الشاعر حجازي يرى أن المثقفين المصريين لعبوا دورا عظيما في النهضة المصرية خلال القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين.

العرب غادة قدري

 

[نُشر في 23/09/2013، العدد: 9329،

***********************

عن صحيفة العرب

الاثنين 23 شتنبر 2013

القاهرة- أحمد عبد المعطي حجازي واحد من رموز الشعر العربي الحديث، ورائد حركة التجديد في شعرنا المعاصر، يشغله دائما أمر بلاده، وكان أحد ضحايا جماعة الإخوان حينما تم إبعاده عن مؤسسة الأهرام التي ظل يكتب بها لأكثر من خمس وعشرين سنة، حفظ القرآن الكريم وتربى على أيدي أشهر الأساتذة.

تحصل مؤخرا على جائزة النيل للآداب بعد ترشحه لها ثلاث مرات وهي أرفع وأعلى وسام في جمهورية مصر العربية، التقته “العرب” فكان لها معه هذا الحوار.

الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي من مواليد عام 1935 بمحافظة المنوفية في مصر. عاصر ثورات مصر في العصر الحديث بداية من ثورة الضباط الأحرار عام 1952 وانتهاء بثورة 30 يونيو 2013. وهو يرى أن الأمل باق في مصر وأن المصريين تعلموا الدرس جيدا ولن يسمحوا بأن يهيمن عليهم طاغية مرة أخرى.

أدوار المثقف

لا شكّ في أنّ للمثقّف العربي دورا، بل أدوارا، حضارية تظلّ مجموعته البشرية تطالبه بأدائها بوصفه فردا منها ذا دراية بالواقع وقدرة على الاستشراف هي في حاجة إليهما. وضمن هذه المسألة، حاولنا الوقوف على رأي أحمد عبد المعطي حجازي في ما يتصل بالفريضة الثقافية الغائبة ودور المثقفين في توعية الجمهور وتوجيهه حتى لا يطاله الارتباك السياسي والديني الذي يمر به الوطن العربي حاليا، فقال: “أرى أن الفريضة الثقافية الغائبة هي دور المثقفين في مناقشة الأسئلة الراهنة وتوعية الناس بالإجابات التي يمكن أن تقدم لهذه الأسئلة.

فعندما نتحدث مثلا عن “العلمانية” أو الدين والدولة سنجد أن هناك أوهاما كثيرة فيما يتصل بهذه القضية، واتهامات من قبل الجماعات الإرهابية والفاشية بالكفر وكأن السياسة والدولة خارج نطاق الدين والأخلاق، صحيح أن هناك مجالات أخرى للنشاط الإنساني تحتاج إلى دور الدين وإلى إجابات يقدمها لا تستطيع الثقافة وحدها أوالعلم أن يجيبا عليها لأن الفلسفة تعالج ما يمكن اختباره والعلم كذلك يعالج ما يمكن تجربته.

بينما يقدم الدين عقائد يمكن اختبارها بالوجدان وبالقلب فقط ولا يمكن طرحها على العقل كما نطرح قضية من قضايا المنطق أو من قضايا السياسة، ومن هنا لابد من أن نميز بين الحاجة إلى الدين والحاجة إلى السياسة وبالطبع هذا هو دور المثقف الذي يعول عليه في التنوير وإلقاء الضوء منعا للالتباس وسوء الفهم والمزج بين الأمور”.

فاعلية المثقف

وعن رأيه في الدور الثقافي المصري وهل هو فاعل وكيف يقيمه ضمن أدوار مثقفي المغرب ولبنان والمنطقة العربية، يضيف حجازي قائلا: “عندما نقارن بين الدور الذي لعبه المثقف المصري في القرن العشرين وبين أدوار مثقفين آخرين في بلاد المنطقة سنجد أن المصريين لعبوا دورا أساسيا ومحوريا في حياة بلادهم واشتغلوا بالسياسة في نفس الوقت، فسعد زغلول في الأصل لم يكن إلا مثقفا وكان يستمع لبعض ما كان يقدمه محمد عبده، وكان محررا في الوقائع المصرية، ومن هذا الطريق انتقل إلى المحاماة، ثم إلى وزارة المعارف وانتهى إلى زعامة حزب الوفد ثم إلى زعامة البلاد، من هنا أؤكد بأن المثقفين المصريين لعبوا دورا عظيما في النهضة المصرية خلال النصف الأول من القرن العشرين ومن قبله في القرن التاسع عشر، فلا يمكن ذكر القرن التاسع عشر دون ذكر رفاعة الطهطاوي وعلي باشا مبارك وعبد الله فكري وشبل شميل ومحمد عبده ومحمود سامي البارودي.

