في إطار مواصلة الأنشطة الفكرية و الثقافية و العلمية، وفي سياق التحديات الظرفية الراهنة، نظم المنتدى المغربي للتنمية الاجتماعية ندوة بمقر المديرية الجهوية للثقافة بشارع مولاي يوسف بفاس يوم الأحد 22 شتنبر2024 ، حول موضوع آفاق الحوار الاجتماعي بالمغرب. ساهم في تأطيرها، السيــــــد مصطفى رجيب المدير الجهوي لوزارة الإدماج الاقتصادي و المقاولات الصغـرى و التشــــغيل و الكفاءات – قطاع التشغيل فاس مكناس – الذي قدم عرضا بعنوان “المفاوضة الجماعية و اتفاقات الشغل الجماعية”. و السيـــــــد محمد السباعي، دكتور في العلوم القانونية والسياسية، و الذي قدم عرضا بعنوان “حكامة حماية المنظومة الاجتماعية”. و بدوري ساهمت بعرض بعنــــــوان “دور الحوار الاجتمــــــاعي في تقوية و تطبيق القانون الاجتماعي” ألخصه وفق ما يلي:
لا تأتي أهمية الحوار الاجتماعي في المغرب فقط من دوره في تحسين الأوضاع المهنية والاجتماعية للطبقة العاملة، وفي تنظيم العلاقات المهنية والاجتماعية والاقتصادية، بل وتأتي أيضا لما للطبقة العاملة من علاقة بباقي الفئات الاجتماعية ، من فلاحين صغار ومتوسطين، وتجار صغار ومتوسطين، وحرفيين وذوي الدخل المحدود سواء في القرى والبوادي أو المدن، ومنذ أن نشأت الحركة النقابية المغربية في عهد الاستعمار الفرنسي ظلت تناضل من أجل إقرار وتقوية الحوار الاجتماعي. ومن هنا لا بد من الإشادة بما تم القيام به من خطوات كبيرة لتحقيق هذا الهدف، والذي تطلب من الطبقة العاملة تضحيات جسام وبالدور الذي قامت به الحكومات التي تناوبت على المسؤولية، والمركزيات النقابية ، والاتحاد العام لمقاولات المغرب لتنزيل الحوار الثلاثي الأطراف على أرض الواقع منذ التوقيع على التصريح المشترك 1996 على عهد الحكومة الثانية لعبد اللطيف الفيلالي. و يعد هذا التصريح ذا أهمية كبيرة لكونه جاء في سياق مجيء حكومة التناوب التوافقي، والذي وضع المحددات الأساسية للحوار الاجتماعي، ثم اتفاق 23 أبريل 2000 (19 محرم) على عهد حكومة التناوب التوافقي برئاسة عبد الرحمن اليوسفي. ثم اتفاق 30 أبريل 2003 .والمحضر الملحق به لـ 28 يناير 2004 على عهد حكومة السيد إدريس جطو. ورغم الاختلافات الكبيرة وحدة النقاش التي كانت تحصل في كثير من الأحيان حول القضايا المطروحة، كان يتم التغلب عليها، لأن الجميع كان مقتنعا بأهمية الحوار باعتباره الوسيلة الوحيدة لإيجاد الحلول للقضايا المطروحة. وقد عرفت مرحلة حكومة السيد عباس الفاسي كثيرا من الصعوبات، تمكنت من التغلب عليها في المراحل الأخيرة من عمرها بعد مجهودات كبيرة. وقد ساهمت في ذلك احتجاجات 20 فبراير2011، حيث تم توقيع اتفاق 26 أبريل 2011، والذي تضمن العديد من المكتسبات، أضيفت إلى ما تحقق في الاتفاقات السابقة. و عند مجيء دستور فاتح يوليوز 2011، تضمن العديد من الفصول يعود الفضل فيها إلى الحوار الاجتماعي انطلاقا مما جاء في الاتفاقات الأربعة السابقة. وفي الوقت الذي كان من المتوقع أن يحدث تطور في الاتجاه الإيجابي، وقع عكس ذلك خلال مرحلة حكومة السيد عبد الإله بنكيران، رغم كثافة المبادرات والاحتجاجات التي قامت بها المركزيات النقابية. حيث لم يتم إبرام اتفاق اجتماعي، وهو ما كانت له آثار سلبيــة ،
