واندونيسيا والارجنتين (100) والفلبين(129)- في كل منها ديمقراطية انتخابية. وضمن هذا السياق،لا يمكن اعتبار فساد الحكومة الصينية موضوعاً مستعصياً.حيث ان المؤازرة الشعبية للحزب المتجذرة بعمق سوف تسمح له بالتعامل حتى مع أقسى المشاكل.
دخول التنين
ان قادة الصين الجدد سوف يحكمون البلاد في العشر سنوات القادمة، خلالها هم سوف يثقون بقدرة الحزب الشيوعي على التكيف، وادارة النخب الكفوءة، وشرعية معالجة التحديات الكبرى. ومع ان الركود الاقتصادي الحالي مقلق، لكنه بشكله الأعم لا يخرج عن الطبيعة الدائرية ،هو ليس ركوداً هيكليا.
هناك قوتان سوف تنشطان الاقتصاد لجيل آخر على الاقل: هما التمدين urbanization وريادة الاعمال entrepreneurship .في عام 1990، كان فقط 25% من الصينيين يعيشون في المدن.اليوم، يعيش فيها 51%. قبل عام 2040، يُتوقع 75%من السكان – تقريبا بليون شخص –ان يقيموا في المدن. حجم الطرق الجديدة والمساكن والمنافع العامة وشبكات الاتصالات المطلوبة لمجاراة هذا التوسع هي مذهلة. ولذلك، فان ما يبدو من اي فقاعة سكنية او فقاعة بنية تحتية ستكون طارئة وقصيرة جداً.
في الحقيقة، سوف تحتاج قيادة الصين الجديدة للاستمرار وحتى لزيادة الاستثمار في هذه القطاعات في السنوات القادمة. ذلك الاستثمار وقوة العمل الجديدة الهائلة في المناطق الحضرية مع كل انتاجها واستهلاكها، سوف يرفع نسبة النمو الاقتصادي. وان مقدرة الحزب الاستثنائية على تطوير وتنفيذ السياسة وسلطته السياسية سوف تمكنانه من ادارة هذه العمليات.
ان المبادرة (المخاطرة في الاعمال) سوف تساعد الصين في التغلب على التهديدات لنموذجها الاقتصادي القائم على التصدير. خارجيا، ادى الركود الاقتصادي العالمي وارتفاع قيمة العملة الى خفض تجارة الصين. داخليا، ارتفعت تكاليف العمالة في مناطق التصنيع الساحلية في البلاد. لكن السوق سيحل هذه المشاكل. في الواقع، لم تكن معجزة الصين الاقتصادية مرتبطة فقط بظاهرة التخطيط المركزي.بل ان بكين عملت على تطوير نموذج اقتصاد سوق قوي، كان رجال الاعمال النشطين هم الدماء للنظام. وهؤلاء المخاطرون يتمتعون بالقابلية الكبيرة للتكيف. بعض الصناعات الرخيصة الكلفة انتقلت الى الداخل بعيدا عن الساحل لكبح تكاليف العمل. هذا تزامن مع استثمارات البنية التحتية الثقيلة للحكومة والجهود الابتكارية لجذب الشركات الجديدة. في المناطق الساحلية، هناك العديد من الشركات تنتج باستمرار بضائع عالية الكلفة.
بالطبع، الحكومة ستحتاج للقيام بتسويات اقتصادية. ذلك لأن العديد من المشاريع المملوكة للدولة تضخمت كثيرا وادّى الانفاق المتزايد عليها الى خفض النمو في القطاع الخاص وهو قطاع حيوي للاقتصاد. كذلك تم اعتماد خططاً تتطلب من الشركات ان تدفع ارباحاً للمساهمين كما فُرضت قيوداً اخرى على التوسع. هذه الخطط يُحتمل ان تُنفذ مبكرا في الادارة الجديدة. تنفيذ بعض الاجراءات يشجع التحرير المالي، مثل السماح للسوق ليقرر سعر الفائدة وتطوير مؤسسات اقراض خاصة صغيرة ومتوسطة الحجم، التي بدورها سوف تقلل كثيرا من اسعار البنوك المملوكة للدولة ذات السمة الاحتكارية في عمليات الاقراض التجاري. هذه الاصلاحات سوف تسهّل تدفق رأس المال الفعال الى الشركات.
