الغرب وسياسة خلق الأزمات العربية

الأحد‏، 25‏ آب‏، 2013

 


موقع. أوقات الشام

 

الدكتور خيام محمد الزعبي

قرأت كتاب للضابط والخبير البريطاني وليم جاري كار بعنوان” أحجار على رقعة الشطرنج “وجدت أن الكاتب سعى جاهداً للتأكيد على المعلومات التي احتواها كتابه، شمل تاريخ كامل من المؤامرات والأفعال الاجرامية والحروب الأهلية والعالمية التي خططت لها الصهيونية في مختلف مناطق العالم، يقول الكاتب والخبير البريطاني أن أي أزمة سياسية أو اقتصادية أو جغرافية فإن للصهيونية دور واضح في صناعة تلك الأزمات وإعادة إنتاجها بصورة جديدة لأنها تستفيد منها حتى ولو يعيش العالم في الفقر والجهل والحروب، فهم يجيدون صناعة الأزمات وتأجيجها، فضلاً عن إثارة النعرات بين الشعوب والأمم وتهيئة المناخ المناسب لتحقيق التجزئة والانفصال والحروب.
إن مجريات السياسة الدولية تؤكد أن الدول الغربية لا تتدخل في أي منطقة من مناطق العالم إلا وتكون لها أهداف استراتيجية واضحة ولا يهم أن تكون هذه الأهداف لصالح المنطقة التي تتدخل فيها، ويظهر ذلك بوضوح في الوقت الحاضر في العديد من الدول العربية وعلى الأخص سورية التي تتدخل في شؤونها الداخلية من خلال خلق مناخ يسوده التوتر والاحتقان ويشجع على إثارة القلاقل والاضطراب واللعب على أوتار الخلافات العربية والاثنية وتصعيدها والعمل على تحويلها الى صراعات ملتهبة ومستمرة تهدد أمن سورية والمنطقة العربية ككل.
جعلت الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية منطقة الشرق الأوسط منطقة تعيش الحروب والأزمات خاصة بسبب احتضانها للكيان الصهيوني وإمداده بكل أشكال الدعم المادي والاقتصادي والعسكري وتوفير الحماية السياسية والأمنية لهذا الكيان الغاصب لأرض فلسطين العربية، والذي أصبح قاعدة تهديد وانطلاق نحو خلق الأزمات والعدوان على الأقطار العربية والتدخل بشؤونها الداخلية، والعمل على إجهاض أي مشروع نهضوي عربي.
في إطار ذلك ما من أزمة عربية إلا وتتولى الدول الغربية، كبر الوساطة فيها، دون أن يطلب منها أطراف الازمة التدخل في ذلك، إذ تتظاهر بأنها خائفة على مصالح العرب وأمن مواطنيهم، وإنها تسعى الى السيطرة على الأزمة وتطويقها والتحكم فيها، ومنع أطراف أخرى من الانخراط فيها لمنع تدويلها، ولكنها في حقيقة الأمر تتآمر على العرب وأوطانهم وتكيد لهم ولشعوبهم، فتعقد العزم على التدخل لحل الأزمة، إذ يدرسون المشكلة التي هي من صنعهم، وهم الذين يمولونها ويرعون الفرقاء فيها من أجل تعميق وإطالة المشكلة لأنه يصب في مصلحتها بالدرجة الأولى لإعادة ترتيب المنطقة من جديد.
وليس بعيداً عن الفكر الذي يؤمن بنظريات المؤامرة والتخطيطات الاستراتيجية، فما يحدث في الوطن العربي من أزمات لم يأت بمحض الصدفة، بل يعد تخطيط استراتيجي للصهيونية التي تنادي بتقسيم المقسم وتجزيء المجزأ وذلك لضمان استقرارهم السياسي والاقتصادي والعسكري والسيطرة على موارد المنطقة العربية وإيقاف عملية التنمية والرجوع الى الوراء وانهيار الأمن ومنظومات القيم والأخلاق وتفتيت النسيج الاجتماعي بين مختلف فئات الشعب العربي.
