أعلِن في موسكو عن صدور تقرير حاول واضعوه الإجابة عن أسئلة تطرحها تطورات الأوضاع في العالم العربي في المرحلة الراهنة

“أنباء موسكو”

تقرير: التوافق بين الإسلاميين والعلمانيين أهم مقومات السلام الاجتماعي

أعد فريق من الباحثين الروس تقريرا تحليليا عن تطورات الأوضاع في العالم العربي جاء فيه:
يؤيد بعض المحللين الرأي الذي يصف “الصحوة العربية” بأنها “ثورة إسلامية عظيمة” ويقارنون بينها وبين الثورة الإيرانية (1979) من حيث نطاق الهزات التي أحدثتها في المجتمع. بينما لا يتفق محللون آخرون مع هذا الرأي، معتبرين أن الحديث عن استبدال الأنظمة العلمانية بأخرى إسلامية غير دقيق لعدة أسباب منها أن الأنظمة السابقة لم تكن كلها علمانية أو علمانية تماما.
كانت الأنظمة القائمة في بلدان “الربيع العربي” علمانية من ناحية أن قيادات تونس ومصر واليمن وليبيا لم تعتمد على العقيدة الدينية ولم تكن تستند إلى النصوص المقدسة في اتخاذ القرارات السياسية. ومع ذلك، فإن المؤسسات الدينية لم تكن منفصلة تماما عن الدولة وكانت العناصر الدينية موجودة في نظام التعليم كما في الخطاب السياسي. وبالإضافة إلى ذلك، فإن كل زعيم من زعماء تلك الدول حاول أن يظهر نفسه في المجال الديني بهذه الدرجة أو تلك. وقد عمد عدد منهم إلى تطبيق بعض أحكام الشريعة (في ليبيا ومصر)، وطرحوا أفكار إنشاء أحزاب دينية معتدلة مؤيدة للحكومة (في تونس). أما في المغرب، فإن الملك هو الزعيم الديني للبلاد بصفته “أمير المؤمنين”.
إن الكثير من القوى العلمانية والإسلامية لا تقف اليوم موقفا واضحا من القضية الدينية ولا تدعو إلى إزالة الخصوم من الساحة السياسية. ولا تتحدث الأحزاب العلمانية التي تعارض الإسلام السياسي عن فصل المؤسسات الدينية عن الدولة أو إلغاء التربية الدينية من نظام التعليم. وفي بعض الحالات (وخاصة في مصر) تفضل تلك القوى أن تطلق على نفسها تسمية القوى المدنية وليس العلمانية وأحيانا تدخل في تحالفات مع الإسلاميين المعتدلين الذين لا ينفون من جانبهم نظرية الحقوق العامة للإنسان أو المبادئ الديمقراطية في الإدارة والحكم، ويبدون استعدادهم أحيانا للاعتراف بالطابع العلماني للدولة.
ويتفق الليبراليون اليساريون والإسلاميون، في الواقع العملي، على مبادئ معينة للدولة المعاصرة والقيم الإسلامية التقليدية. لكن كل طرف لا يكل عن اتهام الطرف الآخر بانتهاج “لعبة مزدوجة” – أي اتهام القوى العلمانية في السعي إلى التخلي عن قيم وتقاليد إسلامية أصيلة واتهام الإسلاميين بالسعي إلى بناء دولة إسلامية والتخلي عن الحقوق والحريات.
ويتهم العلمانيون الإسلاميين باستغلال الدين للاستيلاء على السلطة. أما أنصار الإسلاميين، فإنهم يؤكدون أنهم قادرون على الإدارة بفاعلية مشيرين إلى تجربة “حزب الله” الذي أثبت منذ مدة طويلة نجاحات ليس فقط في المجالين الاجتماعي والإداري بل وعلى مستوى السياسة الإقليمية. وهناك مثال آخر هو حكومة “حماس” في قطاع غزة التي تمكنت في ظروف قاسية جدا من بسط الاستقرار والاحتفاظ بدعم وتأييد السكان. كما يشير الإسلاميون إلى أن الأحزاب العلمانية ذات النزعة القومية حصلت في السابق على فرصة لتنفيذ مشروعها ولكنها فوتت تلك الفرصة.
