…نجد أنفسنا أمام مشروع قانون مالي لا يستجيب لتطلعات وآمال عموم الشعب المغربي ومختلف مكونات الطبقة العاملةيكتسي مشروع قانون المالية لسنة 2013 أهمية خاصة باعتباره أول مشروع قانون مالي من إنتاج الحكومة الحالية 100% بالرغم مما يطبع عمل الحكومة من استمرارية في منهج إعداد مشروع القانون المالي والاستناد على نفس الفرضيات والمرجعيات، والاختيارات الاقتصادية والأهداف الاجتماعية وما يواكبه ويصاحبه من استمرار للعديد من الاختلالات الهيكلية والتي يمكن إجمالها في: – إصلاح منظومة العدالة واستقلالية القضاء – تحديث وعقلنة تدبير الإدارة – إصلاح المالية العمومية والقانون التنظيمي للمالية – استمرار الفساد الإداري والمالي واتساع رقعة الارتشاء والرشوة وضعف حكامة المنشآت والمؤسسات العمومية – البطء في التنزيل الديمقراطي التشاركي للعديد من القوانين التنظيمية المرتبطة بعمل الحكومة وبمشاريع قوانين المالية طبقا لمقتضيات الفصل (75 ) – إرساء هيئات الحكامة والمناصفة والمساواة وإشراك المجتمع المدني في تفعيل ومراقبة السياسات العمومية وفق ما ينص عليه الدستور في فصوله 14 ، 15 و136، إلى غير ذلك من الإجراءات العملية والمؤسساتية للمساهمة في التغيير الذي يطمح إليه الشعب المغربي
لإرساء أسس الانتقال الديمقراطي.
إن مشروع قانون المالية، ليس فقط أرقاما وميزانيات قطاعية ومداخيل جبائية وضريبية، بل هو أداة أساسية لترجمة التوجهات السياسية والاختيارات الاقتصادية والاجتماعية والنموذج التنموي للحكومة الحالية ومدى الالتزام الفعلي بالتوجهات الكبرى للبرنامج الحكومي، وعلى هذا الأساس سنناقش ونساءل السياسة الحكومية من خلال مشروع قانون المالية 2013 وما تضمنه من إجراءات وتدابير ومخصصات مالية للقطاعات الاجتماعية والإنتاجية والإدارية ومدى نجاعة الاستثمارات العمومية والتوزيع المجالي والجهوي للنمو الاقتصادي وخلق فرص الشغل وذلك من خلال المحاور الكبرى التالية:
المحور الأول: مشروع قانون المالية والمحيط الدولي والوطني والجهوي
المحور الثاني : مشروع قانون المالية لسنة 2013 وتوجهات البرنامج الحكومي
المحور الثالث : مشروع قانون المالية وتمويل الاقتصاد الوطني
المحور الرابع: مشروع قانون المالية والاستثمارات العمومية على المستوى المجالي والجهوي
المحور الخامس: مشروع قانون المالية ونتائج الحوار الاجتماعي
I/ مشروع قانون المالية والمحيط
الدولي والجهوي والوطني:
يندرج مشروع قانون المالية لسنة 2013 في ظل استمرار الأزمة العالمية البنيوية وارتفاع أسعار الطاقة وانحسار المبادلات مما يؤثر على الاقتصاد الوطني من خلال الانعكاس السلبي على التوازنات سواء الخارجية حيث تدهور العجز التجاري والذي بلغ 22,8 % من الناتج الداخلي الخام أو الداخلية نتيجة تفاقم عجز الميزانية من جراء ارتفاع نفقات المقاصة إلى ما يفوق 58 مليار درهم في نهاية سنة 2012.
أما على المستوى الجهوي وخاصة بعد الانتفاضات الشعبية والشبابية والتي أطاحت بالعديد من الأنظمة الديكتاتورية، حيث برزت من خلال المطالب التي طرحت ضد الاستبداد والفساد بالعديد من الدول العربية، غير أن هذا الوضع يثير لدينا عدة مخاوف وقلق من جراء ترجيح التوجه المحافظ والماضوي في إدارة السلطة والذي يغذي الثقافة والممارسة الانتهازية على حساب التوجه الديمقراطي الحداثي.
أما على المستوى الوطني، وبالرغم من اجتياز بلادنا لهذه المرحلة العصيبة بأقل الخسائر والاستجابة لمطالب الشباب المغربي وقواه الوطنية والديمقراطية بإقرار دستور جديد يراعي فصل وتوازن السلط ويؤسس لثقافة المساءلة والديمقراطية التشاركية وإرساء مؤسسات الحكامة الجيدة، وإقرار المساواة، واحترام الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وتخليق الحياة العامة، وعدم الإفلات من العقاب والمحاسبة، إلا ان حركة التغيير والإصلاحات الهيكلية لازالت تعرف بطئا شديدا.
وفي ظل هذا السياق المعقد والعديد من الإكراهات، يتم اليوم تدبير الشأن العام من طرف ائتلاف حكومي غير قادر على مواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المطروحة على بلادنا. إننا اليوم أمام وضع سياسي يضرب المكتسبات التي حققها المغرب منذ حكومة التناوب، فالحكومة غير قادرة سياسيا على إخراج مضامين الإصلاحات الدستورية إلى حيز الوجود في حين أن هذه الإصلاحات تعد مكسبا هاما، وتقدم الأجوبة على المطالب العادلة والمشروعة للحراك الشعبي والشبابي بالمغرب في أفق تطوير الممارسة والمنظومة السياسية ببلادنا، وإحداث القطيعة مع سياسة التحكم، والسلطوية وإطلاق دينامية الانتقال الديمقراطي نحو الملكية البرلمانية.
