إدارة أوباما تسارع لتأكيد متانة العلاقات بعد انتقاداتهما
تصريحات تركي الفيصل وبندر تهز أعصاب واشنطن
عن صحيفة ايلاف
الاربعاء 23 اكتوبر 2013
بعد تصريحات لافتة للأمير بندر بن سلطان، رئيس الاستخبارات السعودية، حول رغبة المملكة في الحد من تعاونها مع الولايات المتحدة، خرج الأمير تركي الفيصل بانتقادات لاذعة لسياسات أوباما في سوريا ووصفها بأنها “جديرة بالرثاء”.
سارعت الولايات المتحدة الى التأكيد بأن العلاقات بين واشنطن والرياض ما زالت قوية، مستبعدةً المعلومات الصحافية التي تحدثت عن رغبة المملكة السعودية، في الحد من تعاونها مع واشنطن بشأن سوريا.
وكان التباعد المتزايد بين الولايات المتحدة والسعودية واضحًا أيضًا في واشنطن، حيث انتقد أمير سعودي رفيع آخر سياسات أوباما في الشرق الأوسط واتهمه “بالتردد”، في ما يتصل بالوضع في سوريا ومساعي السلام الإسرائيلية الفلسطينية.
وكان رئيس المخابرات السعودية الامير بندر بن سلطان آل سعود، أعلن لدبلوماسيين أوروبيين أن الرياض ستقلص تعاونها مع الولايات المتحدة، من أجل تسليح وتدريب معارضين سوريين، حسب صحيفة (وول ستريت جورنال) الأميركية.
لا رسالة سعودية
وعمّا إذا كانت السعودية أبلغت الولايات المتحدة بمثل هذا التغيير في السياسة، أكد المسؤول الاميركي “حسب علمي، هذه الرسالة لم ترسل الى وزارة الخارجية من قبل السعوديين”. وقد رفضت السعودية، الجمعة الماضي، الدخول لمجلس الامن الدولي، غداة انتخابها لمقعد غير دائم لمدة سنتين، في قرار غير مسبوق يهدف الى الاحتجاج على “عجز” المجلس خصوصًا امام المأساة السورية.
وأضافت الصحيفة الأميركية: أن “الامر يتعلق برسالة الى الولايات المتحدة وليس الى الامم المتحدة”، حسب ما قال الامير بندر لهؤلاء الدبلوماسيين. وأكدت أن السعوديين يأخذون خصوصًا على حليفهم الاميركي، عدم توجيه ضربات للترسانة الكيميائية السورية. كما تنظر السعودية بريبة الى التقارب بين الولايات المتحدة وايران.
تصريحات هارف
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الاميركية ماري هارف من جانبها، الثلاثاء، إن “علاقتنا وشراكتنا مع السعوديين قوية، نولي اهمية كبرى لمبادراتهم في عدد كبير من المجالات”. وقالت إننا “نعمل معًا على مشاكل مهمة ونتقاسم معهم الاهداف نفسها، سواء لناحية وضع حد للحرب في سوريا والعودة الى حكومة ديموقراطية في مصر، أو لمنع ايران من امتلاك السلاح النووي”.
واضافت هارف أن الرياض لم تنقل إلى وزارة الخارجية عزمها تقليص تعاونها مع الولايات المتحدة. وقالت إن المسألة أثيرت أيضًا في الاجتماع بين كيري والوزير السعودي. وقالت “حسب علمي لم ينقل السعوديون تلك الرسالة الى وزارة الخارجية. ونحن تباحثنا بشأن بعض القضايا الصعبة التي نريد أن نعالجها معًا”.
وذكرت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية أن “مسألة معرفة كيفية تحقيق هذه الاهداف، هي بالتحديد ما ندرسه في هذا الوقت مع السعوديين، وكل شركائنا الدوليين”.
كلام كيري
ولفتت هارف الى أن وزير الخارجية جون كيري التقى نظيره السعودي لمدة ساعتين، أمس الأول الاثنين، في باريس ووصفت اللقاء بأنه كان “مثمرًا”. وخلال هذا اللقاء حض جون كيري السعودية على القبول بمقعدها داخل مجلس الامن الدولي.
وكان وزير الخارجية الأميركي جون كيري قال لصحافيين في لندن، الإثنين، إنه بحث بواعث قلق الرياض عندما اجتمع مع نظيره السعودي الأمير سعود الفيصل في باريس يوم الاثنين.
