في المفهوم:

     كلاسيكي تعني أن شيئًا ما, يعتبر مثالاً تامًا على نمط معين، ويتميز بقيمة خالدة. كقولنا (لوحة كلاسيكية). وتشير الكلمة إلى جودة محددة في الفنون والعمارة والأدب والصناعات الثقافيّة الأخرى. وتستعمل كلمة كلاسيكي لوصف العديد من الأحداث الرياضية القديمة. وعلى المستوى العامي يمكن أن تطلق على رجل ذو عقلية كلاسيكيّة, أو على أثاث منزلي بأنه كلاسيكي, أي يمكن أن تطلق على أي شيء يوصف بأنه «قديم جدًا».

وينبغي ألّا تلتبس كلمة «كلاسيكي» مع كلمة اتباعي والتي تشير تحديدًا إلى نمط ثقافي معين وخاصة في أنماط الموسيقى والعمارة: والتي بصورة عامة تستلهم طبيعتها من التقاليد الكلاسيكية.(1). الويكيبيديا. بتصرف

     أما الكلاسيكيّة في الفنون والأدب والثقافة, موضوع دراستنا فتشير إلى الحِقْبة الكلاسيكيّة القديمة في النقد التقليدي الغربي، بصفتها الإطار المعياري للذوق الذي سعى الكلاسيكيون إلى محاكاته. وتُعتبر الكلاسيكيّة اتجاهاً جماليّاً قائماً على المبادئ المترسخة في الثقافة والفن والأدب لدى الإغريق والرومان القدامى، ومن أهم سماتها البساطة في الشكل, والاتساق, ووضوح البنيان, والمثاليّة, والحركة المقيدة، وجذب المشاهد عن طريق جعل العمل صريحاً وجليّاً. والكلاسيكيّة كمذهب أدبي وفني، أو كما (يطلق عليه أيضاً “المذهب الاتباعي” أو المدرسي.. كان يقصد به في القرن الثاني الميلادي الكتابة الأرستقراطيّة الرفيعة الموجهة للصفوة المثقفة الموسرة من المجتمع الأوروبي.). (2). وهي في أحد تجلياتها أيضاً نوع خاص من الفلسفة، تعبّر عن نفسها من خلال الأدب والعمارة والفن والموسيقى, وتركز بشكل أكثر على المجتمع.

     والمدرسة الكلاسيكيّة في عصر النهضة الأوروبية، كانت عبارة عن نزعة أخذت تتكرر بأشكال مختلفة أهمها, أو أبروزها تلك الحركات الفنيّة التي تمثلت في معالم إحياء الفنين الكارولنجي والأتوني..

     ففي الفن الكارولنجي: (وهو نزعة فنيّة نسبت إلى الملك”شارلمان”771م. وكانت خصائص الإصلاح في هذا الفن التي تبناها شارلمان, تهدف إلى القضاء على فوضى البرابرة – (غير الأوربيين) – وبخاصة طراز فنونهم الزخرفية اللاتشخيصيّة، والعودة بالفن في أوربا إلى الفن التشخيصي وتقاليد فنون إيطاليا القديمة أو الامبراطوريّة الرومانيّة. (3).

     أما الفن (الأتوني). فهو فن العمارنة, أو أسلوب العمارة, وهو أسلوب اتُبع في حقبة العمارنة أثناء فترة حكم “أخناتون” وما بعدها مباشرةً (نحو 1351- 1334 ق.م.) في أواخر حكم الأسرة الثامنة عشر أثناء حقبة المملكة الجديدة. (يتميز هذا الأسلوب بالإحساس بالحركة والنشاط في صوره, فترى الشخصيات رافعة رؤوسها وترى عدّة شخصيات متشابكة بالإضافة إلى عدّة مشاهد مزدحمة. وقد مُثل الجسد البشري بطريقة مختلفة, حيث تظهر الشخصيات دائمًا من الجانب نحيلة متمايلة بأطراف مبالغ فيها بالنقش البارز. وكانت صور “أخناتون” بالتحديد تعطيه صفات أنثوية مميزة مثل حوض واسع وثديين بارزين وبطن وفخذين كبيرين. بينما هناك قطع أخرى لا تظهر بها سمات هذا الأسلوب بنفس الوضوح مثل أشهر عمل في كل أعمال العمارنة وهو تمثال نفرتيتي في برلين.).  (4).

