تباطؤ الأرض يؤدي إلى فقدان التزامن بين الأجهزة

 عن موقع ملتقى ابن خلدون للعلزم والفلسفة والادب
30 اكتوبر 2013

 

إيفان أماتو
لا تنس أن تضبط ساعتك لإضافة اثنين من الألف من الثانية قبل أن تأوي إلى الفراش هذه الليلة. وهذا ما ينطبق أيضا على ليلة الغد، وعلى كل ليلة أخرى، نظرا إلى تباطؤ دورة الأرض يوميا على محورها، مقارنة بما كانت عليه قبل عقد من الزمن.
وكل هذا التباطؤ الذي لا يستغرق سوى جزء من طرفة العين كل قرن، شرع يتكوم ويتجمع أيضا. ففي العصر الجوراسي القديم قبل 200 مليون سنة، كان اليوم يبلغ ربما 23 ساعة، وكل سنة نحو 385 يوما. وبعد 200 مليون سنة من الآن، سيصبح اليوم 25 ساعة، والسنة 335 يوما.

«ونحن بسذاجة نعتقد أن اليوم يتألف دوما من 24 ساعة، لكنه ليس كذلك»، كما يقول ثوماس أو براين، رئيس قسم الزمن والتقسيم الترددي في المعهد القومي للمواصفات والمقاييس والتقنيات (NIST).

* دقة الزمن

* خلال السنوات الستين أو السبعين الماضية لم تؤثر تجمع هذه الأجزاء الإضافية من مللي ثانية (ألف جزء من الثانية) إلى ساعات اليوم بقيد أنملة، فمديرك بالعمل لا يستطيع أن يوبخك على تأخيرك بمقدار جزأين من المليون من الثانية بعد الساعة 9 صباحا. ومرتان بالسنة تختفي هذه الأجزاء المتجمعة من الثانية، عندما تقوم أغلبيتنا بتعديل عقارب ساعاتنا، مع بدء وانتهاء التوقيت الصيفي، باستثناء أمر واحد، وهو أن هذه الجزيئات الصغيرة من اللحظة لا تختفي فعلا، لكنها في عصر التقنيات المكثفة فإنها تحتل أهمية كبيرة.

يقول أوبراين: «لقد بتنا معتمدين جدا على التوقيت الصحيح»، فالتقنيات مثل الهواتف الذكية، وأجهزة «جي بي إس»، وشبكات الطاقة، تعتمد كلها على آلاف من العناصر المنفصلة مثل الأقمار الصناعية، وأبراج الاتصالات الجوالة، ومحطات الطاقة، وأجهزة الكومبيوتر، والمفاتيح الكهربائية، التي لا تستطيع كلها التهاون مطلقا في التزامن مع بعضها البعض بجزء واحد من المليون من الثانية، وإلا حصل ما لا تحمد عقباه.

ولنأخذ في الاعتبار إشارات «جي بي إس» التي تتواصل بين الأقمار الصناعية ومحطات الاستقبال على الأرض. فهذه إشارات راديوية تتحرك بسرعة الضوء، مما يعني أنها تسير في الفراغ مسافة قدم واحد (30 سنتيمترا تقريبا) كل جزء من مليار من الثانية، التي نطلق عليها كلمة «نانوثانية». فإذا حصل أن الساعات في الأقمار الصناعية، وتلك الموجودة في مستقبلات إشارات «جي بي إس»، انحرفت عن بعضها البعض بمقدار جزء واحد من المليون من الثانية، أي بمقدار ألف نانوثانية، خارج نطاق التزامن بين بعضها البعض، فإن النظام يخطئ بتحديد موقعك بصورة دقيقة بمقدار خمسي الميل (644 مترا تقريبا). وإذا ما اخطأ هذا التزامن بمقدار واحد من ألف الثانية، فإن النظام يعجز عن إبلاغك ما إذا كنت في حدود مدينة واشنطن أو مدينة بوسطن.

