إذا كان مفهوم الإعلام في سياقه العام, هو كل تلك الوسائل السمعيّة والورقيّة والبصريّة التي يستخدمها الفرد والدولة والمجتمع من أجل تحقيق مقاصد ماديّة ومعنويّة لمن يمارس العمل الإعلامي, فإن أهم أهداف هذا الإعلام وأكثرها سمواً, هي الاهتمام بقضايا الناس ومشاكلهم الحياتيّة وتنمية حياتهم الماديّة والفكريّة, وما يتعلق بقضايا العصر ومشكلاته, وكيفيّة معالجة هذه القضايا في ضوء النظريات والمبادئ والخطط التي اعتمدت لدى كل نظام أو دولة, أو أي مؤسسة إعلاميّة في القطاعين العام و الخاص, من خلال وسائل الإعلام المتاحة داخليّا وخارجيّا وبالأساليب المشروعة.
أما مفهوم ثقافة التطوير والتحديث التي يجب أن يتناولها الإعلام, فهي ذاك النسق الثقافي الذي يهدف عبر نشاطه إلى إعادة بناء الوعي الاجتماعي وحياة الإنسان الماديّة بناءً عقلانيّاً يتفق والسياق العام لثقافة التطوير والتحديث, أي, أن يكون هناك مواقف تنمويّة للإعلام في حياة المجتمعات, وأن ارتباطه بالتنمية يفرض عليه جملة من الخصائص لابد من تمثلها حتى يحوز على دوره التنموي وهي :
1 – أن يكون نشاطاً إعلاميّاً هادفاً, يسعى بالدرجة الأولى إلى تحقيق أهداف وغايات اجتماعيّة مستوحاة من حاجات المجتمع الأساسيّة ومصالحه الجوهريّة.
2- أن يكون إعلاماً مبرمجاً أو مخططاً, يرتبط بخطط التنمية العامة للدولة والمجتمع والفرد ويدعم نجاح هذه الخطط.
3- أن يكون إعلاماً كاملاً وشاملاً في توجهاته, والهدف منه مخاطبة الرأي العام وإقناعه بضرورة التغيير الاجتماعي الذي تقتضيه التنمية. أي هو إعلام ينطلق من مخاطبة الجمهور على الصعد كافة الاجتماعيّة والاقتصاديّة والثقافيّة والسياسيّة, من أجل تحقيق حاجات الإنسان المستدامة.
4- أن يكون إعلاماً واقعيّاً في أسلوب معالجته لمسائل المجتمع وطرحها, معبراً عن هموم الناس وتطلعاتها, وقابلاً لمسايرة القضايا المستجدة. وليس إعلاماً يعمل من أجل السبق الصحفي وتحقيق الدهشة وتحريك الغرائز والعواطف الكاذبة عند المتلقي.
أما أهم متطلبات هذا الإعلام التنموي فهي :
1- توفير وسائل الإعلام المتطورة على كافة المستويات, القادرة على الوصول إلى المشاهد.
2- تأمين الكادر الإعلامي المختص والمثقف معاً.
3- التنسيق ما بين توجهات الدولة التنمويّة ومؤسسات الإعلام, أي : (وضع الخطط والبرامج المشتركة لتحقيق الأهداف المطلوبة ) .
4- فسح المجال واسعا أمام مشاركة الجماهير وبشكل مباشر في طرح قضاياهم ومساءلة المسيئين عبر حوارات جادة وعقلانيّة وشفافة وديمقراطيّة.
5- عدم تسيس الإعلام وأدلجته لمصالح قوى حاكمة لا يهمها إلا مصالحها الأنانيّة الضيقة واستمرارها بالسلطة, وافقار المواطنين وتجويعهم واستعبادهم وبالتالي تجهيلهم من خلال توجه تفكيرهم باتجاه الخرافة والأسطورة وقضايا المجتمع الاستهلاكي.
ويبقى أن نشير هنا إلى أن أي إعلام لابد له من أهداف يعمل من أجلها, ولكي يحقق صفته التنمويّة لابد له من تبني أهداف تحمل في جوهرها ودلالاتها مسؤوليّة المجتمع الذي ينشط فيه هذا الإعلام, هذا ويمكننا أن نحدد هنا بعض هذه الأهداف المشروعة لهذا الإعلام وأهمها التالي :
1- فهم وإدراك ما يحيط بالإنسان من ظواهر وأحداث فهماً عقلانيًاً بعيداً عن المصالح الأنانيّة الضيقة.
2- نقل التراث الثقافي الايجابي الذي يساهم في تنمية عقل الفرد والمجتمع من جيل إلى آخر.
3- تنمية الحس الوطني والقومي لدى المواطنين.
4- كشف الأفكار الهدامة والداعية إلى تعميق التخلف في المجتمع .
5- تنمية الحس الديمقراطي وممارسة الديمقراطيّة على المستويات الاجتماعيّة والسياسيّة والثقافيّة, بما يخدم المجتمع بكل مكوناته.
6- التركيز على دور الشباب وقضاياهم.
7- التركيز على الإحساس بالمال العام وتقديره والحفاظ عليه.
8- كشف المتاجرة بالدين واستغلاله لتحقيق مصالح أنانيّة ضيقة شخصيّة كانت أو طائفيّة أو مذهبيّة, وضرورة إبراز الجوانب العقلانيّة في الدين الداعية إلى المحبة والإخاء والوحدة الوطنيّة.
9- العمل على تنمية حس المواطنة والانتماء للوطن وقضاياه المصيريّة.
كاتب وباحث من سوريّة