يسقط حكم العسكر.. لا لعودة الفلول.. لا لعودة الإخوان


الجمعة 16 آب (أغسطس) 2013

المكتب السياسي لحركة الاشتراكيين الثوريين

مجازر بشعة وقمع عنيف.. تصاعد كبير للهجمات على الكنائس ومسيحيي مصر.. وترسيخ يجري على قدم وساق للدولة العسكرية القمعية.. تطورات سياسية هائلة مرت علينا خلال الأسابيع الماضية، وكما تحمل التطورات تحديات كبرى تضعها أمام الثورة، تحوي أيضاً فرصاً تؤهل لموجات جديدة قادمة في مسار الثورة المصرية، والتي يمكن للاشتراكيين الثوريين استغلالها بشكل جيد لبناء الحركة – في حال تطوير تكتيكات قادرة على التعاطي مع الأوضاع المتغيرة.
 

 

وفي إطار بناء وتطوير التكتيك السياسي، يقدم المكتب السياسي لحركة الاشتراكيين الثوريين هذه الورقة للرفاق من أجل بناء موقف الحركة والتوحد عليه من خلال النقاش الجماعي والرفاقي العميق، والانطلاق من هذا الموقف لوضع تكتيكات محددة في الفترة المقبلة.

 
 

ثورة أم انقلاب عسكري؟

 

بعد خروج الملايين إلى الشوارع للإطاحة بمحمد مرسي، وإعلان السيسي بعد ذلك إزاحته عن الرئاسة، تسود اليوم العديد من الجدالات حول تقييم الأوضاع، ما إذا كانت هذه ثورة جماهيرية أم مجرد انقلاب عسكري أطاح بالرئيس ليؤسس لديكتاتورية عسكرية. الإجابة على سؤال “ثورة أم انقلاب؟” تكمن أهميته في وضع استراتيجية الشهور، وربما السنوات المقبلة، من الثورة المصرية.

 

إن من يتجاهل تدخل الحركة الجماهيرية العملاقة التي دشنت موجة جديدة من الثورة المصرية، يهرب من التعاطي مع كل التناقضات الكامنة فيها، وبالتالي من التحديات الجديدة أمام الثورة المصرية.. ومن بعض الفرص التي يحملها المستقبل. وليس غريباً أن الثوريين الذين يتجاهلون قيمة تدخل الجماهير، أو على الأقل يعتبرون الجماهير مفعولاً به في لعبة الثورة المضادة، يعانون اليوم من إحباط عميق نتيجة ما يسمونه تراجعاً وانتهاءاً لمسار الثورة المصرية، ناهيكم عن إنكار كافة الفرص المُتاحة. لكنهم ليسوا وحدهم من يتجاهلون دور الجماهير وتدخلهم المباشر في إسقاط مرسي، وإسقاط شرعية الصندوق معه. فتقريباً كافة الأطراف التي تتدخل في الأوضاع السياسية اليوم، بما في ذلك الأطراف الدولية، كانت تتجاهل هذا الدور الجماهيري.

 

الاستثناء من كل هذه الأطراف، كان المؤسسة العسكرية التي اكتوت من قبل بنار الحركة الجماهيرية، فلم تكن تستطيع تجاهلها أو التغاضي عنها، بل أن أفق وتطور الحركة الجماهيرية يشكلان محدداً رئيسياً لسياساتها ولتدخلاتها. فالمؤسسة العسكرية تمثل الدعامة الرئيسية للطبقة الحاكمة والنظام والدولة، وهي رأس حربة الثورة المضادة التي ما أن تفرض الحركة الجماهيرية نفسها كأمر واقع، حتى يتنابها الذعر من إمكانية تطور هذه الحركة، وتسعى بكل السبل لكبح جماحها إما بالاحتواء في إطار مُعين لا يشكل خطراً ولا تهديداً لمصالح الطبقة، أو بالقمع المباشر كما حدث من قبل.

