بصدد العلمانية: الناظم والمحدد، المعالجة والمواقف
عبد السلام شاوش عن جريدة الاتحاد الاشتراكي
13 شتنبر 2013
أولا: طرح الإشكالية:
1) لازالت العلماينة تطرح في وطننا العربي وعالمنا الإسلامي كإشكالية كبرى بين معاديها ومؤيديها في مستويات اعتدالية متوازنة ومتشددة صارمة متوازية. وهي تنزل اليوم بقوة أكثر في ظرفية الدينامية السياسية والحزبية التي تشهدها مناطق الامتداد الجغرافي حيث تتعايش شعوب عربية ومستعربة تغطيه (الامتداد) لواءات انتشار إسلامي (66 دولة) ذات صبغة إسلامية تتخللها بقع تواجد أقليات مسيحية ويهودية وغيرها ممن لا يعتنق الديانات السماوية بالمنطوق السائد لها وعليها. 2) وبالتأكيد، إن طرفي المنازعة من مؤيد ومعارض للعلمانية يلقى دعما وسندا: غربيا أو شرقيا من خارج المنطقتين العربية والإسلامية، بخلفية حقوقية، حرياتية، أو لاسترجاع التأثير الذي حرمت منه كيانات داخل دول طبقت منذ زمن منظومتها الدستورية والسياسية بناظم العلمانية. ثانيا: العلمانية في حد ذاتها: 1) العلمانية كمفهوم في حد ذاته مشتقة من العلم بشقيه: * العلم كما هو معلوم من العلوم الحقة كالرياضيات وعلوم الطبيعة والعلوم الإنسانية. * ثم العلم بالشيء أو الحدث الذي يعني التوفر على المعلومة اليقينية أو القريبة من يقينيتها بتطبيق معيارية النسبية العلمية. فالعلم وعاء العلمانية ومصدرها عقل الإنسان خاصة الواعي والمدرك للحد الأدنى من المعارف، بما في ذلك النقل بمستوييه الاثنين: * نقل منقول عن سلف، وهو قد يؤخذ كما هو في المبنى والمعنى أو تتم قراءته وتحليله أو تحيينه في الزمان والمكان أو إخضاعه (المنقول) لنقده بالتقليد أو الارتقاء والتجاوز. * والنقل غير الإنساني أي المنزل من السماء وهو نفسه يخاطب العقل للتعامل مع نصوص النقل والمنقول بالاستيعاب والتفعيل. 2) إن العلمانية ليست نزعة مذهبية أو إيديولوجية، وهي إن اقترنت بالتحليل العلمي فهي لا ترقى إلى منهج إن لم تقرن بقوانين تربطها بالمجتمع والمنظومة السياسية في السياق التاريخي والتطور المادي الملموس، رغم أنها تقوم على تجريب الفرضية وممارستها ليصبح موضوع الفرضية مسلمة مسندة قانونا مطمئن إليها في المعالجة والاعتماد. ثالثا: العلمانية لذاتها 1) هي مستوى أرقى مما تستبعده بعض المؤثرات السلبية ضدها وعلى مجالاتها المتعددة وأحيانا المركبة. ومجال العلمانية هنا هو كل ما له علاقة بما يوصف بكونه: أ- التلمس والملموس حاضرا ومستقبلا ولو قبل المشاهدة والمعاينة كمن لم يزر سابقا سمرقند ذات الحضارة أو لم يزر بعد ستالينغراد ضحية الغزو النازي أواخر 1941 أو لم يزر السويد كنموذج لاحترام حقوق الاختلاف وضمان حياة الإنسان الكريمة في أرقى نسبية الكرامة. ب?- الاستيعاب والفهم، ثم التحليل والتفسير والتأويل، ثم الفعل بالارتقاء والتجاوز. 2) من المعلوم أن للعلمانية كناظم دولتي ومجتمعي مناقضات متعددة تناقض العقل وقوة استيعابه كما تناقض خلاصات العلم ومقوماته. أ- إن متناقضات من هذا الحجم لا تبرز إلا عند ضعف العمليات الذهنية التي يحتضنها ويؤطرها عقل الإنسان. ب- أو عندما تنكسر أو تتراجع الإمكانات المتاحة للعلم بما في ذلك قوة البشر العلمية على مستوى الذات الفاعلة في إنتاج العلم. ت- كما أن العجز أمام الزحف للاكتشاف وانتشار الحضارة يكون نقيضا للعلمانية وحكم العقل. فاللا علم هو كل فعل أو اعتقاد لا يعكس الضوابط العلمية المنتجة. واللاعقل هو كل ما لا يساير منطق المتفكر فيه بالعقل، ابتداءا من المخيال الذهني إلى المحسوس