“إذا كنت لا تستطيع رفع الظلم أخبر عنه الجميع على الأقل”.
تستمد المقاومة الفلسفية مشروعية قيامها من هشاشة الوجود البشري ومحاولتها التغلب على هذه الهشاشة والعبور نحو السيادة الذاتية ولو طبقنا هذه القضية البديهية على النضال الوطني الفلسطيني في علاقة بالوجود العربي الإسلامي المفكك وامتلاك أجنحة العدو الصهيوامبريالي أشد أنواع البطش العسكري والنفوذ العولمي الامبرطوري لاستنتجنا أننا بحادة ماسة واكيدة الى وقف الاعتراف بالكيان الهجين واسقاط خيار التطبيع من جهة والشروع الفوري في منح المقاومة حق المواطنة الحضارية والتعامل مع قواها ومكوناتها على انها محور الضغط الرئيسي ضد التحديات وقوة الردع الأولية في وجه الاكراهات الواقعيات وإمكانية المتاحة للعبور من حال الاستعمار ووضع التبعية نحو الاستثبات الكينوني والاسترجاع الحضاري والتمكين السيادي. والحق أن التراخي الذاتي يؤدي الى التفويت الاستراتيجي وأن الخذلان العربي قد يفضي الى اتاحة الفرصة للقوى الأطلسية الغازية والجيوش الصهيونية المحتلة والشركات الأمنية المأجورة التي تساعدها بأن تفتك بالسكان الأبرياء في شمال ووسط وما تبقى من جنوب غزة وتمارس الابادة الجماعية والتطهير العرقي دون حسيب او رقيب وأن تمنع الامدادات الطبية من الوصول الى مستحقيها وتعطل جهود الإغاثة الانسانية الدولية وأن تفرط في سياسات التنكيل والتشفي بالنازحين والمصابين والمعتقلين والمعطوبين. من حيث المبدأ لا ينفض الذل الا مقاوم ولا يلوم المقاومة الا ذليل، في الواقع كان الكثير من الأعراب والمتأسلمين والمهادنين يسارعون الخطى نحو الاعتراف والتطبيع والاستسلام ويتبجحون بتقديم أشكال الولاء والدعم والاسناد للكيان المزروع في قلب الأمة وفي المقابل يضيقون الخناق على كل نفس مناهض وكل ذات حرة تريد الحياة الكريمة للفلسطينيين في الضفة وغزة وتسعى الى التعريف بالحقوق العادلة للسكان الأصليين لتلك الأرض المطهرة وتدافع على ما تبقى من شرف هذه الملة ومقدساتها ومقوماتها. لقد أعاد فرسان طوفان الأقصى توزيع الأدوار في الخارج ووضعوا جدول القضية الفلسطينية على رأس الأولويات الأممية وأعادوا ترتيب البيت الفلسطيني من الداخل ودفعوا الحواضن العربية والإسلامية والإنسانية التقدمية الى تبني مواقف سياسية مشرفة تتقاطع مع الظلم العولمي على أسس كونية جذرية تتناقض مع الممارسات العنصرية البغيضة وتقطع مع النزعات الاستئصالية والتآمرية المتمركزة على ذاتها والنافية لحق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها والرافضة للاحترام التام لمبادىء حقوق الانسان. فاذا كان سكان غزة اليوم يريدون الحياة باسم حقوق الإنسان وحقوق الشعوب ويأملون في العدالة والانصاف والمساواة من الهيئات الدولية فإن دولة فلسطين تريد من دول العالم الاعتراف بها كدولة مستقلة ذات سيادة على كامل أراضيها بما في ذلك قطاع غزة والاعتراف بالقدس عاصمتها التاريخية. فمتى يعود العرب الى رشدهم ويسقطوا خيار الاعتراف ويعترفوا بمصداقية المناضلين المدافعين عن شرفهم ويفهموا أن التفويت في الحقوق الفلسطينية يعني الانكفاء الوجودي والتقهقر الحضاري التام؟
زهير الخويلدي كاتب فلسفي
عن موقع الحوار المتمدن
6 أبريل 2024.