إن ما نستشعره اليوم هو التراجع عن المنجزات والمكتسبات الاقتصادية والتي تهم الرفع من معدل النمو ومحاربة البطالة وعجز ميزانية الدولة، والحد من مستوى المديونية الخارجية والداخلية والتي تقارب اليوم 569 مليار درهم أي ما يفوق 57,3% من الناتج الداخلي الخام وهذه النسبة مرجحة للارتفاع في ظل التوجهات الاقتصادية للحكومة الحالية بالإضافة إلى ذلك عجز الحسابات الخارجية ووضعية المنشآت والمؤسسات العمومية التي استمرت مديونيتها في الارتفاع منذ سنة 2005 بمعدل سنوي بلغ 10% وأمام تلكؤ وتباطؤ الحكومة بخصوص العديد من الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية كما هو الشأن بالنسبة لصندوق المقاصة وصناديق التقاعد ومباشرة الإجراءات العملية لمحاربة الفقر والتمايز في التوزيع، ومستلزمات الاستجابة للمطالب الاجتماعية، ووضع أسس تمنيع الاقتصاد الوطني وتنويع النسيج الإنتاجي، وخلق فرص الشغل والسهر على التوزيع العادل لثمار النمو إن على مستوى المجالي أو الفئوي وتعميق وتطوير المسار الديمقراطي وترجمته إلى إجراءات تخدم العدالة الاجتماعية والمجالية والحقوق الاقتصادية للطبقة العاملة وعموم فئات الشعب المغربي.
إننا نعيش اليوم إعادة إنتاج السلطوية بكل ما تحمله من ظواهر فرعية تبتدئ من خلال مسلسل توسيع الهوة بين النصوص والممارسات بين البنيات والوظائف بين التشريعات والتصرفات بين الكلمات والأشياء بين الأشخاص والأدوار ومظاهر إعادة إنتاج السلطوية من ثنايا الدستور الجديد عديدة ومتعددة لا يسمح المجال لسردها.
II/ المحور الثاني: مشروع قانون المالية والبرنامج الحكومي
يعتبر قانون المالية أداة إجرائية لتنفيذ السياسة العمومية في مختلف المجالات وذلك بهدف بلوغ الأهداف التي سطرتها الحكومة في البرنامج التعاقدي مع كل من البرلمان والمجتمع والدولة، فإلى أي حد يمكن اعتبار مشروع قانون المالية لسنة 2013 يستجيب إلى بناء مجتمع متوازن ومتماسك ، ومستقر ومتضامن ومزدهر يضمن العيش الكريم للمواطنات والمواطنين ويحقق الرعاية الخاصة للمغاربة المقيمين بالخارج وإعادة التوزيع العادل بين الجهات على مختلف المستويات، والتي يمكن إجمالها في:
I / معدل النمو الاقتصادي
ومعضلة التشغيل:
أ) حدد البرنامج الحكومي والذي نالت الحكومة على أساسه ثقة البرلمان، نسبة النمو في 5 ,5 % خلال الفترة الممتدة من 2012- 2016 ، وضبط عجز الميزانية في 2% وتخفيظ البطالة إلى 8% في أفق 2016، والرفع من معدلات الادخار والاستثمار مع ضبط عجز الحساب الجاري لميزان الأداءات وإذا كانت هذه بعض الالتزامات المعلنة من طرف الحكومة أثناء تنصيبها من طرف البرلمان ، فإن مشروع قانون المالية لسنة 2013 يحدد لنفسه نسبة نمو لا تتجاوز 4,5%، هذا مع العلم أن نسبة النمو خلال 2012 لم تتجاوز2,6 % أما بخصوص نسبة العجز الذي حددها البرنامج الحكومي في 2% فإن مشروع قانون المالية لسنة 2013 يبشرنا بنسبة عجز في 4,8% والتي وصلت خلال 2012 إلى 6,8 % حسب المعلومات المتوفرة
ب) أما فيما يخص مقولة نمو منتج لفرص الشغل، ومواجهة معضلة البطالة، خاصة في صفوف الشباب الحامل للدبلومات العليا، فإن كل الدراسات الداخلية أو المنجزة من طرف المؤسسات الدولية (صندوق النقد) تؤكد على أن تشغيل العاطلين والوافدين الجدد على سوق الشغل يتطلب تحقيق معدل نمو الناتج الداخلي الخام الحقيقي بنسبة 7,5 % بذل 4,5 % كمتوسط نمو مسجل خلال العشر سنوات الأخيرة، كما أن الدراسة المنجزة من طرف مديرية الدراسات والتوقعات المالية بوزارة الاقتصاد والمالية تشير إلى أن معدل السكان في سن العمل سيعرف ارتفاعا بنسبة 1,8% في المتوسط خلال العشر سنوات المقبلة وهو ما يعني ولوج حوالي 260 ألف شخص لسوق الشغل وباعتبار العدد الحالي للعاطلين عن العمل، ينبغي للاقتصاد الوطني خلق ما معدله 300 ألف فرصة عمل في السنة وهو معدل يفوق ما يتم خلقه حاليا أي 153 ألف منصب شغل سنويا، ومن المؤكد أن يولد هذا التطور الجديد للتكوين الديمغرافي ضغطا متزايدا على سوق العمل مما يتطلب تحقيق معدل نمو يفوق 6 % سنويا، من أجل توفير فرص عمل جديدة واستيعاب مخزون العاطلين عن العمل والداخلين الجدد إلى سوق الشغل وهو ما لا توفره نسبة النمو المعلن عنها من طرف الحكومة في مشروع قانون المالية لسنة 2013، وبذلك فالخطاب عن نمو منتج لفرص شغل فيه الشئ الكثير من الديماغوجية أكثر من الواقعية السياسية لمواجهة معظلة البطالة ببلادنا بإجراءات ملموسة أولها إصلاح منظومة التعليم والتكوين المهني ووضع برنامج من أجل ضمان العمل الملائم، واحترام الالتزامات الدولية والشفافية ومقتضيات مدونة الشغل، في أفق إقرار ميثاق اجتماعي جديد بين مختلف مكونات الإنتاج ، وتشجيع الاستثمار المنتج لفرص الشغل خاصة في المجال الصناعي، وتطوير البحث العلمي.
