18 سبتمبر 2013
سارة محمود خليل: باحثة في العلوم السياسية.
ينقسم المجتمع الأمريكي بين تيارين حيال التدخل العسكري في سوريا، بعد أن تخطي الأسد الخطوط الحمر التي أعلنها الرئيس الأمريكي باستخدام الأسلحة الكيميائية ضد مواطنيه، والتي أدوت بحياة المئات من النساء والأطفال. وفى هذا السياق، كتب كينيث بولاك – وهو زميل بارز في مركز سابان لسياسة الشرق الأوسط في معهد بروكينجز – مقالا بعنوان “التدخل أو البقاء بعيداً”، على الموقع الإلكتروني لمجلة “نيوزويك”، ناقش فيه استراتيجيتين في حالة التدخل العسكري في سوريا، أو عدمه، وحجج كل منهما.تبدو أهمية هذا المقال خاصة بعد الاتفاق الأمريكي – الروسي على تدمير الأٍسلحة الكيمائية لنظام لأسد، بما طرح تساؤلات حول خيارات السياسة الأمريكية تجاه الأزمة السورية.
في البداية، أعرب الكاتب عن أسفه من تبني الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، سياسات دون تحديد أهداف محددة لها. ففي الوقت الذي تستند فيه الإدارة الأمريكية باستمرار على بعض الحجج ضد التدخل، يؤكد أوباما ضرورة رحيل الأسد ونظامه، فقد وضع خطا أحمر ضد استخدام الأسلحة الكيميائية، كما أعطى الضوء الأخضر لدعم المعارضة بالأسلحة الصغيرة، ووحدات التدريب.وأشار الكاتب إلى أن هذه القرارات – يقصد بها قرارات الإدارة الأمريكية سالفة الذكر- غير متسقة مع بعضها، أو مع أية استراتيجية أخرى، أو نهج آخر متبع. وبالرغم من أنها أصدرت من قبل البيت الأبيض، فإنها تحاول السير فى اتجاهين مختلفين.
استراتيجيات التدخل في سوريا
ذكر الكاتب أن واشنطن ليس لديها إرادة بين ربط خطابها المتعلق برحيل الأسد بتصرفاتها، لأنها تبحث بطرق هامشية لتظهر كما وأنها تفعل شيئا، ولكن ذلك أسوأ شيء يمكن أن تفعله الولايات المتحدة، وبالتالي فإن ذلك معايير مزدوجة دون تحقيق أي هدف. لذلك، أكدت المقالة ضرورة اختيار الإدارة ما بين استراتجيتين، إما ألا تفعل شيئا، أو تصر على التدخل العسكري، ويكون أكثر حسماً من الضربات المحدودة.
الاستراتيجية الأولى: ضد التدخل، تتمحور هذه الاستراتيجية – كما أشار الكاتب – بشكل كبير على بقاء الولايات المتحدة بعيداً عن التدخل فى سوريا، وتعتمد فى ذلك على عدة حجج، أولاها: أن الولايات المتحدة ليس لديها مصالح حيوية فى سوريا، وأن التدخل سيؤدى إلى نتائج غير مقبولة بشكل كبير، في ظل عدم قدرة الأسد ونظامه المستبد على استعادة السيطرة على البلاد. وفى الوقت نفسه، تزداد سيطرة المعارضة الإسلامية المتطرفة، التى ربما تحدث مجازر ضد الأقليات العلوية والمسيحية والدروز، في حال سيطرتها على حكم البلاد.
وعلاوة على ذلك، فإن كل الدلائل تشير إلى أنه فى حالة هزيمة نظام الأسد، وانتصار المعارضة، فإنه من المتوقع اقتتال بين الميليشيات المسلحة، وبهذا ستشهد سوريا صراعا آخر على السلطة، وبهذا لن ينتهي الصراع، ولكن فقط سيتغير. وذلك سيعد نموذجا للحرب الأهلية بين الجماعات، كما في لبنان، والصومال، والكونغو. وبالتالي، فإن أي تدخل من قبل الولايات المتحدة فى سوريا سيعنى تكرار الخبرة العراقية، حيث إن الحرب الأهلية السورية تماثل النكسة الأمريكية في العراق في عام 2006. وأعرب الكاتب عن تفاؤله بأن أداء الولايات المتحدة فى سوريا ربما سيكون أفضل من تجربتها فى العراق وأفغانستان، بالنظر لتلك التجارب والاستفادة منها.
ومن المحتمل أن تكون لدى الولايات المتحدة القدرة على وقف عمليات الاقتتال كما ذكرت المقالة، والبدء في بناء العملية السياسية بشكل أسرع، وذلك سيتطلب إرسال مئات الآلاف من الجيوش إلي سوريا لمدة عام أو أكثر، وتقليلها على مدى الأعوام القادمة، فضلا عن ضخ مئات المليارات من الدولارات لإعادة إعمار الجانبين المدني والعسكري.
وأضاف الكاتب أنه لا يشترط أن تكون كل هذه الجيوش والدولارات أمريكية، ولكن ستشارك الولايات المتحدة بجزء كبير منها، وهذا في الوقت ذاته لا يعنى رضاء العديد من الأمريكيين عن التدخل.
