اللهم انا نعوذ بك من الغلاء…
بقلم . مصطفى المتوكل / تارودانت
18 شتنبر 2013
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أي الناس أحب إلى الله؟ فقال:«أحب الناس إلى
الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم، تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه ديناً، أو تطرد عنه جوعاً» [ابن أبي الدنيا].
… ومن الادعية الماثورة التي سمعها ويسمعها الناس من الائمة من فوق المنابر وبدعاء القنوت …اللهم انا نعوذ بك من الغلاء والوباء …اللهم ارفع الغلاء عن
بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين يا رب العالمين ..
فاذا كان الفقهاء والعلماء يصفون غلاء الاسعار بالوباء ..فكيف سيسمى عندهم من يعمل على رفعها عمدا مع سبق الاصرار خاصة ان كان من اولي الامر ؟
..ذلك ان من المفسرين من يجنح الى تعليل ذلك بكثرة الذنوب.. وقد تجد منهم من يعتبر ارتفاع الاسعار بمثابة عــقــاب للناس لكثرة المعاصي والاثام
والابتعاد عن الجادة …وقد يعمد البعض الى تفسير اقدام حكومة ما على رفعها بانها ارادت تنزيل احد تلك التفاسير تشريعا منها تهدف من ورائه معاقبة
الناس في الدنيا قبل الاخرة…
ان المطلوب من اولي الامر بقوة شرع الله والقانون الوضعي العادل هو حماية ضعفاء الامة وفقرائها وذوي الدخل المحدود والهزيل وان تدفع عنهم جشع
الجاشعين ومكر المرابين والباحثين عن الاثراء الفاحش والسريع وتعسف المشغلين …والمطلوب منهم ان يعطوهم حقوقا فرضتها العدالة الالهية من بيت مال
الدولة واموال الاغنياء
كما اقرتها الانظمة المهتمة بشؤون شعوبها بضمان حد ادنى للدخل بالعمل او عوضا عن البطالة لحمايتهم من الحاجة والمهانة والانحراف ….
ويحضرني هنا ماقاله الرسول الكريم ” من دخل في شيئ من اسعار المسلمين ليغليه عليهم كان حقا على الله ان يقعده بعظم من النار يوم القيامة ” يعني
يقعده في مكان عظيم من النار …
واذا ما بحثنا في الاسباب المتعددة للغلاء وارتفاع الاسعار فانها اساسا تتجسد في فشل سياسات الدولة الاقتصادية والمالية وسوء في التقدير وضعف في
تدبيرالموارد والامكانات وعدم القدرة على اتخاذ الاجراءات الاكثر نجاعة والضامنة للاستقرار بما يحمي ضعفاء المجتمع ….
ومنها وجود منظومات يرتكز عملها على الاحتكار و المضاربة وتقوية لوبيات تتحكم في العديد من الموارد اما انتاجا او تسويقا او استيرادا او تصديرا وتفشي
العمل بالوسطاء واقتصاد الريع …..
ومنها الغش والتطفيف وانخفاض في الجودة والمنافسة اللامتكافئة وعدم وجود حماية وتشجيع ودعم للانتاج الوطني …..مع تفكك في ضوابط العدالة الاقتصادية
والاجتماعية …
ومنها عدم وجود فلسفة شفافة جبائية وضريبية ومالية تحقق تكاملا وتعاونا بين طبقات المجتمع وخاصة الاثرياء تجاه غيرهم …
ومنها عدم فتح الموارد والخيرات الطبيعية للدولة فوق الارض وتحتها وبحرا وجوا امام كل الفئات باعتماد المعرفة والمواكبة والتوجيه بما يوسع من دائرة
المنتجين والعاملين والفاعلين في الدورة الاقتصادية بهدف جعل اثار ثروة الوطن تصل الى اهل الوطن …
فهل في رفع الاسعار مصلحة للفقراء والضعفاء وذوي الدخل المحدود الذين اوصى الله ورسوله بالاهتمام بهم …؟؟؟؟
وهل من خير في تعطيل خلق مناصب الشغل المباشرة وغير المباشرة بمؤسسات الدولة والقطاع الخاص الذي يشتكي اصحابه من البيروقراطية وتضييع
الفرص والزمن على العديد من الطامحين والساعين الى المساهمة في البناء بما يتسبب في افلاسهم او التخلي عن مشاريعهم خوفا من الاسوء …..؟
وهل واكب ذلك الرفع في الاسعار رفعا في الاجر والدخل الفردي لضمان اسقرار مستوى العيش ان تعذر على الحاكمين تطويره والرفع منه كما وعدوا ….؟؟
ويهمنا في هذا المقام ان نعرف ان رسول الله (ص) رفع الجالب لارخاص الاسعار الى موتبة مشرفة حيث قال ” ابشروا فان الجالب الى سوقنا كالمجاهد في
سبيل الله ” ..وقال ” الجالب مرزوق والمحتكر ملعون ” …فما الذي سنستخلصه من ثنايا الحديث فيما يخص رافعي الاسعار بالمضاربة او الاحتكار او غيرهما …
…ومما يحكى عن سيدنا عمر انه في أحد الأيام أحضروا له غلماناً قد سرقوا ناقة رجل, ورآهم عمر وأجسامهم ضئيلة وهزيلة, والبؤس باد عليهم, ووجوههم
صفراء, فأحضر سيدهم وقال له:((لقد كدت أعاقبهم لولا علمي أنك تجيعهم, فلما جاعوا سرقوا, ولن أعاقبهم بل أعاقبك أنت, وعليك أن تقوم بدفع ثمنها إلى
الرجل)) وقال للغلمان:((اذهبوا ولا تعودوا لمثل هذا مرة ثانية))
ونختم مقالنا هذا بما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا ، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ، ومن
يسر على معسر ، يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ، ومن ستر مسلما ، ستره الله في الدنيا والآخرة ، والله في عون العبد ، ما كان العبد في عون أخيه…