الأزمة التونسية في الجزائر
العربية نيت
لا يمكن أن يفسر اللقاء الذي جمع الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة بزعيم حركة النهضة الإسلامية التونسية راشد الغنوشي وزعيم حركة “نداء تونس” الباجي قائد السبسي، إلا على أساس أنه دخول قوي للجزائر على خط الأزمة التونسية، بعدما أصبحت العلاقة بين طرفي الصراع داخليا متوترة للغاية وتفتقد للثقة المطلوبة لتأمين حل جذري يطمئن الأطراف كافة بعيداً عن السيناريوهات المغرية للبعض والمروعة للبعض الآخر .
قد تكون الوساطة الجزائرية أهون من غيرها من تدخلات غربية على الخصوص، فما يحكم البلدين تونس والجزائر من علاقة خاصة انبنت على أسس قوية منذ عهد مقاومة الاستعمار الفرنسي، والدور التونسي شعبياً ورسمياً في مناصرة الثورة الجزائرية، يمكنها أن تثمر اليوم مساعدة جزائرية لإنقاذ تونس من أزمتها الخانقة وتبدل مشهدها السياسي المملوء بالتناقضات والصراعات الحادة . والوساطة الجزائرية بهذا المعنى جلبتها تطورات الأزمة، وبقدر ما هي حق ومسؤولية فرضتها الجيرة وتشابك المصالح وأخوة الدم والملة والدين، فهي من جانب آخر بحث جزائري عن مصالحها في تأمين حدودها الشرقية بتحقيق الاستقرار السياسي في تونس لتعود دولة قوية بعيدة عن الايديولوجيات المتطرفة والأحقاد الإقصائية التي لا تجلب غير الخراب .
يعلم الخائضون في السياسة أن أسوأ درجة تبلغها أزمة في بلد ما هو أن يصبح ذلك البلد أشبه بساحة للمبارزة يلعب فيها عماليق وأقزام . وتونس مرشحة إلى هذا المصير، إذا فشل الوسطاء المحليون والمسعى الجزائري في إيجاد حل وطي صفحة سوداء من تاريخ هذه المرحلة، والفشل هو الشرط الصريح للتدخل الخارجي ومجلبة لمصادرة السيادة واستقلال القرار، وقد لا يتوقف الأمر عند ذلك الحد، بل سيؤدي إلى نوع من التبعية القاتلة لتستمر عشرات السنين وقد تتطلب معارك فعلية للتحرر منها .
فرقاء الأزمة التونسية غابت عن كثير منهم الحكمة ونكران الذات، فالطرف الحكومي مازال يعيش على بقايا شرعية انتخابية تآكلت واستهلكتها التحديات والاغتيالات والجرائم الإرهابية، وبدل الاعتراف بأن الواقع تغير ويحتاج آليات جديدة لاستمرار الدولة، مازال الفاعلون في هذا الطرف، وخاصة من حركة النهضة وحزب “المؤتمر”، يتصرفون وكأنهم مرسلون من السماء، وأوكلت إليهم مهمة إخراج تونس من “الضلال” . والشيء نفسه ينطبق على المعارضة، فبعض أطرافها يطرحون خطابات غير منطقية من خلال الدعوة إلى هدم المسار الانتقالي وإعادة البناء من جديد، بينما تقتضي المرحلة البحث عن الحلول الوسطى والتوافق على مشروع وطني جامع يفضي إلى بلد يعيش فيه الجميع بسلام وليس بينهم ضحايا أو أساطير .
صحيح أن تونس تعيش أزمة خانقة، ولكن حلها مازال بأيدي أبنائها، ولا يتطلب وساطات كثيرة أو وقتاً ضائعاً، وأكبر نكسة يمكن أن تتعرض لها البلاد هو أن تصبح خلافاتها معروضة في الخارج . وإذا كانت الجزائر اليوم تتوسط بأقل قدر من المصالح والشروط، فإن قوى أخرى مستنفرة لهذه المهمة، ولكنها ستطلب ثمناً غالياً مقابل الخدمة سواء بجمع طرفي الأزمة على تسوية أو تغليب طرف على آخر .
نقلاً عن صحيفة “الخليج”
***********************
نقلا عن العربية نيت
13 شتنبر 2013