مصطفى المتوكل/ تارودانت/ المغرب
الاتحاد الاشتراكي : 23 – 03 – 2009
لماذا العزوف؟ ولماذا عدم العزوف؟
يعرف المشهد السياسي المغربي على مستوى المشاركة الجماهيرية عزوفا ومقاطعة، وعلى مستوى المشهد الاجتماعي (النقابي) يعرف تهلهلا وميوعة.
أما على مستوى تأسيس الأحزاب وتوالدها وتأسيس الجمعيات فيعرف تكاثرا غريبا وغير مبرر لا تنظيميا ولا عقليا ولا ميدانيا.
إن الحاجة إلى التوالد ليست بيولوجية فقط، بل هي جواب عن عدة حاجات منها الحفاظ على الجنس والنوع، ومنها تقوية المجتمع ومنها الحاجة الاقتصادية والمادية… إلخ.
أما الحاجة إلى توالد الأحزاب والنقابات والجمعيات فترقى الى مستويات أخرى من التأمل والتدبير والتأطير والتخطيط الاستراتيجي البناء. فبناء حزب معناه أخلاقيا الحاجة الفعلية والميدانية لولادته بشكل طبيعي وشرعي وكذلك الشأن بالنسبة للنقابات والجمعيات.
أما أن تصبح الرغبة و النشوة فقط هي وراء أي عملية توالد بشرية أو تنظيمية أو هيكلية، فهذا لا يعدو إلا أن يكون حالة من حالات حب الظهور ومرض القيادة وفرض الذات. وإفساد متعمد أو غير متعمد للواقع. قد يقول البضع فلماذا لا ينطبق هذا الكلام على كل الأحزاب؟ نقول لأن الجواب يمتلكه الجميع، فأن يقنع الانسان نفسه أنه على حق فهذا من السهولة بمكان، أما أن تقنع الجميع بأنك على حق فهذه هي الصعوبة في حد ذاتها..
وفي هذا يقول مثل شرعي ما معناه منتهى الحمق أن تعتقد أنك على حق وتضع مقياسا ومعيارا ملزما للاخرين للحكم عليك. في حين أن المقياس ليس في إقناعك لنفسك، بل في هل قناعة الآخرين عنك موازية لقناعتك. وهنا نسوق المثال التالي: البعض يبين نفسه للناس على أنه شريف، أنيق و وسيم وأنه نموذج يحتذى به وأنه مختلف.. في حين يعلم هو أنه نقيض ما يوهم به الآخرين؟!
هذا المدخل الذي سقناه في بداية هذه المقالة ضروري في نظري لبسط توضيح يهم العنوان أعلاه.
فإذا كانت الدولة طبقا للدستور، مكلفة بتأطير الأمة بجميع مكوناتها، بطبقاتها واثنياتها و.. فإن الأحزاب والنقابات طبقا لضرورة الواقع واعتمادا على دستور المملكة تعتبر مرجعا يساهم في تأطير وتنظيم المجتمع…
كما أن قواعد العمل القانونية المنظمة للحريات العامة تجعل الجمعيات أدوات تسهم بدورها في التأطير والتوجيه… إلخ.
لكن ما هي حدود كل واحد منهما في الواقع؟ هل الدولة تجاوزت حدود عملها وأصبحت تقوم بدور الأحزاب والنقابات والجمعيات؟
وهل الأحزاب والنقابات تجاوزت حدودها وأصبحت عنصر عدم الاستقرار وعنصر تجهيل سياسي (البعض منها) وإطارا لتجادبات سياسية لا أخلاقية (الريع/المنافع/الامتيازات/المحسوبية/لوبيات المصالح/استغلال حالات الفقر والبطالة…).
وهل تركت النقابات حدا يفصل بشكل موضوعي بين قناعات أطرها ومناضليها الأيديولوجية والسياسية، وبين دورها التأطيري للعمال والموظفين لفهم حقوقهم وواجباتهم وتأهيل قواعد الدفاع الإصلاحي لأوضاعهم باعتماد التوازن الاقتصادي والمالي والاجتماعي للمنظومة السياسية الشمولية لتدبير البلد؟ أم أنها أصبحت تابعة سياسيا وإيديولوجيا لقواها السياسية، وبموجب تلك التبعية تخضع نضالاتها لمزاج قيادتها السياسية ومكان تواجدها إما بالمعارضة أو بالحكم؟ وهذا ما يفسر إحجام بعض النقابات عن خوض معارك عندما تكون قيادتهم السياسية برئاسة الحكومة والدخول في حركات احتجاجية عندما يغادرون؟!
