في إطار متابعة المراحل التي يمر منها الحوار الاجتماعي، نظم المنتدى المغربي للتنمية الاجتماعية صباح يوم الأحد 22 دجنبر 2024 بمقر المندوبية الجهوية للثقافة بفاس ندوة حول موضوع : الحوار الاجتماعي الواقع والمتطلبات، ساهم في تأطيرها : الدكتور تحاف السرغيني أستاذ متعاون بكلية الآداب ظهر المهراز بفاس والذي قام بتسيير الندوة، والدكتور عبد الوهاب البقالي أستاذ باحث في القانون العام بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالجديدة جامعة شعيب الدكالي الذي قدم عرضا بعنوان : الممارسة التشريعية لتأطير حق الإضراب وحماية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في المغرب، والدكتور بدر الخلدي أستاذ القانون العام والعلوم السياسية بكلية الحقوق بفاس في موضوع : ممارسة حق الإضراب في المغرب، والاستاذ محمد السباعي دكتور في العلوم القانونية والسياسية في موضوع : إصلاح نظام التقاعد بالمغرب : الإشكالات الراهنة وآفاق الحوار الاجتماعي بين الحكومة والنقابات، وبدوري ساهمت بعرض في موضوع : ضرورة التوافق حول القضايا المطروحة على مائدة الحوار الاجتماعي ، والذي كان مضمونه كما يلي:
يلاحظ ان متابعة الحوار الاجتماعي من طرف الطبقة العاملة والمهنيين غير الأجراء والفاعلين الحقوقيين وجمعيات المجتمع المدني والرأي العام الوطني اصبحت تحضى بالاهتمام المتزايد ، ومن هنا يعد الإسراع بإيجاد الحلول للقضايا المطروحة على مائدة الحوار الاجتماعي من أهم الأولويات وهو ما يتماشى مع ما جاء به الخطاب الملكي أثناء افتتاح الدورة التشريعية للبرلمان يوم الجمعة 11 أكتوبر 2024 حول التطورات التي تمر منها القضية الوطنية ومع متطلبات المرحلة الراهنة في أبعادها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وهو ما يتطلب إزالة كل أشكال التوثر الاجتماعي ، وقد مرت لحد الآن سنتين ونصف على توقيع اتفاق وميثاق 30 أبريل 2022 وهي مدة كافية لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه، حيث لم يعطى لعامل الزمن ما يستحق من أهمية مما ترك انعكاسات سلبية على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وكان من الممكن إيجاد الحلول لهذه القضايا دون صعوبة لو تم استثمار التراكمات التي تحققت خلال المراحل الماضية ولكون جل القضايا لا زالت قائمة ولم تترجم على أرض الواقع، مما يستوجب إعادة النظر في المقاربة التي تم اتباعها من طرف الحكومة خلال المرحلة الأولى من الولاية الحكومية ولا بد من التأكيد بأن نجاح الحوار الاجتماعي يؤدي إلى حماية وتقوية حقوق الأجراء وتقوية القطاع العام لما يقوم به من دور لصالح المجتمع وتقوية ودعم المقاولة والاقتصاد الوطني وتحقيق التماسك الاجتماعي .
وسأتناول هذا الموضوع من خلال أربعة محاور كما يلي :
المحور الأول اعتماد منهجية تشاركية للحوار :
ضرورة تغيير منهجية تدبير الحوار التي تم اتباعها خلال النصف الأول من الولاية الحكومية ، وذلك باعتماد منهجية تشاركية على خمس مستويات بدءا من :
اللجنة العليا التي المتكونة من رئيس الحكومة والأمناء العامين للمركزيات النقابية الأكثر تمثيلية ورئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب
الحوار الثلاثي الأطراف
الحوار القطاعي
الحوار على المستوى الأقاليم والجهات
اللجان الموضوعاتية المتكونة من القطاعات الوزارية ذات العلاقة والمركزيات النقابية الأكثر تمثيلية والاتحاد العام لمقاولات المغرب وهذه اللجان تقسم إلى ثلاثة مستويات، على المستوى الوطني والقطاعي وعلى مستوى الجهات والأقاليم، إذ من شأن اعتماد المنهجية التشاركية، والمتابعة الدقيقة للحوار واتخاذ المبادرات الإستباقية على كافة المستويات والتعامل مع جميع القضايا كسلسلة مترابطة فيما بينها ، مما يؤدي الى ايجاد الحلول للقضايا المطروحة.
