مصطفى المتوكل /تارودانت

غشت 2013

قال تعالى (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً [الإسراء: 36].

قال الامام الشاطبي ” اهتم الاسلام بالعقل اهتماما بالغا وجعله مناط التكليف .فاذا ارتفع التكليف يعد فاقده كالبهيمة لاتكليف عليه… “

وقال ابن تيمية ” ما علم بصريح العقل لايتصور ان يعارض الشرع البته بل المنقول لايعارضه معقول صريح قط …”

…ان ما  علمناه ونعلمه بعقولنا التي صقلتها الشرائع السماوية وتجارب وخبرات ومعارف البشرية عبر التاريخ تجعلنا نقف في

القران الكريم والاحاديث النبوية وفي الكتب السماوية المعتمدة من طرف ديانات اخرى وكذلك ما ابدعه المفكرون من علوم انسانية

واجتماعية وفلسفية و.. على ان محور الايمان والمعرفة  والعلوم وجود العقل والقدرة على الادراك والفهم وما ينجم عنه من اعتقاد

واقتناع واتباع لما استقر عليه  القلب والوجدان …فالله سبحانه وتعالى وسيد الخلق يخاطبون العقلاء الذين يمكنهم ان يميزوا

بين الصالح والطالح من الافعال والاقوال والممارسات بناء على معايير عقلية مجتمعية تتوخى المصلحة والمنفعة لاصحابها في الاجل

او العاجل …فالمسؤولية ايا كان مرتكزها ومرجعيتها تتحدد بمدى ادراك عقل المعني بها لكنهها واحكامها وما يترتب عنها ايجابا

وسلبا ..لهذا اسقط الدين والتشريع الوضعي التكليف والمسؤولية على من يعتبر في حكم غير العاقل وغير المدرك وغير المميز

…ومن هنا يقال “اعمال العقلاء منزهة عن العبث….”.وقال الإمام الغزالي (العقل شرع من داخل،والشرع عقل من

خارج)…

ولوضع حد لبعض التاويلات المتربصة فنحن هنا لسنا بصدد مناقشة الموضوع من زاوية فلسفية صرفة …بقدر ما نحن بصدد

الوقوف في زماننا هذا على العديد من الاشياء التي تقع وتصدر من جهات مسؤولة ويفترض فيها التمحيص والتدبر واعمال العقل في

المواقف والقرارات استشارات وترجيـحا مع استحضار تحقيق المصلحة العامة بوجهيها الروحي والمادي…فما يحصل في الشرق

الاوسط وشمال افريقيا وما ينطق به العديد من اولي الامر والمسؤولين من تصريحات وبيانات واعلان مواقف  واتباع ذلك احيانا

باعمال وافعال لايمكن لكل من يمتلك عقلا سليما ان يعتبرها افعالا عاقلة ومتعقلة …فالقتل على الهوية بسبب الاختلاف ولغرض

التسلط او لترهيب الاخر بهدف الاخضاع الاستعبادي ..والتناقض في المواقف الذي يصل الى حد يظهر اصحابه بانهم وحدهم من يعقل

وعامة الشعب او الامة لاعقل عندهم ليدركوا به تفاهة وسطحية اقوال هؤلاء …فهل نحن امام موجة تهدف تعطيل العقل والتحجير

على صاحبه بموجب ذلك والاستفراد بالتفكير و التقرير بالنيابة عن العامة لضرورة  ولمصلحة الخاصة ممن يمتلك امرا ما وليس من

يعهد اليه بخدمة الناس ورعاية امورهم ..فاذا تاملنا ماكتب في العديد من صحف بعض الاحزاب وما هو مسجل بالصوت والصورة

فسنجد التناقض الصارخ الذي لن يستسيغه عقل عاقل ولن يقبل به من لديه ذوق سليم  ……ولنقل لساسة امتنا ما قاله ابن رشد عند

حديثه عن العقل حيث قال  ” فلنضرب بايدينا الى كتبهم – فلاسفة اليونان – فان كان فيها شيئ يعد صوابا منهم شكرناهم عليه .وان

كان فيها شيئ خطا نبهنا الى هذا الخطا ” ………

ان رفض العقول السليمة للعديد من المواقف والقرارات او انتقادها مسالة لا تـنبني على العدمية والعناد في القبول والاعتراض ..كما

ان ردود افعال المعنيين لايجب ان تكون منبنية على مثل ” ولو طارت معزة” …لسبب بسيط ان العقل السليم لايتمادى في خطئه  بعد

المعرفة الادراكية له بل يتوجه الى التصحيح والتدارك العقلاني المحقق للقصد الشرعي والانساني  ……..وفي مثل هذا التنطع

  قال تعالى ( ان شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لايعقلون ) …ولنتامل قولة الرسول الكريم (ص) …”كنتم خير امة اخرجت

للناس …”

فهل سياساتنا ومواقفنا تستحضر دلالات هذه الاية ومعانيها واحكامها ؟

وهل ما نراه من العجائب والغرائب التي لايمكن تبريرها ويستحيل على من يمتلك ذرة عقل ان ينبري للدفاع عنها من امثال الفتاوى

التي تصدر لدعم ثورة سوريامن البعض بمبررات وبراهين   او دعم حاكمها وتبرير ما يحصل من تدمير وتخريب للبلد باكمله ؟

وهل  يوجد منطق في ما يعلنه بعض  الساسة وائمة بمقاسات حزبية ضيقة  بشان تلك الدولة وغيرها والتي تجعل المجتمع برمته

مابين كافر وخارج عن الملة ومنحرف وبلطجي وعميل لدولة اجنبية ومهرب ومروج ممنوعات ؟…

فاصبح كل الساسة واولوا الامرمطلوبون للانتقام والقصاص واستصدار الاحكام من المعارضات ضد الحكام ومن الحكام ضد

المعارضات ….فهل هذا وغيره ينم عن وجود عقل يتدبر ما يقول ويفعل ؟؟…

لا شك انه ان رجع هؤلاء الى تاريخ الامم التي سبقتنا في التقدم والرقي الحضاري و واستلهموا من  تاريخنا ماشاء الله  بل ولو رجعوا

الى ثراتنا الخالد  لوجدوا ان العاقل من يتعظ بغيره ويتعلم من اخطاء الاخرين ويستفيد من كل التجارب والافكار الناجحة

والأحمق من يتعظ بنفسه؟؟ …يقول تعالى ” افلم يسيروا في الارض فتكون لهم قلوب  يعقلون بها او اذان يسمعون بها فانها لاتعمى

الابصارولكن تعمى القلوب التي في الصدور ” الحج .46

وقيل العاقل من عقل لسانه والجاهل من جهل قدره ..

‫شاهد أيضًا‬

الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس يناقض أفكاره الخاصة عندما يتعلق الأمر بأحداث غزة * آصف بيات

(*) المقال منقول عن : مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية ألقى أحد الفلاسفة الأكثر…