 

كان الجيش بالتأكيد يريد احتواء الحركة الجماهيرية العملاقة المطالبة بإسقاط محمد مرسي ضمن حدود مرسومة وخطوات محسوبة، دون أن تفلت من إطار إسقاط مرسي إلى ما هو أعمق من ذلك لتشكل تهديداً حقيقياً على النظام برمته، لذا كان الهدف الأساسي للمؤسسة العسكرية هو إعادة الملايين من الشوارع التي اجتاحوها وسيطروا عليها إلى المنازل بأسرع وقت ممكن وإيقاف الحركة عند حد الإطاحة برمز النظام والتخلص منه. وفي نفس الوقت كان هذا الهدف متوافقاً مع تطلعات المؤسسة العسكرية بعد أن فشل مرسي في إجهاض الثورة وشكّل إرباكاً للطبقة الحاكمة في مواجهتها طوال عام من توليه السلطة.

 

فبعد أن صعد محمد مرسي إلى سدة الحكم العام الماضي، بمباركة أمريكية ومباركة من المؤسسة العسكرية وقسم كبير من رجال الأعمال وغيرهم، قد فشل في تحقيق أهداف الطبقة الحاكمة في إجهاض الثورة المصرية. كان مرسي يشكل في البداية خياراً أفضل بالنسبة للطبقة الحاكمة، أو معظم قطاعاتها؛ فهو يتبنى مشروع الليبرالية الجديدة وينحاز لمصالح رجال الأعمال وليس لديه أي غضاضة في التحالف مع الولايات المتحدة وهو أيضاً حريص على عدم إزعاج الكيان الصهيوني، علاوة على كونه أول رئيس منتخب بعد الثورة، لكن أيضاً الأهم هو استناده إلى التنظيم الجماهيري الأضخم في بر مصر، ذلك التنظيم الذي يعمل على الأرض بعشرات ومئات الآلاف من الأعضاء والمتعاطفين والمناصرين، الذين يستطيعون استيعاب الغضب الشعبي وإقناع الجماهير بمشاريع الليبرالية الجديدة وخطط التقشف القاسية المصاحبة لها، أي تجنيب الطبقة الحاكمة أخطار انتفاض الجماهير أثناء محاولات التخلص من الأزمة الاقتصادية – أو على الأقل تخفيف وطأتها – على حسابهم.

 

على العكس من كل ذلك، أدت الأزمة الاقتصادية وفشل مرسي في تحقيق مطالب الثورة، بل وتحديه لهذه المطالب والأهداف بشكل صريح، إلى تضاؤل شعبيته هو وجماعته إلى الحد الذي توقفت فيه الطبقة الحاكمة وأجهزتها على الرهان عليه في مواجهة الجماهير.

 

وحينما بات من الواضح أن الغضب الشعبي سيتم تكثيفه بشكل كبير للإطاحة بمرسي، وقد كان، صار من اللازم على المؤسسة الأكثر قوة وتماسكاً في الطبقة الحاكمة – المؤسسة العسكرية – التدخل بشكل سريع لاحتواء الغضب الجماهيري بتنفيذ مطلبه، ومن ناحية أخرى للتخلص من رهان خاسر على رأس السلطة وإعادة ترتيب وتوحيد الطبقة الحاكمة حول رموز جديدة يبدون كالأبطال الذين ينفذون للشعب مطلبه ويتوحدون معه في “صف واحد”.

 

كان الجيش حقاً بين نارين؛ نار الحركة الجماهيرية واحتمال كسرها للحدود في حال استمرار مرسي على رأس السلطة، ونار مواجهة جماعة الإخوان والإسلاميين في الشوارع وفتح جبهات معقدة في سيناء بالدرجة الأكبر وبعض مناطق الصعيد مثلاً بدرجات أقل، في حال الإطاحة بمرسي. ناهيكم عن الخلافات التي تتطور مع الإدارة الأمريكية وتهديد ما يسمونه “المسار الديمقراطي”.

