لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي
بتاريخ:
2008-02-15
موقع موسوعة النابلسي
بسم الله الرحمن الرحيم
الممارسات الخاطئة وحقيقة الإسلام :
هناك فرق كبير بين الممارسات الخاطئة التي يرتكبها أناس يجهلون أو يتجاهلون حقيقة الإسلام ، أو التي يرتكبها أعداء الإسلام ، ثم ينسبونها ظلماً وعدواناً إلى المسلمين ، ليعطوا صورةً مشوهةً عن الإسلام الذي هو بريء من كل هذا …
هناك فرق كبير ، وبون شاسع ، بين هذه الممارسات الخاطئة ، وبين حقيقة الإسلام الناصعة ، التي تليق بدين سماوي ، جاء ليخرج الناس من ظلمات الجهل والوهم ، إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
فما كل ما يُلصق بالإسلام من الإسلام ، وما كل من رفع راية الإسلام ونطق بكلماته يمثل الإسلام .
وكلما ارتقى الإنسان في سُلَّم العلم ، استطاع أن يفرِّق بين أصل المبدأ وبين ما ألصق به من أفكار بعيدةٍ عن جوهره بُعد الأرض عن السماء وقد ورد في الحديث الصحيح ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(( تَركْتُ فيكُمْ أَمْرَيْنِ لنْ تَضِلُّوا ما تَمسَّكْتُمْ بهما : كتابَ الله ، وسنّة رسولِهِ ))
[ أَخرجه الموطأ مالك بن أنس رحمه الله ]
فالكتاب الذي هو وحي السماء إلى الأرض ، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .
وسنة رسول الله الذي لا ينطق عن الهوى ، وقد عصمه الله من أن يخطئ في أقواله ، وأفعاله ، وإقراره ، ومواقفه وصفاته .
فالله هو المشرع ، والنبي صلى الله عليه وسلم هو المبيِّن ، وكل إنسان يؤخذ منه ويُرَدُّ عليه ، إلا صاحب القبة الخضراء ، ويُقصد به النبي صلى الله عليه وسلم وقد الصق بالإسلام على مرِّ العصور والحقب ، ما ليس منه .
تعريف الإرهاب من خلال الكتاب والسنة :
والإرهاب لم يرد في الكتاب والسنة إلا بالمعنى التالي :
إحداث أثر نفسي من شأنه أن يَردَعَ صاحبه عن المعصية والعدوان .
وكلِّ الممارسات الخاطئة ، التي تلصق بالإسلام ظلماً وعدواناً ، ليس لها أصل في كتاب الله وسنة رسوله ، اللذين هما الأصلان الكبيران اللذان تستقي منهما كل المناهج والأحكام .
وسوف يتضح من خلال الصفحات التالية ، تفصيل هذه الحقيقة :
جاء في المعجم :
رَهِبَ يرهَب رهَبَاً ورَهْبَةً : خَافَ ، فهو راهِب .
والرَّهَبُوت : الرجل المرهوب .
والراهب : المتعبد في صومعته .
والرهبانية : الانقطاع عن ملاذ الدنيا ، والزهد فيها ، وطلب العزلة عن أهلها ، وترك الزواج جلباً للعبادة .
أرهبه : أخافه وأفزعه ، وجعله يرهب جانبه .
والإرهابيون : مصطلح حديث ، وهو وصف يُطلق على الذين يسلكون سبل العنف ، والإرهاب ؛ لتحقيق أهدافهم السياسية .
الإرهاب من خلال الكتاب :
وأما الإرهاب من خلال الكتاب والسنة ، فلم يرد إلا بمعنى الخوف وإذا شئنا التفصيل :
إحداث أثر نفسي مثبط ، يمنع العدوان والظلم قال تعالى :
﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ﴾
[ سورة الأنفال الآية : 60 ]
وقد وَرَدَ جذر رَهَبَ في القرآن الكريم اثنتي عشرة مرة ، وفي عشر سور هي : البقرة 40 ، المائدة 82 ، الأعراف 116ـ 154 ، الأنفال 60 ، التوبة 31ـ34 ، النحل 51 ، القصص 32 ، الحديد 27 ، الحشر 13 ، سورة الأنبياء 90 .
ففي البقرة :
﴿ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ﴾
[ سورة البقرة الآية : 40 ]
أي خافونِ ، وكذلك في الأعراف :
﴿ وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ﴾
[ سورة الأعراف الآية : 154 ]
أي يخافونِ ، وكذلك في سورة النحل :
﴿ وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ﴾
[ سورة النحل الآية : 51 ]
أي يخافونِ ، وكذلك في سورة الأنبياء :
﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ﴾
[ سورة الأنبياء الآية : 90 ]
رهباً أي خوفاً .