فالمتتبع للتاريخ يجد أن الدول العربية تتعرض في كل فترة زمنية الى أزمات وتغيرات تهدف الى زعزعة استقرار وأمن المنطقة العربية، كما أن المتابع لتاريخ المنطقة بشكل مستفيض سيرصد الأزمات المفتعلة ويظهر أن الأزمات الاقتصادية والسياسية تدفع ثمنها الدول العربية والاقتصاد العربي بسبب أن الدول الغربية تصّدر أزماتها بحجج مختلفة وإعلام مسيّس، ما بين الأسلحة الغير تقليدية كما حصل في الحالة العراقية، وبحجج أخرى تتبناها كفرض الديمقراطية والحرية اللذان لا يمكن تطبيقهما في مجتمعنا العربي الذي يعاني من الفقر والجوع، كما يهدف من هذه الازمات السيطرة المباشرة على الموارد العربية والمواقع الاستراتيجية في المنطقة .
فالمؤسف في واقع حال الأوضاع العربية اليوم، إن الشعوب العربية لم تجد في الانتفاضات الشعبية كل ما كان ترجوه من نتائج وأهداف وآمال لتغيير أوضاعها في الاتجاه السليم، وان بعض هذه الانتفاضات أصبح مسيّراً من الخارج، بينما تزداد حكومات الدول العربية تباعداً فيما بينها، مما يجعل الحكومات والشعوب ومصائر الأوطان مرهونة عموماً للإرادات الخارجية، إذ تعيش المنطقة العربية أجواء خوف من التقسيم لأن سياسة الصهيوأمريكية لا يمكنها العيش في منطقة قوية بل تريد تمزيقها وتفتيتها من خلال الركوب على ثوابت الشعوب العربية لإسقاط أنظمتها، وإظهار محاولات تعاطف كاذبة مع متطلبات الشعوب العربية للإصلاح وتحقيق الديمقراطية، فالظاهرة الاستعمارية هي المسؤول الأول والأخير عن معاناة الشعوب والدول العربية، التي اتبعت سياسات تعسفية لاستغلال خيراتها وثرواتها ولم تكتف الدول الاستعمارية مما أشعلته من حرائق في العالم العربي والإسلامي منذ أن أعلنت منفردة حربها على الإرهاب بل عملت الى التدخل في شؤونه الداخلية لتحقيق مطامعها وأهدافها في المنطقة، وما زالت هذه المخططات والمشاريع سارية المفعول، حيث يحاول الشريكان الصهيوني والأمريكي تنفيذها عبر خلق الأزمات والفوضى والفتن والاقتتال بين أبناء الشعب الواحد في العديد من أقطار الوطن العربي.
مثلت الحالة العراقية مقدمة ثمار المشروع الصهيوني من خلال الاحتلال الانجلو الأمريكي للعراق، فدمروه وخربوه وقتلوا شبابه وشردوا أهله وسرقوا خيراته ورهنوا مقدراته، واذا رصدنا الأوضاع هناك سنجد أنفسنا أمام أكثر من مشهد، فالعراق مقسم وما زال عرضة لاندلاع جولات جديدة من الحروب والاقتتال الداخلي بين الشيعة والسنة وبين العرب والأكراد وذلك ضمن مخطط تقسيم الأقطار العربية التي وضعته الصهيونية والغرب الاستعماري، وليبيا التي استهدفوا قوتها ومخزونها الكبير من السلاح، وفي السودان عملوا على تفتيته الى دويلات وتحريك النزعة الانفصالية الذي وجه ضربة قاسية لمستقبل الاقتصاد العربي، والصومال التي تتحول من دولة الى شظايا من العصابات والقراصنة، ولبنان الذي اتخذ العنف الطائفي مسار التصادم بين أبناء الوطن الواحد بالإضافة الى اليمن وتونس اللتين شهدتا تصعيداً سياسياً وطائفياً وعرقياً هدفه الأساسي إضعافهما وتجزئتهما وتعزيز مشاكل الفقر والتخلف بين أبناءهما والمغرب العربي ليس بعيداً عن مشروع التقسيم والتجزئة التي يقوم بها الكيان الصهيوني، ناهيك عن أعمال الإبادة التي تمارسها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني وما تقوم به من نشاط للتوسع الاستيطاني