 

اختار الجيش أن يتجنب نار الحركة الجماهيرية، أن يتفادى الاكتواء بها مهما كانت التوابع، وقرر أن يطيح بمرسي ويستوعب الجماهير ويوقف تطور حركتهم، ويواجه نار مواجهة الإخوان والإسلاميين التي هي أقل وطأة من نار الجماهير. أما بالنسبة للإدارة الأمريكية، والاتحاد الأوروبي بدرجة أقل، فالعلاقات الطويلة والاستراتيجية بينهما وبين المؤسسة العسكرية المصرية لهي كفيلة بتنحية أية توترات تنجم عن الإطاحة بمرسي. هكذا وصل ذعر المؤسسة العسكرية من إمكانية تطور حركة الجماهير وانفلاتها من عقالها؛ فالخيار الآخر بالنسبة لها كان محفوفاً بمخاطر لا تُحمد عقباها، وإذا لم يطح الجيش بمرسي لكانت الحركة تطورت باتجاه أكثر جذرية وعمقاً ولكانت اهتزت ثقة قطاعات واسعة من الجماهير – هذه الثقة التي تولدت في ظل غياب أي بديل آخر بإمكانه الحسم مع مرسي – في الجيش، الأمر الذي كان سيدفع بالحركة خارج الإطار المرسوم لها.

 

ولإكمال المشهد واحتواء الحركة الجماهيرية، قامت المؤسسة العسكرية بتنصيب رئيس مؤقت وحكومة جديدة كواجهة مدنية تلعب دور المحلل لها، بحيث تحتفظ الأولى ليس فقط بكافة صلاحياتها وامتيازاتها، لكن أيضاً بدورها في التدخل والقمع العنيف إذا لزم الأمر، وتستكمل الثانية مشروع الثورة المضادة اقتصادياً وسياسياً. ولا يُعد ذلك انكماشاً للمؤسسة العسكرية في السلطة، بل على العكس؛ فعلى الرغم من تراجع المؤسسة العسكرية من الناحية الرسمية وراء الستار المدني للحكومة الجديدة، إلا أنها تدير كافة الأمور الآن كما كان الوضع خلال عام ونصف من حكم المجلس العسكري بزعامة طنطاوي وعنان.

 

نحن إذن بصدد موجة جماهيرية ضخمة في 30 يونيو والأيام القليلة التي تلتها، وركوب للمؤسسة العسكرية على الثورة، منذ 3 يوليو، وقطع الطريق على تطور الحركة الجماهيرية التي كان من الممكن أن تتخذ أبعاداً أكثر عمقاً وجذرية، بالأخص مع بداية الإضرابات الجزئية في النقل العام والسكة الحديد والمحلة وموظفي مجلس الوزراء، وغيرهم الكثير. نحن أيضاً بصدد عودة للطبقة الحاكمة برموزها العسكرية ورموزها القديمة، بكامل قوتها وشراستها، بعد استئصال الإخوان منها؛ حيث تقود المؤسسة العسكرية الطبقة الحاكمة وقوى الثورة المضادة لتنفيذ ما فشل فيه مرسي والإخوان، أي إجهاض الثورة، وحركة جماهيرية مشحونة بثقة جبارة، لكن مليئة بالتناقضات في الوعي والتنظيم، ولا مناص أمامنا إلا التعامل معها كما هي بكل تناقضاتها واستغلال الفرص الكامنة فيها تمهيداً لموجات أقوى قادمة في الثورة المصرية.

 

ومن هذه الزاوية، لا يعد تشبيه 11 فبراير 2011 بـ 3 يوليو 2013 دقيقاً ولا صحيحاً على الإطلاق في عديد من الأوجه والجوانب؛ ففي الحالة الأولى كانت الطبقة الحاكمة مضطرة للتخلص من رأس السلطة وانفتح الباب أمام المزيد من الارتباكات في صفوفها. كانت الدولة في حال أضعف كثيراً مما يبدو عليه اليوم مع انهيار الداخلية والعداء الشديد لفلول مبارك، بينما في الثانية، تخلصت الطبقة الحاكمة من رأس السلطة من أجل توحيد صفوفها وترتيب أوراقها ومحاولة رأب كافة التصدعات للاستعداد للهجوم على كافة التحركات الثورية. لكن هذا لا يعني أن أزمة الطبقة الحاكمة قد انتهت على الصعيدين الاقتصادي والسياسي.

