العقل الإسلامي ‘زور’ التاريخ والفقه لا يخلو من تعارض مع النص القرآني
المؤلف افتتح كتابه بفكرة أساسية جوهرها أن الإيمان لا يمكن له أن يتعارض مع العقل أو العقلنة، بل إن الإيمان يعني الفهم أو محاولة الفهم.
العرب أحمد صبري
[نُشر في 22/08/2013،
موقع صحيفة العرب /العدد: 9297،
الكتاب أثار جدلا واسعا في الأوساط الدينية…
أثار كتاب «الأساطير والأحلام المؤسسة للعقل الإسلامي» لمؤلفه الباحث نيبال خماش جدلا في الأوساط الأردنية ذات العلاقة دفعت دائرة المطبوعات المعنية بإجازة الكتب إلى رفعه إلى دار الإفتاء الأردنية لإعطاء الرأي الشرعي في محتوياته.
ونظرا لأهمية الكتاب الذي يعد من الكتب القليلة التي تناولت موضوعات الأساطير والأحلام المؤسسة للعقل الإسلامي بهذه الجرأة وهذا التوصيف اللذين سيحدثان نقاشا حادا بين معارضي ومؤيدي ما تضمنه الكتاب. يفتتح المؤلف كتابه بفكرة أساسية جوهرها أن الإيمان لا يمكن له أن يتعارض مع العقل أو العقلنة، بل إن الإيمان يعني في إحدى تعريفاته الكبرى، الفهم أو محاولة الفهم. انطلاقا من هذه المقولة التعريفية يؤسس المؤلف لكتابه الموسوم بـ «الأساطير والأحلام المؤسسة للعقل الإسلامي» بهدف معالجة النصوص الإسلامية الأقدم، ذات الصلة بالمرحلة الزمنية المرتبطة بفترة صدر الإسلام، وتحديدا فترة التهيئة والإعداد للنبوة المحمدية، وفترة الدعوة في عهدها المكي. يعرض الكتاب على نحو يتسم بالتوثيق العالي والدقيق لهذه المرحلة، ويظهر على نحو تطبيقي وعملي، ومن خلال إعادة قراءة النصوص الإسلامية ذات الصلة، كيف أن هذه الفترة تعرضت لكثير من التخريب والتشويه على نحو مقصود وممنهج من طرف المدرسة السلفية الأصولية، على اختلاف مقاصدها ودوافعها، الدينية والسياسية، وهي عملية أفضت في مجملها إلى صعوبة التعرف بشكل أكيد على طبيعة هذه المرحلة ومعالمها.
الكتاب يظهر حجم التباين والتعارض الشديدين على صعيد النصوص الدينية بصيغتها البشرية، وكذلك التاريخية، المرتبطة بشخصية رسول الإسلام؛ أما مبعث هذا التعارض ومكمنه فيمكن الاستدلال عليه من ثلاثة أوجه: الأول تعارض مضامين هذه النصوص المعتمدة، مع المضامين الكبرى للنص الإسلامي المقدس، القرآن الكريم. والثاني تعارض هذه النصوص في الدلالة والمضمون بعضها ببعض، والثالث التعارض البنيوي داخل عدد كبير من هذه النصوص. وأرجع الكاتب أسباب ومبررات هذا التعارض إلى جملة من الأسباب الموضوعية والتاريخية، إلا أن أهمها على الإطلاق يكمن في أن عملية التدوين والتوثيق لهذه المرويات جرى بعد وفاة صاحب السيرة النبوية الشريفة بفترة لا تقل عن 220 عاما، وخلال هذه الفترة كان العقل الشفهي، والتأثير النفسي للسرد والتلقي هو السائد في عموم المجتمعات الإسلامية الأقدم.