وقد عرفت مرحلة حكومة السيد سعد الدين العثماني تطورات إيجابيــــــة أدت إلى إبرام اتفاق 25 أبريل 2019 كما عرفت اجتماعات مكثفة من أجل إصلاح نظام الوظيفة العمومية، غير أنها لم تصل إلى نتائج . وكان يمكن أن تكون لهذه المرحلة نتائج أفضل بكثير، وخلال النصف الأول من ولاية حكومـــــــــــــة السيد عزيز أخنوش تم إبرام اتفاق وميثاق 30 أبريل 2022. وكان طبيعيا أن يتم ذلك بحكم التجربة التي عرفتها المراحل السابقة. غير أنه مع الأسف لم يتم الإسراع في العمل من أجل تنفيذ ما تم الاتفاق عليه، بمــــــا في ذلك الجوانب التي لا تتطلب اعتمادات مالية، مثل إحداث المرصد الوطني للحوار الاجتماعي، وإحداث أكاديمية التكوين في مجال الشغل والتشغيل ، وإعداد التقرير السنوي حول المناخ الاجتماعي. وكذا عدم إجراء الحوار بجل قطاعات الوظيفة العمومية إلا في الحالات التي تم فرضها بسبب الإضرابات والاحتجاجات. وأيضا عدم إجراء الحوار على مستوى الجهات والأقاليم. بالإضافة إلى المنهجية التي تم اتباعها. حيث كان يتطلب مناقشة وضعية المتعاقدين في إطار الحوار الثلاثي الأطراف، مما أدى إلى توتر الأجواء الاجتماعية، حيث تم خوض العديد من إضرابات واحتجاجات بقطاع التعليم والصحة وغيرها من قطاعات الوظيفة العمومية. وقد نتجت عن ذلك انعكاسات سلبية على المستوى الاجتمــــــــــاعي و الاقتصادي. وأمام ارتفاع حدة الإضرابات والاحتجاجــــــــات تم إبرام اتفاق 29 أبريل 2024 ،من أجل تنفيذ ما تم الاتفاق عليه. كما تم إبرام اتفاقـــــــــات في بعض قطاعات الوظيفة العمومية. ولا زالت باقي القطاعات تواصل الإضرابات والاحتجاجات من أجل تلبية مطالبها.
و يبدو أن شروط نجاح الحوار الاجتماعي متوفرة حاليا أكثر من المراحل السابقة، نظرا للاعتبارات التالية:
- الاستفادة من التراكمات التي تضمنتها الاتفاقات السابقة.
- الاستفادة من المرحلة الممتدة من إبرام اتفاق 30 أبريل 2022 إلى اللآن حيث اتضح أن عدم تنفيذ الحكومة لما تم الاتفاق عليه كانت له انعكاسات سلبية على المستوى الاجتماعي و الاقتصادي و السياسي.
- مستلزمات المرحلة الحالية، التي تفرض أن يقوم كل طرف بمسؤوليته الكاملة. الحكومة من موقعها كمدبرة للشأن العام، و الاتحاد العام لمقاولات المغرب من موقع أن تتحمل المقاولة مسؤوليتها الاجتماعية، والمركزيات النقابية من موقع القوة الاقتراحية ، وكل ذلك من أجل إيجاد الحلول للقضايا المطروحة، مع الأخذ بعين الاعتبار النقاش الجاري وسط الطبقة العاملـــة و وسط المهنيين غير الأجراء، وسط الرأي العام الوطني.
و قصد الإسراع بإيجاد الحلول للقضايا المطروحة خلال النصف الثاني من الولاية الحكومية الحالية، ينبغي السير وفق ما يتماشى مع ما نصت عليه روح الاتفاقات السابقة، باعتماد الحوار وفق منظور شمولي على أربع مستويات:
- مستوى اللجنة العليا للحوار الاجتماعي، المتكونة من رئيس الحكومة والأمناء العامين للمركزيات النقابية الأكثر تمثيلية ورئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب، لتنسيق و متابعة الحوار على كافة المستويات.