وهل هذا التكاثر الذي تعرفه الحركة الجمعوية بمختلف مجالات نشاطها داخل المدن أو المنطقة الواحدة ظاهرة صحية أم ظاهرة تحتاج إلى معالجة وعقلنة وترشيد؟ لتجنب إفراغ الحقل الجمعوي من جديته ونضاليته وأدواره التعبوية والتأطيرية؟
من المشروعية طرح سؤال: أنا كمواطن أو كمواطنة ما محلي من الإعراب من كل هذه «الحركية» الموضوعية أو المفتعلة وهذه التجاذبات المتباينة؟
سابقا في الستينات والسبعينات كان المواطنون يميزون بين أحزاب المعارضة القوية وأحزاب السلطة أو الإدارة، ويميزون بين نقابات مفبركة ونقابات تاريخية فاعلة، ويميزون بين جمعيات وطنية ذات رصيد عال وجمعيات محلية صامدة و بين جمعيات الجبال والسهول والحملات الانتخابية وجمعيات الذوات.
سابقا يميز المواطنون بين كلام المعارضة الصادق الذي ينبض بلغة الشارع ولغة الشعب وبين كلام الذين يميلون دائما مع رياح السلطة حسب العصور والأزمنة والأمكنة، وهم أقرب الى طبيعة الحرباء منها إلى ساسة فقه الواقع الممكن تحققه.. فأن تعارض أو تبدي الرأي المخالف في الزمن السابق معناه الاعتقال والترهيب والاختفاء والمحاكمات والتوقيفات أو التضييق على الأقل. لهذا لا يعارض إلا المناضلون الأقوياء الأشداء… معارضة نقدية بناءة فاعلة نصوحة في غالبها.. أما بعد أن أطلق الحبل على الغارب وفتحت ملفات المصالحة والمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان.. وأصبحت الدولة تتعامل بطرق جديدة مع تدبير الحقل السياسي بالترك التمييعي للأمور واتخاذ موقف سلبي بدعوى احترام الحقوق…؟! فقد انبرى في الكثير من الحالات من كان بالأمس القريب ضد مصالح السكان وضد بناء دولة الحق والقانون ليفرخ من الجمعيات ما شاء بل ومن الأحزاب كذلك… ومما زاد الطين بلة، اعتماد بعض أحزاب المعارضة سابقا منهجية المشاركة في تدبير الشأن العام على المستوى الحكومي، بدءا بحكومة عبد الرحمن اليوسفي والحكومة التي تلتها، حيث لم نعد نعلم من يسير أوراش المغرب، هل الحكومة أم الجمعيات، أم الجماعات أم الصناديق؟! مما جعل المواطن يصل على قناعة غير سليمة وهي سواء كانت الحكومة أم لم تكن، فالاوراش بالصناديق هي البديل الفعلي، واصبحت الجمعيات تزاحم الجماعات وتزاحم مشاريع الدولة مزاحمة مفتعلة ومدعمة بدعوى التشارك، فأن تشرك الجمعيات في الاوراش لا يطرح اشكالا، لكن أن يتم التعامل معها ضدا على توجهات الجماعات وخارج مخططاتها أو بسياسة تفضيلية، فهذا فيه افراغ للميثاق الجماعي من محتواه وفيه إهمال وتهميش لدور الناخب والمنتخب.
إن الذين قروا لدخول المعارضة السابقة للحكومة، سواء من داخل الاحزاب او من الدولة هم الذين خططوا بوعي أو بدون وعي لظهور الازمة السياسية ببلادنا وظهور العزوف كفعل سياسي شبه عادي، بحيث لم تترك لوبيات الافساد الانتقال الديمقراطي يعطي كل ثماره وعلى رأسها ارجاع الثقة للمواطنين في مؤسساتهم وتحفيزهم للمشاركة بكل قوة في كل المحطات والاوراش السياسية.
ولنقم بجرد بعض مظاهر الافساد بطرحها على شكل استفهامات والتي استمرت وتستمر بشكل مفضوح وواضح ويتحدث بها الخاص والعام من السكان في البوادي والمدن، والمسؤولون يعرفون ذلك، اللهم الا اذا كانوا يحجبون ما تراه اعينهم وتسمعه اذانهم وتلمسه ايديهم
1 – هل يجد المواطنون المغاربة الخدمات والرعاية المجانية الصحية الضرورية في جميع التخصصات وخاصة فقراء، وسطاء وعمال الامة الذين يصلون إلى %70 من الساكنة، بما يلزم ذلك من أنسنة مؤسسات الصحة وتجهيزها بكل مستلزمات التكنولوجيا والعلاج وتقريب الخدمات وجعلها كالهواء في الحضر كما في البدو في السهل كما في الجبل؟!