التحرير الاقتصادي يُحتمل ان يتوازى مع مسارين من اصلاح السياسة الاجتماعية. اولا، ان عملية توسيع مظلة الحزب ، والتي بدأت مع جيانك في دمجه رجال الاعمال مع الحزب الشيوعي، ستتسارع. ثانيا، سيبدأ الحزب بممارسة تفويض مهام الرعاية الاجتماعية المحددة الى منظمات غير حكومية كفوءة. التمدين السريع يسهل نمو القطاعات الشعبية ذات الدخل المتوسط. وبدلا من المطالبة بحقوق سياسية مطلقة، كما يتوقع العديد في الغرب، ركز تمدين الصينيين على ما يسمى قضية (معيشة “من شينغ”). الحزب قد لا يكون قادراً على ادارة هذه المخاوف لوحده. ولذا ستتم دعوة الشركات الخاصة والمنظمات غير الحكومية لتوفير الرعاية الصحية والتعليم في المدن، وهي العملية التي بدأت سلفا في مقاطعة جونغدونغ.
ان القضاء على الفساد بقي هو المهمة الصعبة. في السنوات الاخيرة، احدى العوائل المرتبطة بقادة الحزب استعملت تأثيرها السياسي لبناء شبكة كبيرة من المصالح التجارية. المحسوبية تنتشر من القمة الى الاسفل، والتي قد تهدد في النهاية حكم الحزب. قام الحزب بصياغة ستراتيجية من ثلاثة محاور للقضاء على المشكلة، ستنفذها القيادة الجديدة.ان المؤسسة الاكثر اهمية لإحتواء الفساد هي اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني لفحص الانضباط. قائد المؤسسة عادة يجلس في اللجنة الدائمة في الهيئة المركزية للحزب ولديه سلطة أعلى من اي جهاز قضائي في الدولة.هذا الشخص يستطيع احتجاز واستجواب اعضاء الحزب المشكوك بفسادهم دون حدود قانونية. في السنوات الاخيرة، كانت اللجنة قاسية جدا. في عام 2011، أجرت اللجنة تحقيقات رسمية في 137 ألف و 859 حالة قادت الى اتخاذ اجراءات تأديبية او اتهامات قانونية ضد مسؤولي الحزب.هذا العدد يمثل زيادة بمقدار اربعة اضعاف عن السنوات التي سبقت 1989، حين كان الفساد احد القضايا الرئيسية المسببة لإحتجاجات تينامين. احدى المسائل الهامة التي سيُنظر فيها اثناء الادارة المقبلة هي ما اذا كانت لدى الادارة السلطة في التحقيق بالاعمال المشينة للحلقة الداخلية القريبة من قيادة الحزب، حيث سيكون الفساد المقرر الرئيسي لمصداقية الحزب.
ان استكمال جهود الحزب المضادة للرشوة يتم بزيادة استقلالية الإعلام بشقيه الحكومي والخاص.المنظمات الجديدة كشفت سلفا عن حالات من فساد المسؤولين ونشرت استنتاجاتها على الانترنيت.الحزب الشيوعي الصيني استجاب بمتابعة بعض الحالات التي سلط عليها الاعلام الضوء. بالطبع،هذا النظام هو غير محصن، وبعض قنوات الاعلام هي ذاتها فاسدة. المدفوعات المحرمة للصحفيين والقصص المفركة هي مألوفة. اذا لم تُصحح هذه المشاكل بسرعة فان الاعلام الصيني سيفقد ما لديه من مصداقية.
طبقا لذلك، ربما تطور الادارة القادمة قوانين سياسية اكثر تعقيدا وقيود قانونية على الصحفيين وبما يسمح للقطاع بالنضج. المسؤولون ناقشوا سلفا مأسسة قانون الصحافة بما يحمي التقارير المشروعة والحقيقية ويعاقب افعال التشهير وسوء المعالجة. البعض ربما ينظر الى المبادرة كانها كبح للصحفيين من جانب الحكومة، لكن التأثير الكبير سيكون في جعل الميديا اكثر مصداقية في عيون الشعب الصيني.الصحفيون الذين يستلمون رشاوي او يخترعون الشائعات لجذب القراء يصعب عليهم اكتشاف فساد الحكومة.