ج) على مستوى السياسة الإرادية لدعم الاستثمار العمومي والتوزيع الجهوي للاستثمارات العمومية:
الملاحظة الأولى: هو تراجع حجم الاستثمارات العمومية من 188 مليار درهم سنة 2012 إلى 180 مليار درهم خلال سنة 2013 أي بنسبة تراجع تعادل 4,26 %.
الملاحظة الثانية: التوزيع غير العادل واللامتكافئ للاستثمارات العمومية على المستوى الجهوي والمجالي، فإذا كانت جهة الرباط ? زمور ? زعير وجهة الدار البيضاء تستحوذان على 32,89 % من مجموع الاستثمارات العمومية خلال سنوات 2008 ? 2010، فإن حجم الاستثمارات العمومية بخصوص جهة تازة الحسيمة تاونات لم تتجــــــاوز 3,27 % وجهة مكناس تافيلالت 3,03 % وجهة العيون – بوجدور- الساقية الحمراء 2,79 % وجهة الغرب ? الشراردة – بني حسن% 2,07وجهة تادلــة أزيلال1.57 % وجهة واد الذهب ? الكويرة 0,52 %.
يتضح من خلال هذه المعطيات مدى التفاوت بين الجهات والتوزيع غير العادل للاستثمارات العمومية، ولقد كشفت دراسة الدينامية الاجتماعية والاقتصادية الجهوية عن اتساع الاختلالات بين الجهات وهو ما ينعكس على قدرتها التنافسية لذلك فالحكومة مطالبة بتطبيق سياسة جهوية متكاملة قادرة على الحد من هذه الاختلالات ووضع أسس تحقيق تنمية مستدامة مرتكزة على منطق إنشاء أقطاب متخصصة من خلال إبراز فعالية النظم الإنتاجية في كل فضاء .
لقد فتح المغرب خلال السنوات الأخيرة ورشا كبيرا للإصلاحات يهدف إلى تحسين مناخه الاقتصادي والاجتماعي، إلا أن مرافقة هذه الإصلاحات تفرض على بلادنا اعتماد أشكال جديدة من الحكامة تتلاءم والأوراش المفتوحة المرتكزة على تدبير القرب، والتي تعتبر أن فعالية الحكامة ترتبط إجمالا بأخذ الحاجيات الحقيقية للسكان بعين الاعتبار، فاعتماد الطابع المجالي والترابي في إقرار السياسات العمومية يشكل حجز الزاوية وتحديث وعقلنة العمل العمومي، فالنموذج المعتمد من طرف المغرب والمبني على ازدواجية اللامركزية واللاتركيز لا يمكن أن يعطي نتائج إيجابية إلا باعتماد المقاربة التعاقدية والتي دون شك تشكل تحولا حقيقيا للإدارات بهدف الانتقال من علاقات مؤسساتية هرمية إلى علاقات تفاوضية وتعاقدية، ويعتبر التعاقد ذا أثر إيجابي بالنسبة للدولة سياسيا وماليا، فمشروع قانون المالية لسنة 2013 لا يندرج للأسف في هذا السياق.
د) كما نلاحظ أيضا ضعف إنجازات الاستثمارات العمومية فالمعطيات المتوفرة والمتعلقة بنهاية سنة 2011 تبين أن معدل إنجاز الاستثمارات العمومية لم يتجاوز 60% ويرتكز التوزيع القطاعي لهذه الاستثمارات على المجالات التالية:
المجالات
نسبة الإنجاز
1- ميدان البنيات التحتية 36,3 %
2- القطاعات الاجتماعية كالسكن والتعمير والتنمية الترابية 24%
3- قطاع الطاقة والمعادن 21,6%
4- الفلاحة والصيد البحري 4,2 %
5- قطاع النقل 7,7%
6- القطاع المالي 3,6 %
7- القطاع السياحي 0,9 %
8- القطاعات الأخرى 1,5 % وهذا ما يفسر ضعف نجاعة ومحدودية مردودية الاستثمارات العمومية.
II / البعد الاجتماعي
مشروع قانون المالية 2013
يمثل تحقيق التماسك الاجتماعي والتنمية البشرية وتقليص الفوارق أولوية كبرى في البرنامج الاجتماعي للحكومة من خلال تقوية وتعزيز السياسات والخدمات الاجتماعية وتطوير الاستفادة وتيسير الولوج إليها واستهداف مختلف الفئات الاجتماعية بسياسات تهدف إلى إدماج الأفراد والفئات والجهات في الدورة التنموية الوطنية.
