‭ “‬ما‭ ‬دام‭ ‬الأمر‭ ‬متعلقا‭ ‬بنصرة‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬فإنه‭ ‬من‭ ‬اللازم‭ ‬ألا‭ ‬ينحصر‭ ‬حديثنا‭ ‬حول‭ ‬موقف‭ ‬المثقفين‭ ‬بالمعنى‭ ‬الضيق‭ ‬والصحيح،‭ ‬أي‭ ‬المثقفين‭ ‬الذين‭ ‬يعملون‭ ‬على‭ ‬إنماء‭ ‬الثقافة‭ ‬والفكر‭ ‬والفن،‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬معين،‭ ‬المثقفون‭ ‬الذين‭ ‬يعملون‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬نشر‭ ‬المبادئ‭ ‬التي‭ ‬يؤمنون‭ ‬بها‭.‬

ـ‭ ‬إننا‭ ‬في‭ ‬ظروف‭ ‬التخلف،‭ ‬مع‭ ‬مميزاته‭ ‬المغربية‭ ‬ـ‭ ‬فالحديث‭ ‬يشمل‭ ‬إذن‭ ‬الأطر‭ ‬التي‭ ‬لها‭ ‬مستوى‭ ‬جامعي‭ ‬بمن‭ ‬فيها‭ ‬تلك‭ ‬الفئة‭ ‬التي‭ ‬تنعت‭ ‬نفسها‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬الفنيين‮»‬‭ ‬‮”‬techniciens‮”‬،‭ ‬وتلح‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النعت‭ ‬لكونه‭ ‬يشكل‭ ‬في‭ ‬غالب‭ ‬الأحيان‭ ‬تبريرا‭ ‬سهلا‭ ‬لتنازلها‭ ‬عن‭ ‬التفكير‭ ‬والتساؤل‭ ‬حول‭ ‬أبعاد‭ ‬الدور‭ ‬الذي‭ ‬تقوم‭ ‬به‭.‬

وما‭ ‬دام‭ ‬الأمر‭ ‬متعلقا‭ ‬بنصرة‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬هؤلاء‭ ‬وغيرهم‭ ‬من‭ ‬المثقفين‭ ‬المغاربة،‭ ‬فإنه‭ ‬من‭ ‬اللازم‭ ‬كذلك‭ ‬أن‭ ‬ننطلق‭ ‬من‭ ‬حقيقة‭ ‬بديهية،‭ ‬ألا‭ ‬وهي‭ ‬أن‭ ‬الموقف‭ ‬بالنسبة‭ ‬للقضية‭ ‬الفلسطينية‭ ،‬فكريا‭ ‬وعمليا‭ ، ‬لا‭ ‬ينفصل‭ ‬بالنسبة‭ ‬لقضايا‭ ‬التحرير،‭ ‬والكفاح‭ ‬ضد‭ ‬الوجود‭ ‬الامبريالي‭ ‬وعملائه‭ ‬بصفة‭ ‬عامة‭ ‬وذلك‭ ‬ابتداء‭ ‬من‭ ‬مشكلة‭ ‬تحرير‭ ‬المغرب‭ ‬نفسه‭.‬

وأخطر‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬الوجود‭ ‬الامبريالي‭ ‬ببلادنا‭ ‬بالنسبة‭ ‬للمثقفين‭ ‬هو‭ ‬مناهج‭ ‬الفكر‭ ‬والتفكير‭ ‬التي‭ ‬بنتها‭ ‬المدرسة‭ ‬الرأسمالية‭ ‬الاستعمارية‭ ‬الفرنسية‭. ‬هذه‭ ‬المناهج‭ ‬والمقاييس‭ ‬التي‭ ‬تمهد‭ ‬الميدان‭ ‬وتجعله‭ ‬خصبا‭ ‬لكل‭ ‬ما‭ ‬توحي‭ ‬به‭ ‬الدعاية‭ ‬الغربية‭ ‬الموالية‭ ‬للصهيونية‭ . ‬وما‭ ‬يزيد‭ ‬ذلك‭ ‬فعالية،‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الدعاية‭ ‬تٌلقَّن‭ ‬لنا‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬اليسار‭ ‬الفرنسي‭ ‬الذي‭ ‬تتحكم‭ ‬فيه‭ ‬الصهيونية‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬القرن‭.‬

لكن‭ ‬مناهج‭ ‬الثقافة‭ ‬الغربية‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬متحكمة‭ ‬تلد‭ ‬التحليلات‭ ‬المطابقة‭ ‬للوضعية‭ ‬الجديدة‭. ‬وتوحي‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬حين‭ ‬بتلك‭ ‬الواقعية‭ ‬المزيفة،‭ ‬المنبنية‭ ‬على‭ ‬تجاهل‭ ‬الواقع‭ ‬أو‭ ‬تحريفه‭ – ‬وهذا‭ ‬التحريف‭ ‬سهل‭ ‬بالنسبة‭ ‬للقضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬إذ‭ ‬أن‭ ‬سرد‭ ‬الأحداث‭ ‬كاف‭ ‬وحده‭ ‬لإغراقها‭ ‬في‭ ‬ملابسات‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بأزمة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬أو‭ ‬مشاكل‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬والإسلامي‭.. ‬وما‭ ‬يدل‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المناظرة‭ ‬بين‭ ‬مثقفين‭ ‬عرب،‭ ‬ابتدأت‭ ‬بدراسة‭ ‬كيفية‭ ‬التعريف‭ ‬بالقضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وكذلك‭ ‬كيفية‭ ‬معرفتها‭.‬