 

الإسلاميون

 

في مواجهة الإطاحة بمرسي، سعى الإخوان وحلفهم الإسلامي لتصعيد تحركاتهم على الأرض بمسيرات واعتصامات من أجل استعادة “شرعية” أسقطتها الجماهير ومشروع فاشل ومعادِ لأهداف الثورة، وقد ارتكبوا في سبيل ذلك جرائم شنعاء لا يمكن غفرانها في الكثير من المناطق في عدد كبير من المحافظات، علاوة على خطابهم الطائفي وتحريضهم على الأقباط وصب غضبهم عليهم بمهاجمة الكنائس. علينا الوقوف ضد هذه الاعتداءات والهجمات على الكنائس وضد أي تعدٍ على مسيحيي مصر بكل حسم، فهذا من مبادئ الاشتراكيين الثوريين التي لن يحيدوا عنها.

 

علينا أن ندرك جيداً أن معركة الإخوان هي معركة بقاء بالطبع لن يستسلموا فيها بسهولة. وبالتوازي مع اعتداءات الإخوان وجرائمهم، يتعرضون لقمع عنيف على أيدي المؤسسة العسكرية والداخلية، بدءاً من مجزرة الحرس الجمهوري، وانتهاءاً بالفض البربري لاعتصامي النهضة ورابعة العدوية، مروراً بمقتل ثلاثة سيدات منهم في المنصورة، وما غير ذلك.

 

أودت جرائم الإخوان بأغلب فصائل اليسار لتبني موقف في غاية الانتهازية والوضاعة بالتحالف مع المؤسسة العسكرية وتأييد الدولة القمعية، بل وترديد نفس تهويلات وأكاذيب الإعلام البرجوازي والفلولي في تخلٍ تام عن أي مضمون ثوري وطبقي. وهذا الموقف مبني على تحليل كارثي مفاده أن الإخوان المسلمين وحلفاءهم يشكلون الخطر الأكبر على الثورة المصرية، في حين أنه، في الحقيقة، إذا كان الإخوان المسلمين يشكلون خطراً بقدر معين، فإن مؤسسات الدولة التي تحتكر وسائل العنف تشكل أضعاف أضعاف هذا الخطر على الثورة مع عودة الدولة القمعية الشرسة وتجليات ذلك في الإعلان الديكتاتوري وتعيينات المحافظين بين لواءات شرطة وجيش وفلول والهجوم على إضراب السويس للصلب، إلخ.

 

وإلى جانب المواقف الانتهازية والخائنة المنحازة للعسكر ممن يصفون أنفسهم بالليبراليين واليساريين، وعلى رأسهم من شاركوا في حكومة السيسي، هناك أيضاً الكثير من وجهات النظر التي ترى أن المعركة بين الإخوان المسلمين والسلطة الجديدة/ القديمة هي معركة لا تعني للثورة شيئاً وليس للثورة فيها ناقة ولا جمل، وبالتالي يتعيّن على الثوريين أن يلتزموا موقف الحياد، وكأن طرفيّ الصراع متساويين في القوة وعلى نفس درجة الخطورة على الثورة. وجهات النظر هذه تتسم بضيق شديد في الأفق؛ فهي لا ترى المضمون الحقيقي لأهداف السلطة الحالية في الإمساك بمقاليد الأمور، وتكشير المؤسسة العسكرية عن أنيابها اليوم في وجه الإسلاميين في بروفة فض اعتصاميّ رابعة والنهضة كبروفة للانقضاض على الثورة المصرية، وهو ما سيحدث غداً لأي قوى معارضة حقيقية تتصدر المشهد، وبالأخص الحركة العمالية، وهو ما رأينا لمحة منه في الهجوم على إضراب السويس للصلب.. المجازر ضد الإسلاميين لا تشكل إلا الخطوات الأولى في خارطة طريق الثورة المضادة، وعلينا بالتأكيد أن نفضح هذا المضمون وأن نهاجمه بحدة ومبدئية واتساق.