المحور الثاني القضايا المطروحة على مائدة الحوار الاجتماعي والمتكونة من إثنى عشر نقطة وهي على الشكل التالي :
1– تقوية دور الحماية الاجتماعية :
تكمن أهمية الحماية الاجتماعية في كونها تعتمد مبدأ التضامن كقاعدة أساسية مما يؤدي إلى تحسين الوضعية الاجتماعية للأجراء وحماية المقاولة لكونها لا تستطيع تأدية أجور مرتفعة تغطي حاجيات العيش وهو ما يتطلب إعطاء هذا الموضوع ما يستحق من خلال:
المواكبة المستمرة لمؤسسات الحماية الاجتماعية بالقطاعين العام والخاص،
تعميم التصريحات في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي حيث يلاحظ أن نسبة كبيرة من الأجراء يتم تصنيفهم ضمن المهنيين غير الأجراء،
وضع حد للتصريحات غير سليمة والتي لا تعكس حقيقة الأجور المتوصل بها وأيام العمل المنجزة.
ومن خلال هاذين المثالين تتضح خطورة التراجعات التي تحصل حاليا ويعد ذلك مقياس لسير تنزيل ورش الحماية الاجتماعية وهو ما يتناقض مع شعار الدولة الاجتماعية.
2- إصلاح صناديق التقاعد من خلال :
استثمار الأموال المتوفرة لصناديق التقاعد لصالح المتقاعدين،
البحث عن حلول لتمويل العجز الذي ستعرفه هذه الصناديق،
تطبيق الصارم لقانون الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي،
تحسين الأوضاع الاجتماعية للمتقاعدين.
3- ملائمة الأجور والأسعار من خلال :
– الزيادة في الأجور كلما تطلب الأمر ذلك، والمتابعة الدقيقة والمستمرة للموضوع من مختلف جوانبه،
– تطبيق الحد الأدنى القانوني للأجر على أجراء القطاع العام غير الخاضعين لنظام الوظيفة العمومية،
– تعميم الحد الأدنى للأجر على جميع أجراء القطاع الخاص،
– احترام دفاتر التحملات بالنسبة للمقاولات المتعاقدة حول احترام الحد الادنى للأجر وتعميم وسلامة التصريحات لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.
– تقوية دور الحماية الاجتماعية بالنسبة للأجراء وللمتقاعدين كما أشرنا إليه في النقطتين السابقتين،
– تكثيف مراقبة الأسعار.
وهذه القضايا الثلاث لها علاقة فيما بعضها وهو ما يتطلب أن يتم التعامل معها وفق منظور شمولي وهو ما سوف يؤدي إلى تحسين الأوضاع الاجتماعية والمهنية.
4- إصلاح نظام الوظيفة العمومية من خلال :
– مراجعة نظام الوظيفة العمومية،
– إحداث ومراجعة الأنظمة الأساسية لقطاعات الوظيفة العمومية،
– إيجاد الحلول لوضعية الفئات (المتصرفين والتقنيين وغيرهم)
5- تقوية دور النقابات المهنية من خلال :
– تقوية العمل الوحدوي وهي مسؤولية تقع على النقابيين والمركزيات النقابية
– الحرص على الاستقلالية تماشيا مع ما جاءت به أدبيات منظمة العمل الدولية ومع الاتفاقيات الدواية ذات العلاقة وكما أكد على ذلك الزعيم الراحل علال الفاسي في مقال بعنوان النضال النقابي في كتابه النقد الذاتي.
– تقوية التنظيم عبر القيام بسلسلة من المبادرات ومنها فتح نقاش مع تنسيقيات مختلف القطاعات.
– قيام الأحزاب السياسية بمبادرات حول تقوية العمل النقابي ودعم استقلاليته
– إزالة كل أشكال التضييق على العمل النقابي،
– مراجعة التدابير المتعلقة بالانتخابات المهنية للأجراء،
– تقوية دور النقابات المهنية لغير الأجراء،
– تعديل قانون النقابات المهنية.
6- تطبيق مقتضيات مدونة الشغل وتعديل ما يتطلب تعديله :
تعتبر مدونة الشغل إنجازا كبيرا يعود الفضل فيه إلى الفرقاء الثلاث وهو ما يتطلب بدل مجهودات كبيرة من أجل تطبيق جميع مقتضيات المدونة وتعديل ما يتطلب تعديله من
خلال :
تفعيل الهيآت الاستشارية للحوار والمتمثلة في :
مجلس المفاوضة الجماعية
مجلس طب الشغل والوقاية من المخاطر المهنية
المجلس الأعلى لإنعاش التشغيل
اللجنة المكلفة بالتشغيل المؤقت
وذلك لما تقوم به هذه المجالس من أدوار كبيرة على كافة هذه المستويات
تطبيق ما تنص عليه المادة 3 فيما يتعلق بأجراء القطاع العام الذين لا يسري عليهم نظام الوظيفة العمومية
دعم جهاز تفتيش الشغل ،اذ رغم المجهودات التي بدلت خلال السنوات الأخيرة إلا أن هذا الجهاز لا زال يعاني نقصا كبيرا.