فالمشكلة‭ ‬الأولى،‭ ‬عندما‭ ‬نتساءل‭ ‬عن‭ ‬دور‭ ‬المثقف‭ ‬المغربي،‭ ‬ليست‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬أساليب‭ ‬تكتيكية،‭ ‬لتوعية‭ ‬وتجنيد‭ ‬مختلف‭ ‬فئات‭ ‬الأمة‭ . ‬واختيار‭ ‬‮«‬الوترة‮» ‬‭ ‬أو‭ ‬النغمة‭ ‬المناسبة‭ ‬لكل‭ ‬فئة،‭ ‬إن‭ ‬الأمر‭ ‬أولا‭ ‬وقبل‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬هو‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬إبراز‭ ‬نظرة‭ ‬واضحة‭ ‬وشاملة‭ ‬نحو‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬كقضية‭ ‬تحرير‭ ‬ونضال‭ ‬ضد‭ ‬الصهيونية‭ ‬بوصفها‭ ‬جهازا‭ ‬تابعا‭ ‬وموازيا‭ ‬للامبريالية‭.‬

وهذا‭ ‬المشكل‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬الأطر‭ ‬ذات‭ ‬الثقافة‭ ‬الأوربية‭ ‬وحدها‭ . ‬رأينا‭ ‬بعضهم‭ ‬يشعرون‭ ‬بالصدمة‭ ‬النفسانية،‭ ‬وباحتلال‭ ‬فكرهم‭ ‬وشخصيتهم‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬الأجنبي،‭ ‬ويثورون‭ ‬مرة‭ ‬واحدة‭ ‬ضد‭ ‬ما‭ ‬لقن‭ ‬لهم،‭ ‬لكن‭ ‬ليجدوه‭ ‬ملجأ‭ ‬في‭ ‬مؤلفات‭ ‬السيد‭ ‬قطب‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬المسامرات‭ ‬الصوفية‭.‬

‭ ‬فما‭ ‬هي‭ ‬الفائدة‭ ‬بالنسبة‭ ‬لنصرة‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬فكريا‭ ‬ودعائيا‭ ‬وعمليا‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬إذا‭ ‬اعتبرنا‭ ‬أن‭ ‬الخلط‭ ‬الفكري‭ ‬أو‭ ‬السلبية‭ ‬حقيقتان‭ ‬لا‭ ‬تطبقان‭ ‬على‭ ‬الأطر‭ ‬المكونة‭ ‬بأوربا‭ ‬وحدها‭. ‬بل‭ ‬وما‭ ‬هي‭ ‬الفائدة‭ ‬من‭ ‬ترديد‭ ‬الأماني‭ ‬حول‭ ‬توحيد‭ ‬الأمة‭ ‬الإسلامية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحرير‭ ‬القدس‭.‬

إن‭ ‬المشكلة‭ ‬الأولى‭ ‬هي‭ ‬عدم‭ ‬وجود‭ ‬نظرة‭ ‬واضحة‭ ‬وشاملة‭ ‬مجردة‭ ‬من‭ ‬مناهج‭ ‬الفكر‭ ‬الغربي‭ ‬وواقعيته‭ ‬المزيفة،‭ ‬وكذلك‭ ‬من‭ ‬الشعارات‭ ‬التي‭ ‬أساسها‭ ‬العاطفة‭ ‬والرجوع‭ ‬إلى‭ ‬الماضي‭ ‬المجيد،‭ ‬وبعد‭ ‬ذلك‭ ‬يتضح‭ ‬بسهولة‭ ‬دور‭ ‬المثقف‭ ‬المغربي‭ ‬والخدمات‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬يسديها‭ ‬للقضية‭ ‬الفلسطينية‭.‬

‮1 – ‬ضرورة‭ ‬تصحيح‭ ‬كيفية‭ ‬التفكير

‭ ‬لا‭ ‬نظرة‭ ‬واضحة‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬تنطلق‭ ‬وتنبني‭ ‬على‭ ‬مبدأ‭ ‬أساسي‭ ‬مع‭ ‬جميع‭ ‬نتائجه‭ ‬المنطقية‭. ‬فالنسبة‭ ‬لقضية‭ ‬تحرير‭ ‬فلسطين،‭ ‬المبدأ‭ ‬بسيط‭ ‬ألا‭ ‬وهو‭ ‬حق‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬مصيره‭. ‬ولا‭ ‬حاجة‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬نؤكد‭ ‬عروبتنا‭ ‬عند‭ ‬إقرار‭ ‬هذا‭ ‬المبدأ‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬نزاع‭ ‬فيه‭. ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الاعتراف‭ ‬به،‭ ‬بعني‭ ‬أولا‭ ‬وقبل‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬الاعتراف‭ ‬لشعب‭ ‬فلسطين‭ ‬أن‭ ‬يقرر‭ ‬هو‭ ‬وحده‭ ‬الوسائل‭ ‬والاستراتيجية‭ ‬والتكتيك‭ ‬لتحرير‭ ‬وطنه‭ . ‬والاعتراف‭ ‬الفعلي‭ ‬بذلك‭ ‬هو‭ ‬تأييد‭ ‬جميع‭ ‬المبادرات‭ ‬التي‭ ‬يرتئي‭ ‬اتخاذها،‭ ‬في‭ ‬الميدان،‭ ‬والامتناع‭ ‬عن‭ ‬التساؤلات‭ ‬حول‭ ‬‮«‬الحلول‮»‬‭ ‬وإلا‭ ‬سوف‭ ‬يصبح‭ ‬المبدأ‭ ‬مجرد‭ ‬شعار‭ ‬فارغ‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬مدلول‭.‬

وهذا‭ ‬هو‭ ‬موقف‭ ‬جميع‭ ‬مؤيدي‭ ‬شعب‭ ‬فيتنام‭ ‬الذين‭ ‬يكتفون‭ ‬بمساندة‭ ‬جميع‭ ‬مبادرات‭ ‬بطل‭ ‬الشعوب‭ ‬سواء‭ ‬هجم،‭ ‬أو‭ ‬تفاوض،‭ ‬أو‭ ‬تحمل‭ ‬القنابل،‭ ‬وذلك‭ ‬بدون‭ ‬أن‭ ‬يغرقوا‭ ‬قضيته‭ ‬في‭ ‬ملابسات‭ ‬‮«‬أزمة‭ ‬الهند‭ ‬الصينية‮»‬،‭ ‬وموقف‭ ‬لون‭ ‬لول،‭ ‬أو‭ ‬سوفانا‭ ‬فوما،‭ ‬أو‭ ‬الصين،‭ ‬أو‭ ‬الكامبودج‭ – ‬ولا‭ ‬تجرى‭ ‬أية‭ ‬مهاترات‭ ‬حول‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬والتكتيك،‭ ‬وحول‭ ‬‮«‬الحلول‮»‬‭ ‬عسكرية‭ ‬كانت‭ ‬أو‭ ‬ديبلوماسية،‭ ‬إذ‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬نظرة‭ ‬شاملة‭ ‬للقضية،‭ ‬نظرة‭ ‬واضحة‭ ‬أساسها‭ ‬أن‭ ‬الشعب‭ ‬الفيتنامي‭ ‬يكافح‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إجلاء‭ ‬الامبريالية‭ ‬من‭ ‬بلاده،‭ ‬ويقبل‭ ‬التضحيات‭ ‬اللازمة،‭ ‬وله‭ ‬وحده‭ ‬الصلاحية‭ ‬لإيجاد‭ ‬وقبول‭ ‬‮«‬الحل‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬يعتبره‭ ‬مناسبا‭ ‬لأهدافه‭.‬

فهذا‭ ‬هو‭ ‬الاعتراف‭ ‬بحق‭ ‬تقرير‭ ‬المصير،‭ ‬المبدأ‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يفرغ‭ ‬من‭ ‬محتواه،‭ ‬فالدعاية‭ ‬الغربية‭ ‬المسماة‭ ‬باليسارية‭ ‬تنطق‭ ‬بنفس‭ ‬المبدأ‭ ‬فيما‭ ‬يخص‭ ‬فلسطين‭ ‬لكن‭ ‬مع‭ ‬إضافة‭ ‬كون‭ ‬القضية‭ ‬تختلف‭ ‬عن‭ ‬فيتنام‭ ‬لأنه‭ ‬ليس‭ ‬هناك‭ ‬استيطان‭ ‬ولا‭ ‬دولة‭ ‬معتمدة‭ ‬على‭ ‬شبكة‭ ‬عالمية‭ ‬قوية،‭ ‬الخ‭…‬

ويبدأ‭ ‬النقاش‭ ‬حول‭ ‬‮«‬الحل‮»‬‭. ‬باعتبار‭ ‬ضعف‭ ‬الثورة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬ووجود‭ ‬دولة‭ ‬قوية‭ ‬عسكريا‭ ‬،‭ ‬والوضع‭ ‬الذي‭ ‬تعيش‭ ‬عليه‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬المجاورة‭ ‬الخ‭.. ‬ويبدأ‭ ‬إذن‭ ‬النقاش‭ ‬حول‭ ‬الواقع،‭ ‬وبالتالي‭ ‬حول‭ ‬الواقعية‭ ‬وحلولها‭ ‬وحول‭ ‬التطرف‭ ‬والاعتدال‭ ‬وتصبح‭ ‬المسألة‭ ‬تكتيكية،‭ ‬مسألة‭ ‬التوفيق‭ ‬بين‭ ‬العناصر‭ ‬المكونة‭ ‬لأزمة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭. ‬ويذلك‭ ‬يفرغ‭ ‬المبدأ‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬مدلول،‭ ‬ويختفي‭ ‬وراء‭ ‬التساؤلات‭ ‬حول‭ ‬‮«‬الحل‭ ‬العملي‭ ‬باعتبار‭ ‬تمركز‭ ‬إسرائيل‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والبشري‭ ‬والعسكري‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬والضربات‭ ‬التي‭ ‬تتلقاها‭ ‬الثورة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬من‭ ‬لدن‭ ‬العملاء‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬والإمكانيات‭ ‬التي‭ ‬مازالت‭ ‬بيد‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬لعرقلة‭ ‬سير‭ ‬الثورة‭ – ‬فكثرة‭ ‬التساؤلات‭ ‬راجعة‭ ‬إلى‭ ‬الارتباط‭ ‬بين‭ ‬الاتجاهات‭ ‬والقوات‭ ‬التي‭ ‬لها‭ ‬صلة‭ ‬بالمشكلة‭ ‬الفلسطينية‭-‬

