المجلة
بقلم :
التاريخ: : الثلاثاء, 10 سبتمبر, 2013

*********

عن موقع المجلة

الاثنين 23 شتنبر 2013

لماذا تعتمد القيادات الإرهابية على الإدارة بالغة الدقة

المعضلة الكبرى

بالإضافة لكونه جهاديا لا يعرف الرحمة، اشتهر أيمن الظواهري كقائد داهية. فمنذ أن تولى قيادة تنظيم القاعدة، أشار كبار المسؤولين بالاستخبارات الأميركية إلى ولعه بالإدارة بالغة الدقة.
أيمن الظواهري

أيمن الظواهري

في التسعينات من القرن الماضي، تواصل الظواهرى مع عملاء «القاعدة» في اليمن ليؤنبهم على شراء فاكس جديد على الرغم من أن الجهاز القديم ما زال يعمل. وكانت التقارير التي رفعت حالة التأهب الأمني في الولايات المتحدة خلال الأسبوع الماضى ترتبط باتصال بين الظواهري وناصر الوحشي، الرجل الثاني وزعيم تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، هذا الاتصال الذي تمكنت واشنطن من تعقبه، وهو ما تم النظر إليه باعتباره دليلا على أن الظواهري لا يمتلك الدهاء الكافي لإدارة منظمة إرهابية عالمية.

ومع ذلك لم يتوقف سوى عدد محدود من النقاد لكى يفحصوا ما الذى يمكن أن تعنيه حقا إدارة منظمة إرهابية. فعلى الرغم من أن الأسلوب الإداري للظواهري جعل منظمته مستهدفة من أجهزة الاستخبارات الأجنبية، وأثار سخط أعضاء التنظيم، ناهيك عن قصفهم بطائرات دون طيار الأسبوع الماضي، فإن الظواهرى لم تكن لديه العديد من الخيارات الأخرى.

فنظرا لأن الإرهابيين ينخرطون فى أنشطة إرهابية، فربما تعتقد أنهم يولون اهتماما خاصا بسرية تلك النشاطات. ولكن وفقا للتاريخ، أولت العديد من الجماعات الإرهابية اهتماما بالغا إلى التسجيل والتوثيق، فعلى سبيل المثال اشتهر أعضاء منظمة الألوية الحمراء، تلك المنظمة الإيطالية الإرهابية التي نشطت في السبعينات من القرن الماضي وحتى أوائل الثمانينات، بأنهم دائمو الاهتمام بتوثيق أنشطتهم الإرهابية أكثر من اهتمامهم بالتدريب عليها أو الاستعداد لها. وفي الفترة من 2005 وحتى 2010 كان كبار القيادات بتنظيم القاعدة يبقون على جداول بيانات تفصيلية لمرتبات ما يزيد على مائة مقاتل مع العديد من السجلات الأخرى. فعندما تنازع محمد عاطف، القائد العسكري السابق لـ«القاعدة» مع مدحت مرسي السيد عمر، خبير المتفجرات لجماعة الجهاد الإسلامي المصرية، في التسعينات كانت إحدى شكاواه أن عمر فشل في تقديم إيصالات لرحلة قام بها مع عائلته، ومثل هذه البيروقراطية هى التي تجعل الإرهابيين أكثر عرضة للاختراق من قبل أعدائهم، ولكنهم ما زالوا يقومون بذلك على أية حال.

ويرجع ذلك، ولو جزئيا، للعمليات الإرهابية واسعة النطاق والحملات الإرهابية الممتدة التي تتطلب الكثير من التنسيق الذي لا يمكن أن يتم دون الاتصال المفصل بين الجهات المعنية وعبر السجلات المكتوبة لمساعدة القادة على متابعة ما يحدث. فعلى سبيل المثال؛ ذكر غيري برادلي، وهو إرهابي سابق في الجيش الجمهوري الأيرلندي، في مذكراته كيف كان يطلب من مرؤوسيه في البلفاست عام 1973 تقديم تقارير يومية عن العمليات المقترحة ليضمن عدم تعارض أنشطة الوحدات الصغرى. كما ذكر العديد من قادة تمرد ماو ماو الكينى أنه كلما نمت حركتهم التمردية في الخمسينات من القرن الماضي زادت حاجتهم لسجلات محاسبية مكتوبة وسجلات لبيانات المقاتلين لرصدهم ورصد أموالهم.

أما الجانب الأعمق من الإجابة، فهو أن مديرى تلك المنظمات الإرهابية يواجهون نفس التحديات التي يواجهها مديرو أي منظمة كبرى. فما ينطبق على متاجر «وول مارت» ينطبق على تنظيم القاعدة: حيث يحتاج المديرون لمراقبة ما يقوم به العاملون كما يحتاجون لتخصيص الموارد التى تمكنهم من تحفيز مرؤوسيهم لتحقيق أهداف المنظمة، بل إن القيادات الإرهابية تواجه تحديا أكبر؛ ففي حين تهدف كل الشركات إلى زيادة أرباحها، تتميز أهداف الإرهابيين بالدقة البالغة: فيمكن لهجوم شديد العنف أن يضر بقضية ما كالضرر الذي يسببه هجوم أقل عنفا. وهذا هو الدرس الذي تعلمه تنظيم القاعدة في محافظة الأنبار العراقية عام 2006 عندما انقلب السكان ضده كرد فعل على عنف التنظيم ضد المدنيين المختلفين معه.

