يعتبر عبد الله الرخا من أهم الشعراء الشباب الذين يحسبون على منطقة هوارة. من مواليد 1979 بأولاد برحيل إقليم تارودانت. حاصل على عدة جوائز شعرية وطنية ومحلية. ومن مؤلفاته: ديوان “في انتظارك قرب أرض الغياب” 2018.
أما الديوان الذي سنخضعه لمجهر الدرس والتحليل فهو ديوانه “سأكتفي بهذا الوجع” الذي صدر عن منشورات جمعية الشعلة للتربية والثقافة 2022 في 102 صفحة من الحجم المتوسط، بينما لوحة الغلاف للفنان التشكيلي إدريس بخريس التي تحمل في طياتها صورة تشكيلية تحيل على عالم الحزن والألم.
بما أن العنوان يرتبط ارتباطا وثيقا بالنص الموسوم، فالعنوان مفتاح الولوج إلى النص، وغير بعيد عن البال أن النص الفاقد للعنوان إنما هو مبتور، ومن يتأمل عنوان الديوان “سأكتفي بهذا الوجع” والعناوين الداخلية والمفهرسة فإنه سيخرج بانطباع أولي هو أن الشاعر عبد الله الرخا يحمل فوق كتفه صخرة ثقيلة من الفواجع المكلومة، والهموم الكثيرة، والأحزان المتشعبة. ويرسم رؤية وجودية للذات والغير والوطن، قوامها المعاناة المريرة والمكابدة الأليمة. وتنهكه الجروح الغائرة، و يقعده الهوان الأخرس، و تحزنه الأيام المرة، ويعبث به النسيان، ويداعبه العبث والسخرية واللامبالاة التائهة. أصدقاؤه في هذا السبيل ألبير كامو، سيزيف، وفرانز كافكا، بول أوستر….يلاحقه الكسوف الثائر والليل الساهد. وتنخره الجروح وتسحقه الأوهام والأسئلة الصامتة التي لا جواب لها.
يستهل الشاعر ديوانه ” سأكتفي بهذا الوجع” بإعلان الصراخ المدوي بالمعاناة المريرة والتجارب الأليمة وانغماسه في عالم الانهزام والأعاصير الحزينة ونقمته على الوداع:
هناك ستنهزم أرواحنا
وسنجدد عهدنا القديم
نصلي صلاة جنازة
ثم نقرأ تعاويذ الوداع عليها
في اتجاه التيه
في اتجاه المنتهى
***
هنا لن تمطر السماء ذهبا
ولن نرمم هذا الجرح
وحتى تعب كل الأعوام
شوارع الأوجاع
وكل الأحلام
والرؤى…(ص 14)
وينتقل الشاعر من ذاته المكلومة إلى ذاته الحالمة والمنطلقة المتمردة:
لأعد باسم أنفاسي الحالمة
فنجان قهوة
وأمضي متمردا
متمردا..
لاأخاف من رحلة الأحلام (ص 17)
وفي قصيدته “بوح مغترب” يصرح الشاعر برؤيته الفلسفية ومذهبه في الحياة من خلال طرح أسئلة وجودية كوهم البطولة والخلود، فيها يتغنى الشاعر باليأس والسأم الوجودي والملل والاغتراب والانتظار القاتل، انتظار الذي يأتي ولا يأتي:
بوحي المغترب
عنفوان السؤال أيضا
هذا الذي يلاحقني
بين اشتهاء صمت الحياة
أعد للرحيل بعيدا
خلف بطولاتنا الوهمية
أمشي في وطني
حافي القدمين
عاري الجسد
جائع المشاعر
غير مرتب الثياب
أو مشعلا لشمعة وجعي
مهزوما بين بساتين الأشياء
وعلى عتبات القلب نائما،
بلاعنون (ص22، 23).
يثور الشاعر في قصيدته “تجاعيد الوطن” على ظلم وقهر الوطن:
كنت مجنونا،
حين فكرت في الوطن
وحين انتظرت ذات يوم،
رغيف الخبز..
ورجعات اللبن…(ص 27)
***
في الوطن موت
ومازال هذا المستنقع..
يلاطفنا بالقبل
ويهدينا أوجاع الذكريات..(ص28).
ويجسد الشاعر بقلمه الحزين موال الخيبة والفشل والهزيمة والضياع كما في هذا المقطع الشعري:
في القلب غصة
فماذا أحكي أيها القلب،
العامر بالتعب؟
في هذا الممر الضيق،
الذي لا ينتهي
في هذا الأفق العابر
المؤجل للأمنيات
المعاود لتغريدة البدايات..(ص30)
في صدورنا قهر ينجب الأحزان
وذات تنزف من الدمار
بقايا أحلام تمر في صبح أعزل
وتطوي صفحاتها بلا انتظار (ص 41)
ويصور الشاعر إحساسه المفعم بالاغتراب، ويظهر بصدق رائع معاناته من الوحدة القاتلة، والتلذذ بالأحلام الماضية والسراب الواهم والانغماس في كؤوس الصمت:
أستيقظ في الزحام
أسابق خطوي للأمام
أمضي مثقلا بالأوهام
معانقا خلوتي في الظلام
كأني أزيل هذا الغياب المر،
من خاطري..ومن منفاي (ص70).
من هنا، فالشاعر عبد الله الرخا ينطلق في ديوانه الشعري “سأكتفي بهذا الوجع” من رؤية وجودية قلقة قوامها قبح الواقع والانتظار القاتل، رؤية يتداخل فيها ما هو ذاتي وموضوعي، ويتغنى كذلك بتيمة الألم والاغتراب الذاتي والمكاني. ويلاحظ أن تيمة الاغتراب من سمات الشعر المعاصر. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على انكسار الإنسان في عصر المادة واستسلامه لليأس والحزن والهزيمة بعد توالي النكبات عليه.
استعمل الشاعر الرخا لغة رمزية طافحة بالعبق الطبيعي ومعاناة الذات وغربة المكان. وحول قاموسه اللغوي إلى رموز موحية وخطابات تضمينية مشحونة بالشاعرية والانزياح والتدفق اللغوي الالتوائي.
من هذا التحليل الوجيز نرى أن الشاعر عبد الله الرخا عزف على إيقاع القلق الذاتي والمكاني من خلال رؤية وجودية قوامها تيمات الألم والوجع والانتظار القاتل “فبعد جمود الزمن عن الحركة، لم يبقى لدى الذات سوى الأمكنة الشاسعة بين “هنا” و “هناك” في الذاكرة المزدحمة بالوجع” عبد القادر السلك.
فالشاعر ينسج رؤيته الشعرية الحالكة بقلم شعري قائم على التكسير والانزياح باعتبارهما أداة للتعبير والتشكيل.
بقلم : كمال العود