فالتساؤلات‭ ‬هذه‭ ‬لا‭ ‬تجد‭ ‬جوابا،‭ ‬وتنشأ‭ ‬عنها‭ ‬‮«‬الحلقات‭ ‬المفرغة‮»‬‭ ‬وتنمو‭ ‬لتنتهي‭ ‬إلى‭ ‬التباكي‭ ‬حول‭ ‬عدم‭ ‬قدرة‭ ‬العرب‭ ‬ودولهم‭ ‬على‭ ‬توحيد‭ ‬الموقف‭ ‬والجهود‭ ‬ـ‭ ‬وكذلك‭ ‬إلى‭ ‬انتقاد‭ ‬المقاومة‭ ‬وأخطائها‭ ‬وانقساماتها‭ ‬ـ‭ ‬وما‭ ‬يبقى‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬التساؤلات‭ ‬والمناقشات‭ ‬حول‭ ‬الحلول‭ ‬إلا‭:‬

‭- ‬ رفض‭ ‬الاستسلام،‭ ‬لأن‭ ‬الشعور‭ ‬بعروبتنا‭ ‬جعل‭ ‬حدا‭ ‬لموقف‭ ‬اللامبالاة‭.‬

‭ ‬ـ‭ ‬رفض‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يشكل‭ ‬تدخلا‭ ‬في‭ ‬شؤون‭ ‬الثورة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬باعتبار‭ ‬أن‭ ‬استقلالها‭ ‬الضمانة‭ ‬الوحيدة‭ ‬ضد‭ ‬الاستسلام‭ ‬المطلق‭.‬

لكن‭ ‬هنا‭ ‬يقف‭ ‬مدلول‭ ‬مبدأ‭ ‬تقرير‭ ‬المصير،‭ ‬مدلول‭ ‬سلبي،‭ ‬أساسه‭ ‬ما‭ ‬يجب‭ ‬رفضه‭. ‬أما‭ ‬الجانب‭ ‬الإيجابي،‭ ‬الأهداف‭ ‬القريبة‭ ‬والبعيدة،‭ ‬فإنها‭ ‬تبقى‭ ‬خاضعة‭ ‬لنفس‭ ‬التساؤلات‭ ‬والمناقشات‭ ‬حول‭ ‬‮«‬الحلول‮»‬‭.‬

‭ ‬والحقيقة‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المناقشات‭ ‬الجارية‭ ‬باستمرار‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬المثقفين‭ ‬المغاربة،‭ ‬هي‭ ‬نفسها‭ ‬التي‭ ‬تدور‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬اليسار‭ ‬الأوربي‭ ‬المعادي‭ ‬للاستعمار،‭ ‬وتتغير‭ ‬مع‭ ‬تطور‭ ‬الأحداث‭. ‬ومناهج‭ ‬فكرهم‭ ‬الغربي‭ ‬الأبوي‭ ‬جعلتهم‭ ‬سنة‭ ‬‮١٩٦٧‬‭ ‬يؤيدون‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬إسرائيل‭ ‬والشعب‭ ‬الفيتنامي‭ ‬بدون‭ ‬أن‭ ‬يروا‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬تناقضا‭ ‬وبدون‭ ‬أي‭ ‬ارتباك‭ ‬لأن‭ ‬إسرائيل‭ ‬والصهيونية‭ ‬كانتا‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬القرن‭ ‬جزءا‭ ‬مندمجا‭ ‬في‭ ‬الفكر‭ ‬والنضال‭ ‬اليساري‭ ‬بالنسبة‭ ‬إليهم‭. ‬وبعدما‭ ‬تجلى‭ ‬التناقض‭ ‬بوضوح‭ ‬أصبحوا‭ ‬ينادون‭ ‬بالسلم‭ ‬والوفاق‭. ‬ثم‭ ‬افتضح‭ ‬أمر‭ ‬إسرائيل‭ ‬ونوع‭ ‬السلم‭ ‬والوفاق‭ ‬الذين‭ ‬تريدهما،‭ ‬فمبدأ‭ ‬التمييز‭ ‬بين‭ ‬المتطرفين‭ ‬والمعتدلين‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬جانب‭.‬

لكن‭ ‬هذه‭ ‬التطوارات‭ ‬فرضتها‭ ‬حدة‭ ‬الأزمة‭ ‬وتصاعد‭ ‬كفاح‭ ‬الثورة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬فرضتها‭ ‬إرادة‭ ‬الصهيونية‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬كيانها‭. ‬إنها‭ ‬مناقشات‭ ‬داخل‭ ‬معسكرها‭. ‬بين‭ ‬حمائمها‭ ‬وصقورها،‭ ‬مناقشات‭ ‬حول‭ ‬إيجاد‭ ‬الحلول‭ ‬الملائمة‭ ‬للوضع‭ ‬الجديد‭ ‬عندما‭ ‬أصبح‭ ‬وجود‭ ‬إسرائيل‭ ‬منازع‭ ‬فيه‭ ‬دوليا‭ ‬وفي‭ ‬الميدان‭. ‬والدليل‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المناقشات‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬اليسار‭ ‬الأوربي‭ ‬نقص‭ ‬اتساعها،‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬فقدت‭ ‬أحداث‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬حدتها،‭ ‬وان‭ ‬تكلف‭ ‬العملاء‭ ‬بتصفية‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية‭.‬

