الوفاء من الايمان …الوفاء ميثاق غليظ

بقلم مصطفى المتوكل

تارودانت 31 اكتوبر 2013

“مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا” سورة الاحزاب .. الاية 23

يوم 29 اكتوبر من كل سنة يذكر المتتبعين ببلادنا والراي العام الوطني والعالمي بذكرى اختطاف واستشهاد الوطني والسياسي المقاوم للاستعمار والمناهض للظلم والاستعباد والاستغلال والاستبداد بوطننا هذا وغيره من البلدان فكان وبحق رجلا عالميا مناصرا للقضايا العادلة وللشعوب وحقها في الحرية والعدالة والكرامة وهذه الذكرى التي اصبحت من هذه السنة بالمغرب يوما رمزيا للوفاء  لعريس الشهداء ولكل المجاهدين والمقاومين والوطنيين والمناضلين الذين قدموا ارواحهم وضحوا بحريتهم واستقرارهم واسرهم واموالهم كوفاء ما بعده وفاء من اجل وطننا المغرب والجماهير الشعبية مسترشدين ومتتبعين لسنن من سبقهم من الصالحين والمصلحين عبر التاريخ البشري وخاصة  الاسلامي الذي تؤكد مرجعياته الجوهرية والمعتمدة من كتاب وسنة وسنن  الصحابة والتابعين وتابعيهم من  المصلحين  …على انه  لايستقيم العدل والكرامة والعزة وسيادة الشعب الذي هو عصب الارض والمستخلف لعمارة الارض الى ان تقوم الساعة  مادام الظلم والجور والاستخفاف والاستهتار والمساس بكرامة الناس وانتهاك انسانيتهم وحقوقهم  والحد من حريتهم قائما  ….

فالاجداد والاباء الذين انبروا لمحاربة الاستعمار والظلم والاضطهاد  بدءا بالمجاهدين الريفيين   وثوار الاطلس المتوسط  والمغرب الشرقي والاطلس الكبير والاطلس الصغير ومناطق وارزازات وايت عطا وايت باعمران والصحراء المغربية والشاوية و…. الذين استرخصوا كل شيئ من اجل الوطن والعقيدة والعزة  … فتربى على ايديهم اجيال من الوطنيين الذين انخرطوا في الحركة الوطنية وعمرهم اقل من  18 ربيعا  او كثر ومنهم  الشهيد المهدي بنبركة وعبد الرحيم بوعبيد وعمر الساحلي والفقيه البصري والحبيب الفرقاني وسي محمد منصور والزرقطوني والفطواكي ولحسن الشياظمي وبنسعيد ايت ايدر و الاف اخرين …..فاذاكان العديد منهم قد استشهد وهو يواجه الاسبان والفرنسيين كقوى استعمارية غاشمة ..فان العديد  منهم كذلك   _ وهذا هو الامر غير المقبول اخلاقيا وحقوقيا وشرعيا _ استشهد على يد البعض من الوطن  اما في شوارع الوطن او سجونه او المنافي … رجال حموا المغرب في سنوات الجمر والرصاص الاستعمارية يتعرضون في سنوات الجمر والرصاص  بعد انتهاء الاستعمار  للاغتيال والتعذيب  والنفي والمضايقات وقطع الارزاق  لالشيئ سوى لانهم اوفياء لما عاهدوا الله  وعاهدوا الشعب عليه …والذين مازالت حقيقة اختفاء العديد منهم مجهولة ..كما ان المئات منهم مازالوا احياء يحملون اوسمة الوفاء والاخلاص لرفاق الدرب طوال عقود الاستقلال وعقود من حقبة الاستعمار رغم معاناتهم خلال ازمنة من الحقبتين …

ان للوفاء درجات منها وفاء المؤمن لالتزاماته تجاه ربه بما يحقق الخير في الدنيا والاخرة ..ومنها مجاهدة النفس وصقلها وتهذيبها والرقي بها لتصبح ناضجة ومتسامحة وخدومة لصالح العام  ومنها  الوفاء تجاه الناس والذي لا يتحقق الا  بأن نؤدي الالتزامات  نحو  الاهل و الناس عامة بالوطن والامة . ومن الوفاء أن تنصح نفسك وتقومها وتنصح والاخرين   …

ان حسن الوفاء والعهد من الايمان .. ومن كانت شيمته الوفاء فقد رزق الخير كله ذلك ان المؤمنين عند التزاماتهم ووعودهم وعهودهم دون تلبس وفائهم بخداع او مكر حيث ان العهد والوفاء من الشروط التي يلزم بها الانسان نفسه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” المسلمون عند شروطهم “…………

………إن الوفاء بالعهد  منتج للعديد من الخصال الخيرة والفاضلة والثورية التي تجعل  الجماعة او الهياة الوفية تكتسب القوة والمصداقية والرفعة وتجعل الناس يثقون ويتعاطفون مع كل ما هو خير وجميل  مما ييسر العمل المشترك والتعاون ويعمق التضامن وكل القيم النبيلة …

