عبد الرحيم علي: نريد العدل وليس الديمقراطية!
ثورات غير ناضجة
يؤكد الكاتب المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية أن ما يحدث حاليًّا من اضطرابات في بلدان “الربيع العربي” ليس نتيجة طبيعية لزوال الأنظمة السابقة، وإنما نتيجة مباشرة لسوء إدارة الأحزاب الإسلامية التي استلمت السلطة”. مؤكدًا أن الإخوان في إدارتهم للحكم يكررون أخطاء الرئيس المصري السابق جمال عبد الناصر في تعيين العناصر الموالية على حساب الكفاءة، ولو أدى إلى كوارث تعصف بالبلاد.
الأستاذ عبد الرحيم علي هو عضو نقابة الصحفيين المصريين، ومدير المركز العربي للبحوث والدراسات، وله مجموعة من المؤلفات حول تيارات الإسلام السياسي، من أهمها كتاب: (موسوعة الحركات الإسلامية) المطبوع في ثمانية أجزاء، وكتاب: (الإسلام وحرية الرأي والتعبير)، وكتاب: (الإعلام العربي وقضايا الإرهاب) وغيرها.
مجلة (المجلة) التقت الأستاذ عبد الرحيم، فكان هذا الحوار:
هل الاضطرابات الحالية في بلدان ما يسمى بـ”الربيع العربي” نتيجة مباشرة لسوء إدارة الأحزاب الإسلامية للسلطة أم أنها أعراض جانبية طبيعية لزوال الأنظمة السابقة؟
لا، ليست نتيجة طبيعية لزوال الأنظمة السابقة، وإنما نتيجة مباشرة لسوء إدارة الأحزاب الإسلامية التي استلمت السلطة؛ لأنها لم تقم بالتعاون مع الأحزاب الأخرى، ولم تبسط يدها بالمشاركة مع من يختلف معها، وإنما استأثرت بمجاميع السلطة، وسعت إلى أخونة الدولة، وذلك عن طريق زرع عناصرها –حتى غير الأكفاء– في مفاصل الأجهزة الحكومية، والتضحية بأصحاب الكفاءات من أجل تقريب الموالين حتى ولو كانوا غير أكفاء، في تكرار مؤلم لمسلسل أخطاء الرئيس عبد الناصر الذي كان يقوم بتولية ضباط عسكريين في مناصب تعليمية وتربوية وإستراتيجية! فنتج عن تلك السياسات أزمات هائلة – اقتصادية وإدارية واجتماعية – تسببت في الانهيار الذي نشهده الآن.
هل الحرية كمفهوم وفلسفة تأتي قبل الديمقراطية كسلوك حضاري أم أن الديمقراطية هي الطريق إلى الحرية؟
لا هذا ولا ذاك، بل العدل هو أساس كل شيء، تحقيق العدل بين الناس هو الأولوية الكبرى في منطقتنا وليس الديمقراطية، فأنت قد تكون ديمقراطيًّا ولكنك ظالم، الديمقراطية لا تمنع الظلم، ولذا نحن نريد العدل ثم العدل ثم العدل، وبعدها قد نتناقش في أسلوب الديمقراطية المناسب لشعوبنا، سواء أكانت قادمة من الشرق أم الغرب.
بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران قام المرشد الأعلى للثورة بإنشاء الحرس الثوري الإيراني لغرض حماية مكتسبات الثورة، هل تتوقع في الظروف الحالية حدوث عسكرة للإخوان تحت شعار “حماية مكتسبات الثورة” على غرار التجربة الإيرانية؟
لا أتوقع تكرار التجربة الإيرانية في مصر؛ لأن مصر لديها جيش عريق، وجهاز شرطة محترف، وشبكات أمنية في منتهى القوة، هذه الأجهزة “وطنية بالكامل” أي أنها ليست محسوبة على نظام مبارك – أو أي نظام سابق – بل تعمل باستقلالية ومهنية عالية، وبالتالي لا يمكن “أخونة” هذه الأجهزة تحديدًا، وإنما قد يلجأ البعض إلى إنشاء عناصر مسلحة يتم تدريبها في الخفاء، هذه العناصر إذا خططت للإضرار بمصالح الوطن وتم اكتشافها من قبل الأجهزة الأمنية فإنه سيتم اعتقالها على الفور؛ لأنها في حكم الميليشيات الخارجة على القانون.