فهل يستجيب مشروع قانون المالية لسنة 2013 لهذه القضايا؟
1/التعليم: حدد البرنامج الحكومي عدة أهداف بخصوص المسألة التعليمية نذكر منها:
أ) إعادة الثقة في المدرسة العمومية.
ب) تفعيل المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي في اقرب الآجال الممكنة.
ج) تعبئة الطاقات البشرية والوسائل المادية واستعمالها بشكل أمثل.
* غير أن من الملاحظ أنه منذ مجيء الحكومة الحالية لا يزداد المواطنين إلا فقدانا للثقة في المدرسة العمومية ووصلت التوترات داخل مختلف الفضاءات التربوية مستويات لم يسبق لها مثيل (احتجاج المدراء والطاقم الإداري لأول مرة في تاريخ المدرسة العمومية)
* المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، لا حديث عنه، فربما في اقرب الآجال الممكنة في الفهم الزمني للحكومة لإرساء المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي هو نهاية ولاية هذه الحكومة؟
* تعبئة الوسائل المادية تتمثل بشكل واضح في تخفيض ميزانية وزارة التربية الوطنية ب 0,13 % سنة 2013 42,433. والاستعمال الأمثل يتجلى في عدم إجراء فحص مالي وإداري للبرنامج الاستعجالي للتعليم والذي بدد أكثر من 34 مليار درهم دون نتائج تذكر على مستوى جودة التعليم والبنيات التحتية وتحقيق مختلف الأهداف التي تم الإعلان عنها.
كذلك نلاحظ أن مشروع قانون المالية لم يعط العديد من القطاعات الاجتماعية ما تستحقه والتي لها أهمية قصوى في مجال التنشئة والتثقيف والإنتاجية، حيث ثم تخفيض كل من:
. ميزانية وزارة الشباب والرياضة بنسبة 21,21 %
. ميزانية وزارة التشغيل والتكوين المهني بنسبة 15,22 %
. ميزانية وزارة الثقافة بنسبة 0,15%
وهكذا يتضح البعد الاجتماعي لمشروع قانون المالية 2013.
وعلى مستوى البنيات التحتية:
. تقليص ميزانية وزارة النقل والتجهيز بنسبة 0,23%
وعلى مستوى القطاعات الإدارية
. تقليص ميزانية الوزارة المكلفة بالجالية المغربية بالخارج نسبة 10 ,69 %
وهو مقياس الاهتمام الذي توليه الحكومة لمغاربة العالم.
2- على مستوى الصحة:
بالرغم من الرفع الطفيف من المخصصات المالية لقطاع الصحة بنسبة 4,14% أي من 11,88 مليار درهم سنة 2012 إلى 12,37 مليار درهم سنة 2013، فإن قطاع الصحة لا يشكو فقط من قلة الإمكانيات المالية، بل من سوء توزيع البنيات الصحية والموارد البشرية والاختلالات الكبرى بين المراكز الحضرية والقروية والمناطق النائية مما يحول شعار الولوج العادل للخدمات الصحية إلى مجرد كلام فنسبة التأطير الطبي لا تتجاوز طبيب لكل 1630 نسمة، وممرض لكل 1109 نسمة، ويبلغ العجز فيما يخص الموارد البشرية بقطاع الصحة العمومية 6000 طبيب و9000 ممرض، ولقد صنفت المنظمة العالمية للصحة المغرب ضمن 57 بلدا في العالم التي تعيش خصاصا حادا لمقدمي العلاجات حيث يوجد المغرب تحت العتبة الحرجة المحدد في 2,3 من المهنيين لكل 1000 ساكن، كما أن هناك غياب تام للبنيات الصحية الخصوصية بالمجال القروي، إذ تتمركز بالمجال الحضري 87 % من الصيدليات وأزيد من 96 % من عيادات الفحص الطبي الموجودة على الصعيد الوطني.
كما أن أكثر من نصف المؤسسات الاستشفائية ومؤسسات تشخيص الأمراض هي بجهتي الدار البيضاء والرباط-سلا-زمور- زعير 44 % من الطاقة الإيوائية للمصحات الخاصة و 56 % من عيادات الفحص بالأشعة و57 % من مختبرات التحاليل الطبية و 53 % من عيادات طب الأسنان، وبالنظر إلى تدني نسبة التغطية الصحية للساكنة ( 17 %) تساهم الأداءات المباشرة للأسر بشكل كبير في تمويل الصحة، وتصل هذه المساهمة في النفقات الصحية إلى 64,3% حسب الحسابات الوطنية للصحة سنة 2006، فعن أي ولوج عادل بين الأفراد والجهات تتحدثون أمام هذه الأرقام والمعطيات الرسمية؟
كما أن محدودية نظام المساعدة الطبية (راميد) والذي لم يتجاوز إلى غاية غشت 2012 17,6 % من الفئة المستهدفة أي1,5 مليون مستفيد من أصل 8,5 مليون مستهدف.
