خريف سياسي يقترب من النهضة مع صعود التكنوقراط |
المرتقبة تمثل فرصة لكشف أوراق الإسلاميين ويمكن أن تشكل بداية لإنهاء حكمهم في تونس. |
عن صحيفة “ميدل ايست أونلاين” الاثنين 30 شتنبر 2013 |
تونس – تبدو “الهواجس” التي أعرب عنها رئيس حركة النهضة الإسلامية الحاكمة راشد الغنوشي حول “مستقبل الحركة” ما بعد استقالة حكومة علي العريض وتشكيل حكومة كفاءات غير متحزبة “هواجس جدية” في ظل مراهنة المعارضة العلمانية على حكومة جديدة تنهي مرحلة حكم الإسلاميين وفق “خارطة طريق جديدة” قد لا تخلو من فتح ملفات ضد قيادات حركة النهضة خلال حوالي ثلاث سنوات من حكمهم على الطريقة المصرية.
قبل الموافقة على مبادرة الإتحاد العام التونسي للشغل لم يخف راشد الغنوشي وكذلك قيادات عليا في النهضة أن هناك “مخاوف” فضلوا تسميتها بـ”هواجس” تساورهم حول تعاطي الحكومة القادمة مع تجربة حكمهم ومع النهضة نفسها في ظل دعوات من المعارضة ونشطاء المجتمع المدني بـ”المكاشفة والمصارحة” وحتى “المحاسبة”.
وبحسب تسريبات سياسية فإن النهضة لم توافق على مبادرة اتحاد الشغل إلا بعد وساطة سفير الولايات المتحدة بتونس جاكوب والس نقل في سياقها “ضمانات” للغنوشي بتأمين “خروج آمن” لحكومة العريض الأمر الذي رأى فيه غالبية التونسيين “تدخلا” في الشؤون الداخلية لبلادهم، مهد الربيع العربي.
وتخشى حركة النهضة أن تفتح حكومة الكفاءات القادمة العديد من “الملفات الحارقة” التي تعاطت معها حكومة العريض إما بطريقة حزبية على أساس الولاءات مثل تعيينات مسؤولين كبار في مراكز حساسة في أجهزة الدولة أو بطريقة قد لا تخلو من “المسؤولية” إن لم يكن “التواطؤ” مثل ملف الإرهاب والاغتيالات السياسية.
وعلى الرغم من تأكيد قيادات الإتحاد العام التونسي للشغل بأن المبادرة التي طرحها هي “مبادرة وخارطة طريق للخروج من الأزمة” وهي بالتالي “تترفع” عن “تأزيم الأزمة بمحاسبات ومحاكمات” إلا أن المراقبين لا يستبعدون أن “تجد المعارضة العلمانية في حكومة الكفاءات مدخلا لفرصة تاريخية تنهي به حكم الإسلاميين” الذي قاد البلاد إلى أسوأ أزمة في تاريخها.
وتنص مبادرة إتحاد الشغل على “تشكيل حكومة كفاءات ترأسها شخصية وطنية مستقلة لا يترشح أعضاؤها للانتخابات القادمة تحل محل الحكومة الحالية” وهو ما يعني أن رئاسة الحكومة التي كثيرا ما ردد راشد الغنوشي بأنها خط أحمر قد خرجت نهائيا من صفوف قيادات حركة النهضة التي تتشبث بما تقول إنه حقها في “الشرعية الانتخابية” فيما تشدد المعارضة على ضرورة بناء “شرعية توافقية” تحتكم إلى سلطة الشارع والرأي العام الذي يطالب بإنهاء حكم النهضة.
غير أن الأهم من تركيبة الحكومة القادمة من شخصيات غير متحزبة ولا تدين بالولاء للإسلاميين هو “طبيعتها” باعتبارها “حكومة لها الصلاحيات الكاملة في تسيير شؤون البلاد” وقد تمسك الإتحاد العام التونسي للشغل بهذا البند وساندته في ذلك المعارضة العلمانية من أجل “حكومة ذات مصداقية وشرعية وقادرة على ممارسة مهامها بعيدا على التجاذبات السياسية”.
وستسمح “وظيفة الصلاحيات الكاملة في تسيير شؤون البلاد” للحكومة القادمة من “التحرر من حكم الإسلاميين” لتتعاطى مع الملفات التي تؤرق التونسيين وفق “منطق الدولة” وبـ”عقلية تكنوقراطية” قد تعيد للرأي العام التونسي شيئا من الثقة في السياسيين التي افتقدها خلال حوالي ثلاث سنوات من حكم النهضة.
ويقول القيادي في الإتحاد العام التونسي للشغل أنور بن قدور أن من أهم الملفات المطروحة على الحكومة القادمة “حفظ أمن المواطنين” و”إعادة النظر في التعيينات التي تمت على قاعدة الولاء للنهضة” و”توفير مناخ ملائم للانتخابات القادمة” و”منع كل أشكال تجييش الشارع التي تدعو إلى العنف”.
وستتولى الحكومة القادمة “وضع إستراتيجية وطنية بمشاركة جميع الأطراف للتصدي للعنف والإرهاب” وهي خطة تطالب بها المعارضة العلمانية في ظل استفحال ظاهرة العنف والإرهاب التي بلغت حد الاغتيالات السياسية في ظل انتشار ظاهرة الجماعات المسلحة.
ويتوقع المحللون السياسيون أن “تحرج” إستراتيجية مكافحة العنف والإرهاب حركة النهضة لأنها ستجد نفسها “ملزمة” بتحديد موقف واضح وصريح من الجماعات السلفية الجهادية التي تربطها بها علاقات قوية.