     بعد القرن الثالث عشر الميلادي ظهرت في إيطاليا بداية حركة إحياء للآداب اليونانيّة القديمة، وذلك بعد اطلاع النقاد والأدباء على كتب “أرسطو” في أصولها اليونانيّة وترجماتها العربيّة، التي نُقلت عن طريق الأندلس وصقليّة وبلاد الشام بعد الحروب الصليبيّة. وخاصة بعد سقوط بيزنطة ونشوء التجارة بين العالم الأوروبي والإسلامي. وإن نقل هذه العلوم جلب لأوروبا دفقًا من المعرفة حول أوروبا القديمة، تلك المعرفة التي استمدها العرب أساساً من أوروبا القديمة. وحتى تلك الفترة، اعتُبرت الفترة الكلاسيكيّة القديمة جزءًا من تاريخ المسيحيّة المستمر الذي ابتدأ مع تبني الإمبراطور الروماني قسطنطين الأول المسيحيّة ديناً للإمبراطورية الرومانيّة.(5).

      أما مع القرنين الرابع عشر والخامس عشر, فقد انتشرت في اوروبا حركة نهضة أدبيّة وفكريّة حررت العقول والفنون الجميلة من القيود الدينيّة التي فرضتها مفاهيم فترة العصور الوسطى، وفيها اهتم الفنانون والمفكرون بالفنون والافكار الإغريقيّة والرومانيّة القديمة التي كانت سائدة, قبل ما تبدأ مرحلة التقهقر والانحطاط الثقافي التي عمت عصور الظلام في العصر الوسيط، ليس من أجل تقليدها فحسب, وإنما لدراستها ومناقشتها بحريّه أيضاً كحافز للنهوض والتقدم, وبذلك بدأ التفكير الفني والادبي والعلمي يتخطى حدود الفكر الديني الغيبي الضيق الذى كان مفروضاً عن طريق رجال الدين والكنيسة فى العصور الوسطى. إن عصر النهضة كان أساس ومفتاح أوروبا لدخول عصر التنوير ومن بعده عصر العلم الحديث. (6).

     وفي القرنين السادس عشر والسابع عشر, تبنت الكلاسيكيّة معانٍ إضافيّة بنيويّة, مثل الانتظام وقابلية التنبؤ واستخدام الجغرافيا وأهميّة التربية الصارمة. حيث شهدت تلك الفترة محاولة إحياء أشكال الفنون الكلاسيكيّة، مثل الدراما والموسيقا الإغريقيتين. إذ شهدت الأوبرا، في شكلها الأوروبي الحديث، محاولات عديدة لإعادة خلق مزيجٍ من الغناء والرقص مع المسرح باعتباره قاعدة الفن الإغريقي. (7).

    نعم… ففي عصر النهضة, قُصد بالأدب والفن الكلاسيكي, كل أدب يبلور المثل الإنسانيّة المتمثلة في الخير والحق والجمال, وهي المثل التي لا تتغير باختلاف المكان والزمان والطبقة الاجتماعيّة. الأمر الذي يجعل هذا المذهب وفقاً لهذه المُثل والخصائص الجديدة ما يمكنه من البقاء وإثارة اهتمام الأجيال المتعاقبة. حيث  يقول عنه أتباعه (إنه يبلور ويهدف أيضاً إلى العناية بأسلوب الكتابة وفصاحة اللغة وأناقة العبارة وربط الأدب بالمبادئ الأخلاقية، ومن خصائصه كذلك عنايته الكبرى بالأسلوب والحرص على مخاطبة جمهور مثقف في الغالب, والتعبير عن العواطف الإنسانيّة العامة, وتوظيفه لخدمة الغايات التعليميّة واحترام التقاليد الاجتماعيّة السائدة. (8).

أبرز مؤسسي المدرسة الكلاسيكية في النقد الأدبي والفني:

     يعد الكاتب اللاتيني “أولوس جيليوس” هو أول من استعمل لفظ الكلاسيكيّة على أنه اصطلاح مضاد للكتابة الشعبية، في القرن الثاني الميلادي.

     وأول من طور الكلاسيكية الكاتب الإيطالي “بوكاتشيو” 1313-1375م,  حيث ألغى الهوة بين الكتابة الأرستقراطيّة والكتابة الشعبيّة، وتعود له أصول اللغة الإيطالية المعاصرة.

     وكان هناك أيضاً رائد المدرسة الإنكليزيّة “شكسبير” 1564-1616م الذي طور الكلاسيكيّة في عصره، ووجه الأذهان إلى الأدب الإيطالي في العصور الوسطى ومطالع عصر النهضة,

       وهناك الأديب والمسرحي الفرنسي “جان بولكان موليير” (1622م- 1673م) و والشاعر الفرنسي ” جان دولافونتين” (1621م- 1695م) والكاتب المسرحي الفرنسي “كورني بيير” (1606م-1684م) و والشاعر والمسرحي “جان راسين” (1639م-1699م) والأديب البريطاني “جون أولدهام” (1653م- 1683م).(9).  