3) صندوق التماسك الاجتماعي
إذا كان مبدأ التضامن مسألة أساسية وضرورية بل هي جزء من ثقافة المجتمع المغربي وتقاليده، فإن آليات تمويل هذا الصندوق تطرح لدينا العديد من الملاحظات:
أولاها أن المواطنين الأقل هشاشة يتضامنون مع الأسر الأكثر فقرا، وبذل ان تلجأ الحكومة إلى حلول جدرية بإقرار الضريبة على الثروة أو على الأقل فرض الضريبة على الكماليات (Les produits de luxe) تلجأ للحلول السهلة، وإقرار ضريبة على الدخل الصافي للأشخاص الذاتيين اللذين يساوي أو يفوق دخلهم 300 ألف درهم في الوقت الذي تستمر فيه الحكومة في إعفاء الفلاحين الكبار وتشجيع المنعشين العقاريين الذين استفادوا من 17,4 % من النفقات الجبائية برسم سنة 2012 للقطاع العقاري (6,31 مليار درهم)، بالإضافة إلى النفقات الجبائية المرتبطة بالإعفاء من جميع الضرائب والرسوم لفائدة برامج السكن الاجتماعي الجاري تنفيذها والتي بلغت 2,55 مليار درهم، وهو ما يعني أن هذا القطاع استفاد من ما مجموعه (8,86 مليار درهم سنة 2012 فقط).
فالحكومة التي تسعى إلى دعم الطبقة الوسطى من خلال بعض الإجراءات التي تضمنها مشروع قانون المالية، نرى أنها تثقل كاهل هذه الطبقة من جراء فرض ضريبة إضافية من أجل التضامن، لمدة ثلاثة سنوات وهو ما يعني أن الحكومة تدبر فقط زمنها السياسي ولا تملك رؤية استراتيجية للتضامن.
كما أن السكن الاجتماعي المحدد في 140 ألف درهم سيعرف ارتفاعا في ثمن الكلفة من جراء الرسوم الضريبة الجديدة التي أتى بها مشروع قانون المالية لسنة 2013 بخصوص الرسم المفروض على الرمال والحديد، كما نستغرب كيف يمكن عن اعتبار بعض الإجراءات دعم للطبقة الوسطى، كالاستفادة من التخفيض الخاص بالأدوية أو الولوج إلى التمويل بخصوص مشاريع السكن. مما يفند خطابكم بخصوص دعم الطبقة الوسطى.
III/ المحور الثالث : مشروع قانون
المالية وتمويل الاقتصاد الوطني
I- الملاحظة الأساسية في هذا الإطار هي كون ميزانية الدولة تمولها الضرائب والديون حيث تبلغ الموارد الإجمالية لميزانية الدولة برسم مشروع قانون المالية لسنة 2013 ما قدره 345,91 مليار، موزعة على الشكل التالي:
أ) الميزانية العامة : 283 ,50 م7ليار درهم أي ما يشكل 82 % من الموارد المالية،
إذ تشكل الضرائب المصدر الأول لموارد الدولة برسم مشروع قانون المالية لسنة 2013 بنسبة 63,45 % (179.38 مليار درهم)، وتمثل منها الضرائب المباشرة وغير المباشرة، نسبة 95 % فيما تبقى حصة الرسوم الجمركية، أي الضرائب على التجارة الخارجية، ضعيفة، علاوة على أنها تميل إلى الانخفاض من سنة إلى أخرى، وذلك من جراء تدابير التفكيك الجمركي المرتبط أساس باتفاقيات التبادل الحر وبتوصيات المؤسسات المالية الدولية لتحرير التجارة الخارجية، كما تحتل موارد القروض والهبات 85.89 مليار درهم بنسبة 30,29 % من مجموع موارد الميزانية العامة.
1.1- وهكذا فإن أعباء الثقل الضريبي وتمويل ميزانية سنة 2013 يتحملها المستهلكون والأجراء:
حيث تمثل الضرائب المرتبطة بالاستهلاك الشعبي الواسع (الضرائب غير المباشرة، ورسوم التسجيل والتمبر) أكثر من نصف العائدات الضريبية بمبلغ 92,77 مليار درهم، وهي ما فتأت ترتفع ، حيث زادت بنسبة 27,69 % مقارنة مع سنة 2012. أما موارد الضريبة المباشرة التي تبلغ 77,54 مليار درهم، فتتشكل:
أولا: من الضريبة على الشركات بنسبة 54,84 % وتتحمل المؤسسات العمومية الكبرى قسطها الأكبر في حين تبقى حصة المقاولات الخاصة ضعيفة نسبيا علما أنها تحظى برعاية الدولة عبر الإعانات والإعفاءات (الزراعة، النسيج، إلخ) التي استفادت من حوالي 22 مليار درهم برسم التقييمات الجبائية لسنة 2012، أي 60,5 % من الاستثناءات الضريبية (أو النفقات الجبائية) التي بلغ مجموعها أكثر من 36 مليار درهم، وهذا الرقم لا يعكس حقيقة حجم التملص الضريبي الذي يعد سلوكا سائدا لدى كبار أثرياء المغرب في ظل استشراء الفساد ونهب المال العام.
ثانيا : من الضريبة العامة على الدخل بنسبة 42,48 % التي تتشكل ثلاثة أرباعها من الرواتب والأجور والتي تقتطع مباشرة من المنبع.
فالمستهلكون والأجراء، إذن، هم من يتحملون أعباء الثقل الضريبي ، ويعانون ويلات الفقر والهشاشة الناتجة عن إجراءات التقشف التي تفرضها ضرورة استرداد الديون. وفي هذا الإطار نلاحظ استمرار تضخم المديونية العمومية.
