يحكي عبداللطيف الفيلالي رحمه الله، وزير الخارجية والوزير الأول الأسبق، أن اتصالات المغرب بالخميني كانت قبل سقوط شاه إيران. ويقول، في كتابه “المغرب والعالم العربي”، إن الدكتور عبدالهادي التازي رحمه الله، عندما كان سفيرا للمغرب لدى العراق:” كان دائم الزيارة لمدينة النجف حيث كان يتلقي الخميني في منفاه، وهو ما كان محط تقدير من طرف الخميني”.
ويضيف عبداللطيف الفيلالي أن الحسن الثاني اختار الدكتور عبدالهادي التازي سفيرا لدى إيران بعد “الثورة الإيرانية” نظرا لعلاقاته مع رجال الدين الإيرانيين ، وعندما حل السفير المغربي بطهران في شهر رمضان، “أعطى الخميني تعليماته لكي يتم استقبال عبدالهادي التازي كل يوم من طرف وزير خلال الإفطار”.
ويحكي عبداللطيف الفيلالي، وكذلك الدكتور عبدالهادي بوطالب، أن شاه إيران، محمد رضى بهلوي، طلب وساطة الحسن الثاني مع الخميني عند اندلاع “الثورة الإيرانية”. هذه الوساطة بدأها عبدالهادي التازي بالعراق، عندما كان سفيرا. ثم الوزير الأول الأسبق، أحمد العراقي، بفرنسا( نظرا لنسبه الشريف من آل البيت)، واستكملها الراحل عبدالهادي بوطالب بمدينة قم الإيرانية حيث التقى بآية الله كاظم شريعتمداري، كما يروي بوطالب في كتابه “نصف قرن من السياسة” .
قبل ذلك بسنوات، يسرد عبداللطيف الفيلالي، في مذكراته، أن الحسن الثاني عندما زار شاه إيران،سنة 1968، أصر هذا الأخير على قيادة الحسن الثاني في جولة بشوارع طهران في سيارة مكشوفة لأول مرة في حياته، وفسر ذلك للحسن الثاني، قائلا:”لن يجرؤ أحد على مهاجمتي، مادمت برفقة حفيد فاطمة الزهراء وآل البيت”. ويضيف أن الناس “كانت تستقبل الحسن الثاني بشعار “يا علي يا حسين” في إشارة إلى نسبه الشريف بآل البيت”.
كانت علاقة المغرب بإيران يتداخل فيها الرمزي والروحي مع المصالح، كان الإيرانيون، في عهد الشاه وحتى الخميني، يكنون تقديرا روحيا خاصا للمغرب والمغاربة.
لم تكن علاقة المغرب بإيران تؤطرها مفردات “الفرس” و”المجوس” و”التشيع” و”الصفوية”، هذه المفردات تم استدعاؤها للتوظيف مؤخرا، ونفخ فيها المد الوهابي والسلفي بالمغرب. كانت اللغة المستعملة هي “التحالف” و”الصداقة” و”التقدير الروحي”.
إيران، في عز قوة الشاه، كانت تنعت ب “دركي إسرائيل وأمريكا على الشرق الأوسط ودول الخليج”، وكان المغرب هو حليفها وصديقها القوي.
كان التوافق بين الطرفين كبيرا، وكان التنسيق المخابراتي والأمني قويا بين “السافاك”( مخابرات الشاه القوية والدموية) والمخابرات المغربية في عهد احمد الدليمي.
التنسيق الأمني والمخابراتي وصل ذروته في إطار اتفاقية “نادي السافاري”، وقعت في جدة السعودية عام 1975، وكانت أطراف الاتفاقية تتكون من المغرب وإيران والسعودية ومصر، برعاية وإشراف فرنسي، بهدف القيام بعمليات مشتركة في القارة الأفريقية لمواجهة التهديدات “الشيوعية والتحررية”. وهو التنسيق الذي أعطى التدخل العسكري بإقليم شابا بالزايير( الكونغو الديموقراطية اليوم)، كان الدعم اللوجيستي والتقني المخابراتي ايرانيا والتمويل سعودي والتدخل العسكري البشري مغربيا وبلجيكيا وفرنسيا.
تنسيق سابق بين السعودية وإيران لمواجهة المد الناصري، أسفر عن دعم “الحوثيين” لمحاربة جمال عبد الناصر في حرب اليمن في الستينيات. نعم السعودية دعمت “الشيعة الزيدية” باليمن ضد عبد الناصر. والمغرب لم يكن يخفي آنذاك تناغم موقفه مع إيران والسعودية، ضد. التوجه الناصري.
