|
الرباط – ما تزال التجربة الإصلاحية المغربية الموسومة بالهدوء والتدرج مثار إشادة من خبراء ومراكز بحث وشخصيات سياسية دولية خاصة بعد فشل ثورات “الربيع العربي” ليس في تحقيق الديمقراطية فقط، بل إنها أفقدت بلدان “الثورات” استقرارها وزادت في إرباك وضعها الاقتصادي والاجتماعي.
فقد أفاد تقرير قدم خلال لقاء حول ظرفية العالم العربي يوم الجمعة بواشنطن، أن الإصلاحات الجوهرية التي قام بها العاهل المغربي الملك محمد السادس منذ اعتلائه العرش، وفق نهج تدريجي، تشكل مصدر إلهام بالنسبة إلى دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي تعرف تحولات مؤلمة في إطار ما سمي بـ “الربيع العربي”.
وأكد معد التقرير الأستاذ الباحث في العلوم السياسية والمتخصص في الإسلام بمؤسسة “كارنغي كوربورايشن”، ريكاردو ريني لاريمون، أنه “منذ سنة 1999، وضع الملك محمد السادس أجندة إصلاحات متعددة الاتجاهات ومتشبعة بقيم الاعتدال، ارتفعت وتيرتها بقوة مع وضع الآليات التي تسمح بإقرار لامركزية في مسلسل اتخاذ القرار لصالح الجهات والأقاليم بالمملكة”.
وارتكزت الإصلاحات السياسية التي أقرها العاهل المغربي على مبدأ فصل السلط وتوازنها من خلال تقوية صلاحيات الوزير الأول، والارتقاء بالقضاء إلى سلطة مستقلة، بالإضافة إلى الشق السياسي، حيث أوصى العاهل المغربي بتكريس الطابع التعددي للهوية المغربية الأمازيغية باعتبارها جزءا من مكونات المغرب.
وحدد الخبير الأميركي ثلاثة مراحل لتنفيذ دينامية الإصلاح التي دشنها المغرب بتغيير نمط الحكامة، متبوعا بإحداث هيئة الإنصاف والمصالحة مع الاعتراف بحقوق الإنسان كما هو متعارف عليها دوليا، مبرزا أن الأمر يتعلق بمرحلتين أساسيتين توجتا سنة 2011 بالمصادقة عبر الاستفتاء على الدستور الجديد.
وأشار لاريمون إلى هيئة الإنصاف والمصالحة ومدونة الأسرة وأثرها الحاسم في تعزيز حقوق المرأة، ومخطط الحكم الذاتي بالصحراء تحت السيادة المغربية، وكذا الجهود الحالية للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي الذي يهدف إلى وضع نموذج جهوي جديد للتنمية، وفي المقام الأول بالأقاليم الجنوبية.
وكانت شهادات أخرى كثيرة تنزلت في هذا السياق، وأثنت على نجاح المغرب في استباق موجة الربيع العربي من خلال البدء بتجربة ديمقراطية هادئة استقطبت الإسلاميين ودفعت بهم إلى التخلي عن الأوهام والشعارات والتركيز على خدمة الناس من خلال أفكار ومبادرات عملية، كما أنها جنّبت المغرب مآسي الاقتتال الداخلي بين أبناء الوطن الواحد، وفوضى الإضرابات والاحتجاجات والصراع على الكراسي كما يجري في أكثر من بلد.
وكان الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند قد قال خلال زيارته الأخيرة إلى الرباط إن “المغرب لم يعرف الربيع العربي لأنه استبقه” عبر إقرار إصلاحات قبل بدء الحراك الاحتجاجي في المنطقة العربية.
وأشاد الرئيس الفرنسي بـ”الإصلاحات التي أقدم عليها المغرب قبل بدء الربيع العربي وفي سياقه، بهدوء، مع الحفاظ على استقرار أوضاعه”.
ومضى هولاند قائلا: “تم كل شيء في المغرب بهدوء، وفي ظل الاستقرار، لأن الملك عرف كيف يستبق الأمور، والأحزاب السياسية تحملت مسؤوليتها”.
ولفت الرئيس الفرنسي إلى أن المغرب بدأ إقرار إصلاحات سياسية منذ حوالي عقد، وأحرز تقدمًا في العديد من المجالات، ولاسيما احترام التعددية وحرية التعبير.
من جانبه، أكد رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان البريطاني ريتشارد أوتاوي، أن المغرب باشر مسلسل الإصلاحات الديمقراطية قبل اندلاع ما يسمى بـ”الربيع العربي”.
وقال أوتاوي إن “المغرب، البلد المستقر والمهم بالمنطقة، عالج القضايا المرتبطة بالديمقراطية والإشراك القوي لشعبه في العملية السياسية قبل اندلاع الربيع العربي”.
وفي هذا المضمار، كتب الباحث الأميركي “جيمس تراوب” مقالًا نشرته مجلة “فورين بوليسي” تحت عنوان “إصلاحات الملك” إن المغرب ليست مثل مصر أو تونس أو ليبيا أو غيرها من البلدان التي انقلبت رأسًا على عقب بسبب الربيع العربي.
وعدد المقال جملة من الإصلاحات التي اتخذها العاهل المغربي، فأشار إلى أنه في عام 2003، أصدر الملك محمد السادس قانون الأسرة الجديد (الذي يجمع بين الأصالة المغربية والمرجعية الإسلامية والانفتاح على قيم الحداثة)، وكفل للمرأة المزيد من الحقوق. وفي عام 2004، أسس هيئة الإنصاف والمصالحة بوصفها أداة فعالة للبحث عن الحقيقة في ملفات حقوق الإنسان، وإنصاف الضحايا من خلال جبر الضرر، ورد الاعتبار لهم.
وأضاف وعلاوة على ذلك، عمل العاهل المغربي على وضع دستور مغربي جديد يكرّس التلاحم بين مكونات الهوية المغربية، ويعزز مبادئ الحرية، ويحترم كافة حقوق الإنسان، ويعزز صلاحيات البرلمان في التشريع، ويراقب عمل الحكومة، ويعزز استقلال القضاء