في أولى خطواتي نحو دار الشباب الأمل باليوسفية (أول دار الشباب بالمدينة) كنت أمشي مرفوع الرأس رفقة زمرة من الشباب والتلاميذ والتلميذات والطلبة والطالبات رغم بعد المسافة الفاصلة بين عدة أحياء هامشية، مثل البعد الجغرافي بين حي العرصة، وحي الأمل الذي شيدت به المؤسسة، خصوصا خلال نهاية الأسبوع (السبت والأحد). ونفس الشيء بالنسبة للزملاء والزميلات الوافدين من حي السلام و فلاج مسعودة.
لم نكن نتخاذل ونحسب لبعد المسافة حسابا، المهم أن نكون حاضرين في الزمان والمكان حسب المواعد المبرمجة لأنشطتنا المحببة، لأن هناك من ينتظرنا في قاعة الموسيقى، أو قاعة الورشات المسرحية، وأنشطة أخرى متعددة. نعم كنا نتسابق بحب وانضباط والتزام من أجل أخذ المعرفة والثقافة والفن والإبداع على يد نخبة من نساء ورجال التعليم والأطر الفوسفاطية والطلبة الجامعيين.
أتذكر كيف كانت الفضاءات على قلتها تعج بالشباب والشابات المنتسبين لبعض الجمعيات، كل منهم يبحث عن ضالته وعن تفجير مواهبه. خلايا نحل تشتغل بنكران للذات، وتقدم المنتوج المعرفي دون مقابل، فهناك مثلا يلتئم الممثلون والممثلات لقراءة نص مسرحي وتوزيع الأدوار بينهم. وفي زاوية أخرى مجموعة من المنخرطين تنكب على قراءة فصول من رواية، أو تقديم دروس في فن التشكيل ومدارسه، وعلى نغمات آلة العود أو الكمان كانت تصدح أصوات طفولية وشبابية بأغاني وأناشيد جميلة ترسم أفقا أكثر جمالا…هي حركية مازالت جدران دار الشباب شاهدة على تاريخها وبصمات نسائها ورجالاتها.
كانت دار الشباب الأمل اليتيمة، تتحول إلى فضاء يتسع لجميع المتلهفين لسماع صوت محاضر قادم من مدننا الجامعية كل نهاية شهر، ليسافر بنا بمنهجية علمية في تفسير معنى الإنتماء للوطن، وعن الصراع الدائر بين المعسكرين، وعن الفلاسفة الكبار والمفكرين والمسرحيين وكبار الباحثين في شتى أنواع العلوم الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
نعم تحت سقف دار الشباب الأمل حاضر (مثلا) في عدة مواضيع كل من خالد السفياني وعبد الرفيع الجوهري وعبد المقصود الراشدي وصلاح الوديع وعبد الحميد جماهري وكمال هشومي وحميد لبيلتة إلى جانب نخبة من المثقفين والمفكرين، وبين جدرانها التأمت أطر الأحزاب السياسية والنقابية بمختلف مشاربها وانتماءاتها، وفي قاعات ذات المؤسسة ساهم الممثل والمخرج والفنان والموسيقي والتشكيلي والرسام والرياضي…ساهموا كلهم من أجل تقديم أرقى وأجود الدروس النظرية والتطبيقية للشباب واليافعين والأطفال وانطلقت برامج المخيمات الصيفية والربيعية والشتوية والمبادرات الثقافية والبيئية والاجتماعية.
كانت دار الشباب الأمل، الأم الولّادة، ذات القلب النابض بالحياة والعطاء في جسد مدينة عمالية أعطت الشيء الكثير دون مقابل من أجل تأطير أبنائها وبناتها وتحصينهم ضد الإنحراف والتطرف، وتوجيههم أحسن توجيه للنهل من ينبوع كتب المعرفة والتاريخ والثقافة الجمعوية الجادة والمسؤولة.
كانت المؤسسة تفرز كل حين نجوما في مختلف الأنشطة، ورفعت من شأن الفن والإبداع رغم قلة الموارد وأمام تعدد الإكراهات والعراقيل.