* ساعات ذرية

* ويقوم المهندسون الكهربائيون برصد تدفق التيار الكهربائي وإدارته لحظة بلحظة في شبكات الطاقة، التي تمتد أجزاؤها ومكوناتها آلاف ألأميال، والتي تتواصل مع بعضها البعض. وهذا لن يتم من دون الاتصالات السريعة، بحيث إنه حتى الأجزاء البعيدة من الشبكة، ينبغي أن تراقب بعضها البعض، كما أن علينا ألا ننسى أن مليارات المكالمات، والإشارات، والبيانات، والرسائل النصية المتبادلة بين أجهزة الهاتف الجوال، لا تحصل من دون توقيت وتزامن دقيق بين أبراجها المنتشرة على جميع أرجاء المعمورة، كل ذلك بسرعة الضوء. والأمر ذاته ينطبق على الإنترنت، ورزم البيانات، التي تتقاطع هنا وهناك بتوقيت دقيق على نطاق العالم كله، لكي تتجمع بالنهاية على شكل صفحات ومواقع على الكومبيوتر.

«وإذا كنا نعتمد على طول اليوم على الأرض فإننا لا نستطيع تحقيق أي من ذلك»، استنادا إلى أوبراين الذي يقوم وجماعته في «NIST» بتطوير وصيانة الساعات الذرية التي عليها أن تعتمد في النهاية جميع المواقيت الأخرى. فذرات «السيزيوم 133» التي تعمل عليها هذه الساعات، تعمل كرقاص سريع للساعة، الذي لا يتردد مطلقا كما هو حالة دوران الأرض. وهكذا بالنظر إلى ذبذباتها التي تبلغ 9 مليارات ذبذبة بالثانية، يمكن مزامنة الساعات بصورة أفضل بكثير من دقة جزء واحد من مليون الثانية.

أما الثانية على الأرض كما حددت في القرن التاسع عشر، على إنها جزء من 1 – 86.400 من ساعات اليوم الـ24 (60 ثانية × 60 دقيقة × 24 ساعة = 86.400).

* تباطؤ الأرض

* لكن ما الذي يؤخر دورة الأرض؟ يعتبر القمر أكبر عقبة تواجه دوران الأرض. فلدى دورانها تقوم جاذبية القمر بسحب مياه محيطات الأرض (حركة المد والجزر) وبعض قشرتها في قاع هذه المحيطات، بحيث يعمل أشبه بمثبط مطاطي لدوران العجلة. والنتيجة تباطؤ الأرض بصورة جزأين من ألف جزء من الثانية (2 مللي ثانية) في القرن الواحد. وهنالك أيضا عوامل أخرى للإبطاء مثل رياح المحيطات، وتحرك النواة الحديدية للأرض الذائبة، ضد الغطاء المعدني الصلب الذي من شأنه تسريع دوران الأرض أو إبطاؤها، وأي عملية تنطوي على إعادة توزيع الكثير من الكتلة صعودا أو نزولا، من شأنها أيضا التأثير على هذا الدوران أشبه بمتزلج الجليد الذي يتحكم بدورانه عن طريق رفع يديه إلى الأعلى، أو بسطهما أفقيا، كذلك هنالك تأثيرات التبخير المائي، وذوبان الثلوج، وتغير وجهة الرياح، والزلازل، والبراكين التي تؤثر كلها على هذه العملية.

ويقول أوبراين إن سرعة الأرض ازدادت في العقود الأخيرة، وإن كان ذلك أمرا مؤقتا، اعتمادا على التغير المناخي، والتغير في قشرة الأرض، والحمم المنصهرة.

ويقول ريتشارد غروس من مختبر الدفع النفاث (جيه بي إل) في باسادينا في كاليفورنيا، إنه حتى التغييرات الطفيفة في دوران الأرض تظل أمرا مثيرا للاهتمام «فلغرض إرسال مركبة فضائية عبر الفضاء الخارجي إلى المريخ من الضروري معرفة اتجاه الأرض بالنسبة إلى المريخ»، إذ حتى التغيرات بمقدار جزء من المليون من الثانية (مايكروثانية) في دوران الأرض من شأنها أن تنتج تغييرا في الاتجاه بين الأرض والمريخ، يجعل المركبة تنحرف عن مسارها بنحو ميل أو أكثر. وهذا ما يجعل المركبة تحط على سهل مقرر سلفا على سطح المريخ، أو أن تحط في واد عميق. وبذلك توجب على غروس ورفاقه في المختبر المذكور إعادة الحسابات مجددا بعد زلزال سومطرة الذي ضربها قبل تسع سنوات، لأنه أعاد توزيع كتلة الأرض، ليقلص 6.8 جزء من مليون جزء بالثانية من طول اليوم.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»

‫شاهد أيضًا‬

الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس يناقض أفكاره الخاصة عندما يتعلق الأمر بأحداث غزة * آصف بيات

(*) المقال منقول عن : مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية ألقى أحد الفلاسفة الأكثر…