2- هل ينظر المواطنون الى كل المؤسسات الامنية على أنها مؤسسات تنظيمية وتأطيرية وضابطة تعلق الامر بوضع شكاياتهم او استخلاص وثائقهم او على مستوى تواصلهم معهم او علاقتهم بهم في ميدان العمل بالشوارع والازقة و الساحات والطرق والفضاءات بالليل أو النهار أم ينظر اليها على أنها بقدر ما يتم الابتعاد عنها وعن محيطها يكون أفضل له؟
3- كيف يتحدث الناس عن العدالة والعدل وكيف يعلقون؟ وهل يجدون راحتهم الكاملة وهم امام مؤسسة يجب ان يكون عملها مقدسا وفاضلا فعليا بين الحق والباطل بقوة القانون والشريعة في استقلالية وحياد ونزاهة تأمين وبالفاعلية الكاملة؟ وهل رجال المؤسسات القضائية مطمئنمين هم انفسهم الى ظروف عملهم وتتوفر لهم كل الضمانات للنجاح في مهمتهم الصعبة؟
4- كيف ينظر الناس الى المنتخبين الجماعيين والبرلمانيين عموما مع الاستثناءات طبعا؟ هل يعتبرونهم ممثلين حقيقيين لهم ام لا؟… وكيف يصنفون حالات شراء الاصوات وشراء الناخبين الكبار ولقاءات الزرود والحفلات التمييعية للاستحقاقات؟ وكيف يفهمون الانتقال من حزب الى آخر؟ وكيف يفهمون تهافت كل من هب ودب لاصطياد التزكيات عبر التجوال على اكثر من حزب حتى الوصول الى الحزب الذي يعينه وكيلا للائحة او ثانيا بها على الاقل؟
5 – كيف ينظر المواطنون الى حقيقة الاوضاع ببلادهم ووضعيتهم من خلالها بالبوادي عموما وبالجبال خصوصا مثل الاطلس الكبير والصغير والمتوسط، سواء على مستوى الطرق والمسالك والبنيات التحتية الاخرى والخدمات المختلفة؟ وكيف ينظرون الى مجمل سياسة الدولة ونتائجها عليهم وعلى ابنائهم ومستوياتهم؟
6 – كيف ينظر المواطنون الى دور السلطات المحلية بجميع انواعها، هل هي سلطة مدعمة وموجهة ومرشدة لهم؟ ام سلطة يتبرمون من قراراتها ومواقفها وسلوكاتها؟! الخ
7 – كيف يحكم المواطنون على المجال الاخلاقي بالوطن من انتشار المفاسد والجريمة وانعدام الطمأنينة في العديد من المواقع وانتشار الخمور والمخدرات بجميع انواعها و…؟
8 – اين يجد الشباب انفسهم وسط السياسة العامة على مستوى المؤسسات التي تؤطرهم وتكوينهم وعلى مستوى علاقتهم بحقل الشغل ودورهم داخل المجتمع؟…
9 – كيف ينظر المستثمرون ورجال الاعمال واصحاب الخدمات الى تعامل الادارة مع ملفاتهم وقضاياهم؟ وهل حقوقهم وجهودهم محمية من تجار الافساد والعرقلة والمنافسة غير الشريفة والمحسوبية؟!
10 – كيف ينظر التجار والحرفيون والمهنيون الى قطاعاهم وما تعليقهم على التشجيع الغريب للتجارة والمهن غير المنظمة والعشوائية؟ وهل ظروف عملهم تضمن لهم الاستقرار والحماية والرعاية بما فيها الاجتماعية
الى غير ذلك من التساؤلات والاشكالات التي يطرحها العام والخاص وحتى الدولة نفسها في تقاريرها الدورية او السنوية طرحنا لهذه التساؤلات النسبية وما يتناسل عنها من اشكالات في جميع القطاعات يجعل المواطن يعدم جوابا جوابا و حيلة امام كل ما ويقع امامه مما يدفعه لاطلاق الاحكام الجاهزة والسريعة في مواجهة كل شيء، مغطاة بنوع من التشكيك مرجعيتها فقدان الثقة في كل اصلاح او محاولات التغيير التي يرى انه لا طائل من ورائها، لأنها عادة ما تؤدي الى إعادة انتاج الازمة والمزيد من تعميقها.