الاستراتيجية الثانية: تؤيد التدخل، وتستند هذه الاستراتيجية إلى ثلاث حجج مختلفة، أولاها: الجانب الإنساني، فقد أشار الكاتب إلى ما أسفرت عنه الحرب الأهلية في سوريا على مدى أكثر من عامين، حيث قتل ما يزيد على 100.000 سوري، وهذا العدد يماثل عدد الذين قتلوا خلال أربع سنوات من الحرب في البوسنة، فقد كانت آلة الموت دافعاً رئيسياً لتدخل الولايات المتحدة وبعض القوى الأوروبية هناك، بينما جزء بسيط من ذلك العدد قتل فى ليبيا، عندما تدخلت الولايات المتحدة وحلف الناتو لمنع تفاقم الأزمة الإنسانية هناك.
وأشار الكاتب إلى أنه فى حالة تدخل أجنبي حاسم، فإن الحرب الأهلية السورية ستستمر لسنوات، وربما لعقود، وستسفر بالطبع عن مئات الآلاف من القتلى، فقد فرَ أكثر من 1.5 مليون سوري إلى البلدان المجاورة – ولا يزال العدد في تصاعد مستمر- ونزحت عدة ملايين أخرى داخلياً.وبينما يعتقد بعض الأمريكيين أن الولايات المتحدة ليس لديها مسئولية التدخل في كل الكوارث الإنسانية، فإن أغلب الأمريكيين يرون ضرورة تدخل الولايات المتحدة لمنع حدوث مزيد من الكوارث الإنسانية هناك، وذلك ينطبق على الحالة السورية، كما أوضح الكاتب.
وتتعلق الحجة الثانية بمعضلة الإرهاب، حيث تؤدى الحروب الأهلية لتكوين الجماعات الإرهابية، وبالتالي تجد الجماعات الإرهابية الأرض الخصبة والمناخ المناسب لها فى ذلك.ودلل الكاتب على حجته ببعض الأمثلة، مثل: منظمة التحرير الفلسطينية، وحزب الله، وتنظيم القاعدة، فقد نشأت جميعها من رحم الحروب الأهلية. وأسهم تنظيم القاعدة –على وجه الخصوص- فى الحروب الأهلية فى العراق، والسودان، واليمن، وحالياً فى سوريا، وقام بعدة عمليات إرهابية فى أماكن متفرقةـ بما فيها ضد الولايات المتحدة- ومن المرجح أن يتحقق ذلك فى ظل تصاعد حدة الحرب الأهلية فى سوريا .
أما الحجة الثالثة والأخيرة، فهي جيوستراتيجية لمصلحة التدخل، فالولايات المتحدة ليس لديها مصالح استراتيجية فى سوريا، ولكنها لديها مصالح مع جميع البلدان المجاورة لسوريا. فتركيا تعد عضوا فى حلف الناتو، و يعد العراق ثاني كبرى الدول المنتجة للبترول فى منظمة الأوبك. وحدوث أية حرب أهلية فى العراق سيهدد المنتجين الآخرين للنفط، بما فيها الكويت، وإيران، وحتى السعودية. كما أن الاستقرار فى الأردن يصب فى مصلحة إسرائيل، بحسبانها أقرب حلفاء الولايات المتحدة فى المنطقة.
كما أشار الكاتب إلى أن الحرب الأهلية في سوريا ستؤدى إلى زعزعة استقرار الدول المجاورة، وذلك بسبب زيادة عدد اللاجئين، وانتشار التطرف والأعمال الإرهابية، ومن ثم الدعوات الانفصالية. والأسوأ أن تتسبب الحرب الأهلية فى حروب أهلية فى الدول المجاورة – مثلما فعلت لبنان فى سوريا من قبل، ورواندا فى الكونغو- أو إلى حروب إقليمية، مثلما فعلت لبنان فى سوريا وإسرائيل، والكونغو مع بعض جيرانها.وبالتالي، فإن امتداد الحرب الأهلية السورية سيؤدى لمشاكل خطيرة بالدول المجاورة لها، وزعزعة الاستقرار داخل كل من لبنان، والأردن، والعراق، لذا ينبغي القضاء على الحرب الأهلية السورية قبل أن تمتد للبلدان المجاورة لها.
الخيار بين الاستراتيجيتين
يوجد خيار آخر بعيداً عن الاستراتيجيتين السابقتين، كما أشار الكاتب، يتمثل في عدم تدخل الجيش الأمريكي فى سوريا، ودعم المعارضة بالتسليح والتدريب المهني خلال مدى زمني أطول، وتكاليف أقل، وذلك على نحو ما فعلت الولايات المتحدة من دعم قدمته للكروات في البوسنة.وانتقد الإدارة الأمريكية لافتقادها إرادة الاختيار فى ظل وجود خيارات صعبة، وتساءل عن أهمية وجود الرئيس في ظل عدم قدرته على الاختيار بين القرارات الصعبة.
واختتم الكاتب المقالة بالإشارة إلى ما ينبغي القيام به حيال ادعاءات استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا، بتأكيد ضرورة اختيار الإدارة الأمريكية لهدف محدد، ووضع استراتيجية متكاملة لتحقيقه. فإذا قررت الإدارة البقاء خارج سوريا –وهذا أيسر للولايات المتحدة- فإن عليها وضع استراتيجية لاحتواء الحرب الأهلية هناك، وذلك يعنى إنفاق الكثير من الموارد، سواء من حيث الوقت، أو الطاقة، أو المال، ودعم جيران سوريا بالمال والإمدادات العسكرية. وفى حالة إذا ما قرر الرئيس التدخل، فعليه الاعتراف بمحدودية الخيارات. فكلما قلت الخيارات المتاحة، كانت احتمالية النجاح أقل. وفى هذه الحالة، سيكتسب التدخل شرعية دولية كبيرة، حيث سيلحق الضرر بنظام الأسد، وسيدعم المعارضة بصورة كبرى.