‭ ‬فها‭ ‬هم‭ ‬حولوا‭ ‬إلى‭ ‬صفوفنا‭ ‬المناقشات‭ ‬الخاصة‭ ‬بمعسكر‭ ‬الصهيونية،‭ ‬والتساؤلات‭ ‬المطروحة‭ ‬على‭ ‬المحتل‭. ‬وإذا‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬حلقات‭ ‬مفرغة،‭ ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬عجز‭ ‬عن‭ ‬الجواب‭ ‬أمام‭ ‬تلك‭ ‬التساؤلات‭ ‬فذلك‭ ‬لأنها‭ ‬تساؤلات‭ ‬مطروحة‭ ‬ليس‭ ‬علينا‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬المحتل،‭ ‬لأن‭ ‬قضية‭ ‬الحلول‭ ‬مطروحة‭ ‬لا‭ ‬علينا‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬المحتل‭ ‬الذي‭ ‬أصبح‭ ‬وجوده‭ ‬منازعا‭ ‬فيه‭. ‬والذي‭ ‬تحولت‭ ‬دولته‭ ‬إلى‭ ‬مجرد‭ ‬ثكنة‭ ‬عسكرية‭ ‬يعلم‭ ‬أنه‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬وسعه‭ ‬أن‭ ‬يضمن‭ ‬وجودها‭ ‬في‭ ‬المدى‭ ‬البعيد‭.‬

فالمشكل‭ ‬إذن‭ ‬هو‭ ‬أولا‭ ‬وقبل‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬أن‭ ‬ننتبه‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬المناقشات‭ ‬حول‭ ‬الحلول‭ ‬والواقعية‭ ‬مناقشات‭ ‬تهم‭ ‬العدو‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬حولها‭ ‬إلى‭ ‬صفوفنا‭ ‬لنجيب‭ ‬عن‭ ‬الأسئلة‭ ‬المطروحة‭ ‬عليه‭. ‬فلنر‭ ‬الفيتناميين‭ ‬الذين‭ ‬لم‭ ‬يسقطوا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الفخ،‭ ‬والذين‭ ‬لا‭ ‬يتساءلون‭ ‬حول‭ ‬الحلول‭. ‬المبدأ‭ ‬الذي‭ ‬يحرك‭ ‬سكناتهم‭ ‬هو‭ ‬الفيتنام‭ ‬لأصحابها،‭ ‬وما‭ ‬على‭ ‬المحتل‭ ‬إلا‭ ‬الجلاء‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬قوته،‭ ‬وتعدد‭ ‬عملائه،‭ ‬ووسائل‭ ‬الإبادة‭ ‬التي‭ ‬يتوفر‭ ‬عليها‭ ‬ويستعملها‭. ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يجد‭ ‬الحلول،‭ ‬ويجيب‭ ‬عن‭ ‬تساؤلات‭ ‬حمائمه‭ ‬وصقوره‭.‬‭ ‬

على‭ ‬العدو‭ ‬أن‭ ‬يتناول‭ ‬مشاكله‭ ‬بنظرة‭ ‬الواقعية،‭ ‬أي‭ ‬الخضوع‭ ‬إلى‭ ‬إرادة‭ ‬الشعب‭ ‬المجاهد،‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يغير‭ ‬مناهجه‭ ‬الفكرية،‭ ‬وإستراتيجيته‭ ‬العالمية،‭ ‬وأن‭ ‬يسافر‭ ‬إلى‭ (‬بيكين‭) ‬أو‭ (‬موسكو‭) ‬أو‭ ‬غيرهما‭.‬

فنفس‭ ‬الاتجاه،‭ ‬هو‭ ‬السائد‭ ‬ببلاد‭ ‬وشعب‭ ‬إرلندا‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يتنازل‭ ‬عن‭ ‬المبدأ‭ ‬ويحارب‭ ‬من‭ ‬أجله‭ ‬منذ‭ ‬قرن‭ ‬ونصف‭ – ‬يستعمل‭ ‬العنف‭ ‬من‭ ‬جديد،‭ ‬ويترك‭ ‬لحكومة‭ ‬جلالتها‭ ‬مشكل‭ ‬الواقعية،‭ ‬والتساؤل‭ ‬حول‭ ‬الحلول،‭ ‬والسقوط‭ ‬في‭ ‬الحلقات‭ ‬المفرغة‭.‬

‭ ‬فأول‭ ‬تصحيح‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يطرأ‭ ‬على‭ ‬تفكير‭ ‬أطرنا،‭ ‬هو‭ ‬الرجوع‭ ‬إلى‭ ‬مبدأ‭ ‬الانطلاق،‭ ‬ورفض‭ ‬التساؤلات‭ ‬التي‭ ‬تفرغه‭ ‬من‭ ‬مدلوله،‭ ‬والانتباه‭ ‬إلى‭ ‬أنها‭ ‬تساؤلات‭ ‬مطروحة‭ ‬على‭ ‬العدو‭. ‬ويجب‭ ‬أن‭ ‬تبقى‭ ‬مطروحة‭ ‬عليه‭ ‬وحده،‭ ‬لا‭ ‬نجيب‭ ‬عنها،‭ ‬وإنما‭ ‬ندرسها‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬نقط‭ ‬ضعفه‭ ‬ومن‭ ‬أجل‭ ‬تكييف‭ ‬وسائل‭ ‬الحرب‭ ‬التحريرية،‭ ‬وإيجاد‭ ‬الحلول‭ ‬المناسبة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مرحلة،‭ ‬وكل‭ ‬آونة‭ ‬من‭ ‬النضال‭.‬