العلمي. أمام هذه الانهزامية البشرية في القرار والصنع والاكتشاف والمواجهة يلجأ البشر إلى الاستكانة والاستسلام أمام الخصم المجسد أو المتخيل لديه (المستسلم)، يلجأ إلى بدائل يطمح في أن تنوب عنه لإخراجه من مأزومه ومأزقه. غير أن قليلا من المستسلمين للفشل المحدد قبله يفرض عليه اللجوء لتلك البدائل من خارج إرادته الضعيفة أصلا لضعف ذهنيته وبالتالي عقله وابتعاده عن العلم والممكن. قد يقال إن كثيرا من عقلاء الزمن وحكام الدول وٌأقطاب السياسة والاقتصاد كذلك يلجؤون إلى مطبات السحر والسحرة وليس فقط من ذكر قبله من البؤساء عقليا وعلميا، صحيح ذلك، لأن المستقوين سياسيا واقتصاديا إنما يريدون الاستراحة النفسية لهم باللجوء إلى الكهنة والسحرة لكن بتمويلهم لهم إنما يكرسون ضمان استمرار هذا الوهم لدى المستضعفين للحؤول ضد توعيتهم السياسية والنظرية والوعي بالمصالح الطبقية لديهم ضد خصومهم في المصالح والمطامح. رابعا: صمود العلمانية وارتقاؤها: إن تاريخ الاثنولوجيا والتيولوجيا لمشترك من خلال ضرب الأقداح لإنقاذ روح على حساب روح بشر آخر، كان تمهيدا لحماية نبي أو رسول أو سلفه، كما رواه ساردي أخبار الناس ويفهم من مخلفات نوفل وابن الهيبان الشامي. وفي المقابل حكم الإسلام على الفكر السحري وممارسته بالإعدام المؤجل تنفيذه بخلاف الكفر والشرك ضد التوحيد. وإنه بذلك تم الإبقاء على الجهل والجهالة فقط ليبقى حكم النقل ساري المفعول بشكل مطلق مادام هناك وحي يتنزل باستمرار خاصة وأن مدارس تلقي العلم وشحن العقول لم تكن إلا لنشر النقل المنزل ثم النقل المنقول مع شحنه من طرف ناقلي النقل ذاتهم. إن هذا الوضع الشاذ تجاه عقل صنع الفصاحة والشعر وأدبيات وصف وقائع الحياة والصراعات الدينية والمصلحية ومواجهة الطبيعة إنما كان المراد تقزيمه ليتلقى ما يوحى إليه تراتبيا، فهيمن النقل على العقل إسلاميا وذلك لكسب معارك حربية ضد الأليوسيين والمجوس بمفاهيم ذلك الزمان. وعليه فإن الأخطر من السحر والتلاعب بالأديان هو الجهل والتجهيل الممنهج الممارس من طرف ذي المصالح ضد المستضعفين في حقوقهم وحرياتهم الفردية وخاصة الجماعية. رغم استمرار نهج الخرافات والأسحار بشكل موازي غير متنافي مع استغلال الأقوياء للأديان السماوية، فإن تطور العلم ومرجعه العقل البشري وحتى الخليقي قد تجاوز بالحتمية الناجعة ما يعارضهما، ومن يحاربهما. فاستنادا إليهما (العلم والعقل) يعرف حاضرنا أوج ما بلغاه وهو قابل للتطوير إنه السيبيرنيقية وتحليل الأنظمة »Théorie cybernétique et analyse des systèmes «. وهي منهج تتداخل موضوعه مع منهجيته وبذلك تجاوز المنهج التحليلي البنيوي الوظيفي الذي كان تطويرا للتحليل البنيوي فقط لمحاربة المنهج المادي التاريخي الجدلي أو ما يعرف بعلمية المنهج الماركسي أو الاشتراكية العلمية كمنهج للتحليل بهدفه المميز. أمام كل هذا وذاك فالعلمانية تبقى ناظما محددا لأنجع الحلول خاصة وهي غير مغلقة، فهي منظومة مفتوحة ومتفتحة للتعامل مع مختلف المرجعيات المحتضنة للعلم والعقل أو القابلة للتعامل معهما. والعلمانية ناظم لتفسير الحاضر والمستقبل الملموسين ولتغييرهما للتطور الكمي والنوعي الشامل، بخلاف المرجعية الدينية التي تعتمد الترشيد في الحاضر في أفق عالم الغيب الموعود به. خامسا: العلمانية والدين: |
||
9/13/2013 |
الثقافة العالمية والثقافة المعولمة * عبد السلام بنعبد العالي
على عكس الرؤية الميتافيزيقية التي تفترض فكرًا كونيًّا يتعالى على الأحقاب التاريخية والفروق…