 

نتعرض اليوم لقدر كبير من الهجوم على موقفنا في إدانة عنف مؤسسات القمع تجاه الإسلاميين، وعلى هجومنا على السيسي قائد الثورة المضادة، لكن ذلك لن يدفعنا إلى تمييع موقفنا بخلق نوع من “التوازن” في الهجوم على العسكر والإسلاميين بنفس القدر والمساواة بينهما في الخطورة على الثورة. فنحن بصدد ثورة مضادة شاملة وكاسحة كان فض اعتصامات الإخوان هو فقط بروفة أولى لها. والوقوف بحزم ضد الدولة القمعية لا يعني الوقوف إلى جانب الإخوان. لن نوائم أو نتهاون في موقفنا الصارم ضد المؤسسة العسكرية وقمعها الشرس.. التوازن والمواءمة لن تكون إلا انعكاس لتردد وتذبذب في اتخاذ موقف واضح وجريء من الدولة القمعية ولعب على حبال الجميع.

 

لا يمكن أن نصمت عن مجازر العسكر التي قُتل فيها عشرات الإسلاميين، ولا يمكن أن نؤيد الدولة في فض اعتصاماتهم، ولا أن نكف عن التذكير بجرائم العسكر والتحذير من الداخلية والمطالبة في كل مناسبة بمحاكمة مجرميهم، وكذلك التحذير من عودة دولة مبارك وأجهزتها القمعية بكامل قوتها والهجوم عليها أيضاً.

 

كما علينا ألا ننساق وراء محاولات الفلول وبلطجيتهم للتنكيل بالإسلاميين وقتلهم في الشوارع؛ فهناك فرق شاسع بين دفاع الجماهير عن نفسها – ولو حتى بوسائل عنيفة – في مواجهة اعتداءات الجماعة (كما رأينا في المنيل وبين السرايات والجيزة منذ أسابيع مثلاً)، وبين عنف مؤسسات القمع وبلطجية الفلول تجاه الإخوان. فالأخير ليس عنفاً دفاعاً عن المتظاهرين أو الثورة، بل من أجل استتباب الأمور في يد السلطة الجديدة من دون معارضة، أياً كانت هذه المعارضة. والجيش والشرطة وبلطجية الفلول لم يتدخلوا، ولو لمرة واحدة خلال الأسابيع الماضية، لحماية الأهالي أو المتظاهرين في أيٍ من الاشتباكات. وتأتي في هذا السياق الدعوات التي أطلقتها “تمرد” واليسار الملتصق بالبيادة لتشكيل لجان شعبية لحماية الدولة وأجهزة القمع وإعانتهم على سحق الإسلاميين، فهي دعوات فاشية بامتياز لا يمكن أن نقبلها أو نرددها.

 

علينا كذلك مواجهة أكاذيب الإعلام التي توفر غطاءاً سياسياً لـ “تلبيس” الإخوان في كافة جرائم الفلول والعسكر، وتحدي النغمة البغيضة التي تسعى لمحو ثورة 25 يناير واستبدالها بـ “ثورة 30 يونيو” التي شاركت فيها “كافة الطبقات”، والتي لم يكن فيها “حرق للأقسام” ولا “تعدٍ على المنشئات”، وكأن ثورة يناير كانت محض مؤامرة إخوانية، لذا وجبت الإطاحة بالإخوان والثورة ضدهم وليس الثورة ضد الطبقة الحاكمة بدولتها وأجهزتها القمعية. ناهيكم عن الخطاب العنصري الكريه تجاه الفلسطينيين والسوريين.

 

تحشد الدولة ورائها تقريباً كل القوى السياسية والثورية (سابقاً)، وقطاعات واسعة من الجماهير، في مواجهة الإخوان المسلمين والحلف الإسلامي من حولهم. وفيما يسمونه “الحرب على الإرهاب”، يستخدمون نبرة وطنية بغيضة “لا يعلو فيها أي صوت على صوت المعركة” بغية كبت مطالب الثورة والتشويش عليها.