إصدار مذكرات تنظيمية وتوضيحية حول القضايا التالية :
تفعيل لجان السلامة وحفظ الصحة بالمقاولة لما لها من دور في حماية سلامة صحة الأجراء
تفعيل لجنة المقاولة لما لها من دور في تطوير وتقوية المقاولة
تعميم النظام الداخلي لما له من دور في تنظيم العلاقات المهنية داخل المقاولة
تطبيق مقتضيات مدونة الشغل المتعلقة بعمال المقاهي والمطاعم حول توزيع الحلوان ومراقبته وفق ما تنص عليه المواد من 376 إلى 381 .
تطبيق مقتضيات مدونة الشغل فيما يتعلق بالأجراء الذين يتقاضون أدورهم بالقطعة أو بأي شكل من الأشكال التي يتم الاتفاق عليها ومنها قطاع النقل طبقا لما تنص عليه المواد من 345 إلى 355.
7- هيكلة القطاع غير المهيكل :
يكتسي موضوع هيكلة القطاع غير المهيكل أهمية كبيرة لما يشكله من خطورة على حقوق الأجراء وعلى المقاولات التي تطبق القانون وعلى الاقتصاد الوطني وعلى حقوق الدولة، مما يتطلب وضع برنامج لهيكلة المقاولات التي تحقق أرباحا مريحة مع العمل على مراحل لهيكلة باقي المقاولات حتى يتم ضمان استمرار هذا القطاع في القيام بمهامه عن الوجه المطلوب.
– تعديل بعض مقتضيات المدونة
8- تقوية دور اتفاقيات الشغل الجماعية من خلال :
– وضع برنامج لتقوية تنظيمات المهنيين غير الأجراء
– القيام بدراسات للقطاعات المهنية حول مواجهة التحديات التنافسية
9- حماية حقوق المرأة العاملة :
يتفق الجميع على أهمية ما تضمنته مقتضيات مدونة الشغل حول حقوق المرأة
ذلك ان جميع مواد المدونة متكونة من 589 مادة موزعة على خمسة أبواب تعني المرأة مثل ما تعني الرجل
المادة 9 حول منع كل أشكال التمييز بين الأجراء
المادة 40 حول اعتبار التحرش الجنسي كنوع من أنواع الأخطاء الجسيمة
باقي المواد من 143 إلى 183 والتي تحدد حقوق المرأة الأجيرة
الانتهاكات التي تتعرض لها المرأة العاملة بسبب عدم تطبيق مقتضيات مدونة الشغل والمتمثلة في :
وضعية المرأة العاملة بالقطاع الفلاحي والتي تعاني من العديد من التجاوزات
وضعية المرأة في قطاع النظافة
وضعية المرأة في الإنعاش الوطني
عاملات المنازل
10- دعم التشغيل ومحاربة البطالة من خلال :
وضع برنامج بتنسيق بين القطاعات الحكومية والنقابات المهنية على المستوى الوطني والقطاعي والأقاليم والجهات لتقوية التشغيل وحمايته.
تقوية دور الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات، حسب ما تنص عليه مواد مدونة الشغل في الفصول من 507 إلى 511 بأن يتم التصريح بكل عملية تشغيل عند حدوثها.
– القيام بدراسات على كافة القطاعات المهنية من أجل حمايتها من المنافسة الأجنبية
وضع برنامج بتنسيق بين القطاعات الحكومية والمهنية والجماعات الترابية.
11- تسوية نزاعات الشغل الجماعية من خلال :
– وضع برنامج استباقي حول الأسباب التي تؤدي إلى حدوث نزاعات الشغل على المستوى الوطني وعلى مستوى الجهات والأقاليم.
12- التوافق على قانون تنظيم حق الإضراب:
معالجة أسباب ودواعي نشوء الإضرابات بالمغرب
طيلة المراحل الماضية منذ عهد الاستعمار إلى الآن تم خوض عدد كبير من الإضرابات وأغلبها ووجهت بحملات قمعية ومنها على سبيل المثال
- الإضراب العام ل 30 مارس 1979 للتضامن مع الشعب الفلسطيني :
والذي عرف العديد من المضايقات والاستفزازات والطرد من العمل كما حصل في معمل كوطيف بفاس حيث تم طرد حوالي 40 عاملا
- إضراب قطاعات التعليم والصحة والبترول والغاز ل 10-11 أبريل 1979 :
والذي عرف اعتقال العديد من المناضلين والمناضلات وطرد مئات المناضلين
- الإضراب العام ل20 يونيو 1981 :
والذي عرف أحداثا كبيرة بمدينة الدار البيضاء تم على إثرها استشهاد مئات المواطنين بالإضافة إلى العديد من الاعتقالات والطرد من العمل
- الإضراب العام ل 14 دجنبر 1990 :
والذي عرف استشهاد العديد من المواطنين وبالأخص بمدينة فاس وطنجة
- الإضراب العام ل 5 يونيو 1996 :
والذي مر بشكل طبيعي وعادي دون أن يعرف أحداثا أو مضاعفات حيث تم التزام الحياد من طرف الحكومة.