فهذه‭ ‬هي‭ ‬الحلول‭ ‬الوحيدة‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬البحث‭ ‬عنها،‭ ‬الحلول‭ ‬التي‭ ‬يوحى‭ ‬بها‭ ‬مبدأ‭ ‬التحرير‭ ‬والإيمان‭ ‬بشرعية‭ ‬قضيتنا،‭ ‬مع‭ ‬تتبع‭ ‬حركات‭ ‬العدو‭ ‬وواقعيته‭ ‬حتى‭ ‬نزيد‭ ‬من‭ ‬المشاكل‭ ‬المطروحة‭ ‬عليه،‭ ‬وبالتالي‭ ‬من‭ ‬التساؤلات‭ ‬المطروحة‭ ‬على‭ ‬حمائمه‭ ‬وصقوره‭. ‬وبهذه‭ ‬العقلية‭ ‬التفكير‭ ‬لم‭ ‬تبق‭ ‬هناك‭ ‬حلقات‭ ‬مفرغة،‭ ‬وإنما‭ ‬قضايا‭ ‬التحرير‭ ‬اليومية‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬مواجهة‭ ‬مبادرات‭ ‬العدو‭ ‬المباشر‭ ‬ومعه‭ ‬العملاء،‭ ‬تلك‭ ‬القضايا‭ ‬المعقدة‭ ‬التي‭ ‬حلها‭ ‬ليس‭ ‬مشكل‭ ‬فرعي‭ ‬وإيديولوجي،‭ ‬وإنما‭ ‬مشكل‭ ‬التزام‭ ‬وعمل‭.‬

‭ ‬‮2 – ‬مشكل‭ ‬الالتزام‭ ‬والمساهمة‭ ‬العملية‭ ‬في‭ ‬نصرة‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬

قلنا‭ ‬أن‭ ‬عدم‭ ‬إفراغ‭ ‬المبدأ‭ ‬من‭ ‬مدلوله،‭ ‬هو‭ ‬الاعتراف‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬بتقرير‭ ‬مصيره‭. ‬إنه‭ ‬قرر‭ ‬مباشرة‭ ‬الحرب‭ ‬التحريرية،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬استرجاع‭ ‬وطنه،‭ ‬وله‭ ‬أن‭ ‬يباشرها‭ ‬بالكيفية‭ ‬التي‭ ‬يقررها‭. ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬التطورات‭ ‬ومواقف‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭.‬

ولكن‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نتجاهل‭ ‬الارتباط‭ ‬بين‭ ‬الصراع‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الدول‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬وبين‭ ‬الحرب‭ ‬التحريرية‭ ‬التي‭ ‬يخوضها‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭ ‬،‭ ‬كما‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نتجاهل‭ ‬واجب‭ ‬المساهمة‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬شعبنا،‭ ‬المساهمة‭ ‬الملموسة‭ ‬والعملية،‭ ‬وبالتالي‭ ‬سلبية‭ ‬الحاكمين‭ ‬ببلادنا‭ ‬ومبادراتهم‭ ‬المناهضة‭ ‬لمصلحة‭ ‬الثورة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬ووجود‭ ‬شبكة‭ ‬صهيونية‭ ‬قوية‭ ‬الجذور‭ ‬والموارد‭ ‬ببلادنا‭. ‬وكذلك‭ ‬وجود‭ ‬قواعد‭ ‬عسكرية‭ ‬يستقدمها‭ ‬الأسطول‭ ‬الأمريكية‭ ‬السادس‭ ‬الذي‭ ‬يحرس‭ ‬شواطئ‭ ‬وكيان‭ ‬إسرائيل‭.‬

هذه‭ ‬هي‭ ‬مشاكلنا‭ ‬والتساؤلات‭ ‬التي‭ ‬تهمنا‭ ‬كعرب،‭ ‬والتي‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نجد‭ ‬لها‭ ‬الأجوبة‭ ‬والحلول‭ ‬الملائمة‭ ‬لدعم‭ ‬حرب‭ ‬التحرير‭ ‬الفلسطينية‭ . ‬الحلول‭ ‬التي‭ ‬توحي‭ ‬بها‭ ‬إرادة‭ ‬التحرير،‭ ‬والتشبث‭ ‬بالمبدأ،‭ ‬والشعور‭ ‬الوطني،‭ ‬ومعها‭ ‬العداء‭ ‬والكراهية‭ ‬للعدو‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬بدونها‭ ‬الثبات‭ ‬في‭ ‬النضال‭. ‬فالواقعية‭ ‬تصبح‭ ‬إذ‭ ‬ذاك‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬رفض‭ ‬الحلول‭ ‬السهلة‭ ‬والدراسة‭ ‬الموضوعية‭ ‬لنقط‭ ‬الضعف‭ ‬ولقوة‭ ‬العدو،‭ ‬واعتبار‭ ‬جميع‭ ‬العناصر‭ ‬التي‭ ‬لها‭ ‬تأثير‭ ‬على‭ ‬سير‭ ‬حرب‭ ‬التحرير‭.‬

