عرض: ريهام خليل
Amaney Jamal. “Of Empires and Citizens: Pro-American Democracy or No Democracy at All?” Princeton, NJ: Princeton UP(2012).
هل لعبت الولايات المتحدة دورا في تأخر وصول موجة التحول الديمقراطي إلى المنطقة مقارنة بدول أخرى حول العالم، ومنها شرق أوروبا؟، ولماذا أحيانا يتقبل المواطن العربي نظما أبعد ما تكون عن الديمقراطية ؟.. أسئلة عديدة وغيرها تحاول أماني جمال، أستاذ مساعد العلوم السياسية بجامعة برينستون، الإجابة عليها عبر كتاب ” “الإمبراطورية والمواطنون” الذي صدر في عام 2012.
يطرح الكتاب نظرية مركزية مفادها أن النفوذ الأمريكي في المنطقة العربية ومشاعر العداء ضد الولايات المتحدة الأمريكية يعدان عاملا رئيسيا في إضعاف الأصوات المنادية بالديمقراطية للمنطقة، وبالتالي فإن واشنطن تمثل سببا فى تأخر وصول المد الديمقراطي إلى الدول العربية.
وفي سياق محاولة شرح هذه النظرية، تتعرض الكاتبة لعدة دول عربية تجمعها علاقات بينية مع واشنطن مثل الأردن، والكويت، والمملكة العربية السعودية، وفلسطين. وتقول الكاتبة إن فهم علاقة الحكومة بالمجتمع في الدول العربية وأسباب خضوع المواطن العربي لأنظمة أبعد ما تكون عن الديمقراطية يتطلب فهما لتفشي العداء داخل الشارع العربي تجاه الولايات المتحدة.
أسباب عداء الشارع لواشنطن
وتضيف الكاتبة أن هناك ثلاثة تفسيرات لمشاعر العداء في الشارع العربي تجاه الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، أولها: مدرسة صراع الحضارات بين الغرب والإسلام. أما المدخل الثاني، فيتعلق بكون الولايات المتحدة القوة العظمي المهيمنة على شئون العالم، والثالث: أن هذا العداء هو نتاج لسياسات الولايات المتحدة الأمريكية التي كثيرا ما أضرت بمصالح الدول العربية.
وتطرقت إلى العلاقات الأمريكية مع كل من الكويت، والأردن، فتوضح أن البلدين تربطهما علاقات استراتيجية بالولايات المتحدة الأمريكية، كما أن المعارضة الإسلامية في نظامي البلدين تلعب دورا مهما. ولكن الكاتبة تؤكد أن أي تفاعلات داخلية داخل الكويت والأردن تحكمها العلاقات الخارجية.
وترى الكاتبة أن الأردنيين – بحسب وجهة نظرها- يفضلون مملكة مستقلة عن دولة ديمقراطية تسيطر عليها القوى الإسلامية المعادية لواشنطن، خوفا من أن تعاقب الأخيرة الأردن سياسيا واقتصاديا، بما يؤثر فى رخاء المواطن الأردني.
أي أن المواطن الأردني والعربي بصفة عامة يأخذ في الحسبان عند التفكير في المزيد من الديمقراطية ماذا سيحدث لعلاقة دولته بالولايات المتحدة الأمريكية، حتى لو كان نظريا من أشد المؤيدين للديمقراطية، بحسب الكاتبة.
وتشير استطلاعات الرأي، التي أجريت في كل من الكويت والمملكة الأردنية الهاشمية، خلال الفترة من 2005إلى 2007 إلى هذه التوجهات السياسية للمواطنين. ورغم وجود العديد من التشابه بين كل من الأردن والكويت فيما يتعلق بنظام الحكم الملكي، والعلاقات الوطيدة مع الولايات المتحدة الأمريكية، فإن هناك ثمة خلافات. ففي الوقت الذي شهد فيه الأردن تراجعا في الحريات السياسية والمدنية، خلال السنوات الماضية، حققت الكويت مكاسب على صعيد الممارسة الديمقراطية، وبصفة خاصة حقوق المرأة، على سبيل المثال منح المرأة الكويتية حق الانتخاب في عام 2005.
كما أن درجة العداء التي يحملها رجل الشارع والمعارضة للولايات المتحدة الأمريكية تختلف في البلدين. فالمعارضة الأردنية أكثر معاداة للولايات المتحدة ولسياستها بدرجة تفوق مثيلتها الكويتية بكثير، وهو الأمر الذي قد يفسره التقدم الذي أحرزته التجربة الديمقراطية الكويتية مقابل التدهور الذي لحق بمسيرة الديمقراطية في الأردن. فالمواطن الكويتي لا يشعر بالخوف من أن يؤدى التحول الديمقراطي إلى هيمنة المعارضة الإسلامية المعادية للولايات المتحدة الأمريكية على الحكم، وبالتالي تأثر علاقة بلاده بالولايات المتحدة، واضطراره إلى دفع رفاهيته ثمنا للديمقراطية.