بعد الإطاحة بشاه إيران، لم يقطع المغرب علاقاته الديبلوماسية مباشرة، ولا إيران فعلت نفس الشيء، رغم استقبال الحسن الثاني لشاه إيران بعد أن رفض حلفاؤه( امريكا وفرنسا وإنجلترا) منحه “اللجوء”.
كما أن الرأي العام في المغرب رحب بنجاح “الثورة الإيرانية” وهو ما عكسته افتتاحيات “المحرر” و”العلم” و”البيان”، في تلك الفترة. واحتجاجات الطلبة ضد استقبال الشاه.
اندلاع الحرب العراقية الإيرانية سيغير عدة اصطفافات. بعد مهاجمة صدام حسين لإيران، سيسطف المغرب مع العراق، وسيطالب سنة 1982 في القمة العربية في فاس، بتفعيل اتفاقية الدفاع العربي المشترك لمواجهة إيران. هذه الأخيرة ستعلن اعترافها بالبوليساريو، وستنقطع العلاقات الدبلوماسية، ثم سيعلن الحسن الثاني في “فتوى” شهيرة “تكفير الخميني”.
عودة العلاقات الديبلوماسية بين المغرب وإيران، يحكي إرهاصاتها الأولى المرحوم عبداللطيف الفلالي: بعد انتهاء اجتماع لوزراء خارجية الدول الاسلامية بطهران، سينظم الخميني حفل استقبال على شرف وزراء الخارجية. وكان البروتوكول يقضي بخلع الأحذية عند التقدم للسلام على الخميني. عندما جاء دور عبداللطيف الفيلالي، طالبه الخميني بعدم خلع حذائه قائلا: “انتم وملككم حفدة السيدة فاطمة الزهراء وآل البيت”. الحسن الثاني تأثر بهذا التقدير، يحكي الراحل عبداللطيف الفيلالي في كتابه.
سيتوفى الخميني وستنتهي الحرب العراقية الإيرانية، سنتان بعد ذلك، ستعود العلاقات الديبلوماسية إلى مجراها الطبيعي سنة 1991، وستنهي طهران علاقاتها بالبوليساريو.
أصبحت إيران تتناغم مع الموقف المغربي من الصحراء المغربية، آنذاك، “إيجاد تسوية في إطار الأمم المتحدة “، وأصبح المغرب يساند حق إيران في “استعمال الطاقة النووية لأغراض سلمية”. مقابل هذا الانفتاح الديبلوماسي، ستسوء العلاقات بين إيران والجزائر لتصل إلى قطع العلاقات الديبلوماسية.
ستنشط العلاقات الايرانية المغربية بشكل كثيف، وسيتقوى التبادل الاقتصادي( كان الميزان التجاري في صالح المغرب) والثقافي، وسيصبح علماء الدين الشيعة الإيرانيون( خاصة محمد علي التسخيري ) ضيوفا سنويين عند الحسن الثاني خلال الدروس الحسنية، واستمرت حتى خلال تولي محمد السادس العرش.
سنة 2009، والعلاقات المغربية الايرانية في أوج ازدهارها، سينقلب كل شيء، والسبب أزمة بحرينية إيرانية بسبب تصريح لمسؤول إيراني حول تبعية البحرين تاريخيا لإيران. المغرب سيتضامن مع البحرين وسيعتبر التصريح اعتداء وتدخلا في سيادة البحرين. هذا التصريح سيتم التراجع عنه و ستنتهي الأزمة بين إيران والبحرين تحت عنوان “سوء فهم وتأويل”، لكنها ستستمر مغربيا-إيرانيا وستنتهي بقطع العلاقات الديبلوماسية( باقي دول الخليج لم تقطع علاقاتها مع إيران).
إضافة إلى وقوفه إلى جانب البحرين، سيعبر المغرب عن رفضه للتدخل في شؤونه الداخلية وزعزعة أمنه الروحي، في إشارة الى “انتشار التشيع”، كما سيتهم المغرب إيران بدعم البوليساريو، وهو ما نفته إيران وأكدت أن موقفها من الصحراء المغربية لم يتغير. لكن، وزير الخارجية المغربي، عبدالناصر بوريطة، سيتهم حزب الله بتدريب عناصر من البوليساريو، وهو ما أنكره حزب الله.