والواقعية‭ ‬تصبح‭ ‬إذ‭ ‬ذاك‭ ‬مصدر‭ ‬ابتكار‭ ‬وضمانة‭ ‬لفعالية‭ ‬العمل،‭ ‬وهنا‭ ‬يكون‭ ‬موقف‭ ‬المثقف‭ ‬وتصرفه‭ ‬انعكاسات‭ ‬ونتيجة‭ ‬لدرجة‭ ‬التزامه‭ ‬في‭ ‬حركة‭ ‬التحرير‭ ‬ضد‭ ‬الامبريالية‭ ‬بصفة‭ ‬عامة،‭ ‬ولنوع‭ ‬مواقفه‭ ‬بالنسبة‭ ‬لقضايا‭ ‬التحرير‭ ‬ببلاده‭ ‬أولا‭ ‬وقبل‭ ‬كل‭ ‬شيء‭. ‬وهذه‭ ‬حقيقة‭ ‬تعم‭ ‬جميع‭ ‬المثقفين‭ ‬المغاربة‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬نوعية‭ ‬ثقافتهم‭ ‬وانتماءاتهم‭ ‬الحزبية‭.‬

واقعية‭ ‬المناضل‭ ‬هذه،‭ ‬تفرض‭ ‬على‭ ‬المثقف‭ ‬المغربي‭ ‬الذي‭ ‬يريد‭ ‬نصرة‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬ويغير‭ ‬على‭ ‬استقلال‭ ‬الثورة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬ويؤمن‭ ‬بأن‭ ‬فلسطين‭ ‬سوف‭ ‬لا‭ ‬يحررها‭ ‬إلا‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬أنفسهم،‭ ‬تفرض‭ ‬عليه‭ ‬بالمقابل‭ ‬أن‭ ‬يعتبر‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬وجيوشها‭ ‬مجرد‭ ‬دعم‭ ‬للقضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬تزيد‭ ‬أو‭ ‬تنقض‭ ‬أهميته‭ ‬حسب‭ ‬حدة‭ ‬‮«‬أزمة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‮»‬‭. ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يعتبر‭ ‬أن‭ ‬مشكل‭ ‬التأثير‭ ‬على‭ ‬الأنظمة‭ ‬القائمة‭ ‬مطروح‭ ‬لا‭ ‬على‭ ‬الثورة،‭ ‬وإنما‭ ‬على‭ ‬الشعوب‭ ‬المعنية،‭ ‬وبالتالي‭ ‬على‭ ‬المثقفين‭ ‬القادرين‭ ‬على‭ ‬محاربة‭ ‬التضليل‭ ‬والتبريرات‭ ‬المصطنعة،‭ ‬وتجنيد‭ ‬الطاقات‭ ‬الشعبية‭ ‬لنصرة‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬ضد‭ ‬الحاكمين‭ ‬إن‭ ‬اقتضى‭ ‬الحال‭.‬

‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬دورهم‭ ‬الطبيعي‭ ‬وواجبهم‭ ‬نحو‭ ‬شعب‭ ‬فلسطين‭. ‬وهذا‭ ‬الدور‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬القيام‭ ‬به‭ ‬إلا‭ ‬بصفة‭ ‬منظمة‭ ‬وموحدة‭ ‬وبتنسيق‭ ‬مع‭ ‬ممثلي‭ ‬الثورة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬الشيء‭ ‬الذي‭ ‬يستلزم‭ ‬الانتباه‭ ‬إلى‭ ‬بعض‭ ‬الحقائق‭ ‬التي‭ ‬تفسر‭ ‬تقصيرنا‭ ‬نحن‭ ‬الأطر‭ ‬المغربية،‭ ‬وعدم‭ ‬نجاح‭ ‬المحاولات‭ ‬والتجارب‭.‬‬

أولا‭: ‬ هناك‭ ‬السياسة‭ ‬الرسمية‭ ‬التي‭ ‬تخشى‭ ‬كل‭ ‬عمل‭ ‬جماعي‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬نوعه‭ ‬وأهدافه،‭ ‬خصوصا‭ ‬وأنها‭ ‬تعلم‭ ‬هوية‭ ‬أصحابه‭. ‬فلذلك‭ ‬لا‭ ‬حاجة‭ ‬في‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تقدم‭ ‬الدولة‭ ‬تسهيلات‭ ‬أو‭ ‬وسائل،‭ ‬حتى‭ ‬نجد‭ ‬أنفسنا‭ ‬منهمكين‭ ‬في‭ ‬قضايا‭ ‬الاحتجاج‭ ‬وغيرها‭. ‬فالمسألة‭ ‬إذن‭ ‬مسألة‭ ‬نشاط‭ ‬توعية‭ ‬وسط‭ ‬الجماهير‭ ‬الشعبية‭ ‬بالوسائل‭ ‬المتوفرة‭. ‬ولو‭ ‬كانت‭ ‬ضئيلة‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬توسيع‭ ‬التيار‭ ‬الشعبي‭ ‬مع‭ ‬محاربة‭ ‬التضليل‭ ‬والتبريرات‭ ‬المصطنعة‭.‬