وعندما نقارن ذلك بلبنان مثلا سنجد شعراء وكتابا ممتازين لكنهم لم يستطيعوا أن يلعبوا في حياة بلادهم الدور الثقافي المصري، وذلك بسبب اختلاف طبيعة الظروف في لبنان من ناحية شكل البلد وطبيعة تشكيل السكان والمشاكل الطائفية وصغر المساحة، نضيف إلى ذلك أن المصريين استطاعوا منذ أوائل القرن التاسع عشر أن يستقلوا ببلادهم شيئا فشيئا عن العثمانيين منذ محمد علي باشا سنة 1805 حيث استطاعت مصر أن تخرج من هيمنة العثمانيين، في حين ظلت لبنان وسوريا والعراق تحت مظلة الحكم العثماني إلى نهاية الحرب الأولى 1918 وهكذا، وأنا لا أريد أن أصنع مقارنة ولكني فقط أريد أن أؤكد أن الدور الذي لعبه المثقف المصري لا يقاربه إلا دور المثقف الفرنسي في حياة فرنسا، فعندما ننظر إلى الثورة الفرنسية نجد أن هناك فولتير، وجان جاك روسو، ومونتسكيور، وددرو، وهؤلاء الذين صنعوا الأفكار التي قامت على أساسها الثورة الفرنسية، وتم الفصل بين سلطات الكنيسة الكاثوليكية وبين الدولة وقامت الجمهورية ومن ثم نشأت الدولة الفرنسية وتم إعلان حقوق الإنسان والمواطنة.

هناك سبب آخر يرشح المثقف المصري ليلعب دورا مهما هو وجود الأزهر لأن الأزهر كان هو المصدر والمنبع ونجد ذلك ممثللا في أدوار كل من الطهطاوي ومحمد عبده وحتى سعد زغلول الذي بدأ أزهريا، وأيضا طه حسين، فكل هؤلاء بدأوا أزهريين”.

لا يريدون الحرية

حول ملامح المستقبل الثقافي المصري في حال استمرّ حكم الإخوان، يذهب حجازي إلى القول: “يجب أن نرى المقدمات لكي نفهم النتائج والمقدمات تقول إن الإخوان ليس فيهم مثقف واحد، وعملهم هو إدارة الظهر للثقافة لأنها في نظرهم تمثل العقل، بمعنى الشك، والثقافة هي نافذة الحرية والإبداع وهذا يمثل لهم خطرا مريعا، لأنهم لا يريدون الحرية، باعتبارها “في نظرهم” مزلقا نحو الخطيئة، عندما نبحث عما قدمه حسن البنا مثلا للثقافة فلن نجد شيئا على الإطلاق، ولكنه قدم فقط شعارات وخطبا ودروسا كالتي يقدمها أئمة المساجد، ولم يعالج قضية عقلية جديدة، ولم يقدم رأيا جديدا.

وطيلة الفترة التي نشأت فيها جماعة الإخوان وحتى اليوم لم يظهر فيهم كاتب كبير ولا صغير، فالكاتب الوحيد والشاعر الذي كانت له علاقة بالإخوان هو سيد قطب، الذي بدأ كاتبا وشاعرا وتلميذا للعقاد، وهو أول من بشر بنجيب محفوظ ولكنه بمجرد ما ارتبط بالإخوان كف عن أن يكون كاتبا أو شاعرا أو مبدعا وأصبح مفتيا بالقتل.

وبعد صعودهم إلى سدة الحكم لم يقدموا شيئا للثقافة سوى وزير يدعى علاء عبد العزيز لا علاقة له بالثقافة من قريب أو من بعيد، ومن المفترض أن يكون وزير الثقافة رمزا يستطيع أن يعبر عن عظمة الثقافة والتاريخ المصريين، وإذا كان الإخوان طيلة تاريخهم لمدة 85 عاما لم يقدموا شيئا، فما الذي يمكن أن نتوقعه بالنسبة إلى الثقافة في المستقبل لو أنهم لا سمح الله ظلوا يحكمون مصر؟… بالتأكيد لا شيء، بل كانوا سيدمرون الثقافة كما أعلنوا الحرب على الآثار المصرية من قبل وهددوا بهدم الهرم، وأبو الهول وغطوا التماثيل وكسروا رأس تمثال طه حسين.

وما قالوه عن نجوم السينما مثل الفنانة إلهام شاهين وغيرها، وما فعلوه عندما استولوا على السلطة في جميع الصحف حين جاؤوا بنكرات لترأس تحرير تلك الصحف، وهذه النكرات هي التي أجبرتني على الخروج من مؤسسة الأهرام بعد 25 سنة من العمل فيها”.

الانحياز للشعب

لئن كان هناك من يتساءل حول نجاح ثورة 30 يونيو وإمكانية العودة إلى سيناريو عسكرة الدولة المصرية مرة أخرى، فإن لحجازي رأيا آخر يجمله في قوله: “الثورة نجحت ولن تكون هناك عسكرة للدولة، فرق هائل بين ما حدث في 30 يونيو وما حدث في 23 يوليو سنة 1952حين خرج الضباط ليواجهوا الشعب ممثلا في أحزابه، هؤلاء الضباط جاؤوا ليقفوا في مواجهة حزب الوفد الذي كان يمثل أغلبية الشعب وبقية الأحزاب الأخرى، وبالتالي بدأ الشعب ينحاز لجمال عبد الناصر زعيم الثورة ولم يتم هذا الانحياز إلا بعد عدة إجراءات، مثل تحديد الملكية الزراعية وتوزيع الأراضي على الفلاحين المصريين، ثم اتفاقية الجلاء سنة 1954، وتأميم قناة السويس بعدها في 1956.