إن الإسلام والاخلاق الانسانية الرفيعة يرفضان ويكرهان  الغذر  ونقض  العهد ومقتضيات الوفاء . قال تعالى  ﴿وَلا تَنْقُضُوا الأيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾ النحل: آية91،.. إن الوفاء بالعهد مرتبط بشكل قوي  بعرى الايمان ..  لهذا لايجوز تحت اي   سبب او مبرر انتهازي او نفعي نقض العهود  او ابطال الوفاء لفائدة وازع سياسوي  او جبرا  لانفس البعض لان ذلك يذهب المصداقية والهيبة والثقة ويذل ويحط من قيمة الفرد  او الجماعة المخلين بانبل القيم والخصال ويتسبب في انتشار الياس والاحباط والشك في كل المبادرات والالتزامات واصحابها مع ما يترتب على ذلك من خراب وترد على جميع الاصعدة ..وقد يودي الى تمزق في الروابط داخل المؤسسات والاسر والدول …

ونستحضر هنا من كلام الشهيد المهدي  بنبركة الدال على قوة الوفاء لديه  قوله ((… علينا أن نعتبر كواجب مقدس المحافظة على وحدة صفوفنا .. وعلى ارتباطنا المتين بشعبنا، وعلى تضامننا غير المشروط بسائر الشعوب المناضلة من أجل كرامتها وحقوقها))

كما نستدل بكلام الوطني القائد الراحل عبد الرحيم  بوعبيد رحمه الله الذي جاء فيه    (( إن رسالتنا يمتد مداها إلى كل المغرب العربي وكل الوطن العربي والعالم الاسلامي… ويبقى المهم أن لنا رصيدا يؤهلنا إلى تجديد النظرة الى العالم المحيط بنا ونظرتنا إلى علاقتنا مع العالم. لذلك أيها الإخوة، هذه المهمة الشريفة التي أخذنا على عاتقنا إلا أن نقوم بها، خدمة للبلاد، خدمة للحقيقة، خدمة للإنسانية والديمقراطية، خدمة للعدالة الاجتماعية، هذه المهمة التي امتحننا جميعنا سواء في القواعد أو في القيادة من أجلها، هذه المهمة مازالت على عاتقنا ولابد لنا من أن نخوض المعركة ونخوض المعركة، معركة المستقبل، يعني معركة الأمل في انتصار الشعب في النهاية.))

وقال كذلك  ((…مهمتنا تقتضي منا الشعور بخطورة واجبنا نحو هذا الشعب وبقداسة رسالتنا التاريخية التي لا تنحصر في المغرب وشعب المغرب، الشعب الذي ما انفك يطور نظرته إلى الأشياء منذ حصولنا على الاستقلال،))……

ولابد هنا ان نتحدث عن الذين ينقضون وفاءهم ومواثيقهم حيث يمقتهم التاريخ ويدينهم كل من يقراه لان ذلك فعل مشين وصفهم  الله قائلا.. ((والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما امر الله به ان يوصل  ويفسدون في الارض اولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار )) الرعد 25

واعتبر القران الكريم  ان الخارج عن فضيلة الوفاء كالخارج عن فضيلة الانسانية ..قال تعالى (( ان شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لايومنون . الذين عاهدت منهم ثم  ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون )) الانفال

لهذا جعل الاسلام الوفاء مع الناس كافة مسلمين وغير مسلمين يرقى الى مستوى الواجب ونهى عن نقضه حتى ولو كان في ذلك  نصر للمسلمين

قال تعالى (( واوفوا بالعهد ان العهد كان مسؤولا )) الاسراء

ونختم بان الله  لا يعذب الخلق بما يعلمه عنهم ، حتى يعملوا بما يعلمه منهم،وتنكشف النوايا بتصريفها الى افعال وقرارات .. قال تعالى: { ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم} ، فهذا علم منه سبحانه بالفعل  بعد كونه وإن كان العلم السابق حاصلاً به قبل وجوده وتحققه ..

فلنقس ببلادنا وبلاد المسلمين درجات الوفاء والاخلاص لدى الحكومة والهيئات والمنظمات والناس  .. وقبل ذلك لنختبر انفسنا بامتحان الحق و العدل ولننظر كيف هي احوالنا ولماذا وصلت الى درجات من التدني والانحطاط لايجوز ان نصل اليها اطلاقا .. فلو كنا جميعا اوفياء لعهودنا والتزاماتنا وللاخلاق الانسانية الراقية ولديننا نية وقولا وعملا لراينا ثمار الوفاء تملا كل الفضاءات والمجالات ولعم الخير والبركة والنعم ولكنا في جنة الدنيا قبل ان ندخل الفردوس الاعلى لنكون مع الاوفياء من الانبياء والشهداء والصديقين

قال الشاعر

وميعاد الكريم عليه دين ……..فلا تزد الكريم على السلام

يذكره سلامك ما علـيه……..ويغنيك الـــسلام عن الكلام

فتحية لكل من استشهد وضحى من اجل الصلاح والخير والحق وما بدلوا تبديلا …

 

  ======================================================

 

 

‫شاهد أيضًا‬

الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس يناقض أفكاره الخاصة عندما يتعلق الأمر بأحداث غزة * آصف بيات

(*) المقال منقول عن : مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية ألقى أحد الفلاسفة الأكثر…