في الوقت الذي يؤكد فيه الجزء الأكثر فاعلية ونشاطا من المجتمع وأغلبية الأحزاب في الدول العربية على التمسك بالديمقراطية وعدم السماح بالعودة إلى الأنظمة الشمولية، تصبح مشكلة الدمقرطة بالذات حجر عثرة بين مختلف القوى السياسية في المنطقة. إلى أي مدى كان انتخاب الإسلاميين للسلطة ديمقراطيا؟ وهل هم ملتزمون بالديمقراطية أم أنهم يحلمون سرا باحتكار السلطة وبناء نظام شمولي جديد؟ لا يوجد إجماع في المجتمع اليوم بشأن أي سؤال من هذه الأسئلة.
يؤكد أتباع الإسلاميين أن شرعية وجودهم في السلطة جاءت من خلال الفوز في انتخابات حرة أثبت خلالها السكان أن الإسلام السياسي اليوم هو القوة التي ينتظرون منها جلب الديمقراطية والتعددية والحرية إلى المجتمع.
أما خصوم الإسلاميين، فإنهم يطرحون دليلين مضادين، يتمثل الأول في أن الفوز في الانتخابات الذي جاء بفارق بسيط لا يدل على وجود دعم واسع للإسلاميين من جانب المواطنين خاصة مع الأخذ بعين الاعتبار النسبة المتدنية للمشاركة في التصويت. وبالإضافة إلى ذلك، فإن السكان غير المتعودين على التعبير عن إرادتهم بحرية يسترشدون أحيانا بالانفعالات الاحتجاجية. وهذا يدل على أن الإسلاميين لا يملكون ما يكفي من الشرعية لبناء هيكلية سياسية جديدة حسب نماذجهم وأنماطهم الخاصة. أما الدليل المضاد الثاني، فإنه يستند إلى أن المجتمع العربي الذي لا يملك خبرة الديمقراطية غير مستعد للقيام باختيار واع.
وينفي الإسلاميون في خطابهم السياسي وجود ضارب بين مصالحهم الخاصة والمصالح الوطنية. ويعلن حزب “النور” السلفي المصري كما حزب “النهضة” في تونس أنه يعارض إقامة نظام دكتاتوري، ويؤيد ضمان الحقوق المدنية المتعارف عليها، ويعلن استعداده للتعاون مع جميع الأحزاب التي تقف مواقف بناءة. ويؤكد الإسلاميون أن الإسلام مع الحرية وحرية الاختيار.
قبل وصول الإسلاميين إلى سدة الحكم، مرت الدول العربية في القرن العشرين بمرحلتين من التطور. وفي أولاهما كانت الأنظمة الملكية تضمن وحدة المجتمع والاستقرار والبناء الوطني. وفي المرحلة التالية أصبحت الجيوش إصلاحيا رئيسيا وأدت دورا نشطا في السياسة. وتمكن العسكريون، كونهم علمانيين وطنيين، من ضمان الوحدة الوطنية لبعض الوقت.
وفي الحقيقة فإن القوى العلمانية أظهرت ضعفها خلال فترة ما بعد الثورة، وتضطر اليوم إلى التركيز على طرق جذب الناخبين والاستعداد للانتخابات المقبلة بدلا من القضايا الجوهرية لتنمية المجتمع والدولة، شأنها في ذلك شأن الإسلاميين الذين فازوا في الانتخابات الأخيرة، ثم خسروا جزءا من ميزاتهم التنافسية خلال العامين الماضيين، ويضطرون اليوم للعمل في ظروف المنافسة.
ويبقى الوضع الأمني في البلدان التي تعرضت إلى انتفاضات “الربيع العربي” صعبا لاسيما وإن الأجهزة الأمنية فقدت خلال فترة “الصحوة العربية” هيبتها في عيون المجتمع.
وفي هذا السياق تسمع دعوات للاستفادة من التجربة السعودية أو التجربة الإيرانية.
على أي حال فإن تحقيق التوافق بين الإسلاميين والعلمانيين يبقى أهم شرط لإحلال السلام الاجتماعي.

21 غشت 2013 عن موقع ” انباء موسكو”

‫شاهد أيضًا‬

اليسار بين الممكن العالمي والحاجة المغربية * لحسن العسبي

أعادت نتائج الانتخابات البرلمانية الإنجليزية والفرنسية هذه الأيام (التي سجلت عودة قوية للت…