ايضا لكي يعالج الفساد، يخطط الحزب لزيادة المنافسة المفتوحة ضمن صفوفه. متحفزاً بجهود المسؤولين مثل كيو. الامل هو ان مثل هذه المنافسة ستنشر الغسيل القذر وتحبط السلوك غير اللائق. ان ادارة (هيو) دشنت برنامج “الديمقراطية الداخلية” لتسهّل المنافسة المباشرة على المقاعد في لجان الحزب، وهي الفكرة التي نالت ثناءاً كبيراً في المؤتمر الثامن عشر.
إعادة عمل التاريخ
حينما تنجح مبادرات المؤتمر الثامن عشر للحزب، فان عام 2012 سيُنظر اليه في يوم ما كعلامة تاريخية لنهاية فكرة الديمقراطية الانتخابية باعتبارها النظام الوحيد الشرعي والفعال للحوكمة السياسية. وبينما تتطور الصين، نرى الغرب يزداد بؤساً : منذ ان ربحت الحرب الباردة، سمحت الولايات المتحدة ،وخلال جيل واحد، لطبقتها الوسطى لتتآكل. وبنيتها التحتية تمر في حالة سيئة،وسياستها سواء الانتخابية او التشريعية سقطت اسيرة للنقود وللمصالح الخاصة. مستقبل اجيالها سيكون مثقلاً بالديون بحيث اصبح الهبوط الدائم في مستوى المعيشة حقيقة ثابتة. في اوربا ايضا،ادت الصعوبات السياسية والاجتماعية والاقتصادية الى جنوح المشروع الاوربي. بينما في نفس الوقت، رفعت الصين مئات الملايين من الناس من الفقر المدقع وهي الآن قوة صناعية رائدة.
ان شقاء الغرب هو مفروض ذاتيا .الإدعاء بان النظام الانتخابي الغربي مثالي ومعصوم، أعاق التصحيح الذاتي له.الانتخابات يُنظر اليها كغاية بذاتها، وليست مجرد وسيلة للحوكمة الجيدة. وبدلا من انتاج قادة كفوئين ، اصبح من الصعب على القادة الجيدين الوصول الى السلطة بسبب السياسات الانتخابية. وفي حالات قليلة عندما يتم ذلك، سيجدون انفسهم في حالة شلل تام بفعل انظمتهم السياسية والقانونية.عندما تسافر وزيرة الخارجية الامريكية هيلري كلنتون للخارج ممجدةً الديمقراطية الانتخابية، فانها تتناسى ما يحصل من تآكل في شرعية جميع المؤسسات السياسية الامريكية. نسبة موافقة الامريكيين على الكونغرس لم تتعدّ 18% في نوفمبر.الرئيس كان يؤدي نوعا ما افضل حين حاز على 50%. وحتى التأييد للمحكمة العليا المستقلة سياسيا انخفض الى ما دون الـ 50%.
العديد من الدول النامية تعلمت سلفاً ان الديمقراطية لا تحل جميع مشاكلها. بالنسبة لهم ،الصين مثال مهم. نجاحها الاخير وفشل الغرب يعكس تبايناً صارخاً. ان نموذج الصين السياسي لن يستبدل ابداً الديمقراطية الانتخابية،لأنه، على عكس الديمقراطية الغربية، نظامها لا يتظاهر بالعالمية.هو لا يمكن تصديره. لكن نجاحه يبين ان العديد من انظمة الحكم السياسي يمكنها ان تعمل عندما تنسجم مع ثقافة البلد وتاريخه. ان اهمية نجاح الصين هي ليس لأن الصين تعطي العالم البديل وانما لانها تُثبت ان هناك خيارات اخرى ناجحة. قبل 40 سنة ، تنبأ المفكرالسياسي فرنسيس فوكاياما في “نهاية التاريخ والانسان الاخير” بان كل الدول ستتبنى بالنهاية الديمقراطية الليبرالية لكنه شعر بالأسى لأن العالم سيكون مكانا ضجراً نتيجة لذلك. الشفاء قادم الينا، ونحن على مقربة منه وربما سيكون زماننا اكثر متعةً.
الاحد 3 نونبر 2013
…………………………………………………………………………………
(1) ERIC X. LI رأسمالي ناشط وعالم سياسي في شنغهاي.
…………………………………………………………………………………
(1) ERIC X. LI رأسمالي ناشط وعالم سياسي في شنغهاي.