هذا كما يواجه الإرهابيون مشاكل مستعصية فيما يتعلق بالموارد البشرية: فالمواهب المطلوبة عادة ما تكون غير متوفرة لهم، فيضطرون دائما للبحث عن كوادر خارجية لديها استعداد للعنف لتجنيدها، أو نستطيع القول عن شباب صغير السن لديه مخزون من الغضب. فمما لا شك فيه، فإن هؤلاء المجندين ليسوا مجبولين بالضرورة على تنفيذ الأوامر أو الإقرار بسلطة قياداتهم. فيمكن أن يضع القادة استراتيجيات دقيقة طويلة الأمد ولكنها يمكن أن تفشل إذا ما كان الأشخاص المكلفون بتنفيذ تلك الخطط أكثر اهتماما بالحصول على دور أكبر على الفور.

كما أن القيادات بتلك المنظمات الإرهابية مضطرون للاعتماد على طرق الإدارة البيروقراطية، نظرا لأنهم ليست لديهم أية طرق أخرى لضمان انضباط بقية أفراد المنظمة الأقل فى التراتبية. فمثلا عندما تواجه وول مارت مشكلة فى التعامل مع موظف غير منضبط أو مورد متخلف عن السداد، فإنها تلجأ للإجراءات القانونية، ولكن المنظمات الإرهابية ليس لديها هذا الخيار. ففي عام 2006، وصف لي ديفيد ايرفين، السياسي الأيرلندي الراحل، الذى كان يصنع القنابل لقوة متطوعي ألستر (UVF)، دقة تلك المعضلة حيث قال واصفا تلك الفترة في أواخر الثمانينات من القرن الماضي التي كان يقوم فيها هو وبعض الزعماء ببعض الحسابات الاستراتيجية التي آلت للتركيز على المنافسة السياسية غير العنيفة كأفضل الطرق لخدمة القضية الوحدوية «كانت لدينا بعض الممارسات الرهيبة والتي كانت دائما ما تأتي بنتائج عكسية ولكن القيادة كانت تغض الطرف عنها إذ إنها كانت حريصة على الحفاظ على استمرار وجود الأعضاء بها». كما قال ايرفين في حديثه إن كبار قادة جماعة ألستر (UVF) كانوا ربما سيتوقفون عن العنف قبل قرار وقف إطلاق النار 1994 بكثير ولكنهم لم يستطيعوا فعل ذلك خوفا من انقلاب قواعدهم عليهم، ومن ثم فلم يكن أمام قيادات الجماعات الإرهابية سبيل للحد من تلك الممارسات غير البناءة سوى إحكام سيطرتهم على المنظمة. وبذلك فتجنيد الكوادر الحماسية ليست كافية، فكما ذكر الرئيس المزعوم لمنظمة أيلول الأسود الفلسطينية في مذكراته «فإن الإرهابيين الأكثر تشددا إما بلهاء أو خونة».

وبالتالى، فإن أي شخص في موقف الظواهري منشغل بالإعداد لهجوم كبير، سيحتاج للتنسيق مع العديد من الإرهابيين ومتابعة ما تقوم به العناصر المختلفة بغض النظر عن نواياهم، كما يحتاج لتحفيزهم ليتبعوا الأوامر والحد من النزعة التمردية لديهم. ولحسن حظنا، فإن ما يعتمد عليه الإرهابيون لتنفيذ مهامهم يضع البذرة للقضاء عليهم، فإجراء المكالمات والمراسلة عبر البريد الإلكتروني وحفظ جداول البيانات ومطالبة الأعضاء بتقديم بيانات بالمصروفات، كل هذا يوفر الفرصة لأجهزة الاستخبارات لمعرفة خطط هؤلاء الإرهابيين المستقبلية وما يعتزمون فعله ومن ثم تعطيلهم. وبهذه الطريقة، فإن فشل الظواهري ليس انعكاسا لنقاط ضعفه فقط ولكنه انعكاس أيضا لما تواجهه المنظمات الإرهابية من قيود وعقبات.

وبطبيعة الحال فهذا خبر سار، فبالنسبة للأهداف المحتملة للإرهابيين؛ فما دامت أجهزة الاستخبارات والمؤسسات القائمة على تنفيذ القانون متيقظة، لن تستطيع تلك المنظمات الإرهابية تجاوز المستوى الذي وصلت إليه حتى الآن. أما بالنسبة للطموحين من القادة الإرهابيين، فإن ذلك نذير دائم بأنه لا مفر من الروتين الذى ينذر بمصير قضيتهم المحتوم.

*********************************************************
جاكوب شابيرو: أستاذ مساعد السياسة والعلاقات الخارجية بجامعة برينستون، ومؤلف كتاب «معضلة الإرهابي: إدارة المنظمات السرية العنيفة».
فورن أفيرز – خاص بـ”المجلة”

المجلة

المجلة

مجلة المجلة هي واحدة من أعرق المجلات السياسية في الشرق الأوسط. تصدر شهريا بالعربية والإنجليزية والفارسية من لندن. ومنذ صدور طبعتها الأولى في عام 1980، أُعتبرت المجلة ﺇحدى المجلات الدولية الرائدة في الشئون السياسية في العالم العربي. وكجزء من مطبوعات الشركة السعودية للأبحاث والنشر، نحرص على الحفاظ على اسمنا والارتقاء بمستوانا من خلال تزويد قرائنا بأدق التحليلات الصحافية وأكثرها موضوعية.

‫شاهد أيضًا‬

اليسار بين الممكن العالمي والحاجة المغربية * لحسن العسبي

أعادت نتائج الانتخابات البرلمانية الإنجليزية والفرنسية هذه الأيام (التي سجلت عودة قوية للت…