 

أما عن حديث الإقصاء والمصالحة، فلا يمكن للاشتراكيين الثوريين أن يبنوا موقفهم حيال هذه القضية بمعزل عن مزاج الجماهير وتوجهاتها – برغم تناقضاتها الداخلية الشديدة. فهذه الجماهير لن تقبل مصالحة مع الإخوان المسلمين”. وكما ذكر أحد بيانات الحركة، فإن “ترديد اسطوانة المصالحة لا يعني سوى المساواة بين القاتل والمقتول، وهو أمر مرفوض تماماً دونما تقديم قتلة الشهداء، كل الشهداء، والمحرضين على العنف إلى محاكمات عادلة”. وإذا كان الأمر بالنسبة للجماهير يتعلق بإقصاء الإخوان سياسياً في تجاهل الفلول والعسكر تحت تأثير الإعلام والدعاية البرجوازييَن، فلنهاجم نحن أيضاً عودة الفلول وعودة دولة مبارك برعاية السيسي.. كلاهما أعداء للثورة المصرية وآفاقها المستقبلية، والسيسي بالتأكيد أكثر خطراً عليها من البلتاجي بما لا يُقاس.

 

لابد علينا في هذا الظرف، بشكل مباشر وبجرأة ووضوح ومن دون أي تردد، أن نرفع شعار “يسقط حكم العسكر.. لا لعودة الفلول.. لا لعودة الإخوان”.

 

هل نخاف من العزلة؟

 

ليس هناك من شك أن تكتيكات الاشتراكية الثورية تعتمد بشكل أساسي على تحديد مستوى تطور وعي الجماهير وفي القلب منها الطبقة العاملة وطليعتها من ناحية، ومن ناحية أخرى على مستوى وإمكانيات وفرص تطور الحركة الجماهيرية لاتخاذ أبعاد عميقة في مسار الثورة.

 

تعاني الحركة الجماهيرية اليوم من تناقضات كبيرة في داخلها، وتواجه تحديات كبرى، لعل أبرزها هو التصالح البادي بين قطاع من الجماهير من جانب، ومؤسسات الدولة، وعلى رأسها المؤسسة العسكرية والداخلية، رؤوس ومراكز الثورة المضادة، من جانب آخر. وبالرغم من الإحباط الشديد الذي يصيب قطاعات عريضة من الثوار الذين ناضلوا ضد المجلس العسكري خلال عام ونصف من الثورة واستكملوا النضال فيما بعد ضد سلطة مرسي، إلا أن ما من سبيل آخر للاضطلاع بدور حيوي داخل الحركة الجماهيرية سوى التعاطي معها كما هي وفهم تناقضاتها من دون إغفالها تماماً أو المبالغة في إمكانياتها الراهنة.

 

لقد نجح تحالف وانسجام الإعلام الفلولي والليبرالي مع المخابرات والمؤسسة العسكرية والداخلية في تزييف وعي الجماهير بدرجة كبيرة من خلال إبراز صورة كاذبة حول حيادية المؤسسة العسكرية والداخلية، بل وانحيازهما للشعب في مواجهة مرسي والإخوان وأعوانهما من الإسلاميين، في محاولة أيضاً لمحو جرائم الدولة في القتل والتنكيل والتعذيب من ذاكرة الجماهير. وقد لعبت العديد من القوى السياسية، أبرزها جبهة الإنقاذ الانتهازية وحملة تمرد والتيار الشعبي وغيرهم، أسوأ الأدوار وأكثرها انتهازية وخسة في ترسيخ هذه الصورة من خلال دعوات “وحدة الصف” والدور الوطني للجيش المصري ومؤسسات الدولة في تلبية مطالب الشعب في الخلاص من سلطة الإخوان التي اعتبروها الخطر الأكبر والوحيد على الثورة المصرية. لكن كل ذلك لا يمثل سوى قشرة تحيط بالوعي الجماهيري. صحيح أن هذه القشرة متينة وتقريباً كل الأطراف تعمل على صقلها بمزيد من الصلابة، إلا أن تحت هذه القشرة يكمن وعي حقيقي بمطالب الثورة وأهدافها في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية.