المذهب الكلاسيكي الحديث في الغرب:

 المدرسة الفرنسيّة أنموذجاً:

      تعتبر المدرسة الفرنسية التي أسست على يد الناقد الفرنسي “نيكولا بوالو” 1636 – 1711م في كتابه الشهير (فن الأدب) الذي ألفه عام 1674م. من قونّن قواعد الكلاسيكيّة وأبرزها للوجود من جديد، ولذا يعد ” نيكولا بوالو” مُنظر المذهب الكلاسيكي الفرنسي الذي يحظى باعتراف الجميع.

لقد قام المذهب الكلاسيكي الحديث، الذي أنشأته المدرسة الفرنسيّة على الأفكار والمبادئ التالية:

     1- تقليد الأدب اليوناني والروماني في تطبيق القواعد الأدبيّة والنقديّة وخاصة القواعد الأرسطيّة في الكتابين الشهيرين: (فن الشعر وفن الخطابة) لـ “أرسطو”.

     2- اعتبار العقل هو الأساس والمعيار لفلسفة الجمال في الأدب، وهو الذي يحدد الرسالة الاجتماعيّة للأديب والشاعر، وهو الذي يوحد بين المتعة والمنفعة.

     3- اعتبار الأدب للصفوة المثقفة الموسرة وليس لسواد الشعب، لأن أهل هذه الصفوة هم أعرف بالفن والجمال، فالجمال الشعري خاصة لا تراه كل العيون.

     4- الاهتمام بالشكل وبالأسلوب وما يتبعه من فصاحة وجمال وتعبير.

     5- اعتبار قيمة العمل الأدبي تكمن في تحليله للنفس البشرية, والكشف عن أسرارها بأسلوب بارع ودقيق وموضوعي، بصرف النظر عما في هذه النفس من خير أو شر.

     6- إن غاية الأدب في هذه المدرسة, هو الفائدة الخلقيّة من خلال المتعة الفنيّة، وهذا يتطلب التعلم والصنعة، ويُعتمد عليها أكثر مما يعتمد على الإلهام والموهبة.(10).

     على العموم: لقد ارتبط المذهب الكلاسيكي إلى حدً كبير بالنظرة اليونانية الوثنية على ما يبدو، وحمل كل تصوراتها وأفكارها وأخلاقها وعاداتها وتقاليدها. وفي جميع الأجناس الأدبية من نقد أدبي وأسطورة إلى شعر ومسرح.

     لا شك أن كل هذه القيم والمبدئ بتوجهاتها العقليّة والإنسانيّة التي أشرنا إليها أعلاه, والتي بشرت بها المدرسة الفرنسية الكلاسيكية الجديدة في الأدب والفن, قد وقفت ضدها الكنسية سابقاً  عندما كانت هذه الكنيسة وتعالميها الدينيّة المدرسيّة (السكولائية) هي من يفرض ويشكل وعي وسلوك الإنسان عموما في أوربا والمبدع بشكل خاص, لقد حاربتها وحالت دون حضورها باعتبارها قيماً وثنيّة، جاهدة أن تصبغ الأدب في عصرها بالطابع المسيحي، مستمدة قيمها من الإنجيل, إلا أنها فشلت أمام قوة هذه الأصول اليونانيّة العقلانيّة وتجذرها في البنية الثقافية والفنية والأدبية القائمة منذ عصر النهضة الأوربيّة وبعده, إضافة لما حققه التطور اللاحق بسبب تطور الثورة الصناعيّة وفلسفة عصر التنوير من تغيرات جوهرية في الحياة العامة للمجتمع الأوربي بشكل عام والفرنسي منه بشكل وفلسفة عصر التنوير.

