إن دراسة أية قضيّة اجتماعيّة كانت أو سياسيّة أو دينيّة أو ثقافيّة أو اقتصاديّة أو فنيّة أو أدبيّة.. الخ, تتطلب بالضرورة الاتكاء على وسائل معرفيّة عديدة ترتبط بهذه القضيّة أو تلك, كاللغة وأسلوب التعبير والمصطلحات, أو ما يسمى قاموس المصطلحات والمعاني المتعلق بالظاهرة موضوعة البحث والدراسة, ثم ضرورة معرفة طبيعة الظاهرة التي يراد الاشتغال عليها, وآليّة عملها وتكوينها وسيرورتها وصيرورتها التاريخيتين, ثم طبيعة الحامل الاجتماعي لها ومهارته وخبراته, وغير ذلك. فمناهج البحث إضافة لكونها تتضمن أساليب البحث والتقصي, فهي أيضاً تبين لنا أهداف البحث وضبط آليّة العمل عند تناول الطاهرة, أي دراستها مهما كان نسق هذه الظاهرة. وعلى هذا الأساس نقول: إن غياب المنهج في البحث وخاصة المنهج العلمي العقلاني النقدي الحيادي, سيوقعنا في فوضى البحث والمعرفة معا. حيث ستسود في عمليّة البحث الذاتيّة والحدسيّة والشكلانيّة, والمواقف الذهنيّة, والموروث الفكري والنفسي والأخلاقي, إضافة للمصالح الشخصيّة أو الطبقيّة التي يتبناها الحامل الاجتماعي, وكذلك الكثير من الرؤى التي لا مكان للعقل والتجربة والنقد فيها.
في المفهوم:
المنهج في ملاك المفهوم, هو مجموعة الخطط والأساليب والطرائق التي تُستخدم لتحقيق أهداف ومصالح محددة عامة أو خاصة. وتُعرف مناهج البحث أيضاً بأنها الأساليب والخطوات التي يتم استخدمها من أجل رصد الظواهر الطبيعيّة والاجتماعيّة والفلسفيّة والفنيّة والأدبيّة والمعارف موضوع البحث، وذلك من أجل فحص هذه الاكتشافات والتأكد من صحتها، ومن ثم يتم إكمالها أو تأكيد صحتها أو نفيها، ولكي يقوم الباحث بهذا الأمر يجب عليه أن يتبع أحد الطرق أو المناهج الرصديّة أو التجريبيّة التي تصلح للقياس. والمناهج وفق هذا المعطى ستتعدد بناءً على طبيعة الأهداف والمصالح المراد الوصول إليها, سياسيّة كانت أو علميّة أو أدبيّة أو فنيّة أو إداريّة. ولمناهج البحث العلمي أهميّة كبيرة أيضاً تكمن في عدة أمور منها :
1- كونها تشكل وسائل بحثً منظم لا تأتي عن طريق المصادفة، بل تأتي نتيجة نشاط العقل والإرادة الإنسانيّة. 2- هي ذات بعد نظري, وذلك لأنها تقوم بالاعتماد على النظريات لغايات إدراك الأشياء المطروحة للبحث والدراسة, واخضاع مواضيع البحث والدراسة للاختبار والتجربة بالضرورة. فبدون التجارب والفرضيات لا يبقى للبحث العلمي المنهجي أي خاصيّة علميّة، لذلك فهو يعتمد عليها بشكل كبير. 3- كما يعد البحث العلمي القائم على المنهج, بحث حركي وتجديدي وذلك بسبب تطويره المستمر للمعرفة العلميّة، من خلال البحث المستمر من أجل إضافة معلومات لهذه المعرفة. وهناك في الحقيقة مناهج معرفيّة كثيرة تستخدم في أكثر العلوم الإنسانيّة مثل المنهج الوصفي, والتاريخي والتاريخاني, والمادي التاريخي, والمنهج التجريبي والاستقرائي, والبنيوي.. وغير ذلك.
أما عنوان موضوعنا المراد بحثه هنا فهو المناهج المتعلقة بدراسة الجوانب السياسيّة والفكريّة بشكل عام, وما يتعلق منها في قضايا نهضة الشعوب وتقدمها.
