التحول الديمقراطي في اليمن

تجربة حوار يمنية ضد العنف السياسي والإقصاء الأيديولوجي

بعد حوار شامل ومهم للتحول الديمقراطي في اليمن، دامَ ستة أشهر بين التيارات الشمالية والجنوبية العلمانية والإسلامية اليمنية باختلاف مذاهبها، يتبقى الاتفاق على شكل الدولة الذي تعرقله مطالب قوى جنوبية بالحكم الذاتي أو تقرير المصير الذي قد يفضي لانفصال شمال اليمن عن جنوبه. ورغم ذلك ثمة من يرى أن الحوار خطوة إيجابية لتفادي مخاطر العنف السياسي والنزاعات المسلحة كما يرينا سعيد الصوفي من صنعاء.

في الثامن عشر من مارس/ آذار 2013 انطلق مؤتمر الحوار الوطني في اليمن، على امتداد فترة ستة أشهر ، بمشاركة 565 عضواً يمثلون مختلف الأطراف السياسية بمن فيهم الحوثيون الذين يطلقون على أنفسهم أنصار الله (ذوو التوجه الشيعي، في اليمن ذي الأغلبية السنية) ويتركزون في أقصى شمال اليمن، وممثلون عن جنوب اليمن، الذي كان قبل عام 1990 دولة اشتراكية مستقلة، وإن لم يكن الحراك السلمي الجنوبي مشاركاً بجميع فصائله في الحوار. أما المرأة فقد شكلت في المؤتمر نسبة 28 في المئة من المبعوثين.

وخلال رحلة للحوار دامت ستة أشهر وشهدت الكثير من الاختلاف والاتفاق، وصل الحوار إلى محطته الأخيرة وسلمت معظم المكونات نتائج أعمالها للأمانة العامة للمؤتمر، فيما لا تزال النقاشات ساخنة حول القضية الجنوبية وشكل الدولة، إذ تستمر اجتماعات مؤتمر الحوار الوطني الذي كان يفترض أن ينتهي في الثامن عشر من أيلول/ سبتمبر ولكن تم تمديده بسبب الخلافات. ويهدف الحوار إلى وضع دستور جديد تتم بموجبه انتخابات عامة في 2014.

وفي خطاب له بمناسبة الذكرى الحادية والخمسين لثورة شمال اليمن، التي قامت في 26 أيلول/ سبتمبر عام 1962 وألغت الملكية وأعلنت الجمهورية، قال الرئيس اليمني الانتقالي عبد ربه منصور هادي متطرقاً إلى الحوار الوطني: “أصبحنا في اللمسات الأخيرة بعد أن نجح مؤتمر الحوار الوطني في وضع الحلول الجذرية لكل المشاكل. ويتعين على الحكومة متابعة ذلك بوتيرة عالية وكذا العمل على ترسيخ السلام وتهيئة الأجواء لتنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني على أرض الواقع”.

وفي حين يتطلع اليمنيون لمعرفة النتائج النهائية التي توصل إليها مؤتمر الحوار الوطني، فإن مشاعرهم تتباين بين آمال النجاح ومخاوف التعثر.

محاضرة عامة في اليمن لزيادة الوعي بأهمية الحوار السياسي. Deptember 2013; Copyright: DW/S. Alsoofi

تفاؤل حذر

يبدو الصحفي اليمني فضل المنهوري، مدير تحرير موقع الإصلاح نت الناطق باسم حزب التجمع اليمني للإصلاح الإسلامي، أكثر تفاؤلاً بنتائج مؤتمر الحوار الوطني. ويشير المنهوري إلى أنها “ستكون اللبنة الأولى في بناء اليمن الجديد الذي يتطلع إليه غالبية أبناء الشعب اليمني”. لكن الصحفي اليمني يستدرك قائلاً: “من المبكر الحديث عن مخرجات مؤتمر الحوار الوطني نظراً لعدم انتهاء المؤتمر بعد”، مشيرا إلى أن الحوار يمر بمخاض عسير بحثاً عن حلول توافقيه للقضية الجنوبية وشكل الدولة. وحول هاتين المسألتين تتباين الرؤى وتثيران الكثير من الجدل.

من جانبه لا يعتقد الكاتب اليمني عبد الحكيم الفقه “أن مخرجات الحوار ستكون خاتمة الثورة”، مؤكداً على أن الثوار سيرقبون مآل الحوار، وفي حال عدم نجاحه “فإن آليات ثورية جديدة ستنفخ روح الثورة من جديد”. ويتوقع الفقيه “القفز على أسوار الالتزام الحزبي والذوبان في سيل الشعب الجارف الذي عرف طريقه لأن الشعب مصدر السلطة وصانع التحولات الأوحد”.

خليل علوان، المحرر في موقع الاشتراكي نت الناطق باسم الحزب الاشتراكي، يرى أن “نتائج الحوار لن تكون خاتمة للثورة”، ويذهب إلى أن “حركة التغيير ستظل مستمرة”. ولكن مبارك البحار، رئيس مجموعة أسس السياسية الخارجية في فريق الحكم الرشيد بمؤتمر الحوار، يرى أن “المخرجات أكثر من رائعة، إذ تجسد فيها كل أهداف الثورة الشبابية وأسس بناء الدولة المدنية”. أما وليد الحاج رئيس مؤسسة بادر للتنمية فيقول إن مخرجات الحوار “قدمت حلول للمشكلات المطروحة للحوار” ، مؤكداً على أن “نتائج الحوار تفيد الثورة اليمنية بشكل كبير”.