وأما في سورة القصص :
﴿ اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ ﴾
[ سورة القصص الآية : 32 ]
الرهب : هو الخوف ، وفي الحشر :
﴿ لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ ﴾
[ سورة الحشر الآية : 13 ]
الرهبة : إخافة ، وفي الأعراف :
﴿ قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ ﴾
[ سورة الأعراف الآية : 116 ]
استرهبهم : أراد إرهابهم ، أي إخافتهم ، وانتزاع إعجابهم .
تُرْهِبُون ، فارْهَبون ، يَرْهَبُون ، رَهَبَاً ، الرَّهَبْ ، رَهْبَة ، استرهبوهم كل هذه الفعال والأسماء والمصادر ، مشتقة من الرَهْبَة ، أي الخوف .
وفي المائدة ، والتوبة ورد من جذر ( رهب ) الرهبان ، جمع راهب وهو المنقطع للعبادة :
﴿ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ ﴾
[ سورة المائدة الآية : 82 ]
﴿ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾
[ سورة التوبة الآية : 31 ]
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾
[ سورة التوبة الآية : 34 ]
وأما في سورة الحديد ، فقد ورد من جذر رهب الرهبانية ، وهو الانقطاع للعبادة :
﴿ ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آَثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآَتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآَتَيْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾
[ سورة الحديد الآية : 27 ]
الإرهاب من خلال السنة :
وفي الحديث الصحيح ورد كلمة : رهبة ، وراهب ، راهبة ، أرهبهم أرهب ، وكل هذه الكلمات مشتقة من مادة رهب يرهب رهباً ، ورهبة …
أي خاف يخاف خوفاً …
فقد ورد في صحيح البخاري عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال : قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم :
(( يا فلان ، إذا أوْيتَ إلى فراشك ، فقل : اللَّهمَّ أسْلَمْتُ نَفْسي إليك ، ووجَّهْتُ وجهي إليك ، وفوَّضْتُ أمْري إليك ، وألجَأْتُ ظَهْري إليك ، رَغْبة ورَهْبة إليك ، لا مَلْجأ ، ولا مَنْجَا منك إلا إليك ))
وفي البخاري أيضاً عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، عن أبيه أنه قال :
(( إنْ استخْلَفْتُ فقد استخْلفَ مَنْ هو خَيْرٌ مِني : أبو بكرٍ ، وإن تَركْتُ فقد تَرَكَ مَنْ هو خَيرٌ مِني : رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ، وَدِدتُ : أَنَّ حَظِّي منها الكَفَافُ ، لا عَليَّ ، ولا ليَ ، قال عبدُ الله : فعلمتُ أَنه غير مُستخلِفٍ ، فقالوا : جَزَاكَ اللهُ خَيرا ، فقال : رَاغِبٌ ورَاهِبٌ ))
وفي البخاري أيضاً عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت : قَدِمَتْ عَلَيَّ أمِّي وهي مُشركةٌ في عَهْد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فَاسْتَفْتَيْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ، قلت :
(( قَدِمَتْ عليَّ أمِّي وهي رَاغِبةٌ – راهبة – ، أفأصِلُ أمِّي ؟ قال : نعم ، صِلي أمَّك ))
وفي سنن الترمذي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما : أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعائه :
(( رَبِّ اجعلْني لك شَاكِرا ، لك ذَاكِرا ، لك رَاهِبا ، لك مِطْوَاعا ، لك مُخْبِتا … ))
وفي سنن أبي داود عن أزهر بن عبد اللَّه الحرازي رحمه اللَّه أنه قال :
(( أَنَّ قَوما من الكَلاعِيِّينَ سُرِقَ لهم مَتَاعٌ ، فاتَّهموا أُناسا من الحاكةِ ، فَأتَوْا بهم النُّعمانَ بن بَشيرٍ صاحبَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ، فَحبَسَهُمْ أَيَّاما ، ثم خلَّى سَبيلَهمْ ، فَأتوْا النعمان ، فقالوا : خَلَّيتَ سْبيلَهُمْ بغير ضَربٍ ولا امتحانٍ ؟ فقال لهم النعمان : مَا شِئْتُمْ ، إن شئتم أَنْ أضرِبَهم ، فَإنْ خَرَجَ متاعُكم فذاك ، وإلاَّ أَخذَتُ لهم من ظُهورِكم مثل ما أَخذتُ من ظهورهم ، فقالوا : هذا حُكمكَ ؟ قال : هذا حُكُم اللَّهِ ورسوله صلى الله عليه وسلم ))
قال أبو داود إنما أرهبهم بهذا القول ، أي لا يجب الضرب إلا بعد الاعتراف .
وفي مسن الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
(( لا يمنعن أحدكم رهبة الناس أن يقول بحق إذا رآه أو شهده فإنه لا يقرب من أجل ولا يباعد من رزق أن يقول بحق ، أو يذكر بعظيم ))
****
الأهداف المشروعة :
ومع الإقرار بأن الأهداف النبيلة ، لابد لها من وسائل نبيلة ، فإن الوسائل تأخذ حكم غاياتها ، وهذا ما أكده العالم الأصولي الإمام الشاطبي في كتابه الموافقات ” العبرة في اتخاذ الوسائل الناجعة ، والملائمة في التدبير السياسي هي نتائجها ومآلاتها “.