وقال كيري إنه ابلغ الأمير سعود الفيصل أن عدم التوصل إلى اتفاق مع إيران افضل من ابرام اتفاق سيىء. وأضاف: “لدي ثقة كبيرة في أن الولايات المتحدة والسعودية ستظلان الصديقين والحليفين المقربين والمهمين كما كنا”.
انتقادات تركي الفيصل
وفي تصريحات لاذعة على غير العادة، وصف الأمير تركي الفيصل سياسات أوباما في سوريا بأنها “جديرة بالرثاء” وسخر من الاتفاق الأميركي الروسي للتخلص من الأسلحة الكيميائية لحكومة الأسد. وقال إنها حيلة لتمكين أوباما من تفادي القيام بعمل عسكري في سوريا.
وقال الأمير تركي عضو الأسرة الحاكمة في السعودية والمدير السابق للمخابرات السعودية والسفير السابق في واشنطن ولندن:”التمثيلية الحالية للسيطرة الدولية على الترسانة الكيميائية لبشار ستكون هزلية إن لم تكن مثيرة للسخرية بشكل صارخ. وهي تهدف إلى إتاحة فرصة للسيد أوباما للتراجع (عن توجيه ضربات عسكرية)، وكذلك لمساعدة الأسد على ذبح شعبه”.
ويشار الى أن الانتقادات السعودية جاءت بعد مرور أيام على الذكرى السنوية الأربعين للحظر النفطي العربي في أكتوبر/ تشرين الأول عام 1973 الذي فرض لمعاقبة الغرب على مساندته إسرائيل في الحرب العربية الإسرائيلية.
وقال تقرير لـ(رويترز): وكانت تلك إحدى نقاط الضعف في العلاقات الأميركية السعودية التي تضررت بشدة أيضًا من هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001 على الولايات المتحدة. وكان معظم منفذي الهجمات مواطنين سعوديين.
وبدرت عن السعودية علامة واضحة على استيائها من السياسة الخارجية لأوباما الأسبوع الماضي، حينما اعتذرت عن عدم قبول مقعد غير دائم في مجلس الأمن الدولي احتجاجًا على ما سمته “ازدواجية المعايير” في الأمم المتحدة.
لا تراجع
وأشار الأمير تركي إلى أن السعودية لن ترجع عن ذلك القرار الذي قال إنه كان نتيجة لتقاعس مجلس الأمن عن ايقاف الأسد وتنفيذ قرارات المجلس الخاصة بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وقال في كلمة في المجلس الوطني للعلاقات الأميركية العربية ومقره واشنطن “لا شيء غريب في قرار الامتناع عن قبول عضوية مجلس الأمن. إنه يرجع إلى عدم فعالية تلك الهيئة”.
وإلى ذلك، فإنه ينظر إلى الأمير بندر الذي عمل سفيراً للسعودية في واشنطن لمدة 22 عامًا على أنه أحد متشددي السياسة الخارجية ولاسيما في الأمور التي تخص إيران. وأدت حدة التنافس بين المملكة وإيران إلى زيادة التوتر الطائفي في أنحاء الشرق الأوسط.
ويقول دبلوماسيون في الخليج إن الأمير بندر وهو نجل وزير الدفاع وولي العهد الراحل الأمير سلطان وكان مقربًا من العاهل الراحل الملك فهد، استدعي من جديد العام الماضي لتولي رئاسة المخابرات مفوضاً بالعمل على إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد.
وأضافوا أنه قاد على مدى السنة الأخيرة جهود السعودية لتوصيل أسلحة ومساعدات اخرى لمقاتلي المعارضة السورية في حين تولى ابن عمه وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل الجهود الدبلوماسية.
تقاعس أميركي
وقال المصدر “أبلغ الامير بندر الدبلوماسيين أنه يعتزم الحد من التعامل مع الولايات المتحدة. وهذا يحدث بعد تقاعس الولايات المتحدة عن القيام بأي تحرك فعال في سوريا وفلسطين”. واضاف المصدر: “العلاقات مع الولايات المتحدة تتدهور منذ فترة ويشعر السعوديون أن الولايات المتحدة تتقارب مع ايران كما أحجمت الولايات المتحدة عن تأييد السعودية خلال انتفاضة البحرين”.