نقول في هذا الاتجاه: إذا كان معظم من اشتغل ولم يزل يشتغل على قضايا النهضة والتقدم من أحزاب ومثقفين ومفكرين وسياسيين في العالم الثالث ومنه وطننا العربي, يقر أو يعترف بتخلف واقع دول ومجتمعات العالم الثالث, وأنه يعيش – أي العالم الثالث – حالة فوات حضاري في وجوديّه المادي والفكري, وإن هناك أمماً أو شعوباً أو دولاً قد سبقت هذا العالم الثالث في مجال التطور والتنمية الماديّة والفكريّة, إلا أن الكثير ممن اشتغل على قضايا نهضته وتقدمه ظل ينظر في مسائل تجاوز تخلف ومعوقات هذه النهضة من خلال غياب المنهج العلمي من جهة, أو من خلال التعامل مع مناهج فكريّة متعددة تم الاشتغال عليها فيما تم رسمه من خطط وأساليب تفكير وعمل, اعتقد المشتغلون عليها أن فيها يكمن طريق النهضة والخلاص من مأزق التخلف الذي يعشه العالم الثالث ونحن العرب منه, وقد تم التعامل مع هذه المناهج في أغلب الأحيان وفق سرير بروكوست,(1) أو وفق عقلية اليسار الطفولي الحرن,(2). حيث عملوا على ليّ عنق الواقع كي ينسجم مع الأطروحات النظريّة أي الأيديولوجية التي يتضمنها هذا المنهج أو ذاك. هذا وقد وجد المتابعون لمسألة النهضة, أن هناك من أخذ بالمناهج الماديّة مثلاً, كالمنهج المادي التاريخي الجدلي, وأن هناك من أخذ أيضاً بالمناهج المثاليّة, كالمنهج المثالي الذاتي القائم على الرؤى الذاتية المنفردة والمعزولة عن محيطها الاجتماعي أو الموضوعي بشكل عام, أو من اعتمد على المنهج المثالي الموضوعي, الذي يقول بأن هناك قوى خارج إرادة الإنسان تفرض عليه أن يسير في هذه الحياة, إن كان من منطلق ديني, أو حتمي طبيعي ميكانيكي. فكل منهج من هذه المناهج له حوامله الاجتماعيّة, مثلما له مواقفه الأيديولوجيّة التي تشكل البعد النظري والعملي والمصلحي الداعم لهذا المنهج, بل إن كلاً من المنهج والموقف الأيديولوجي يشكلان وجهين لعملة واحدة في الحقيقة. فمن يأخذ بالمنهج المادي التاريخي نراه يقسم الواقع الذي يتعامل معه إلى بنائين, تحتي ويشمل قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج وبناء فوقي ويمثل مجموعة الرؤى والأفكار والمبادئ والقوانين والرؤى التي تعبر عن درجة تطور البناء التحتي, ثم هو ينظر أيضاً إلى تلك العلاقة الجدليّة ذات التأثير المتبادل بين مكونات البناء التحتي مع بعضها من جهة, وبين التأثير المتبادل أيضاً بين مكونات البناء الفوقي مع بعضها من جهة ثانية, وكذلك بين كل مكونات البنائين مع بعضهما في سيرورتهما وصيرورتهما التاريخيتين, أي في حركة وتطور وتبدل مكونات البنائين من جهة ثالثة. أما الموقف الأيديولوجي أو النظري الداعم لهذا المنهج فهو تبني الاشتراكيّة كطريق للتنمية والتقدم, والحوامل الاجتماعيّة لهذا الطريق تتوزع ما بين الطبقات الكادحة ممثلة بالعمال والفلاحين وتحالف قوى الشعب العامل ووصولاً إلى البرجوازيّة الوطنيّة. وهذا الموقف المادي الجدلي يختلف عن موقف المنهج المثالي, وأيديولوجيته الداعمة له وهي الليبرالي, وحواملها الاجتماعيّة التي غالباً ما تكون من القوى البرجوازيّة, وهي قوى تجد في السوق الحرة الاقتصاديّة عالمها وحركتها ونشاطها, بكل ما تعبر عنه هذه السوق من فوضى الإنتاج, وما يقوم على هذه الفوضى من استغلال لجهود الآخرين وتفاوت في توزيع الثروة الوطنيّة, ومن منافسة واحتكار للسلع, واستلاب وتغريب وتشيئ للإنسان.