وهي إجراءات جعلت الشعب ينحاز إلى جمال عبد الناصر مضطرا ومرغما لأنه وجده زعيما يعبر عن طموحه، أما بالنسبة إلى 30 يونيو 2013 فالأمر مختلف وقبل ذلك 25 يناير، فهذه المرحلة بدأت بخروج الشعب إلى الثورة ثم جاء الجيش لكي يساعد الشعب على إنفاذ كلمته، فكان أمام الجيش خيارين لا ثالث لهما، إما أن ينحاز إلى السلطة أو ينحاز إلى الشعب ولا يمكن أن يقف على الحياد، وبالطبع انحاز الجيش إلى الشعب”.

وحول إمكانية اعتبار 30 يونيو استحواذا عسكريا على السلطة، يجيب حجازي: “بالطبع لا، فالشعب الذي خرج في 25 يناير و30 يونيو يعرف جيدا أن المصائب التي حاقت بمصر، جاءت كلها عن طريق حكم الفرد والاستبداد والديكتاتورية، ولقد تعلمنا الدرس جيدا، ثم إن العالم الآن لا يسمح بهذا، وأعتقد مما سمعته من الفريق أول عبد الفتاح السيسي أنه صادق في كلامه وأنه لا توجد لديه أية رغبة في أن يشتغل بالسياسة”.

هوية مصر

يقول حجازي في ضرورة أن يكون دور المثقفين فاعلا في لجنة الخمسين التي تناقش الدستور الجديد وهل يمكن أن يتكرر سيناريو دستور 2012: “في 2012 لم يكن هناك أي دور للمثقفين، لأن اللجنة التي صنعت دستور 2012 كانت كلها من الإخوان والسلفيين وهناك بعض الأسماء من الشخصيات العامة التي لا تمثل شيئا ولم يكن لها دور في حياتنا ولا تصلح إلا أن تكون زينة وهؤلاء معظمهم استقال ولم يبق في اللجنة إلا الإخوان والسلفيون”.

ويضيف قائلا: “سيكون للمثقّفين دور إذا فهموا أن واجبهم هو إنشاء دستور جديد، وليس تعديله لأن التعديل يكون ترقيعا، والترقيع لايقوم به المثقفون وإنما يقوم به ترزية القوانين، بينما يقر المثقف بأن الأمة هي مصدر السلطات ويفصل بين السلطات الثلاث التشريعية، والتنفيذية والقضائية وحكم القانون والمواطنة وفصل الدين عن الدولة، إضافة إلى النقاش حول حرية التفكير والتعبير وهوية مصر التي لا تنحصر فقط في العروبة والإسلام لأن بمصر منابع ومصادر أخرى”.

صفقات نقدية

وعن تراجع المنجز النقدي وهل تأثر بالمحسوبية والمجاملة ولماذا يقدم النقاد على دراسة أعمال الكبار ولا يقرؤون أعمال الشباب، يجيب حجازي: “ليست المشكلة الشباب وغير الشباب، ففي ظني أن الأدب يستفيد عندما ينظر النقاد إلى أعمال الكبار أكثر، ففي القصيدة الجيدة سأضع يدي على جوانب الأسرار الأدبية وأكشفها للقراء وأساعد الجمهور القارئ على أن يتذوق تلك القصيدة.

بينما في العمل الذي يقدمه الشباب سأجلس في مكان المدرس لأقول هذا يصح وهذا لا يصح، إلا إذا كان هذا الشاب عبقريا مثل “رامبو” الذي كان شاعرا عظيما وهو في السادسة عشرة غير أنه عندما بلغ الثلاثين لم يعد شاعرا، وهناك آخرون يختلف الأمر بالنسبة إليهم، ولكن على أي حال علو السن يفتح طرقا أمام الشعراء والكتّاب ربما لا تنفتح بسهولة أمام الشباب”.

ويؤكّد أنّ “المشكلة الرئيسة جاءت من تراجع الثقافة المصرية خلال العقود الماضية، فمصر التي كان بها أكثر من 25 مجلة أدبية في أواخر الأربعينات وأوائل الخمسينات لم يعد بها الآن سوى أربع مجلات أدبية متعثرة.

وأتفق معك على أن هناك مجاملات أكثر من اللازم، وأيضا هناك صفقات، لأن بعض النقاد قد يجدوا أنفسهم مضطرين لمجاملة وزير أو رئيس الهيئة الثقافية أو رئيس التحرير خاصة إذا كان الشاعر أو الكاتب غنيا أو خليجيا، وأظن أن المجاملة هنا تكون مفيدة فمن خلالها يكسب الناقد ماديا لكنه يخسر معنويا الكثير، وينظر إليه الناس نظرة شزراء”.

‫شاهد أيضًا‬

الثقافة العالمية والثقافة المعولمة * عبد السلام بنعبد العالي

على عكس الرؤية الميتافيزيقية التي تفترض فكرًا كونيًّا يتعالى على الأحقاب التاريخية والفروق…