بقلم .عبدالله بن بجادتنسب السرورية إلى «الإخواني» السوري المنشق محمد سرور بن نايف زين العابدين. كان سرور في البداية قريبا من عصام العطار، قائد الجناح «الإخواني» السوري، الذي كان معروفا آنذاك باسم «إخوان دمشق»، ثم تحول عنه إلى مروان حديد الذي استخدم العنف كوسيلة «مشروعة»- بنظره- لتحقيق أهدافه. وقد كان سرور حينها متأثرا بأفكار سيّد قطب مع عقيدة سلفية. اتضح لمحمد سرور أن اهتمام «الإخوان» السياسي ينقصه توجه سلفي في المعتقد، وأن التوجه السلفي بحاجة لجرعة سياسية تنظيمية تمنحه حضورا في المشهد السياسي. وكتاباه عن الغلو والتكفير رغم كونهما ضد التكفير، إلا أنك تلمس من سطورهما أن له علاقة شخصية ببعض تلك الجماعات. وأسلوب محمد سرور الكتابي ركيك وإنشائي، كما يتضح لأي متخصص يراجع كتابات سرور من وجهة نظر شرعية علمية.بعد التضييق على «إخوان» سوريا، قدم محمد سرور للسعودية عام 1965، وعمل مدرساً في المعهد العلمي في بريدة، وقد مارس في ذلك المعهد مهمة التبشير لدعوته مستغلاً ممارسته لمهنة التعليم.وقد تتلمذ على يده سلمان العودة، الذي تحدث في برنامج وثائقي باسم «التيارات الدينية في السعودية» عن علاقته بسرور قائلاً: «هو أحد الجماعات والأفراد الذين جاؤوا من سوريا وليس من مصر وأعتقد أن الإخوان في سوريا واجهوا وضعاً مشابهاً بالضغوط التي كانت عليهم في بلدهم، فجاءت نسبه كبيرة منهم إلى جامعة الإمام، وإلى المعاهد العلمية، إلى المدارس إلى المؤسسات المختلفة، وطبعاً محمد سرور كان مدرساً أعتقد في مدينة حائل، ثم انتقل إلى منطقة القصيم وبالذات بريدة ودرسنا في المرحلة المتوسطة في الأولى والثاني متوسط. وقد كان من الطريف أنه يدرس مادة الحساب ولكنه بلاشك كان يحمل فكراً وهمّا. انتقل بعدها أظن إلى منطقة الأحساء، ثم بعدها انتقل ربما إلى الكويت لفترة معينة، وأخيراً استقر به المقام في لندن.كان سرور أحد المؤثرين في الساحة من حيث تأثيره التربوي ومن حيث كتاباته. كان يكتب في مجلة المجتمع. ومازلت أذكر أن الأستاذ درَّسنا من ضمن خمسين أو ستين من المعهد العلمي، وأنا أيضاً واحد من آلاف الطلاب الذيـن درسوا على يديه مادة الحساب. لكنني أذكر أنه كان يأتينا بكتاب، يأتي معه وهو يشرح الجمع والطرح والقسمة، لكنه كان يأتي بكتاب زاد المعاد، تلك كانت بداية تعرفي على هذا الكتاب الجميل لابن القيم، رأيته وذهبت واشتريته وهو لازال من أهم الكتب الموجودة في مكتبتي وقرأته عدّة مرات».حين حط سرور رحاله ببريطانيا، واستقر فيها أسس «مركز دراسات السّنة النبوية»، وأطلق مجلته «السُّنة»، التي لقيت رواجاً كبيراً أثناء الغزو العراقي للكويت، وتضخم تنظيمه في الداخل السعودي وامتد إلى بعض دول الخليج والعالم العربي. وكان تيار محمد سرور قد أنشأ من قبل «المنتدى الإسلامي» بلندن عام 1986، وانتشرت أعماله ومشاريعه في أكثر من عشرين دولة، وخلال الغزو العراقي للكويت، أظهر سرور عداوة شرسة ضد النظام السعودي، كما أن عداءه للعلماء الرسميين كان ملحوظاً لكنه أقل حدة من عدائه للنظام.ويذكر بعض الباحثين، أن محمد سرور ألقى محاضرة في أحد المراكز الإسلامية في أنجلترا عام 1996، ووصلت مسجلة إلى السعودية، صرح فيها بتكفير الملك فهد بن عبدالعزيز والنظام السعودي. غير أن التنظيم الذي أنشأه محمد سرور اكتسح الساحة السعودية في وقت قصير، وأصبح المهيمن الأقوى على الساحة الدينية والثقافية والسياسية، وقد رافق تأسيس التنظيم انتساب عدد من النابهين السعوديين له، وقاموا بالدور الأكبر في انتشاره، فقد التقطوا الإشارة التي بثها سرور، وكانت قابلية المجتمع والتوجه السياسي في تلك اللحظة التاريخية، هما العاملان الأكثر أهمية في قوة الانتشار وسرعته.