2.1. تضخم المديونية العمومية :
حيث تحتل موارد الاقتراض والهبات المرتبة الثانية في تمويل الميزانية العامة للدولة برسم مشروع قانون المالية لسنة 2013، وتمثل منها نسبة 26,31 % (74,6 مليار درهم، وتأتي بشكل رئيسي من الاقتراض الداخلي بنسبة 64,34 % (48 مليار درهم)، والاقتراض الخارجي بنسبة 35,65 % (26,6 مليار درهم)
إلا أن المديونية العمومية للمغرب (الداخلية والخارجية) تضخمت بشكل خطير في السنوات الأخيرة، خصوصا منذ اندلاع الأزمة العالمية في سنة 2008، حيث ارتفعت بنسبة 1 % مقارنة مع سنة 2007، ثم ب 7,5 % سنة 2009 و 11,4 % في 2010، ثم 12 % سنة 2011، ومن المتوقع أن تتجاوز المديونية سقف 564 مليار درهم مع نهاية 2012 حسب التوقعات، وأن تقارب 57 % من الناتج الداخلي الخام، وهذا ما يعني أن ثلاثة أرباع الثروة المنتجة بالمغرب مرهونة لصالح المؤسسات المالية الدولية التي تمثل 52 % من الديون العمومية الخارجية.
يعود هذا التضخم الكبير لحجم المديونية بشكل أساسي إلى تقلص الإيرادات المالية بالعملة الصعبة بسبب الأزمة الرأسمالية العالمية، حيث تقلص الطلب على واردات المغرب الرئيسية وتراجع أسعارها، وزادت قيمة صادراته الأساسية (مواد الطاقة، المواد الغذائية، إلخ)، ثم ارتفاع نسبة الفوائد في الأسواق المالية العالمية، علاوة على تهريب الرساميل ونهب المال العام. ولما طرح الفريق الفيدرالي في السنة المنصرمة الضريبة على الثروة، وتضريب الفلاحة التصديرية والعصرية والحد من الإعفاءات الجبائية والتي ليس لها طابع اجتماعي، كان رد الحكومة، هو أن هذه الضرائب سيكون من شأنها تهريب رؤوس الأموال غير أن ترحيل الثروات يتم عبر عدة أشكال نذكر منها:
(1) عبر التبادل اللا متكافئ
لقد ارتكزت جميع سياسات البنك العالمي وصندوق النقد الدولي التي طبقتها الدولة المغربية منذ بدايات برامج التقويم الهيكلي، في أوائل الثمانينات، على التصدير وإلغاء الحواجز أمام دخول السلع والرساميل الأجنبية لتحفيز النشاط الاقتصادي وتنمية مصادر العملة الصعبة، لكن الحصيلة العملية أثبتت الفشل الذريع لهذه السياسات، وعمقت الأزمة الرأسمالية العالمية بجلاء مأزقها ، وهذا ما يكشف عنه تطور الميزان التجاري الذي بدأ يتدهور بشكل كبير منذ سنة 2007، حيث نجد أن أثمان صادرات المغرب الرئيسية تنخفض في الأسواق العالمية (10 % سنة 2011 مقارنة مع سنة 2010 بالنسبة للطماطم والخضروات، 8 % بالنسبة للحوامض، إلخ)، في حين ترتفع أسعار وارداته بشكل كبير مواد الطاقة أكثر من 32 %، القمح 27 % إلخ)، ولم تعد الصادرات تغطي حتى نصف واردات البلاد.
إن الرصيد التجاري السلبي يعكس بشكل واسع آلية ترحيل القيم إلى الخارج من خلال التبادل غير المتكافئ حيث يصدر المغرب منتجات أولوية وبعض المنتوجات شبه الصناعية والفلاحية الثانوية تتضمن ساعات عمل تفوق بكثير تلك التي يستوردها من البلدان المصنعة ذات المردودية العالية، علاوة على كونها مدعمة بشكل كبير.
(2) عبر خدمة الدين:
حيث تمتص نفقات الدين الخارجي العمومي أكثر من 17 مليار درهم كمعدل خلال السنوات الست الأخيرة، إنها أداة ترحيل الثروات إلى الرأسمال في البلدان الإمبريالية، خصوصا إذا علمنا أن المغرب سدد في الفترة الفاصلة ما بين 1983 و2011 إلى الخارج ما يفوق 115 مليار دولار، وهو ما يعادل 8 مرات الدين الأصلي، وما زال بذمته حاليا أكثر من 22 مليار دولار (192 مليار درهم).
(3) عبر تحويل الأرباح إلى الخارج:
تنفيذا لإملاءات البنك العالمي وصندوق النقد الدولي، أزال المغرب الحواجز أمام دخول الرساميل والسلع الأجنبية وخروج الأرباح، ومنذ 2008، نلاحظ ارتفاع مبالغ الأرباح المحولة إلى الخارج ، حيث بلغت 9 مليار درهم سنة 2011، حسب ما يبينه الجدول التالي:
السنة
2006
2007
2008
2009
2010
2011
تحويلات أرباح الأسهم المالية
4,6
4,4
6,1
9,1
8,7
9
إن هذه الأرقام تتعلق فقط بتحويلات أرباح الأسهم المالية للمستثمرين الأجانب بالمغرب، في حين أن «هناك أشكالا أخرى يتم من خلالها تحويل رؤوس الأموال إلى الخارج من طرف فروع المجموعات الدولية بالمغرب، وذلك على شكل مستحقات تقدمها هذه الفروع للشركات الأم تحت بند المساعدات التقنية … وغالبا ما يتركز الحديث على تدفقات رؤوس الأموال الخارجية إلى المغرب، في حين يتم إغفال المبالغ المحولة إلى الخارج، إذ من خلال المقاربة بين تدفقات الاستثمارات الخارجية وحجم تحويلات الأرباح ومختلف الأشكال الأخرى المعتمدة، نجد أن الرصيد أصبح سالبا منذ سنة 2009، وهو ما يعني أن رؤوس الأموال المصدرة إلى الخارج تفوق رؤوس الأموال المتدفقة على المغرب، وبذلك أصبح المغرب، مصدرا لرؤوس الأموال».