أثر الكلاسيكية الغربية في الأدب العربي:

     لقد ظل تأثير المذهب الكلاسيكي في الأدب العربي الحديث محدوداً, حيث اقتصر إلى حد كبير على الشعر المسرحي,  وذلك عندما اتصل كتاب المسرح العربي بالمسرح الفرنسي الكلاسيكي وفي مقدمة هؤلاء أمير الشعراء “أحمد شوقي”  من مصر والأديب  “مارون النقاش” من لبنان. وتتمثل في الأعمال العربيّة الأدبيّة الكلاسيكيّة بعض الترجمات التي قام بها “مارون النقاش” الذي ترجم أعمالاً للأديب الفرنسي “موليير” كمسرحيتي (البخيل) و(الثري النبيل) . كما قام أيضا “سليم النقاش” – بترجمة مسرحيّة (هوراس) التي ألفها صاحبها “كورناي”  سنة (1640), وقد ظهر هذا التأثير البسيط بصفة جليّة في مسرحيات “أحمد شوقي” الذي كان قد اتصل بالأدب الفرنسي الكلاسيكي, واحتك بمسرحه عند ذهابه إلى فرنسا للدراسة. ونلمح هذا التأثير في عنصر الصراع بين الحب والواجب في مسرحية (مصرع كليوباترا) إذ جعل الأديب “كليوباترا” ملكة مصر (67 ق.م- 30 ق.م ) تغار على وطنها ولا يهمها أن يعزلها الروم أو أن تلقى المنيّة في سبيل مملكتها وهي مع ذلك مهتمة بجمالها حيّة أو ميتة، ومتمسكة بعلاقتها بـ “أنطيوس” القائد الروماني الذي خاصم قومه من أجل كليوباترا ،كما نجد في مسرحية ( قمبيز) وبطلتها “نتيتاس” نوعا آخر من الصراع حيث لم تستطع أن تتغلب على حقدها على قاتل أبيها الفرعون أمازيس .(11).

     وإذا كانت مسرحيات “شوقي” محاولة رائدة في الشعر العربي فقد تبعتها بعد ذلك محاولات أخرى ناجحة في الإتقان الفني والنضج الفكري مثل مسرحية (مصر الجديدة) “لـفرج أنطون”, كما ظهرت فرق أخرى كانت أعمالها المسرحية متميزة .إلا أن تأثير الكلاسيكيّة في الأدب العربي بقي محدودا ولم تلق رواجا كبيرا لأسباب أهمها :

     1- إن المذهب الكلاسيكي وثيق الاتصال بالمسرح سواء منه اليوناني والروماني القديم, أو الأوروبي الحديث وليس للعرب مسرح في عصورهم القديمة، وحين اتصل بعض أدبائهم بالمسرح الغربي حديثا كان ذلك التأثير محدودا.

     2- عدم بقاء الكلاسيكيّة وتعميرها طويلا في أوروبا في فترة كان الاتصال فيها بين الأدب العربي والآداب الأوروبية في مرحلة الطفولة. فليس من الطبيعي أن يتأثر العرب بمذهب أدبي هجره أهله.(12).

كاتب وباحث من سوريّة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش:

1- الويكيبيديا. بتصرف

2- (https://magmaa.yoo7.com/t325-topic..مجمع الأصالة – نقد الكلاسيكية والرومانسية والواقعية – محمد خليل).

3- المرجع نفسه.

4- (الويكيبيديا).الويكيبيديا (عندما اصبح شارل الملك الوحيد771م، وعرف باسم شارل الأول الكبير أو (شارلمان). أعطى شارلمان اسمه إلى السلالة الحاكمة التي عرفت باسمه (سلالة الكارولنجيين.. مما جعله يقتبس من فنون إيطاليا القديمة ـ أو الحضارة البيزنطية.

5- الوكيبيديا – بتصرف.

6- ((https://magmaa.yoo7.com/t325-topic..مجمع الأصالة – نقد الكلاسيكية والرومانسية والواقعية – محمد خليل). بتصرف.

7- الوكيبيديا. بتصرف

8- (https://magmaa.yoo7.com/t325-topic..مجمع الأصالة – نقد الكلاسيكية والرومانسية والواقعية – محمد خليل).

9- يراجع موقع – موضوع – أهم رواد المدرسة الكلاسيكية). وكذلك موقع ويكيبيديا. بتصرف.

10- (https://e3arabi.com/ – مفهوم المدرسة الكلاسيكية ومبادئها – آية الحوامدة -). و(يراجع حول مبادئ الكلاسيكية وخصائصها – موقع سطور  – تعريف المدرسة الكلاسيكية). وكذلك موقع ويكيبيديا. بتصرف.

11- – موقع ((plogger com – الأدب المقارن – (المذاهب الأدبية الغربية الكبرى و أثرها في الأدب العربي.). بتصرف.

12- المرجع نفسه . بتصرف.

‫شاهد أيضًا‬

عمر بن جلون: القضية الفلسطينية ومواقف أُطُرنا * ترجمة : سعيد بوخليط

فقط مع الحالة الفلسطينية،شَغَلَ الالتباس الإيديولوجي أهمية أولية،وترتَّبت عن ذلك نتائج في …