أما لو أخذنا بعض المناهج المثاليّة الأخرى كالمنهج المثالي الجبريّة على سبيل المثال لا الحصر وبخاصة الديني منه, لوجدنا أن هذا المنهج يقر بأن هناك قوىً خارج عالم الإنسان تؤثر في حياة الفرد والمجتمع كما بينا أعلاه, وأن هذا التأثير غالباً ما يكون بشكل حتمي ليس للإرادة الإنسانيّة فيه أي دور, وإن وجد هذا الدور الإرادي فهو ضعيف لا يتعدى خصوصيات عالم الفرد الروحيّة والسلوكيّة, لأن كل شيء قد حدد حدوثه بكتاب محفوظ, إما من قبل قوى خارج نطاق الطبيعة, أو من قبل فكرة مطلقة قد تمثل مفهوم الحتميّة الميكانيكيّة لسيرورة الظواهر وصيرورتها. أما الموقف الأيديولوجي أو الفكري الأكثر حضوراً في عالمنا فهو العقيدة الدينيّة على الغالب, والحوامل الاجتماعيّة لهذا المنهج هي حوامل خليطة من كل شراح وطبقات المجتمع, ففي الوقت الذي تجد فيه القوى الاجتماعيّة المسحوقة خلاصها من شقائها واستغلالها وتحقيق عدالتها في هذا الدين (لا حل إلا في الإسلام), تجد فيه القوى الاستغلاليّة كذلك عوامل قوتها وتبرير سيطرتها واستغلالها للآخرين. وذلك من خلال تفسير وتأويل نصوص هذه الأيديولوجيا وفقاً لمصالح كل شريحة أو طبقة من هذه الحوامل. أما طبيعة تحليل الظواهر في هذا الاتجاه, فتقوم منهجيّاً وخاصة في مجال الفقه على اللغة, والحدث التاريخي (خصوص السبب) وعلى الاستدلال والمنطق الصوري والحدس والاستنتاجات المنطقيّة. وهذا المنهج بعمومه يلغي حرية الإنسان وإرادته, فالحلول قد رسمت بشل مسبق ومن خارج إرادة الإنسان وبكل مستوياتها السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والأخلاقيّة.
بشكل عام نستطيع القول هنا: إن طبيعة الحوامل الاجتماعيّة الحاملة لهذه المناهج ومصالحها بشكل عام, تلعب دوراً كبيراً في تبني المنهج والبعد الأيديولوجي أو النظري الذي يمثله, وبالتالي يحقق لها مصالحها, او ما تدعي الاشتغال عليه من مواقف فكريّة وسلوكيّة ومنها نهضة المجتمع وتقدمه.
