هل تفرض الميليشيات في ليبيا خارطة جديدة للبلاد؟
سيطرت مجوعة من الميليشيات في ليبيا على حقول النفط في اقليم برقة بالمنطقة الشرقية وأغلقوا الموانئ النفطية فيها مطالبين بالانفصال عن السلطة المركزية ضمن نظام فدرالي يرسم ملامح ليبيا الجديدة.
ويصف مسؤولون ومواطنون ليبيون هذه الأزمة بضربة لعصب الحياة في ليبيا حيث يشكل النفط 98 في المئة مداخيل الدولة.
15 مليار دولار خسارة
وقال وكيل وزارة النفط والغاز الليبي عمر الشكماك في حديث لبي بي سي إن “الانتاج والصادرات الليبية من النفط نزلت إلى أقل من 300 ألف برميل في اليوم بعدما وصلت صادرات ليبيا شهر يونيو/حزيران الماضي إلى 1.3 مليون برميل يوميا.”
وأضاف أن “ذلك حدث بعد توقف الشحن بمواني حيوية مثل ميناء سدرة وراس لانوف وطبرق والزويتينة، وإغلاق صمامات خط نقل حقل شرارة إضافة إلى توقف الانتاج في حقول النفط الرئيسية ما سبب خسارة بـ900 مليون دولار شهر أغسطس/آب الماضي.”
وتواجه الموازنة العامة في ليبيا مشكلة تمويل حادة بسبب توقف المداخيل وظهور نفقات جديدة أنتجتها الأزمة ما قد يعرض البلد إلى انزلاقات خطيرة.
وشرح الشكماك ذلك بالقول “إن 40 في المئة من الموازنة تنفق على الأجور إضافة إلى تأمين السلع والأدوية والخدمات ولكن ذلك مرهون بالعثور على مصادر تمويل كافية أمام الخسائر التي تكبدتها الخزينة والتي يضاف لها خسارة بـ 300 دولار شهريا هي قيمة الإتاوات عن عقود الامتياز الأجنبية في القطاع والتي لن تدفعها الشركات الأجنبية بسبب توقف الانتاج.
إضافة إلى تكلفة الفرصة الضائعة بعد أن توقف الانتاج في شهر أغسطس/آب الماضي حيث بلغ برميل البترول فيه سعرا قياسيا بـ110 دولار.”
وأفضت الأزمة إلى انقطاعات في الكهرباء وشح المياه وقد أجبرت “الحكومة على استيراد وقود الديزل لمواجهة الوضع، حسب المسؤول الليبي.”
وأمام ذلك رسمت اللجنة التي تتابع تقلبات أسعار النفط وتأثيرها على الموازنة عدة سيناريوهات للخسائر المحتملة أسوؤها حسب الشكماك “أن تستمر الأزمة حتى نهاية العام مكبدة خسارة بـ15 مليار دولار.”
وتتخوف الحكومة أيضا من أن تضر الأزمة بسلامة العاملين في قطاع النفط الذين يبلغ عددهم الإجمالي بين 45 ألف و58 ألف عامل يشكل الأجانب بين 10 و12 في المئة منهم كما قال الشكماك الذي اعتبر “ضمان سلامتهم أولوية قصوى.”
عودة الثوار
بدأت هذه الأزمة الشهر الماضي عندما أعلنت ميليشيات سيطرتها على حقول برقة وانفصالها عن طرابلس وقد تفاقمت بفعل استمرارها ما جعل أطرافا كثيرة في ليبيا تنتقد “ضعف الحكومة.”
وكلف المؤتمر الوطني (البرلمان) إلى تكليف ثوار القاعدة في ليبيا بالعودة إلى القوات المسلحة وأصدر لذلك قرارا بإنشاء “غرفة عمليات ثوار ليبيا” قبل حوالي الأسبوعين.
وقال عادل الغرياني مساعد الادارة السياسية لغرفة عمليات ثوار ليبيا لبي بي سي “إن أغلب قبائل المنطقة الشرقية أصدرت بيانات ترفض مطالب الاستقلال وأن المفاوضات جارية مع ابراهيم جضران الذي أعلن نفسه رئيسا لما سماه فدرالية برقة.”
وأضاف “إن الحوار مع تلك الميليشيات جاري وأن الوصول إلى حل سلمي متوقع بعد تلبية بعض المطالب مثل تلك المتعلقة بالحقوق الاجتماعية أو عدم مركزية القرارات أما الاستقلال فهو طلب يرفضه الليبيون بينما يبقى الحل العسكري قائم ونحن جاهزون له وقادرون على تأمين طرابلس.”
“كسر العظم”
وكان رئيس الوزراء الليبي علي الزيدان قد غادر مصر الجمعة 9 سبتمبر/أيلول بعد زيارة عمل دامت يومين ناقش فيها الطرفان عددا من الملفات من بينها الملف الأمني.
ويرى محللون ليبيون أن الحكومة اليوم أمام خيار الحل العسكري وأن الأزمة وصلت مرحلة “كسر العظم”.
وقال المحلل الليبي طارق محمد النيهوم “إن مدينة اجدابيا الواقعة جنوبي بنغازي عرفت عدة مظاهرات معارضة للفدراليين وأدت إلى مقتل متظاهرين اثنين.”
وتوقع أن يقع “تحرك عسكري قريبا يسبقه دعم شعبي إذا فشلت المساعي السلمية في رفع يد الميليشيات عن برقة خاصة مساعي وزارة الشؤون الاجتماعية لدى القبائل التي ينتمي إليها شباب تلك الميليشيات.”
متهما “أطرافا داخلية وخارجية بدعم تلك الميليشيات بالأموال الطائلة.”
توازن قبلي
ويعود بعض المحللين بجذور الأزمة إلى ما بعد نجاح الثورة وعجز الحكومة عن تحقيق التنمية والعدالة الانتقالية بسبب غياب آليات تطبيق قانون العزل السياسي والمصالحة وغياب مؤسسات مدنية وأحزاب.
وقال الصحفي عصام محمد الزبير من طرابلس لبي بي سي “إن برقة تضم 75 في المئة من مجموع الحقول لكنها لم تستفد منها تنمويا بسبب ضعف أداء الحكومة وهو ما استعملته الميليشيات في عملها الأخير.”
ويضيف مفتاح بوزيد رئيس تحرير جريدة البرنيق في بنغازي على ذلك بالقول إن “الطبيعة القبلية لليبيا حالت دون غرقها في حمام الدم بفضل التوازن القبلي وهي في ذلك تختلف عن مصر وتونس.”
وأضاف “إن هذا التوازن سمح باستمرار الحياة في مدينة مثل درنا التي لا تلك مركز شرطة بل ولا شرطي مرور، لكن ذلك لا يشكل بديلا عن الدولة المدنية التي يطمح إليها الليبيون.”
ويتوقع المتحدث “أن تعيش ليبيا أباما صعبة إذا فشلت الحكومة عن حل الأزمة لأنها ستعجز حينها عن دفع الرواتب، ودعم السلع والأدوية وضمان خدمات الكهرباء والماء والاتصالات..”
– هل ترى أن الحكومة الليبية قادرة على إنهاء الأزمة التي تعصف بها أم أنها ستضطر إلى طلب المساعدة الخارجية؟
– وهل ترى أن الحل سيكون سلميا أم انها ستلجأ إلى استعمال العنف؟
– هل ترى أن تعاون الجيشين المصري والليبي وارد؟
– كيف ترى مستقبل ليبيا؟ وهل فشل حلم بناء الدولة المدنية فيها أم لا يزال ممكنا؟