والسيرة المحمدية، كغيرها من سير العظماء، دينيين أو تاريخيين، كانت ولازالت مجالا تنافسيا مفتوحا للتناول المعرفي، إلا أن مجمل هذا التنوع والاختلاف في السيرة المطهرة يمكن إرجاعه إلى وجهتي نظر كبيرتين، ويقف وراء كل وجهة نظر مدرسة ومنهج محددين، المدرسة الأولى وصفها الكتاب بالمدرسة الإيمانية السلفية، وفي مواضع أخرى سماها الكتب الإيمانية الأرثوذكسية.
وأحالت هذه المدرسة مجمل العهد النبوي إلى الفضاء الأسطوري المتخيل، المغرق في العجيب والمدهش، وكان لهذه المدرسة الغلبة والتفوق منذ القرن الرابع الهجري تحديدا وإلى يومنا هذا، وكانت روايتها هي السائدة والمعممة والمقرة على صعيد رسمي بتكافل وتعاضد سياسي/ ديني. أما المدرسة الثانية، فهي لا تعترف إلا بالأحداث التاريخية/ الزمانية المتحقق بها تجريبيا، وكانت هذه المدرسة هي النافذة والفاعلة في المناخ الثقافي الإسلامي حتى مطلع القرن الهجري الثالث، وكان من أبرز تجلياتها المدرسة العراقية المؤسسة على يد الفقيه أبي حنيفة النعمان، والمدرسة السورية المؤسسة على يد الفقيه الأوزاعي، ومدرسة المدينة المؤسسة على يد الإمام مالك، وفي ذات الفترة برزت مدرسة أهل العدل والتوحيد، المعروفة باسم مدرسة المعتزلة الكلامية. وكان من أبسط تطبيقات هذه المدارس مجتمعة أنه إذا وقف المجتهدون أمام حديثين أو أثرين متناقضين، فإنهم يرفضونهما كليهما ويعملون رأيهم الشخصي وفق ما عرف في تلك الفترة بالاستناد إلى «الرأي»، وانتقلت ذات المنهجية في مرحلة لاحقة إلى الأندلس، ليعاد تشكيل ذات المنهجية على يد فقيهها الأكبر ابن حزم الأندلسي، الذي اعتبر المرويات والمأثورات المتضمنة خوارق وأحداثا مفارقة للمألوف وفق تعبيره بأنها: «خرافات موضوعة، نقلها كل كذاب».
إلا أن تأثيرات هذه المدارس جرى حصرها في مجالات الفقه، أما المعتزلة، فرسان العقل في عموم التاريخ الإسلامي، فقد تمكنت المدرسة السلفية من ملاحقتها والتضييق عليها. وقف الكتاب على العديد من مظاهر التشريع والمواقف السياسية الخاصة بالتاريخ الإسلامي وكيف أن أصل هذه المظاهر جرى وتحقق في عالم الأحلام. فوسيلة النداء إلى الصلاة ممثلة بالأذان، المعمول بها منذ العهد النبوي إلى يومنا، فإن أصل تكوينها وصيغتها اللغوية، جرت وباعتراف جميع الأصول المعرفية الإسلامية، عبر تجربة منامية لأحد الصحابة اسمه عبدالله بن زيد، الذي أطلع النبي على حلمه فأقره -ص- باعتباره شعار المسلمين وهويتهم الخاصة في النداء إلى الصلاة.
وليلة القدر بقي المسلمون مختلفين في ضبط موعدها حتى توافق عدد من الصحابة ورأوا في منامهم تلك الليلة، ومسألة تجلي الرؤيا لأكثر من شخص وفي وقت واحد، مسألة مقرة ومعترف بها في العقل الديني، وهي التي اصطلح على تسميتها بـ«التواطؤ في الرؤيا».
كما تعرض الكتاب للعديد من التجارب المنامية الموثقة في أعمال العديد من كبار المرجعيات الإسلامية، مثل: البخاري، مسلم، الطبري، أبو حامد الغزالي، جلال الدين السيوطي، ابن عربي…، إضافة إلى العديد من أمثلة الرؤى والأحلام التي جرى توظيفها خدمة لأغراض وأهداف سياسية وثقافية.