وامتنع المصدر عن تقديم مزيد من التفاصيل عن محادثات رئيس المخابرات السعودية مع الدبلوماسيين الأوروبيين، والتي جرت في الأيام الأخيرة. لكنه المصدر أشار إلى ان التغيير المزمع في العلاقات مع الولايات المتحدة سيكون له تأثير على مجالات كثيرة من بينها مشتريات السلاح ومبيعات النفط.
وتحتفظ السعودية بجانب كبير من إيراداتها في صورة أصول أميركية. ويعتقد أن معظم الاحتياطيات النقدية لمؤسسة النقد العربي السعودي الصافية وقدرها 690 مليار دولار مقومة بالدولار وقسط كبير منها في صورة سندات خزانة أميركية.
جميع الخيارات مطروحة
وقال المصدر السعودي:”جميع الخيارات على الطاولة الآن، وسيكون هناك بالتأكيد بعض التأثير”. وأضاف أنه لن يجري مزيد من التنسيق مع الولايات المتحدة بخصوص الحرب في سوريا حيث تزود السعودية جماعات معارضة تقاتل الأسد بالسلاح والمال.
وأبلغت المملكة الولايات المتحدة بما تقوم به في سوريا، ويقول دبلوماسيون إنها استجابت لطلب الولايات المتحدة عدم تزويد المعارضة السورية بأسلحة متقدمة يخشى الغرب أن تصل إلى ايدي جماعات مرتبطة بتنظيم القاعدة.
وزاد غضب السعودية بعد أن تخلت الولايات المتحدة عن التهديد بتوجيه ضربة عسكرية لسوريا رداً على هجوم بالغاز السام في دمشق في اغسطس آب. وجاء تراجع الولايات المتحدة في اعقاب موافقة دمشق على التخلي عن ترسانة اسلحتها الكيميائية.
وإلى ذلك، قال النائب كريس فان هولين، عضو القيادة الديمقراطية لمجلس النواب الأميركي، لمؤتمر قمة رويترز في واشنطن يوم الثلاثاء، إن التحركات السعودية تهدف إلى الضغط على أوباما للقيام بتحرك في سوريا.
وقال فان هولين “نحن نعرف هذه اللعبة. إنهم يحاولون إرسال إشارة مفادها أنه يجب علينا أن نتدخل عسكريًا في سوريا وأعتقد أن هذا لو حدث فسوف يكون خطأ كبيرًا في خضم الحرب الأهلية السورية”.
وأضاف فان هولين قوله: “ويجب أن يبدأ السعوديون بالكف عن تمويلهم جماعات مرتبطة بتنظيم القاعدة في سوريا، وذلك فضلاً عن حقيقة أنه بلد لا يسمح للنساء بقيادة السيارات”. وفان هولين مقرب من أوباما في القضايا الداخلية في الكونغرس لكنه أقل تأثيرًا على السياسة الخارجية.
صفقة واشنطن – طهران
وتشعر السعودية أيضًا بالقلق من الدلائل على وجود مصالحة مبدئية بين واشنطن وطهران وهو أمر تخشى الرياض أن يؤدي إلى “صفقة كبرى” بشأن البرنامج النووي الإيراني تجعلها في وضع سيىء. وعبر الأمير تركي الفيصل عن تشككه في أن ينجح أوباما في ما سماه “نهج فتح الذراعين” لإيران، التي اتهمها بالتدخل في سوريا ولبنان واليمن والعراق والبحرين.
وقال: “نحن السعوديين نراقب جهود الرئيس أوباما في هذا الصدد. والطريق أمامنا محفوف بالصعاب. وتثور بالفعل شكوك في إيران بشأن مسألة ما إذا كان (الرئيس الإيراني حسن) روحاني سينجح في توجيه إيران نحو اتباع سياسات رشيدة. فقوى الظلام في قم وطهران راسخة الجذور”.
وشلت يدا مجلس الأمن عن اتخاذ اجراء في الصراع المستمر في سوريا منذ 31 شهراً، حيث عرقلت روسيا والصين، وهما عضوان دائمان في المجلس، اكثر من مرة اتخاذ اجراءات لإدانة الرئيس السوري بشار الأسد. ويشار في الختام، إلى أن كثيراً من المصالح الاقتصادية الأميركية في السعودية يشتمل على تعاقدات مع الحكومة في مجال الدفاع وقطاعات امنية اخرى والرعاية الصحية والتعليم وتكنولوجيا المعلومات والبناء.