أدرج دستور 2011 الجهات ضمن الجماعات الترابية للمملكة إلى جانب كل من العمالات والأقاليم والجماعات، وبالتالي فقد تحاشى النص الدستوري وصفها بالجماعات المحلية، وفي ذلك استباق للوضعية المرتقبة للنظام الجهوي وللنظام اللامركزي ككل، التي
ستتطلب تغييرا عميقا في طبيعة الوحدات اللامركزية، وخاصة الجماعات الحضرية والقروية وكذا الجهات.
لكن وضعية الجهة لا زال يكتنفها الغموض، وخصوصا نظام الجهوية المتقدمة، فقد تمخضت أشغال اللجنة الملكية للجهوية الموسعة عن تقارير وتوصيات، إلا أن منطلقات هذه اللجنة كانت محل تساؤلات: هل هي استجابة لحاجة موضوعية يستوجبها تطوير النظام اللامركزي وتعميق الديمقراطية المحلية؟ وما موقع مقترح الحكم الذاتي للصحراء في التلويح بورقة الجهوية المتقدمة لقطع الطريق على مناورات انفصاليي الصحراء؟ ومن هذا المنطلق غير الواضح، لم تكن الحصيلة الختامية لأشغال هذه اللجنة واضحة كذلك، حيث تراوحت توصياتها بين الحديث عن نظام جهوي يماثل النظام المعتمد على مستوى الجماعات الحضرية والقروية، من جهة، واعتماد نظام يقترب من الجهوية السياسية، من جهة أخرى، حيث إن الحسم في تحديد الاختيارات بقي معلقا ولم تكن هناك جرأة كافية لاعتماد اختيار أكثر تقدما.
كما أصيبت أشغال لجنة الجهوية بالارتباك الناتج عن تداعيات الحراك الاجتماعي والسياسي، والتي دفعت إلى الإسراع بالقيام بتعديل دستوري معمق، لعل من أبرز مستجداته إدماجُ بعض من توصيات اللجنة ضمن الوثيقة الدستورية.
والتساؤل المطروح هو أن الرهانات التي كانت معقودة على نظام متقدم للجهوية لم تترجم على مستوى النص الدستوري، فهل نحن بحاجة إلى تعديل دستوري جديد إذا كانت هناك إرادة فعلية لإقرار جهوية موسعة أم إن الأمر لا يحتاج إلا إلى جملة من التشريعات القانونية العادية لتفعيل الجهوية؟
الأكيد أن تفعيل الجهوية، كما نص عليه الدستور، يحتاج بالضرورة إلى تغييرات عميقة في المنظومة القانونية والتنظيمية للنظام اللامركزي. ويكفي تعداد المجالات التي نص عليها الفصل 146 من الدستور التي تتطلب إصدار قوانين تنظيمية متعلقة بها، بدءا بالتنظيم الإداري إلى الاختصاصات إلى النظام المالي إلى صناديق التأهيل والتضامن والحكامة وغيرها، للتعرف على حجم المجهود التشريعي الذي يجب أن يبذل لتفعيل الجهوية؛ فقد أوجب الدستور، في فصله ال86، عرض مشاريع القوانين التنظيمية الواردة في الدستور على المصادقة البرلمانية في الولاية التشريعية الأولى الموالية لإقرار الدستور، والتي أطفأت شمعتها الأولى ودخلت في سنتها الثانية دون أن يتم إعداد وطرح مشاريع القوانين التنظيمية المتعلقة بالنظام اللامركزي للنقاش والدراسة. والأكيد أن إعداد هذه المشاريع ليس وظيفة تقنية خالصة أو عملية بسيطة، بل يحتاج إلى دراسة معمقة وتوافق وطني، لما يتطلبه من مراجعة عميقة لوضعية الجهة، سواء في علاقتها بالمركز أو في علاقتها بالوحدات اللامركزية الأخرى على مستوى التنظيم الإداري والنظام المالي.
فإذا كان الدستور صريحا في تحديد طريقة انبثاق مجالس الجهات بالاقتراع العام المباشر على غرار باقي الجماعات، وكذا اعتبار رؤساء مجالس الجهات أجهزة تنفيذية على غرار رؤساء مجالس الجماعات الترابية الأخرى، ومن ثم فهم آمرون بالصرف في الجهات، وهو أمر لا يطرح إشكالا كبيرا، فإن العديد من التساؤلات تبقى مطروحة، وهي تتعلق أساسا بمجالات متعددة، لعل من أبرزها مسألة توزيع الاختصاصات والصلاحيات وكذا التنظيم المالي والجبائي للجماعات الترابية.