- مستوى الحوار الثلاثي الأطراف، و المتكون مـــــــــــن رئيس الحكومة ووزراء القطاعات الحكومية ذات العلاقة، و الأجهزة التنفيذية للمركزيات النقابية الأكثر تمثيلية، والاتحاد العام لمقاولات المغرب، لمناقشة القضايا الكبرى، و و ضع خارطة طريق للحوار على كافة المستويات.
- المستوى القطاعي لمناقشة القضايا القطاعية.
- مستوى الأقاليم والجهات لمناقشة القضايا التي لها علاقة بالأقاليـــــــــــم و الجهات.
على أن تتم جلسات الحوار متزامنة أو متقاربة فيما بينها لتكون لها فائدة أكثر.
- مستوى اللجان الموضوعاتية لمتابعة النقاش حول القضايا التي تتطلب مواصلة النقاش بين دورتي أبريل و شتنبر.
- تحديد القضايا التي يتطلب العمل على إيجاد الحلول لها مع تصنيفها وفق ما يتلاءم مع طبيعتها:
أولا: القضايا الكبرى التي تحال على مستوى الحوار الثلاثي.
ثانيا: القضايا التي تحال على مستوى الحوار القطاعي.
ثالثا: القضايا التي تحال على مستوى الحوار بالجهات والأقاليم.
رابعا: القضايا التي تحال على اللجان الموضوعاتية التي تشتغل بين الدورتين قصد اقتراح الحلول وتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه وتطبيق القانون.
إن من شأن اعتماد المنهجية التشاركية، و المتابعة الدقيقة للحوار، و اتخاذ المبادرات الإستباقية على كافة المستويات، أن يؤدي إلى خلق الثقة المتبادلة ويساعد على إيجاد الحلول للقضايا المطروحة على مائدة الحوار الاجتماعي علما بأن الحوار الاجتماعي لا يعني فقط تحسين الأوضاع الاجتماعية والمهنية للأجراء، بل يعني أيضا تطوير وتقوية العلاقـــــــــــــات المهنية بالمؤسسات و المرافق العمومية و المقاولات والاقتصـــــــــــاد الوطني بصفة عامة ، ولا يمكن تحقيق أي تقدم دون نجاح الحوار الاجتماعي كاختيار استراتيجي لا بديل عنه. ونظرا لما للنقاش الفكري و العلمي من أهمية في اقتراح الحلول لمختلف القضايا وإيجاد المخرجات والبدائل المناسبة تم فتح باب النقاش من طرف الحاضرين ، حيث تقدموا باقتراحاتهم و مساهماتهم حول إيجاد الحلول للقضايا التي تهم الأجراء، وأكدوا على ضرورة إجراء إصلاح شمولي للقطاعات التي يشتغلون بها، مع الأخذ بعين الاعتبار الأوضاع المهنية و الاقتصادية و الاجتماعية. حيث اقترحوا تنظيم ندوات فكريــــــة و علمية حول عدة قطاعات خاصة :
- قطاع المقاهي و المطاعم،
- قطاع النقل بجميع مكوناته،
- قطاع البناء بجميع مكوناته،
- قطاع الصناعة التقليدية ،
- القطاع التجاري ،
- القطاع السياحي.
و يمكن أن تشمل هذه الندوات جميع القطاعات المهنية كل ما أمكن ذلك.
ثم الصنف الثاني من الندوات حول القضايا المطروحة على مائدة الحوار الاجتماعي و المتمثلة في:
- ملائمة الأجور و الأسعار
- تنظيم حق الإضراب.
- مدونة الشغل.
- الحماية الاجتماعية.
- إصلاح أنظمة التقاعد.
- تعديل قانون النقابات المهنية.
- احترام الحقوق القانونية للأجراء و الرفع من المردودية في العمل.
- هيكلة القطاع غير المهيكل
كما تم اقتراح تنظيم مناظرة وطنية حول دور القانون الاجتماعي في تقوية الأوضاع الاجتماعية .
فاس : عبد الرحيم الرماح رئيس المنتدى المغربي للتنمية الاجتماعية