معتبراً أن الفضول والإثارة وراء دراسته لعلم الإنسان
عالم الأنثروبولوجيا آلان ماكفارلن: الحضارة العربية نموذج حي للحضارات العقلانية المتطورة
20,يوليو 2013 – — عربيات
تنفرد “عربيات” بلقاء شيخ المؤرخين وعلماء علم الإنسان “الأنثروبولوجيا” البريطاني آلان ماكفارلين، وهو مؤسس مشروع “هيملايا الرقمية” الذي يعد أضخم مشروع في مجال الحفاظ على التراث الشفوي في العالم، كما يعود الفضل لهذا الباحث الكبير في إنجاز أول قرص ليزر أكاديمي “فيديوديسك” في الثمانينيات. وفي الحوار التالي نحاول أن نتعرف على رأي البروفيسور ماكفارلن في جملة من القضايا المعاصرة المتعلقة بعلم الإنسان.
يؤكد عدد من الباحثين أن الأنثروبولوجيا الخاصة بعلم الأعراق البشرية “الإثنولوجيا”، مليئة بالمصطلحات العنصرية وفي مقدمتها مفهوم “العِرق”، هل هذا صحيح؟
بعض العلماء في هذا المجال كانوا يؤمنون بمفهوم “العِرق” لكن الأغلبية منهم اليوم وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية على غرار “فرانز بوز” و “مارغاريت ميد”، قدموا العديد من الأعمال التي تشكك وتعيد النظر في مفهوم العِرق خاصة من ناحية الدم، وحالياً هناك قلة من الباحثين ممن لا يزال يستعمل مفهوم العِرق.
يعد البحث الأنثروبولوجي الميداني على وجه التحديد عملا مرهقاً للغاية مثلما حدث معك في منطقة نيبال، أين يكمن السر في الإقبال على هذا النوع من الأبحاث؟
بالفعل العمل الأنثروبولوجي الميداني مثل العديد من الأعمال الأكاديمية مرهق للغاية، وتبقى الدوافع متباينة جدا وفيما يتعلق بدوافعي الشخصية أجيب بأنها مزيج من الفضول والإثارة الفكرية، إضافة إلى الرغبة في عبور الحدود الأكاديمية، والعودة إلى بلد طفولتي ومسقط رأسي في مدينة “آسام”، ولا أنكر أهمية هذه الأعمال في حصولي على المؤهلات الأكاديمية التي أحملها اليوم.
الشاي يؤثر على الشخصية، ويرتبط بأحداث اجتماعية وسياسية واقتصادية
لك كتاب بعنوان “امبراطورية الشاي” في غاية الأهمية والطرافة من حيث التناول والمعالجة، هل حقاً يمكن أن يكون للأغذية والشاي تحديداً دور في تشكيل الشخصية والتأثير على المجتمع؟
بالتأكيد، الشاي له انعكاسات مختلفة على الجسم، فبالإضافة إلى كونه يجعل مستهلكيه أكثر هدوءاً (مثل سكان بريطانيا والصين)، له كذلك إيجابيات صحية، وهو ربما النبات الأكثر أهمية في العالم للوقاية من الأمراض التي تنتقل عن طريق المياه وغيرها. وقد أرتبط ببعض طقوس التأمل البوذية في الصين منذ القرن الرابع قبل الميلاد، وأصبح علامة تحرير فارقة في التاريخ الأمريكي عندما قام مجموعة من سكان بوسطن التي كانت مدينة تتبع المستعمرة البريطانية في عام 1773 بتسلق السفن ورمي شحنات الشاي في احتجاج على سياسات الضرائب للحكومة البريطانية وشركة الهند الشرقية التي كانت تتحكم بتصدير الشاي للمستعمرات، إلى كون إدمان الشاي اليوم يعد أكثر أنواع الإدمان انتشاراً، كما أدى انتشارة إلى ابتكار االتقنيات والأجهزة المساعدة على تجهيزة للمستهلك منذ زمن الثورة الصناعية.