أما المواطن الأردني، فيساوره القلق في هذا الخصوص، ويرى أنه لا يمكن لوم الحكومة الأردنية في اتخاذها قرارات تمثل تراجعا في مجال الديمقراطية، وإلا فإنها لن تتمكن من السيطرة على التيارات الإسلامية المتشددة التي تهدد أمن وسلامة المجتمع. وترى الكاتبة أن المقابلات التى أجرتها بنفسها مع مواطنين في الأردن والكويت تؤيد ما ذهبت إليه، حيث يرى المواطنون أن الأمن الاقتصادي يكتسب أولوية أكبر من الديمقراطية.
وتسترسل الكاتبة في شرح نظريتها، فتؤكد وجود مصلحة للمواطن العربي في مساندة الوضع الراهن المتمثل في بقاء الأنظمة السلطوية في الحكم. وتوضح أن كلا من واشنطن والأنظمة السلطوية وشرائح من المواطنين العرب تربطهم المصلحة في استمرار الوضع اللا ديمقراطي في بعض الدول العربية.
فالولايات المتحدة الأمريكية –رغم حرصها على نشر الديمقراطية- فإن هذا الحرص لا يصطدم أبدا بالمصالح الأمريكية، والتي تفرض على واشنطن مساندة أنظمة سلطوية. أما المواطن العربي، فنظرا لرغبته في الاستفادة من عوائد الاندماج في الاقتصاد العالمي، فعليه مساندة بقاء الوضع الراهن. وتوضح الكاتبة أنه مع استمرار عدم وصول المجتمعات العربية للحداثة السياسية والاقتصادية التي تمكنها من تحدى الأنظمة السلطوية، فإنها ستظل حبيسة لمساندة هذه الأنظمة والنفوذ الأمريكي في المنطقة.
معايير مزدوجة
وتبرز الكاتبة ازدواجية معايير الولايات المتحدة الأمريكية في نشر قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات الأساسية، حيث تتعرض لتجربة الانتخابات الفلسطينية عام 2002، والتي جاءت بحماس إلى السلطة، حيث توضح أن هذه الانتخابات جاءت نتيجة لرضوخ السلطة الوطنية الفلسطينية لضغوط واشنطن عقب وضع خريطة الطريق عام 2002 كشرط أساسي للمضى قدما في العملية السلمية. وقد أملت الولايات المتحدة أن يختار الشعب الفلسطيني منظمة فتح المعتدلة.
وبعد فوز حماس بالانتخابات، قاطعت الولايات المتحدة حكومة حماس، وقررت معاقبة الشعب الفلسطيني الذي لم يكن يرغب في الأساس في تنظيم الانتخابات، وذلك رغم أن الانتخابات الفلسطينية قد مثلت التجربة الأكثر ديمقراطية في العالم العربي منذ الحرب العالمية الثانية، من وجهة نظر الكاتبة.
أما السعودية، فترى الكاتبة أن المواطن في هذه المملكة الغنية بالنفط يرى أن من مصلحته استمرار الأسرة الحاكمة في السلطة ليتم الحفاظ على العلاقات المتميزة مع الولايات المتحدة، وضمان استفادته من عوائد الاندماج في اقتصاد العالمي، والعيش في رخاء ورفاهية، وهو ما تؤكده استطلاعات الرأي التي أجريت في المملكة العربية السعودية عام 2007، حيث أيد 69% من المواطنين استمرار احتفاظ الرياض بعلاقات متميزة مع واشنطن، فيما أكد 79% ممن شملتهم العينة تأييدهم للحفاظ على النظام الملكي الحاكم.
وتتطرق في سياق عرضها لنظريتها عن دور الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة إلى نظريات العلاقات الدولية حول الهيراركية في النظام الدولي، وعلاقتها بالظروف التي تخضع إليها الدول والشعوب في اختياراتها المتعلقة بالديمقراطية.
وتنتهي الكاتبة إلى أنه حتى مع سقوط بعض هذه الأنظمة في سياق الربيع العربي، فإن نجاح أي تجربة ديمقراطية في الدول العربية مرهون بمساندة الولايات المتحدة الأمريكية لها، كما تؤكد ضرورة قيام الإدارة الأمريكية بمعالجة الأسباب الجذرية المؤدية إلى انتشار مشاعر الكراهية تجاه الولايات التمحدة في المنطقة.