وبتعبير آخر نقول: إن كل حامل اجتماعي له مصالحه التي تحدد بالضرورة توجهاته الفكريّة والعملياتيّة معا. فالقوى الوطنيّة والقوميّة والتقدميّة التي تكره الاستغلال والتفاوت الطبقي الحاد والتجزئة القوميّة نراها في الغالب تميل نحو تبني المنهج العلمي والعقلاني في تطبيق أفكارها الداعية إلى العدالة والمساواة والحرية, فهي مع الملكيّة العامة ومع المواطنة والتعدديّة السياسيّة ودولة القانون وتحرير المرأة وغير ذلك, بغض النظر هنا عن شهوة السلطة ومنافعها وتأثيرها على بعض هذه الحوامل, وما تمارسه هذه الحوامل من انحرافات عن الخط المنهجي والنظري/ الأيديولوجي الذي تتبناه. أما الحوامل الاجتماعية الحاملة للمناهج المثاليّة, فهي في الغالب تميل إلى الملكيّة الخاصة والدفع باتجاه الروح الفرديّة والحفاظ على البنى الطبقيّة القائمة بكل إشكالاتها. هذا بالنسبة للحوامل الاجتماعيّة المتبنية للمناهج المثاليّة المتعلقة بالفكر الليبرالي, وأدوات هذه المناهج الليبراليّة تقوم بالغالب على الذاتيّة والارتجال والحدس والوعظ والضمير وغير ذلك. أما الحوامل الاجتماعية المتبنية للمنهج المثالي بصيغته الدينيّة الوثوقيّة, فهي حوامل تتمسك بالنص الديني وما شرع له هذا النص من مسائل تتعلق في حرية وسعادة الإنسان, وهي لا تملك من شيء سوى العمل على تطبيق ما تطالب به هذه الشريعة, ووفقاً لصيغتي الحلال والحرام الواردة في النص المقدس أو الحديث أو ما أجمع عليه رجال الدين في مراحل تاريخيّة محددة, وبالتالي كيفيّة الوصول إلى هذا الحلال والابتعاد عن الحرام, ففي الوقت الذي نجد من الحوامل الاجتماعيّة للعقيدة مَنْ يستخدم مفهوم الدولة والسلاح كوسائل فاعلة لتطبيق العقيدة أو الأيديولوجيا الدينيّة وتشريعاتها في مسألة المعاملات, وهم أصحاب الدين السياسي الجهادي, نجد في الوقت الآخر من يعتقد بأن الطريق الصحيح لتحقيق شريعة هذا الدين هو التمسك بالفضيلة, أي ترك مفاسد الحياة والابتعاد عن كل ما يدنس الروح والجسد, وذلك عبر الانعزال والمجاهدة على الطريقة الصوفيّة للوصول إلى الحقيقة المطلقة التي تربط الفرد بربه, علماً أن هذا التوجه الأخير يساهم في زيادة التخلف وتعميقه كونه يبعد الإنسان عن واقعه وممارسة حياته الطبيعيّة, ففي التصوف يظهر عجز الإنسان عن مواجهة واقعه والهروب من الأرض إلى السماء. هذا وقد ظهر لنا في الآونة الأخيرة بعض المنظرين السياسيين الذين يدعون إلى تطبيق نظرية التفريغ الأيديولوجي وحتى السياسي في عالمنا العربي, من منطلق أن هذه الأيديولوجيا ومنها ذات البعد القومي الاشتراكي, قد فشلت هي وحواملها الاجتماعيّة وأحزابها ونخبها الثقافيّة في تطبيقها على أرض الواقع, ولا بد لنا إذا أردنا تحقيق الوحدة أن نعود إلى العنصر الثقافي والفني من غناء وموسيقى ومسلسلات وسرديات قصصيّة وروائيّة دون ربطها بالأيديولوجيا أو السياسة, فهذه هي المشروع الوحيد المتبقي لنا لتحقيق وحدة هذه الأمة ونهضتها, فهذه المسلسلات تدخل كل بيت دون إذن مسبق أو جواز مرور. وهذه الكتب الأدبيّة يقرأها المواطن العربي دون معرفة دار نشرها… الخ. فبمثل هذه الفوضى الفكرية غير العقلانية الما بعد حداثويّة, التي لا يميز فيها دعاة هذا الفن والثقافة, أن الفن والثقافة ذات بعد أيديولوجي وسياسي بالضرورة, فكل الأعمال الأدبيّة والفنيّة لها حمولة أيديولوجية ذات بعد طبقي أو ديني أو سياسي أو عرقي أو طائفي, وبالتالي نجد أن أنظمة الحكم لا تسمح بتداول هذا المسلسل أو ذاك على شاشات تلفازها إذا لم يتفق والموقف الأيديولوجي لسياساتها مهما تكن, وكذا الحال في منع دخول هذه الرواية أو تلك وتداولها داخل الدولة. وفي مثل هذه الحال لن يسمح بنشر وتداول إلا الفن الرخيص والأدب الرخيص الاستهلاكي الذي يفقد أي مضمون قومي أو وطني أو إنساني.. أي لن يُسمح إلا للفن والأدب الذين يتعلقان بالتسلية والترفيه وبالزواج والطلاق والحب والخيانة الزوجيّة, أو المسلسلات التاريخيّة المفرغة في الحقيقة من مصداقيتها, بل والمشوهة للحقيقة في أحيان كثيرة. وهذا في النهاية هو الموقف السياسي والأيديولوجي العبثي الذي يترك المتلقي في دوامة مفرغة لا يعرف ماذا يريد, وما هو طريق خلاصه ونجاته من عبثيّة سياسي ومنظري ما بعد الحداثة في عالمنا العربي.