نص الفصل 140 من الدستور على أن صلاحيات الجماعات الترابية هي اختصاصات ذاتية واختصاصات مشتركة مع الدولة واختصاصات منقولة إليها، ومن ثم فهو يطرح التساؤل عن معايير توزيع الصلاحيات بين الجماعات والدولة، من جهة، وخاصة بين الجهات والجماعات الترابية، من جهة أخرى، خصوصا وأن الوضعية الحالية تتسم باستحواذ الجماعات الحضرية والقروية على أهم الصلاحيات؛ فقد استبعد الدستور فرض جماعة معينة وصايتها على الجماعات الأخرى، وهو ما يفهم منه أن الجهة ليست لها سلطة على الجماعات الموجودة في دائرتها الترابية، وحتى عندما نص الفصل 143 في فقرته الثانية على تبويء الجهات مكانة الصدارة بالنسبة إلى الجماعات الترابية الأخرى، فإنه قد حصرها في مجالات محددة تتعلق بعمليات إعداد وتتبع برامج التنمية الجهوية، وكذا التصاميم الجهوية لإعداد التراب، مع التأكيد على أن ممارسة هذه الصلاحيات تتم في نطاق احترام الاختصاصات الذاتية للجماعات الترابية الأخرى.
إن هذه المعطيات تدفعنا إلى التساؤل بخصوص الاختصاصات المخولة بمقتضى القوانين الحالية للجماعات الحضرية والقروية والعمالات والأقاليم: هل سيتم الحفاظ عليها أم إن الأمر يتطلب تقليصا منها لفائدة الجهات، ما دام الحفاظ على نفس الوضعية مع توسيع نطاق صلاحيات الجهات سيؤدي، لا محالة، إلى السقوط في إشكال تنازع الاختصاصات بين الجماعات الترابية؟
وعلى مستوى التنظيم المالي، وأخذا في الاعتبار الواقعَ الجديدَ الذي كرسه الدستور بالنسبة إلى الجهة، فإن مراجعة عميقة للنظام المالي والجبائي للجماعات عملية ضرورية، حيث تتسم الوضعية الحالية باستحواذ الجماعات الحضرية والقروية على أهم الموارد المالية والجبائية مقارنة بتلك المخصصة للجهات؛ فهل سيتم الحفاظ على الوضع القائم، وبالتالي إفراغ النظام الجهوي من محتواه، خاصة وأن الدستور نص، وبشكل انتقالي، على إحداث صندوق للتأهيل الاجتماعي لفائدة الجهات لتغطية عجزها في عدد من المجالات، فضلا عن صندوق للتضامن بين الجهات، أم ينبغي إعادة توزيع للموارد ين الجماعات الترابية وفقا للاختصاصات التي ستمنح لها بما ينسجم مع الوضع الجديد للجهات الذي أحدثه الدستور؟
وفضلا عن التعديلات التشريعية المتطلبة، لا يمكن استبعاد القيام بتعديل دستوري في حالة ما إذا برزت إرادة قوية لاعتماد نظام متقدم للجهوية يماثل أو يقارب نظام الجهوية السياسية المعتمد في عدد من البلدان، كالتجربتين الإسبانية والإيطالية، أو في حالة اعتماد نظام خاص بالأقاليم الجنوبية على ضوء نتائج التفاوض مع انفصاليي الصحراء، حيث يتوجب في هذه الحالات القيام بمراجعة دستورية وعدم الاقتصار على إجراء تعديل تشريعي.
إن تنزيل أحكام دستور 2011 يقتضي إجراء الاستحقاقات الانتخابية الضرورية على مستوى الجماعات الترابية للتطابق مع الواقع الدستوري الجديد، خاصة من أجل تشكيل الغرفة الثانية للبرلمان. والأكيد أن المرحلة الحالية لا تحتاج إلى القيام بتعديل دستوري ما دام الدستور لم يرفع سقف نظام الجهوية، كما أن هناك جمودا في المفاوضات حول مقترح الحكم الذاتي للأقاليم الجنوبية، غير أن هناك مجهودا كبيرا يجب أن يبذل في يرتبط بمتطلبات المراجعة العميقة للمنظومة القانونية والتنظيمية للنظام اللامركزي، وهو ما يتطلب مدة زمنية كافية للتوافق حول هذه المنظومة، بالنظر إلى ضرورة إخضاعها للنقاش العمومي الوطني، سواء تعلق الأمر بمشاريع القوانين التنظيمية المنصوص عليها دستوريا والتي يتوجب عرضها على المحكمة الدستورية للبت في مدى دستوريتها، أو تعلق الأمر بقوانين عادية أو نصوص تنظيمية على اعتبار أن هناك مجالات ذات طابع تنظيمي إلا أن لها تداعيات كبيرة، كما هو الشأن بالنسبة إلى التقطيع الترابي الجهوي الذي يتوجب أن يحصل فيه توافق حول عدد الجهات وكذا دائرة حدودها.
إن هذه المراجعة القانونية الضرورية تطرح جملة تحديات يجب تجاوزها في أفق إجراء الاستحقاقات الانتخابية الضرورية وفي الآجال الملائمة.
امحمد قزيبر
بيـــان المكتب الوطني للنقابة الوطنية للتعليم (ف.د.ش): يرفض الزيادة الهزيلة في الأجور التي اقترحتها الحكومة على المركزيات النقابية، ويشجب بأقصى عبارات الاستنكار الإجهاز الممنهج على مجانية التعليم العمومي من خلال القانون الإطار
تدارس المكتب الوطني للنقابة الوطنية للتعليم العضو في الفيدرالية الديمقراطية للشغل في اجت…