فمن الأهداف المشروعة النبيلة ؛ دفع العدوان ، وإزالة آثاره ، استنقاذ الحق المستلب ، تحقيق العزة ، والسيادة التي ثُلمت ، استرداد ما اغتصبه العدو قهراً ، وظلماً ، وعنوةً .
إذ يأبى الإسلام أن يقرِّ ظلماً ، أو أن يستمرئ عدواناً ، قال تعالى :
﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ ﴾
[ سورة الشورى الآية : 39 ]
وقال تعالى:
﴿ وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ ﴾
[ سورة الشورى الآية : 41 ]
وقال تعالى:
﴿ إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾
[ سورة الشورى الآية : 42 ]
وقال تعالى :
﴿ الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴾
[ سورة البقرة الآية : 194 ]
فالإسلام لا يُقرُّ ظلماً ، ولا بغياً ، ولا عدواناً مطلقاً ، سواء أنزل بساحته أم على أمته ، أم أصاب غيره من الدول والأمم والشعوب ؛ لأن العدل في الإسلام لا يتجزأ ، ولأن الظلم والبغي محرم لذاته ، وحيثما كان موقعه وهذا مبدأ إنساني حضاري .
كما أن الصالح العام لأمة ، يعني حقها في الاستقلال ، والسيادة على أرضها ، والتصرف السياسي الحرُّ في تدبير أمرها ، داخلياً وخارجياً بما يحفظ كيانها ، ويحقق مصالحها الأخرى المشروعة ، دون أن يكون لأي أجنبي سلطان عليها ، أو نفوذ يتسرب إلى قراراتها ، أو تدخل في شؤونها .
كما نعني بالصالح العام للأمة ، ما أقرته لها الشرائع السماوية المنزهة والمواثيق الدولية ، وشرعة حقوق الإنسان العالمية ، والقانون الدولي العام .
****
ظهور الإرهاب والإرهاب المضاد :
وحينما احتُلت الأراضي ظلماً ، وعدواناً ، وشُردت الشعوب عن طريق القتل والتعذيب ، وهُضمت الحقوق ، ونُهبت الثروات ، وسكتت الدول الكبرى عن هذا الظلم ، والاغتصاب ، بل واستعملت حق النقض ضد أي قرار عادل ، ينصف الشعوب ، ويعيد لها حقها ، هذا الإرهاب الدولي يُعد تعبيراً عملياً واقعياً عن الحقد الدفين ، والحرمان من الحق الإنساني المشروع بسبب اختلال موازين العدل في أعظم هيئة دولية عُرفت في تاريخ الإنسانية من جراء حق النقض الفيتو ..
لذلك لم تجد الشعوب الضعيفة بدأ من أن تردَّ على الإرهاب الدولي والتعصب العنصري ، والهيمنة المتغطرسة ، وبسط النفوذ ، والتوسع الاستيطاني على حساب الدول المجاورة ، لم تجد هذه الشعوب المستضعفة حيال هذا الاستكبار الدولي بداً من أن تردَّ على الإرهاب الدولي بإرهاب مثله .
الإرهاب متعدد الجنسية والدين والهوية والقضية ، ولا يمكن أن يلصق بالإسلام ، ولا أن يُلصق الإسلام به هو سلوك الضعيف المظلوم حينما يواجه خصمه القوي الظالم .. لقد ظهر الإرهاب بمفهومه الحديث في كل القارات والدول شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً .. ظهر في الصين ، وفيتنام ، وفي الجزائر، وأنغولا ، وجنوب أفريقيا ، وفي أوربة ، وفي إيطاليا والمانيا ، وفرنسا ، وفي كوبا ، وفي أمريكا اللاتينية …
وما حركة التحرير الوطني في الجزائر ، وفيتنام ، وحركة الجيش الجمهوري الايرلندي ، وحركة أييتا في إسبانيا ، وحركة السيخ في الهند والتاميل في سيرلانكا ، ومنظمة ما رجيلا في البرازيل ، وتوباماروس في أرغواي ، ومونتونيروس في الأرجنتين ، والأولوية الحمراء في إيطاليا ، ومنظمة ما ينهوف في المانيا الغربية ، والعمل المباشر في فرنسا ، والخلايا الثورية في بلجيكا ، إلا دليل على ذلك …
وما لم نبحث عن السبب الحقيقي الكامن وراء هذا العنف السياسي ، ألا وهو الظلم بشتى أنواعه ، وأقسامه ، والتمييز العنصري بشتى صوره وأشكاله ، والعدوان بشتى أساليبه وأطواره ، فلن يزول الإرهاب والعنف السياسي إلا بزوال أسبابه ، فالحقيقة الصارخة ، أن العنف لا يلد إلا العنف .
والحمد لله رب العالمين
***********************
عن موقع الدكتور النابلسي
10شتنبر 2013