إن السلبية التي ينظر بها المواطنون بل وحتى بعض الفاعلين، إن لم نقل جلهم للواقع مردها في جزء منها الى ما ذكرناه. لهذا فالتحصيل الحاصل الذي لا أتفق معه شخصيا والذي يعاقب به المواطنون ويستنكرون به ما يحصل أمامهم ويحتجون عبره على «كل» السياسات وكل الأحزاب هو العزوف والابتعاد عن الممارسة السياسية في عموميتها، بل والامتناع عن المشاركة في الاستحقاقات سواء بالتسجيل في اللوائح الانتخابية او بالتصويت… لهذا وقف كل المحللين على التراجع المتواتر والخطير لمشاركة المواطنين في الاستحقاقات التي عرفتها بلادنا منذ الاستقلال الى اليوم، تراجع وصل الى صورة كارثية في انتخابات شتنبر 2007 فلو غامرت الحكومة وألغت اللوائح جملة وتفصيلا وطلبت من الناخبين اعادة تسجيل انفسهم وخيروا بين القيد من عدمه، لما تسجل جزء هام من المسجلين باللوائح الجاري بها العمل اليوم ولحصلت المقاطعة لها.
ان الموقف الناس من جهة غير مستساغ ومن جهة أخرى هو شرعي، فالامتناع او المقاطعة او عدم المشاركة هو رد فعل سياسي فطري وطبيعي ومنتظر تجاه ماهو موجود وما هو ممارس من طرف الدولة وبعض الاحزاب السياسية والهيئات المختلفة. هذا الموقف له سند في كل محطات الانتكاسات الفكرية والاخلاقية والسياسية تاريخيا، والذي يتجلى في اعتزال الفتن وامور الدولة وأمور التدبير حتى تنجلي الامور وحتى ينطلق الاصلاح السياسي الفعلي الذي تتجسد ملامحه في جيوب الناس وفي معيشتهم وفي علاجهم وفي صحتهم، وفي دراستهم وفي سوق الشغل وفي سوق الاستثمار..؟!
من هنا نقول إن مقاطعة الانتخابات هو موقف سياسي غير مؤطر وتلقائي شعبيا وهذا يعني ان الاحزاب السياسية عجزت عن تأطير المواطنين ليقوموا بواجبهم الوطني بالمشاركة القوية في الانتخابات، بل عجزت الاحزاب حتى عن تأطير مناضليها كلهم للمشاركة في الحملات الانتخابية، بل انضم العديد من مناضلي الاحزاب الى خانة المقاطعين للاستحقاقات كاحتجاج منهم على الواقع المتردي وعلى احزابهم.
لهذا، فإذا أردنا حل هذه المعادلة المعقدة، فلابد من كشف مجاهيلها الثلاثة كما يقول الرياضيون حتى تتضح معالمها للجميع على قدم المساواة، وحتى تكون الامور شفافة وعادلة ومعقولة ومنطقية. ولايجب ان نكون أمام معادلة ما بمجاهيل مختلفة وافتراضات غير صحيحة وغير دقيقة تزيد الامور تعقيدا وتزيد الناس نفورا.
فالمجهول الاول: هو نية وطبيعة عمل الدولة بجميع مؤسساتها وخاصة منها المؤسسة التشريعية والتنفيذية والقضائية.
هذا المجهول يجب ان يكون واضحا لا لبيس فيه ولا مواربة، أي أن يلمس الجميع ان الدولة هي دولة الحق والقانون ودولة المؤسسات فعليا، الكل امام القانون وتحت سلطته كان وزيرا او فقيرا، كان برلمانيا او عاطلا، وان يشعر الجميع بأن يد العدل والطمأنينة تصل الى كل بيت وعمل وبالشارع وبالاعلام وبكل مناحي الحياة.. الخ وان تصل نتائج هذه السياسة الى روح حياة المواطن اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا ومعرفيا وماليا وصحيا…
المجهول الثاني: هو حقيقة عمل الاحزاب والنقابات وكل مؤسسات المجتمع المدني وأين هي بشكل فعلي تجاه كل ما يحصل. هل هي ديمقراطية في بنياتها؟ هل هي ديمقراطية فيما بينها؟ وهل تؤمن فعليا بمبادئها وافكارها وتاريخها؟ وهل تتجلى مبادؤها في سلوكها وعملها اليومي، كانت في مركز القرار ام في المعارضة؟ ام أن قراراتها مصلحية وظرفية تتحكم فيها التوازنات والتجادبات والمجاملات والترضيات والتوافقات الفوقية في وصاية سلبية تامة على المواطنين، بل وحتى على المناضلين؟ وهل تعبر بشكل فعلي ونضالي وأخلاقي على مطامح الساكنة وتبلور كل ذلك في برامجها وخططها كمعارضة او كحكومة؟