هناك مقولة شهيرة وشائعة مفادها أن التاريخ يكتبه الأقوياء أو المنتصرون، إلى أي مدى يمكن اعتبار هذه المقولة صحيحة؟
مقولة تتضمن نصف الحقيقة، فمن الشائع أن يكتب التاريخ الأقوياء وأصحاب النفوذ، لكن ثمة أمثلة عديدة عن ضعفاء فرضوا وجهة نظرهم في التاريخ، على غرار المسيح عليه السلام، ونيلسون مانديلا وغاندي الذي يعتبر مثالاً شهيراً في هذا المجال.
أنجزت العديد من البحوث عن شعوب مختلفة، لكن ماذا عن العقل العربي هل تطرقت له أبحاثك؟
كنت أتمنى حقيقة إجراء بحوث حول الشعوب العربية وقد سبق لي وأن قرأت عن الحضارة العربية منها على سبيل المثال لمارشال هودجسون (دعوة الإسلام) لكن مع الأسف طاقتي البشرية محدودة، فلقد بحثت في مجال الحضارات الغربية ونيبال والصين واليابان والوقت لم يسعفني للبحث في مجال الشعوب العربية. من جهة أخرى أنا لا أؤمن بتصنيف العقل إلى عربي أو صيني أو روسي أو برازيلي، المؤكد هو أن تاريخ كبار العلماء والفنانين المنتمين إلى الحضارة العربية الإسلامية يكشف بجلاء أنهم لا يقلون عقلانية ومنطقاً عن غيرهم من الشعوب.
وسائل التواصل الحديثة فرصة للباحث، والإنترنت قد يغني عن المكتبات والمتاحف
اعتبرت البروفيسورة الأمريكية “مارثا نوسباوم” أن وسائل الاتصال الحديثة ساهمت في تراجع الحس النقدي، وبخاصة في مجال العلوم الإنسانية، هل تتفق مع هذا الرأي؟
لا إطلاقا، إذا توخى الإنسان الحذر فإن وسائل الاتصال والتقنيات الحديثة تسهم في شحذ الذهن وتنشيط الوعي، إذ أنها تجعل المرء ينفتح على الأفكار ويراها من مختلف الزوايا، كما أنها أوجدت إمكانات وحلولاً رائعة في مجالات البحث والكتابة والتصوير والنشر.
أين وصل مشروع “الهيملايا الرقمية” الذي يعتبر خطوة نحو الحفاظ على التراث الشفوي للإنسانية؟
هذا المشروع ولد نتيجة تأثري بأستاذي في الأنثروبولوجيا كريستوف “فون فورير هايمندورف”، وهو محاولة لتوظيف التقنيات الرقمية للتوثيق، وقد تم تطويره بالاشتراك مع الدكتور مارك تورين من جامعة “ييل” وزوجتي سارة هاريسون، حيث توجد العديد من محاضراتي، وأكثر من 200 مقابلة، والعديد من البحوث على الموقع الرسمي لهذا المشروع وهو: www.alanmacfarlane.com..
وفي ذات السياق، أشير إلى أنني كنت أهتم مبكراً بمجال الإعلام الإلكتروني منذ بداياته الأولى إبان السبعينيات، وفي الثمانينيات عندما أصبح قرص الليزر شائعاً كنت أول من استغل هذا المكسب التكنولوجي في البحوث الأكاديمية من خلال تصويري لأقوام الناجا Naga، ومع انتشار ثورة الإنترنت أدركت بأن مستقبل التعليم والاتصال بمفهومه الواسع وخاصة في مجال القدرة على التواصل مع الناس الذين يعيشون في مناطق فقيرة والذين ليس لهم القدرة على الوصول إلى مكتبات مطالعة، والمتاحف والتعليم عالي الجودة، قد تحقق الآن عن طريق الإنترنت، فضلا عن إمكانية الحفاظ على جزء كبير من الثقافة الإنسانية وهذا هو هدفي من خلال موقع “هيملايا الرقمي”.
****************
عن موقع مجلة عربيات الدولية
5 شتنبر 2013