- الإضراب العام ل 29 أكتوبر 2014 :
لقد مر هذا الاضراب بشكل طبيعي ، حيث التزمت الحكومة بالحياد.
العديد من الإضرابات القطاعية :
بالنسبة للإضرابات القطاعية فالوضعية تختلف من مرحلة إلى أخرى ومن قطاع إلى آخر
فبالنسبة للإضرابات التي كانت تحدث في المقاولات فجلها كانت تعرف مضايقات وطرد واعتقالات ومنها من كانت تمر بشكل طبيعي حسب طبيعة المقاولة أو المشغل، ومدى احترام قانون الشغل داخل المقاولة.
– وقد نتجت عن هذه الإضرابات العديد من المكتسبات بالنسبة للقطاع العام.
– كما نتجت عن هذه الإضرابات العديد من المكتسبات سواء فيما يتعلق باحترام الحق النقابي وتطبيق مقتضيات مدونة الشغل والحماية الاجتماعية أو الزيادة في الأجور أو تحقيق العديد من الامتيازات.
– وإذا تم القيام بدراسة دقيقة سيتضح أن ما تحقق في مجال العدالة الاجتماعية والحريات العامة والديمقراطية وحقوق الانسان وجل ما يتمتع به الأجراء من حقوق يعود الفضل في ذلك إلى الإضرابات التي تم خوضها طيلة المراحل الماضية .
المحور الثالث دور النقاش الفكري والعلمي :
لا بد من الإشارة بأن جل النقاشات التي عرفتها المراحل السابقة كانت تجانب الموضوعية عندما تتحدث عن مدونة الشغل وقانون النقابات وتنظيم حق الإضراب ويمكن أن يلعب النقاش الفكري والعلمي دورا أساسيا في إزالة كثير من إشكالات اللبس والتي تعد معرقل كبير للوصول إلى نتائج إيجابية حول جميع القضايا المطروحة على مائدة الحوار الاجتماعي، فكل طرف من الأطراف ملزم بتوضيح وجهة نظره حول هذه القضايا ويمكن للأكاديميين والمؤسسات ذات الاختصاص أن تساعد على ذلك.
المحور الرابع القضايا المشتركة التي تعني المجتمع بجميع مكوناته :
لا يمكن تحقيق أي تقدم في المغرب دون نجاح الحوار الاجتماعي كاختيار استراتيجي لا بديل عنه، وهي مسؤولية تقع على عاتق الجميع بما في ذلك الحكومة والمركزيات النقابية والاتحاد العام لمقاولات المغرب والأحزاب السياسية والهيئات الحقوقية حيث يجب التوافق بين جميع مكونات المجتمع باعتبارالحوار الاجتماعي يحتل الدرجة الثانية بعد القضية الوطنية لما له من علاقة بجميع القضايا الكبرى ومنها على الأخص قطاعات التعليم والصحة والتشغيل، وهو ما يؤدي إلى تحقيق الأهداف التالية :
1- تحسين الأوضاع الاجتماعية للأجراء
2- دعم وتقوية المقاولة وتقوية الاقتصاد الوطني
3- تقوية رصيد الشغل
4- تقوية دور قطاع الوظيفة العمومية
5- تقوية قطاع التعليم
6- تقوية قطاع الصحة
7- تقوية التماسك الاجتماعي
8- تقوية العمل النقابي
9- تقوية العمل السياسي
10- إزالة النزاعات الاجتماعية وتوفير مناخ اجتماعي سليم
لا يمكن الحديث عن الدولة الاجتماعية إذا لم يتم تطبيق القانون الاجتماعي بفرعيه :
قانون الشغل وقوانين الحماية الاجتماعية . وقد تلت هذه العروض مناقشات مستفيضة اسفرت عن صياغة عدة توصيات ، كما تم التأكيد على تنظيم ندوات علمية حول مختلف القضايا التي تهم الحوار الاجتماعي بالمغرب
(*)عبد الرحيم الرماح *رئيس المنتدى المغربي للتنمية الاجتماعية