المجهول الثالث: هو الشعب سواء كان مؤطرا من طرف الاحزاب او النقابات او هيئات المجتمع المدني او غير مؤطر؟ هل ما يحصل امامه يكفي لتغييره المزيد من المقاطعة والابتعاد عن الحقل السياسي؟ ام أن المقاطعة وحدها لن تؤدي الى نتائج طبية ان طالت؟ أليس من الافضل ان يقاطع الناس التصويت على الاحزاب المفبركة والمناسباتية والاحزاب التي تفسد المناخ السياسي وتبث روح اليأس والانهزامية والانتهازية ليس بعدم المشاركة، بل بالتصويت بقوة لفائدة الاحزاب الوطنية والتاريخية والتقدمية التي أنتجها الشعب وعلى الشعب ان يحميها من الذين اساؤوا للشعب، كما اساؤوا لأحزاب الجماهير الشعبية التي قادت معارك الاستقلال والحرية والبناء الديمقراطي والنضالات الجماهيرية والشعبية؟
ان عمليات التيئيس متعمدة ومبرمجة وموجهة من طرف لوبيات الافساد الاقتصادي والاجتماعي والاخلاقي.. والرد عليها مسؤولية كل القوى الحية في بلادنا ومسؤولية الشعب وخاصة الناخبين، فخصوم الشعب وخصوم القوي الوطنية والتقدمية معروفون والتعاون لانقاذ المغرب بشكل فعلي من السكتة الدماغية امر أصبح ملحا اكثر من اي وقت مضى وتراخينا حتى تتحقق السكتة معناها في لغة الطب الشلل النصفي، ان لم يكن الكلي للجسد أي الاعاقة التي ستجر الجميع الشعب والدولة نحو ازمة الله اعلم بتداعياتها ونتائجها. ان وضع حد للعزوف يحتاج الى قرارات جريئة من طرف اطراف المعادلة، الدولة بإعلانها الاعتراف بأخطائها وشروعها الفعلي في اصلاح ذاتها واعادة هيكلة جسدها بما يرضي الشعب والله، بكل ما يتطلبه الامر من قوة وحزم وصرامة، والاحزاب والنقابات بإعلانها تحمل المسؤولية وتقديمها لنقد ذاتي بإبراز نصيبها مما حصل، سواء في الوضع العام او الوضع داخل احزابها.. وانطلاق حركة تصحيحية تقويمية داخلها بنياتها وهياكلها وتنظيماتها وإعادة ضبط علاقاتها مع المواطنين على اسس اخلاقية ووطنية بناءة… وان تبدأ بتهييء لوائح واسماء مرشحيها بإخضاعهم المعايير المصداقية والنزاهة والارتزاق.. واستعدادها لطرد ومتابعة ومحاكمة كل من يمس بحقوق الشعب ومصالحه او يتآمر على مبادىء حزبه، بل وتقديمه للمحاكمة السياسية وحتى القضائية ان ثبت تلاعبه، والشعب بنزوله بقوة للمعترك السياسي وفضح كل الانتهازيين ومرتزقة العمل السياسي والحربائيين والرحل وتنبيه الاحزاب الى ضرورة اتباع الصرامة في التدبير السياسي العمومي والمشاركة بالتصويت باختيار المرشحين او الاحزاب التي تقدم المرشحين الذين تتوفر فيهم المعايير في حدودها الدنيا واستمرار الشعب في المراقبة والمحاسبة، بل وحتى متابعة كل من ثبت تجاوزه لحدود العمل الوطني الصادق والنزيه.
هذه المعادلة الثلاثية، اعتقد انها هي الوحيدة التي يمكن ان تعطي انطلاقة جديدة للشأن السياسي ببلادنا مع ما تتطلبه الانطلاقة من برامج وجهود تضمن تطور الثقة وتطور المصداقية وتطور العطاء المتبادل في ظل دولة الحق والقانون اولا واخيرا.فهل كل الاطراف جاهزة للمرحلة المقبلة؟ام سنعيد انتاج الازمة بشكل جديد اكثر تعقيدا؟وهل سنضع حدا لظاهرة العزوف؟ ام أننا سندفع الناس الى المزيد من العزوف؟فهل فهمت الدولة والاحزاب والمنظمات لماذا يعزف الناس عن الانتخابات؟
فإن كان الجواب نعم؟ فهم يعلمون حقا، ان أرادوا، ما يجب عليهم القيام به لانقاذ البلاد؟ وان كان الجواب لا؟ فالمصيبة اعظم…