 

ولا يمكن أن نتغافل عن أن، في وسط كل هذه التناقضات في الوعي، هناك ثقة كبيرة لقطاعات من الجماهير في نفسها برغم التشتت وضباب “الحرب على الإرهاب”؛ فلقد فرضت الجماهير إرادتها بشكل حقيقي وأسقطت رئيسين وأربع حكومات منذ بداية الثورة حتى الآن. هذه الثقة، الكامنة تحت قشرة الوعي المتناقض، هي التي دفعت الجماهير للانتفاض في وجه مرسي في البداية، وهي التي تمنحها اليوم بعض الاستعداد لاستكمال النضال تدريجياً ضد الحكومة الجديدة حينما يتضح شيئاً فشيئاً المضمون الاقتصادي والسياسي المعادي لمطالب الجماهير، حتى بالرغم من الأمل النسبي المعقود لدى قطاعات منها على هذه الحكومة في تلبية مطالب الثورة.

 

علينا في هذه المرحلة أن نصل بكل السبل الممكنة إلى اللب الأصيل في وعي الجماهير الفقيرة والكادحة والتي لها مصلحة أساسية في استمرار الثورة وتحقيق مطالبها، من خلال إبراز القدرات العملاقة التي أظهرتها الجماهير في موجة 30 يونيو وفي الموجات السابقة من الثورة والتأكيد المستمر عليها، ومن خلال تصدير المطالب الحقيقية للثورة المصرية والحشد عليها في كل محافظة وفي كل موقع نتواجد به. لكن ذلك لا يجب ولا يمكن أن يدفعنا على الإطلاق لإخفاء أو تأجيل بعض من سياساتنا المبدئية من أجل حوز تأييد جماهيري قريب ومؤقت لخطابنا وشعاراتنا.

 

بل على العكس؛ فإخفاء بعض من شعاراتنا أو سياساتنا من أجل تحقيق أهداف سياسية قريبة المدى لن يُعد سوى ضرب من ضروب الانتهازية التي لم يعتد عليها الاشتراكيون الثوريون، والتي عليهم تجنبها تماماً من أجل بناء مشروعهم التنظيمي في الأوساط الجماهيرية ومن أجل انتصار الثورة المصرية. فلا يمكن على سبيل المثال أن نتهاون في الهجوم على ما يقدمه الإعلام الفلولي والليبرالي البرجوازي من أكاذيب، أو أن نكف عن الهجوم على بروفات الثورة المضادة التي يستعرضها العسكر والداخلية اليوم، أو التذكير بالتاريخ الإجرامي للمجلس العسكري وفلول مبارك والمطالبة بمحاكمتهم إلى جانب قيادات الإخوان الذين أبدعوا في الأسابيع الماضية في التحريض على العنف والقتل وأطلقوا العنان لأبواقهم الطائفية البغيضة. لا يمكن بأي حال أن نتهاون في تصويب الهجوم السياسي المباشر على الفلول والانتهازيين في حكومة الببلاوي وعلى التوجهات الليبرالية الواضحة لهذه الحكومة وعلى ترسيخ الدولة القمعية بتعيينات المحافظين الجدد. كما لا يمكن أن نتوانى عن التشهير بالصلاحيات والامتيازات الضخمة التي تنعم بها المؤسسة العسكرية في الدستور، وبسيطرتها على ما يقرب من رُبع الاقتصاد المصري، وعلى الإبقاء المذل على اتفاقية كامب ديفيد، إلخ. علينا أن نتعامل بمبدئية شديدة في مثل هذه الأمور.