وتغيير ملامح الأرض وتهويد مدينة القدس، ومصر التي تتجه الى انهيار مؤسساتي واجتماعي، أما في سورية العروبة وما تتعرض له من حرب عدوانية وتفكيك وتقسيم وإضعاف عن طريق الإطالة للحرب الداخلية الدائرة في أراضيها لإنهاكها وتدمير مقدراتها وزعزعة استقرارها وتعميق الشرخ الطائفي والمذهبي وإشعال حرب طاحنة بين أبناء الشعب الواحد لن يكون فيها منتصر سوى أعداء الوطن الذين يطمحون في إيصال سورية الى الدمار والخراب كما فعلوا في دول عربية شقيقة من أجل تحقيق مصالحهم الشخصية .
وعليه فإن ما تشهده سورية هذه الأيام يأتي بسبب موقفها المتمسك بحقوقها وحقوق العرب، ولأن سورية دولة وطنية تتمسك بقرارها المستقل وترفض الوصاية والتبعية والالتحاق بالمشاريع الصهيونية والأمريكية وترفض الاملاءات والشروط التي تجعل منها دولة لا تقبل بالتبعية، كان لا بد من إضعافها عبر خلق الأزمات والمشكلات والتدخل السافر بكل أشكاله لإضعافها وشل قدرتها على مواجهة المشاريع الامبريالية والصهيونية وفتح الطريق لتنفيذ مصالحها وأطماعها في المنطقة.
إن ما جرى في المنطقة ولا يزال هو مصلحة أمريكية إسرائيلية بالدرجة الأولى وإعادة ترتيب جديد للمنطقة بمشاريع تدويل أزمات داخلية عربية، مع مخاطر تقسيم المجتمعات والكيانات على أسس طائفية ومذهبية واثنية، ووسط رياح عاصفة تهب من الشرق الإقليمي ومن الغرب الدولي ومن قلب هذه الأمة حيث مقر المشروع الصهيوني التقسيمي.
وبالتالي ما نراه في تسلسل علاقة الغرب الامبريالي بالشعب العربي والوطن العربي ما هو إلا سجل متواصل من الاستعمار والعدوان والاحتلال والإجرام ومحاولة السيطرة السياسية والاقتصادية الدائمة على الوطن العربي والملاحظ انه وبعد عقود وقرون على نهاية الاستعمار المباشر نجد أن الغرب ما زال يمارس نفس السياسة ونفس النهج ونفس الفكر نحو العالم العربي وجوهر هذه السياسة ومدارها يدور حول كيفية استمرار السيطرة على العالم العربي وعلى موارده الطبيعية.
أمام هذا الواقع لا بد من صحوة الضمير من قبل الشعوب العربية وأن تعي خطورة ما تقوم به الدول الاستعمارية من أهداف سعياً لتعزيز أمن إسرائيل والسيطرة على مقدرات البلاد، ويجب إدراك المصلحة الحقيقة للامة العربية وعزل الولايات المتحدة الامريكية وإسرائيل من أن تكون اللاعب الرئيسي أو الفرعي في تقرير مصير الصراع ومآلاته.
وأختم مقالتي بالقول بالرغم مما تتعرض له الأمة العربية لمحاولات عديدة لإعادة تشكيلها، وتهيئة مناخها لميلاد شرق أوسط جديد فما زلت متفائلاً بأن هناك أمل في مستقبل أفضل يحرر الأوطان من الاستبداد والفساد والهيمنة الأجنبية، وصون الشراكة مع المواطن الآخر في الوطن الآخر، بعيداً عن مبدأ السياسات الأجنبية التي تفّرق بين العرب لتسود عليه، فالتعاون والمحبة والتآلف بين أبناء الشعوب العربية يحقق الأمن والسلام والاستقرار، كما أن على العرب النظر بعمق لما يحدث في المنطقة من صراعات للدول الغربية على حساب أمتنا العربية

…………..

عن موقع اوقات الشام 25 غشت 2013

‫شاهد أيضًا‬

عندما توسط الحسن الثاني بين شاه إيران والخميني * عمر لبشيريت

يحكي عبداللطيف الفيلالي رحمه الله، وزير الخارجية والوزير الأول الأسبق، أن اتصالات المغرب ب…