أمام هذه المواقف أو المعطيات المنهجيّة , يتبين لنا بأن للمنهج العقلاني النقدي وحوامله والمواقف الأيديولوجيّة أو النظريّة التي تسيج هذا المنهج أو ذاك, قادر برأيي على تبيان سبل ووسائل المعرفة العقلانيّة النقديّة, أي معرفة الطرق والأساليب التي علينا اتباعها للوصول إلى نهضتنا أو سعادتنا وعدالتنا, مثلما تبين لنا القوى أو الحوامل الاجتماعيّة الحقيقيّة المنوط بها تحقيق هذا الفعل النهضوي.
ملاك القول: إن تجارب الماضي النهضويّة وما حققته مناهجها الفكريّة والعمليّة والسياسيّة, وبما تتضمنه من مواقف فكريّة أو أيديولوجيّة, قد أثبتت فشلها وعجزها لأسباب قد لا تتعلق بهذه المناهج المثاليّة وبآليّة عملها فحسب, وإنما تتعلق بشكل أكثر دقة ومصداقيّة بالحوامل الاجتماعيّة ومصالحها أكثر من أي شيء أخر, لذلك لا بد لنا من إعادة النظر بطبيعة المناهج التي اشتغلنا عليها سابقا, فنحن بحاجة ماسة في الحقيقة إلى المنهج العقلاني النقدي والتنويري فكراً وممارسة وإلى حامل اجتماعي مؤمن بوطنه وأمته وضرورة خروجها من مركب مأزق تخلفها البنيوي … نحن بحاجة للمنهج والفكر الذين يعملان على استيعاب كل من يؤمن بوطنه ومواطنيته, ويؤمن بالآخر نداً شريفاً له ومن حقه أن يشارك في إدارة شؤون وطنه دون إلغاء أو تكفير أو استفراد بالسلطة… نحن بأمس الحاجة للمنهج العلمي ونظريته العلميّة التي تحتوي في مضمونها قيم العلمانيّة والديمقراطيّة, وأن الوطن للجميع بغض النظر عن دين الفرد وعرقه ومذهبه وعشيرته وقبيلته. نحن بحاجة للمناهج العلميّة التي تؤمن بالحركة والتطور والتبدل, وأن الواقع المعيوش هو من يحدد طبيعة العلاقات الاجتماعيّة والقوى الطبقيّة المتحكمة في هذه العلاقات وتجلياتها السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة, وبالتالي مصالح هذه القوى هي من يحدد توجه هذه العلاقات نحو العدالة والمساواة والتشاركيّة وتداول السلطة, واحترام كل مكونات المجتمع وجعل المواطنة هي الأساس. ولا بد لنا من كشف كشف التوجه الليبرالي الداعي إلى الحريّة التي تدعم اقتصاد السوق الحر وتسليع الإنسان وتشيئه واستلابه وتغريبه والمتاجرة بحريته. هذا عدا الكشف أيضا عن طبيعة الأنظمة الشموليّة في دول العالم الثالث وقهرها لشعوبها وتفردها بالسلطة. التي تعمل على تجهيل الفرد والمجتمع, وإدخالهم في نفق من الضياع الفكري والعملي معاً, خدمة لمصالح قوى سلطويّة لا يهمها مصالح الشعب, بل هي مستعدة أن تحول شعوبها إلى حيوانات, يعيشون في أوطان تعد في واقع أمرها حدائق حيوانات, طالما ذلك يحقق لهم استمرارهم في السلطة.
د. عدنان عويّد