وتشكل عمليات الخوصصة مصدرا لتصدير العملة من طرف الرساميل الأجنبية على شكل أرباح في اتجاه بلدانهم الأصلية أو مناطق أخرى، حيث تمنحهم الدولة مقاولات عمومية مربحة على طبق من ذهب، فعلى سبيل المثال: في إطار توزيعها لمجموع أرباحها لسنة 2011، حولت شركة اتصالات المغرب (أو ماروك تيليكوم) مبلغ 4,3 مليار درهم لشركة فيفاندي الفرنسية، ولم يسبق لمعدل الأرباح السنوية التي حازت عليها فيفاندي أن نزل عن عتبة 4 مليار درهم منذ 2007، وهي السنة التي ارتفعت فيها أسهمها إلى نسبة 53% من رأسمال ماروك تيليكوم، كما تسمح خوصصة الخدمات العمومية من خلال ما يسمى بالتدبير المفوض لتوزيع الماء والكهرباء، والنقل الحضري، والنظافة، وجمع النفايات المنزلية إلخ، بفتح جيوب المواطنين للشركات متعددة الجنسيات لتستحوذ على أموالهم مباشرة وتحولها إلى الخارج.
(4) عبر تهريب الأموال
حسب دراسة قام بها مكتب أمريكي للاستشارة، فإن أكثر من 30% من الثروات التي يملكها الأثرياء المغاربة مودعة لدى البنوك الخارجية، أساسا في سويسرا وبريطانيا. كما يهرب أغنياء المغرب إلى الخارج نسبة 45% من ثرواتهم ، وقدر مبلغ الرساميل المغربية المهربة ب 25 مليار دولار. فهل للحكومة الجرأة لاطلاع الرأي الوطني عن حقيقة تهريب الأموال بذل جعله ذريعة يختبأ وراءها لعدم فرض الضريبة على الثروة ومساهمة الأثرياء في التضامن والتماسك الاجتماعي؟
(5) بيع السندات السيادية في الأسواق المالية الدولية
لم تجد الدولة من حل سوى اللجوء إلى الأسواق المالية الدولية لتقترض منها بالعملة الصعبة مباشرة عبر بيع سندات سيادية بالأورو (1 مليار أورو في سنة 2010) وبالدولار (1.5 مليار دولار سنة 2012) ، ثم قرض الوقاية والسيولة بقيمة 6,2 مليار دولار الذي وضعه صندوق النقد الدولي رهن إشارة المغرب على مدى عامين، وقد يخصص أساسا لتغطية عجز ميزان المدفوعات بشكل استعجالي على المدى القصير. وهذا ما سيؤدي إلى ارتفاع تكاليف هذه الديون (خدمة الدين التي تتكون من الفوائد زائد حصة الرأسمال الأصل ) الناتج عن ارتفاع نسب فائدتهاـ علاوة على شروطها المجحفة وارتهان مستقبل البلاد لعشرات السنين المقبلة.
المحور الرابع: الحوار الاجتماعي ونتائج الحوار الاجتماعي
هشاشة المقاربة التدبيرية للحكومة في ظل تفاقم الأزمة
عكس انتظارات الرأي العام الواسعة من تفعيل المقاربة الإصلاحية التي جاء بها الدستور والتي أسس لها الخطاب الملكي ل 9 مارس 2011، فلا البرنامج الحكومي ولا التدابير السياسية للحكومة عكسا نوعا من الوفاء للحمولة السياسية والديمقراطية والحقوقية للدستور، فقد فرضت الأزمة الاقتصادية والمالية منطقا تدبيريا ومعالجة ترقيعية للشأن العام في توجه مشروع القانون المالي 2013.
فلا تختلف الأرقام سواء تلك الصادرة عن المؤسسات الوطنية (المندوبية السامية للتخطيط، بنك المغرب، …) أو تلك الصادرة عن المؤسسات المالية والتصنيفية الدولية، حول الوضعية الصعبة للاقتصاد الوطني. فكل المؤشرات تسير في اتجاه الانحدار: ضعف نسبة النمو، تفاقم العجز ، تقلص الموجودات الخارجية، تزايد البطالة، تراجع تحويلات مغاربة العالم، تراجع مداخيل السياحة، تراجع الاستثمارات الأجنبية إلخ …
أمام هذا الوضع وبدل البحث عن المداخل الحقيقية للإصلاح يطغى على الحكومة منطق الحفاظ على الذات الحزبية أولا وانتهاج منطق الاستمرارية في تدبير الشأن الاقتصادي مع بعض الرتوشات ذات الوقع الغرائزي على بعض الفئات الشعبية. لذلك تلهث الحكومة وراء استعادة التوازنات الماكرو اقتصادية المفقودة وفي نفس الآن تمد يدها إلى المؤسسات المالية الدولية في مسلك قد يؤدي إلى رهن الاقتصاد الوطني إلى وصاية هذه المؤسسات.
إن أحسن تجسيد لهذا الواقع هو مشروع القانون المالي 2013 الذي لا يمتلك النفس الإصلاحي لمواجهة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية ولا يشكل أداة سياسية وتنموية تصنع الأرضيات المطلوبة لتفعيل المؤسسات والآليات التي جاء بها الدستور لمواصلة البناء الديمقراطي، كما أنه لا يجيب على الطلب الاجتماعي المتزايد إن في شق مواجهة الخصاص في البنيات الاجتماعية الأساسية، أو في الشق المتعلق بمحاربة مظاهر الهشاشة الاجتماعية.