ثانيا‭: ‬ هناك‭ ‬كذلك‭ ‬المجادلات‭ ‬العقيمة‭ ‬التي‭ ‬نحن‭ ‬في‭ ‬غنى‭ ‬عنها‭ ‬عندما‭ ‬نفكر‭ ‬في‭ ‬القيام‭ ‬بدورنا‭ ‬وواجبنا‭ ‬إزاء‭ ‬الشعبي‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬إن‭ ‬قضيته‭ ‬فوق‭ ‬جميع‭ ‬الاعتبارات‭ ‬الحزبية،‭ ‬لكن‭ ‬‮«‬الحياد‮»‬‭ ‬وخدمة‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وحدها‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬التشكيك‭ ‬في‭ ‬نوايا‭ ‬القوات‭ ‬الوطنية‭ ‬المنظمة،‭ ‬أو‭ ‬اعتبار‭ ‬خدمة‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬خارجة‭ ‬عن‭ ‬مهامها‭ ‬بسبب‭ ‬وجود‭ ‬جمعية‭ ‬ما‭.‬

ثالثا‭: ‬ هناك‭ ‬تلك‭ ‬الظاهرة‭ ‬التي‭ ‬تحول‭ ‬دون‭ ‬فعالية‭ ‬أي‭ ‬عمل‭ ‬واسع‭ ‬النطاق،‭ ‬ألا‭ ‬وهي،‭ ‬‮«‬الإديولوجيت‮»‬،‭ (‬مرض‭ ‬الإيديولوجية‭)‬،‭ ‬الذي‭ ‬يضيع‭ ‬الوقع‭ ‬في‭ ‬إيجاد‭ ‬التفسير‭ ‬الإيديولوجي‭ ‬المزعوم‭ ‬لكل‭ ‬مبادرة‭ ‬أو‭ ‬عمل،‭ ‬وفي‭ ‬تصنيف‭ ‬الأطرالتي‭ ‬تحاول‭ ‬خدمة‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭.‬

وهذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬الأخيرة‭ ‬هي‭ ‬انعكاس‭ ‬للمجادلات‭ ‬القائمة‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬نفسها‭. ‬وكثيرا‭ ‬ما‭ ‬يتحول‭ ‬بسببها‭ ‬عمل‭ ‬التوضيح‭ ‬ومحاربة‭ ‬التضليل‭ ‬الحكومية،‭ ‬إلى‭ ‬مجادلات‭ ‬بين‭ ‬المثقفين‭ ‬والشباب،‭ ‬مجادلات‭ ‬توزعهم‭ ‬إلى‭ ‬فئات‭ ‬مؤيدة‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬المنظمات‭ ‬الفلسطينية‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬الجماهير‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تؤمن‭ ‬إلا‭ ‬بالنضال‭ ‬الفعلي‭ ‬الملموس‭ ‬ولا‭ ‬تعير‭ ‬أي‭ ‬اعتبار‭ ‬لهذه‭ ‬المجادلات‭.‬

فهذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬خطيرة‭ ‬جدا‭ ‬باعتبار‭ ‬أنها‭ ‬ليست‭ ‬عرقلة‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬العمل‭ ‬الجماعي‭ ‬المنظم‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬كذلك‭ ‬تحول‭ ‬الأنظار‭ ‬عما‭ ‬يمكن‭ ‬للأطر‭ ‬القيام‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬خدمات‭ ‬فردية‭. ‬فلذلك‭ ‬يجب‭ ‬الإلحاح‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬جميع‭ ‬الخدمات‭ ‬والمبادرات‭ ‬كانت‭ ‬فردية‭ ‬أو‭ ‬جماعية‭ ‬إذا‭ ‬وفرت‭ ‬له‭ ‬الوسائل‭ ‬المادية‭ ‬والدعائية،‭ ‬وتمت‭ ‬اليقظة‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬الشعب‭ ‬المغربي‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬الشعوب‭ ‬العربية‭ ‬الأخرى‭ ‬ونقصت‭ ‬من‭ ‬تركز‭ ‬وتأثير‭ ‬الشبكات‭ ‬الصهيونية‭.‬

فدور‭ ‬المثقفين‭ ‬هو‭ ‬إثارة‭ ‬هذه‭ ‬المبادرات‭ ‬وتنسيقها‭ ‬مع‭ ‬تلافي‭ ‬الأخطاء‭ ‬التي‭ ‬أشرنا‭ ‬إليها‭ ‬والتي‭ ‬اتسمت‭ ‬بها‭ ‬تجربتنا‭.‬

وفي‭ ‬النهاية‭ ‬ترجع‭ ‬القضية‭ ‬كلها‭ ‬إلى‭ ‬التردد‭ ‬ومحاربة‭ ‬التردد‭. ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬ذلك،‭ ‬إلا‭ ‬بمبادرة‭ ‬تتخذها‭ ‬العناصر‭ ‬الطلائعية‭ ‬ابتداء‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المناظرة،‭ ‬مبادرة‭ ‬نحو‭ ‬جمهور‭ ‬الأطر‭ ‬المثقفة‭ ‬ترمي‭ ‬إلى‭ ‬تصحيح‭ ‬نظرة‭ ‬بعضهم‭ ‬وتجنيدهم‭ ‬كطاقة‭ ‬هائلة‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬الثورة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬باعتبارها‭ ‬محرك‭ ‬عجلة‭ ‬التحرير‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي”‭.‬

‫شاهد أيضًا‬

الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس يناقض أفكاره الخاصة عندما يتعلق الأمر بأحداث غزة * آصف بيات

(*) المقال منقول عن : مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية ألقى أحد الفلاسفة الأكثر…