غير أن ما سيحرج النهضة أكثر هو أن الحكومة القادمة ستقوم بحل “جميع الميليشيات” التي نشأت خلال فترة حكمها وفي مقدمتها روابط حماية الثورة التي تعد ذراعها الميدانية ويعتبرها راشد الغنوشي “ضمير الثورة”.
لكن “وظيفة الصلاحيات الكاملة” ستخول للحكومة القادمة أيضا أن تمتد يدها إلى “مشروع أسلمة الدولة والمجتمع” الذي كثيرا ما راهنت عليه النهضة من خلال “وقف سياسة المكيالين” التي تنتهجها حكومة العريض في “معالجة الأمور الأمنية وتحييد المساجد” و”وضع حد لنشاط الأئمة الذين يدعون إلى العنف وتكفير الخصوم السياسيين” و”محاكمة كل من يثبت ضلوعه في ممارسة أعمال العنف أو التحريض عليه”.
ويراهن التونسيون على أن ترسم الحكومة القادمة خطة لـ”مكافحة انتشار الأسلحة والجريمة المنظمة وتفكيك معسكرات تدريب المجموعات الإرهابية ومزيد من تأهيل المنظومة الأمنية والابتعاد عن كل أشكال التدخل الحزبي في أدائها وسير عملها”.
ويقول محللون سياسيون وأمنيون إن حوالي ثلاث سنوات من حكم الإسلاميين ساهم إلى حد كبير في “تفريخ ظاهرة الإرهاب” و”ظهور معسكرات تدريب” في الحدود الغربية التونسية مع الجزائر” نتيجة “اختراق حركة النهضة وكذلك السلفيين للأجهزة الأمنية”.
وإضافة إلى ذلك، ينتظر التونسيون من حكومة الكفاءات أن تقطع مع السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي انتهجتها حكومة النهضة وأن ترسم خطة واضحة تهدف بالأساس إلى “توفير العمل لحوالي مليون عاطل” و”توفير مقومات العيش الكريم لحوالي 25 بالمائة من الفقراء” إضافة إلى “تحسين القدرة الشرائية والتحكم في ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية وتفعيل دور الدولة كفاعل اقتصادي ومقاومة الفساد المالي والإداري والتصدي الحازم لظاهرة التهريب والاحتكار” بحسب تعبير الناشط النقابي أنور بن قدور.
ويسود اقتناع لدى السياسيين والإعلاميين التونسيين بأن الإتحاد العام التونسي للشغل الذي يمتلك سطوة قوية نجح في جر النهضة إلى “خيار مر” لم تكن لتقبله لولا الضغوطات المتزايدة التي يمارسها ليس فقط على المستوى السياسي وإنما أيضا على المستوى الاجتماعي حين نزل نشطاؤه إلى الشوارع وهدد بمزيد من تصعيد الضغط ملوحا بإعلان الإضراب العام.
فقد كانت حركة النهضة تشترط قبولها بمبادرة الإتحاد بـ”الشروع في المفاوضات” حول مسائل عامة مثل أشغال المجلس التأسيسي والانتهاء من كتابة الدستور والانتخابات القادمة مع “إرجاء حل حكومة العريض” وهو المطلب السياسي والشعبي الذي يتصدر اهتمامات التونسيين.
لكن “مماطلتها” لم تدم طويلا تحت ضغط الأزمة التي بدأت تعصف بحكمها، وهي أزمة أظهرت أن حكام تونس الجدد على قدر من الضعف ما يجعلهم “قابلين للتخلي عن حكومتهم” بشرط “تأمين خروج آمن لها”.
وخلال هدا الأسبوع يتوقع أن يدخل حكم الإسلاميين في تونس مرحلة جديدة لعل أبرز ملامحها “الابتعاد التدريجي” عن مراكز القرار و”تسليم رئاسة الحكومة إلى شخصية مستقلة” بل و”تسليم الحكومة كلها إلى كفاءات من التكنوقراط” غير المتحمسين لمشروع الإسلاميين على الإطلاق.
وبخلاف ما كانت ترفضه حركة النهضة ستبدأ جلسات الحوار وفق “مبادرة” الإتحاد العام التونسي للشغل إذ سيتم خلال أول جلسة “الإعلان عن القبول بتشكيل حكومة كفاءات ترأسها شخصية وطنية مستقلة تحل محل حكومة العريض التي تتعهد بتقديم استقالتها”.
وتقدم الحكومة الحالية استقالتها وجوبا في أجل أقصاه ثلاثة أسابيع من تاريخ الجلسة الأولى للحوار الوطني على أن يتولى المجلس التأسيسي المصادقة على تكليف الحكومة الجديدة وهو ما يعني أن حكم حركة النهضة سينتهي خلال نوفمبر/تشرين الثاني 2013 .
وعلى الرغم من مراهنة حركة النهضة على فوزها في الانتخابات القادمة لـ”استعادة الحكم” فإن المراقبين يشككون أولا في فوزها بعد أن تراجعت شعبيتها الى أدنى مستوياتها ويشددون ثانيا على أن المعارضة العلمانية ستستفيد كثيرا من “فترة حكومة الكفاءات” لتمارس المزيد من الضغوط السياسية والاجتماعية ما يعمق عزلة الإسلاميين عن مجتمع يرفض “مشروع الأسلمة” ومظاهر العنف والإكراه السياسي والديني.