الشغيلة المغربية والدفاع عن المكتسبات ومواجهة التراجعات التي تمس الحريات النقابية والحريات العامة:
ورغم أن الشغيلة المغربية تعد المساهم الأول ب 73 % في موارد الضريبة على الدخل، فإنها تبقى الحلقة الأضعف في نظر الحكومة عند كل بحث جديد عن موارد جديدة، وبالمقابل تنأى الحكومة بنفسها عن الإقرار بحقوق الطبقة العاملة، والوفاء بالالتزامات التي قطعتها على نفسها، وتعمل على تهميش الحوار الاجتماعي وخرق الحقوق والحريات النقابية في شبه حرب معلنة على العمل النقابي ومؤسساته الوطنية الديمقراطية.
فمنذ مجيئ الحكومة الحالية وباستثناء جلستين يتيمتين مع السيد رئيس الحكومة، فإن الحوار الاجتماعي لا يجد له زمنا في أجندتها، مما يعكس إرادة سياسية لتغييت الحوار الاجتماعي وفقا للمنهجية التي طالبت بها مركزيتنا والتي تقتضي قيام حوار مؤسساتي فاعل ومنتج باعتماد مقاربة منهجية ديمقراطية ثلاثية الأطراف (الحكومة، ارباب العمل، المركزيات النقابية الأكثر تمثيلية).
فبعد مرور ما يقارب السنة والنصف على توقيع اتفاق 26 أبريل 2011 لازالت بعض مقتضياته حبرا على ورق، خاصة أن جلها لا يتطلب تكلفة مالية وإنما يتطلب إرادة سياسية.
ففي القطاع العام فإحداث درجة جديدة للترقي لازال رهين المقاربة المغرضة للحكومة بقراءة مالية، أما عن إصلاح منظومة الأجور والنظام الأساسي العام للوظيفة العمومية وإصلاح النظام الانتخابي للجان الإدارية المتساوية الأعضاء، فلا حديث عنها، كما أن التعويض عن المناطق النائية لايجد لنفسه مكانة في مشروع قانون المالية لسنة 2013.
أما في القطاع الخاص، فالوزارة الوصية أعلنت استقالتها من الحوار الاجتماعي، بدعوى أن ذلك شأن خاص بالمركزيات النقابية وأرباب العمل، وفيما يتعلق بتفعيل اتفاق 26 أبريل 2011 وخاصة المصادقة على الاتفاقية 87 لمنظمة العمل الدولية وحذف الفصل 288 من القانون الجنائي وإخراج صندوق التعويض عن فقدان الشغل، فلا زالت رهينة المزاج السياسي للحكومة. نتمنى أن يتم ترجمة التزام وزير الاقتصاد والمالية داخل اللجنة باستعداد الحكومة لإخراج هذا الإجراء أثناء الحوار الاجتماعي المقبل.
كما أن الحوار القطاعي يعرف الفشل، إذ أن أغلب القطاعات إما تخوض معارك نضالية في ظل إغلاق باب الحوار، أو هناك حوارات عقيمة، ولم تجد الحكومة سوى المقاربة الأمنية العنيفة في مواجهة الاحتجاجات العمالية لإسكات صوت الشارع كما هو الشأن مع المعطلين وبعض تعبيرات المجتمع المدني والنقابات القطاعية.
مما يعد مسا خطيرا بالحقوق والحريات النقابية والعامة، كرسته الحكومة في أحد مجالسها الأخيرة بالتضامن ضد الشغيلة المغربية واعتماد الاقتطاع من أجور المضربين في قطاع الوظيفة العمومية مما يعد خرقا سافرا للمتن الدستوري وفي تضاد تام مع منطق الحوار المسؤول في أفق تفعيل مقتضيات الدستور ومن بينها القانون التنظيمي للإضراب.
كما أن المس بالحريات النقابية في القطاع الخاص وفي الكثير من المؤسسات الإنتاجية بات ممارسة عادية وصل إلى الرفض المطلق للعمل النقابي بطرد المكاتب النقابية وإغلاق المؤسسة وتسريح العمال، وذلك في ظل غياب مؤسسات وزارة التشغيل المكلفة بنزاعات الشغل، إذ أن الآليات التي نصت عليها مدونة الشغل من لجان إقليمية ووطنية للبحث والمصالحة أضحت مشلولة وبدون نتائج تذكر. كما أن هيأة التفتيش لا تملك لا الآليات القانونية ولا الوسائل في مواجهة المشغلين.
إنها النتائج المسجلة منذ مجيء الحكومة الحالية والتي تريد أن تنسب لنفسها بعض النتائج أو المقتضيات التي تضمنها اتفاق 26 أبريل مع الحكومة السابقة سواء تعلق الأمر بالرفع من الكوطا أو بمسألة التسقيف إلى غير ذلك… إننا في الفريق الفيدرالي وأمام تغييب مشروع قانون المالية للإجراءات والتدابير العملية لحل العديد من الإشكالات الاجتماعية كالتقاعد ومراجعة نظام الأجور والتصديق على الاتفاقيات الدولية ذات الصلة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية للطبقة العاملة نجد أنفسنا أمام مشروع قانون مالي لا يستجيب لتطلعات وآمال عموم الشعب المغربي ومختلف مكونات الطبقة العاملة، لذلك، ليس هناك ما يدعونا للتعاطي الإيجابي مع مشروع قانون المالية لسنة 2013.