حق تقرير المصير

مطالبات قوى جنوبية بالحكم الذاتي تعرقل الحوار البالغ الأهمية لانتقال ديمقراطي في اليمن. عن ذلك يقول عضو الحراك الجنوبي السلمي ناصر هرهرة إن الحوار اليمني “جاء لإنجاز التسوية السياسية بين الحكم والمعارضة، لكنه يغفل نضال شعب الجنوب”.

ويشير هرهرة إلى أن الحرب الأهلية التي نشبت عام 1994 في اليمن “أنهت الوحدة السلمية بين الشمال والجنوب وحولت الوضع إلى احتلال”. ويرى أن مخرجات الحوار جاءت مبنية على “نتائج الحرب وليس على إنهاء أثارها”.

ويشير هرهرة إلى هامشية التمثيل الجنوبي في مؤتمر الحوار، مؤكداً أن الـ50 في المئة لتمثيل الجنوب في مؤتمر الحوار كشفت التحايل على الجنوب بترشيح أعضاء في أحزاب ذات منشأ شمالي “يحملون وجهات نظر أحزابهم وليس ما يطلبه الشارع الجنوبي”.

ويقلل عضو الحراك الجنوبي السلمي من دور ممثلي الحراك السلمي الجنوبي في مؤتمر الحوار، فعلاوة على العدد المحدود البالغ 85 عضواً، فهم “مكون ضعيف من الحراك ليس له أي تأثير في الشارع الجنوبي”، وليس لهم تأثير بحكم آلية اتخاذ القرارات القائمة على الأغلبية. أما المقترحات المطروحة حول دولة اتحادية، فإن عضو الحراك السلمي يرفضها، معتبراً أنها تمثل “حرمان ثلثي سكان الجنوب في محافظات عدن وأبين ولحج من حقهم في ثروات الجنوب النفطية”. ويحصر هرهرة الحل في التفاوض بين الشمال والجنوب في أن يفضي التفاوض إلى حق تقرير المصير للشعب الجنوبي.

الرئيس اليمني الانتقالي عبده ربه منصور هادي في أول يوم لافتتاح مؤتمر الحوار الوطني في صنعاء بتاريخ 18 مارس / آذار 2013. . REUTERS

الرئيس اليمني الانتقالي عبده ربه منصور هادي في أول يوم لافتتاح مؤتمر الحوار الوطني في صنعاء بتاريخ 18 مارس / آذار 2013.

مخاوف التقسيم والاحتواء

من جانبها تعتقد خريجة العلوم السياسية رؤى أحمد الصوفي أن مخرجات الحوار لم تكن “عند مستوى توقعات الشارع اليمني”، مشيرة هنا إلى ما سمي بوثيقة القضية الجنوبية الصادرة عن لجنة الستة عشر المكونة من مؤتمر الحوار. وتؤكد أن “من يقرأ الوثيقة سيرى التحايل على الشعب ووحدته وأمنه واستقراره”، مبدية استغرابها من توافق القوى السياسية على “تقسيم البلاد تحت شعار التوافق والدولة الاتحادية”.

أما المحلل السياسي عبد الله ناجي علاو، فيرى أن المخرجات الكلية المنبثقة عن مؤتمر الحوار الوطني بجميع مكوناته هي “الضمان الوحيد لتحقيق الاستقرار والسلام والأمن في اليمن”. ويحذر علاو من “إخضاع مخرجات الحوار لإرادة وأهواء الأطراف المتنفذة. ويشير إلى أن ذلك سيؤدي إلى المزيد من تدهور الأوضاع في البلاد وربما إلى ظهور “حالة من الرفض قد تعبر عن نفسها بشكل عنيف”، ما قد يؤدي في النهاية إلى تنامي خطر الإرهاب وبروز نزاعات مجتمعية وطائفية”.

وفي الوقت ذاته يشير المحلل السياسي إلى تخوفه من فشل التسوية السياسية نظراً لتأخر مؤتمر الحوار في حسم الموقف من “القضية الجنوبية وبناء الدولة”. لكنه يرى أن ما ظهر من مخرجات الحوار “يعد خطوة ايجابية ومتقدمه تعكس حاله من الوعي بمخاطر الفوضى وخيارات العنف والنزاعات المسلحة”، آملاً في أن تستمر عملية التغيير وأن لا تتوقف عند المخرجات الحالية لمؤتمر الحوار.

سعيد محمد الصوفي – صنعاء

تحرير: عماد غانم

حقوق النشر: دويتشه فيله2013

*********************

عن صحيفة قنطرة

الخميس 3 اكتوبر 2013

‫شاهد أيضًا‬

الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس يناقض أفكاره الخاصة عندما يتعلق الأمر بأحداث غزة * آصف بيات

(*) المقال منقول عن : مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية ألقى أحد الفلاسفة الأكثر…