الاضطرابات الحالية في بلدان ”الربيع العربي” ليست نتيجة طبيعية لزوال الأنظمة السابقة، وإنما نتيجة مباشرة لسوء إدارة الأحزاب الإسلامية التي استلمت السلطة؛ لأنها لم تقم بالتعاون مع الأحزاب الأخرى، ولم تبسط يدها للمشاركة مع من يختلف معها.
ما هو السبب الرئيس في رأيك لدفاع بعض مراكز الأبحاث اليمينية في الغرب (مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي نموذجًا) عن التيارات الإسلامية الحاكمة؟
في الواقع هناك أسباب كثيرة يصعب حصرها، فمنذ أن قامت وزيرة الخارجية الأمريكية “كونداليزا رايس” بترويج ما يسمى بـ”الفوضى الخلاقة” من أجل نفض الغبار وإزاحة الأتربة بغرض تهيئة التربة الخصبة لتشييد المباني الجديدة… إلخ، أقول منذ ذلك الوقت وهناك تيار عريض في المراكز اليمينية في الغرب يتساءل: “لم لا نمنح الإسلاميين فرصة الوصول إلى الحكم؟” “لم لا يتم تسهيل فوز تيارات الإسلام السياسي بالسلطة؟” “ما المانع من إدارة الأحزاب الإسلامية للدول العربية إذا انتخبتها الجماهير؟” “ألم يتسبب التأييد المطلق للأنظمة العربية التي كان يقودها مبارك والقذافي والأسد وزين العابدين في تصاعد الاحتقان الشعبي في تلك البلدان نتيجة لعدم تداول السلطة بالشكل الصحيح؟”، وبعض رؤوس هذه المراكز يؤكد أن التمادي في تأييد القمع السياسي للإسلاميين هو الذي تسبب في أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، ولذا فإن أفضل السبل لتخفيف هذا الاحتقان – في نظرهم – هو دعم هذه الحركات الإسلامية، ومنحها الفرصة لإدارة شؤون الحكم في دول المنطقة عن طريق الانتخابات وصناديق الاقتراع. وفي تصوري الشخصي أعتقد أن هذا الكلام خاطئ تمامًا؛ لأنه يتجاهل حقيقة عدم كفاية هذه الحركات على صعيد الوعي والتفكير لإدارة دول ذات أجهزة بيروقراطية معقدة ومتداخلة، وهذا الأسلوب سيؤدي إلى إيجاد حالة من القبول العام لتيارات غير مؤهلة أصلاً لمهام الحكم والسياسة، فكان ما كان للأسف الشديد.
هل من الصواب تشبيه الثورات العربية بالثورات النمطية التي حصلت في الغرب والشرق مثل الثورة الفرنسية والثورة الأمريكية والثورة الروسية؟ أم أن ما حدث في دول ما يسمى بـ”الربيع العربي” هو مجرد اضطراب سياسي وفوضى اجتماعية؟
أنا أعتقد أن هذا التشبيه خاطئ وغير صحيح؛ لأن الثورة الفرنسية والأمريكية والروسية كانت ثورات ناضجة، بينما الثورات العربية هي ثورات غير ناضجة، نعم الحكم للتاريخ؛ ولكن الواقع يؤكد عدم نضج ثوراتنا العربية مقارنة بتلك الثورات، الثورة لا زالت مستمرة في مصر، عمال سكك الحديد مضربون عن العمل حتى هذه اللحظة، ولا يوجد قطار واحد يتحرك في مصر، لازال الثوار يُـضربون ويهانون، وتم الهجوم على نقابة المحامين ومدينة الإنتاج الإعلامي، وإحراق دار القضاء العالي! هم يقولون “الثورة لا زالت مستمرة” ونحن نقول “الثورة لم تنضج بعد”، وحتى الآن لم يتحقق هدف واحد من أهداف الثورة، ولم تتمكن الثورة من تحقيق أحلام الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، ولذا لا يمكن تشبيهها بثورات نضجت بذورها، وآتت أكلها، وأنجزت كتابة دساتيرها، وصنعت حكوماتها، وأنتجت بلدانًا عظيمة ومحترمة في هذا العالم
عن موقع جريدة المجلة
20غشت 2013