كان وما يزال يتركز الحضور الأقوى للسرورية بالسعودية في منطقة نجد، وتحديداً منطقة القصيم منها، حيث بدأ سرور دعوته أول مرة. كذلك لها حضور بالمنطقتين الشرقية والجنوبية عبر عدد من الأسماء الدعوية البارزة. كما انتشرت بالكويت عبر التيار المعروف هناك بالسلفية العلمية، والذي خاض معارك ضارية مع تيار الجامية.وقد تجلت السلفية العلمية سياسياً عبر الحزب الذي أعلن عنه قبل مدّة في الكويت، وهو «حزب الأمة»، المولود من رحم السلفية العلمية، معبراً عن حضورها السياسي، مستغلاً حالة التيه السياسي التي تعيشها الكويت. ويبقى سؤال مُلح، هل يمثل «حزب الأمة» انشقاقاً على السلفية العلمية؟ هذا ما ينفيه حتى الآن رموز الحزب الجديد. لقد استخدم التنظيم عدداً من الآليات الاجتماعية لضمان انتشاره بسلاسة ودون أن يثير ضدّه أية حساسيات سياسية أو دينية. كان على رأسها التغلغل في العملية التعليمية استفادة من تجربة «الإخوان المسلمين» في استقطاب الطلاب من هناك مع التركيز على النابهين منهم. فأنشئت في المدارس جمعيات التوعية الإسلامية، أو المنتدى الإسلامي، أو نحو هذه الأسماء، بحسب كل مدرسة، وطبيعة الصراع فيها بين السرورية و»الإخوان». كما استخدموا الأنشطة اللاصفِّيَة في المدارس كالألعاب الرياضية والمسرح. واستحوذوا على عدد كبير من المساجد حيث الدروس العلمية والمحاضرات والندوات. واستولوا على أكثر حلقات تحفيظ القرآن الكريم والمكتبات المُلحقة عادة بالمساجد، حيث يجتمع فيها الشباب يومياً بعد العصر، ولهم برامج يومية وشهرية وسنوية منتظمة.كذلك سيطروا على المراكز الصيفية لضمان السيطرة على الأتباع، خارج أوقات الدراسة وفي أيام الإجازات الرسمية، كما استخدموا الكاسيت وكان له رواج لافت للنظر في فترة التسعينيات، واستخدموا الكتيبات الصغيرة التي توزع في المساجد والمدارس والأماكن العامة.وأنشأوا منظومة إعلامية موجهة لكل الشرائح التي يهتمون بها، فبالإضافة لمجلة «السنّة» التي يشرف عليها محمد سرور بشكل مباشر، والتي تنحو منحىً سياسياً محمَّلاً بخطاب المعارضة السياسية، هناك مجلة «البيان» التي تصدر عن «المنتدى الإسلامي» بلندن، وقد رأس تحريرها لفترة طويلة محمد العبده، أحد كبار المنسوبين للتيار السروري وهو من أصل سوري أيضاً. ويرأس تحريرها اليوم السعودي أحمد الصويان.وتعد «البيان» المجلة الأهم بالنسبة للتنظيم بالسعودية والخليج لأنها مُجازة رسميّاً، وتوزّع بشكل منظّم على أتباع التنظيم وتُجرى المسابقات على أعدادها وأفكارها في المحاضن التربوية للتنظيم التي من أهمها المدارس والمساجد والمراكز الصيفية. وكانت تسجل انتشاراً هائلاً في فترة التسعينيات، وصعود المد السروري والصحوي عموماً.وإلى جانب مجلة «السنّة» ومجلة «البيان» هناك عدد آخر من الدوريّات القريبة من طرح التيار منها: مجلة «الأسرة»، التي تصدر عن مؤسسة الوقف الإسلامي بهولندا، وتعنى بشؤون الأسرة، ومجلة «شباب»، ومجلة «سنان»، ومجلة «العصر» على الإنترنت. وفي فترة التسعينيات أطلقوا محطة إذاعية محلية كانت تبث من طرابلس شمال لبنان. كما شكّلوا رقابة صارمة على قناة جديدة تتوجه لشريحة التنظيم في المجتمع هي «قناة المجد»، وهم يسيطرون على أغلب برامجها.لهذا التيار عدد من الرموز والشخصيات، التي تتوزع أدوارها ومهمّاتها ومكانتها داخل خريطة التنظيم. فهناك الرموز الفكرية، التي يحتل فيها ابن تيمية «السلفي» وسيد قطب «الإخواني» مكان الصدارة، يليهما عدد من الأسماء، مثل محمد قطب وجمال سلطان وصلاح الصاوي، وهناك رموز دعوية مشهورة، نشطت في حقبة التسعينيات، وبعضها ما يزال ناشطاً حتى اليوم.
خلاصة بحث عبدالله بن بجاد «السورية النشأة والتنظيم»، ضمن الكتاب 1 (يناير 2007) «السرورية’» الصادر عن مركز المسبار للدراسات والبحوث- دبي. |
||
باب ما جاء في أن بوحمارة كان عميلا لفرنسا الإستعمارية..* لحسن العسبي
يحتاج التاريخ دوما لإعادة تحيين، كونه مادة لإنتاج المعنى انطلاقا من “الواقعة التاريخ…