 

إن الاستخفاف بعودة دولة مبارك وقمع المؤسسة العسكرية أمر في منتهى الخطورة؛ فدولة مبارك، التي صحيح أنها لم تختف من المشهد منذ بداية الثورة، تعود بكامل قوتها بدون أزمات في داخلها، وبتأييد قطاعات واسعة من الجماهير، وهذا الوضع يفرض علينا التوجه بالهجوم، وفوراً، على هذه الدولة ورموزها التي لن تنتظر طويلاً لشن الهجوم على كل من ينادي بمطالب الثورة.

 

قد يتسبب خطابنا المبدئي، الذي لن نفرط فيه، في انعزالنا – مؤقتاً – عن الأوساط الجماهيرية بحيث لن يلقى هذا الخطاب قبولاً واسعاً بين الجماهير بشكل عام، حتى بالرغم من كل الجهود التي ستُبذل في العمل والنشاط في المواقع العمالية والطلابية وفي الأحياء الشعبية. هذه العزلة بدأت بالفعل من قبل 30 يونيو نتيجة مبدئية موقفنا ضد العسكر والفلول والإخوان. إلا أن ذلك ليس من شأنه أبداً أن يصيبنا بأي قدر من الإحباط؛ فطالما استمرت التناقضات في وعي وقدرة الجماهير على تنظيم نفسها، تظل الحركة الجماهيرية مركبة وقابلة للتأثر بالكثير من العوامل المتداخلة التي تجبرها على المضي في مسارات متعرجة وليس على خط مستقيم متصاعد على الدوام. وسيتكشّف المضمون الحقيقي للسلطة القمعية الحاكمة أمام أعين الجماهير التي ستبدأ من جديد شيئاً فشيئاً في النضال ضدها.

 

ولا يعني ذلك أيضاً عزلة تامة وانفصالاً كاملاً عن الجماهير؛ فلا يزال هناك الآلاف وعشرات الآلاف من الشباب الثوري الذين ناضلوا بكل شراسة ضد حكم العسكر في موجات عاتية من الثورة المصرية واستكملوا النضال ضد سلطة مرسي، ولا تزال ذاكرتهم حية راسخين على المبادئ الثورية بقدر أقل كثيراً من التناقضات في الوعي، لا يضعون رهانهم على مؤسسات الدولة، لاسيما المؤسسة العسكرية عصب الثورة المضادة. هؤلاء سيجدون الموقف المبدئي للاشتراكيين الثوريين جاذباً لهم في ظل انجراف القوى السياسية بالجملة إلى جانب المؤسسة العسكرية والسلطة الجديدة التي نصّبتها. هؤلاء يجعلون الأوضاع أفضل -من هذه الزاوية- مما بدت عليه في الشهور اللاحقة على 11 فبراير 2011؛ فحينها ظل الخطاب ضد السلطة العسكرية لشهور عديدة مقتصراً فقط على الاشتراكيين الثوريين وبعض النشطاء الفرادى.

 

في الأسابيع والشهور المقبلة، أمامنا فرصة لجذب وضم بعض من هؤلاء الثوار وتعزيز صفوف الحركة بهم للاضطلاع بأدوار أكثر حيوية وثباتاً في الموجات المقبلة من الثورة. لكننا في نفس الوقت نريد الاندماج أيضاً بين العمال والفقراء الذين صنعوا الثورة وشاركوا في موجتها الأخيرة في 30 يونيو بالأساس من أجل أهداف الثورة التي لم تتحقق. وهنا تأتي الأهمية القصوى لإعادة إحياء مشروع الجبهة الثورية مع أطراف سياسية مبدئية لا تنجرف إلى أحضان الدولة وسلطتها الجديدة، ولا تتحالف مع الإسلاميين ضد هذه الدولة، وتتبنى برنامجاً لمطالب الثورة وأهدافها.

 

عن موقع المناضل  ة

 

20غشت2013

….

‫شاهد أيضًا‬

عندما توسط الحسن الثاني بين شاه إيران والخميني * عمر لبشيريت

يحكي عبداللطيف الفيلالي رحمه الله، وزير الخارجية والوزير الأول الأسبق، أن اتصالات المغرب ب…