وكان من الطبيعي أن يذكر اسمها في قبة البرلمان ذات سنة في عهد الوزير الكحص، وأن يسمع عن برامجها الراقية وأنشطتها المبتكرة القريب والبعيد، وأن ينبهر بمنتوج جمعياتها الجادة كل المسؤولين بمختلف قطاعاتهم، لذلك فذاكرة الأطر المنتمية لقطاع الشباب وطنيا وإقليميا وجهويا كانت دائما تربط بين اسم دار الشباب الأمل باليوسفية وبين إدارتها التي كانت حقيقة جزء من منظومة تربوية وثقافية ورياضية وإشعاعية تشتغل من أجل حقل الطفولة والشباب. وكان همها الوحيد والأوحد هو تحصين الشباب وتلقيحه ضد كل ما من شأنه أن يعرقل مسيرته المستقبلية على جميع المستويات.
بفضل ثلة من شرفاء أبناء المدينة تحقق فعل التجاور بين النادي الرياضي للكرة الحديدية سنة 2005، ومؤسسة دار الشباب الأمل، وامتّد جسر الإبداع والعطاء وتكاملت مسيرة المشهد الجمعوي لتجديد أواصر عشق المدينة الفوسفاطية، حيث انطلقت البرامج التشاركية بين قطاع الفوسفاط والتعليم والجمعيات الصديقة وفعاليات الرياضة (وطنيا ومحليا) التي استغلت ملاعب ومرافق النادي. وتحول المكان لنقطة ضوء ساطعة في سماء اليوسفية. وكانت اللحظة سانحة للتعبير عن نجاح المشروع بشهادة الجماعة الترابية والسلطات المحلية والأمنية (خلال العقد الأول من الإحداث) التي اعتبرته عاملا حاسما في استقطاب الشباب والمتقاعدين والموظفين والطلبة والمعطلين، خصوصا لما عمل النادي الرياضي على إحداث مناصب شغل بمرافقه. (مقصف ومشوات…)
إن ثقافة الجوار بين دار الشباب والنادي تمخض عنها مشروع ثقافي وفني ورياضي ومجتمعي ينتصر للشباب وللمحيط الاجتماعي البئيس والمهمش بحي الأمل، بحيث لم تكن هناك أي حواجز بينهما، واعتُبِرا مرفقين توأمين لبعضهما البعض، وكان جسر التواصل بينهما بوابة للعبور من الرياضي للثقافي والفكري والفني. واستمر العطاء بين المرفقين في عهد المسؤولين السابقين (وزارة الشبيبة والرياضة).
كانت ومازالت أهداف النادي الرياضي للكرة الحديدية باليوسفية (توأم دار الشباب الأمل)، هو تكثيف برامج الأنشطة المتنوعة، وكانت الجمعيات الثقافية والفنية والتربوية الشريكة سندا له بدار الشباب، بتنسيق مع إدارة القطاع، وكان الإشتغال يتم وفق الضوابط، والسلاسة المطلوبة في بعض الأوقات مع ترجيح المنطق والعقل لضمان استمرار البدل والعطاء. اسألوا في هذا السياق الباحث السوسيولوجي عبد الرحيم العطري الذي لم يتردد في المساهمة في توقيع أحد إصداراته الرائعة وفتح نقاش مع الرياضيين والمثقفين والطلبة والتلاميذ بقاعة النادي، وكم كان الحضور بهيا في وقته، واسألوا المخرج شفيق السحيمي عن لقاءه التواصلي والمفتوح في النادي مع مختلف شرائح المجتمع اليوسفي. هي عينات من نماذج خبرت مختبر العمل الجمعوي بالمدينة تحت سقف دار الشباب والنادي الرياضي للكرة الحديدية؟ دون الحديث عن الندوات الرياضية بشراكة مع الوزارة، والبطولة الوطنية للكرة ااحديدية والدوريات السنوية التي كانت تستقطب جميع عصب الجامعة الملكية للكرة الحديدية.
أما اليوم للأسف الشديد فقد ضرب الحصار على النادي بفعل مزاج من قطر بهم السقف بعد أن اختارت الجماعة الترابية إقامة دعوى الإفراغ، (هنا نقطة والرجوع للسطر فقد حكمت المحكمة للنادي بتعويض قدره 66 مليون سم). وتلتها مصيبة قطع الماء والكهرباء من طرف المسؤولة على قطاع الشباب، (النادي تقدم بدعوى استعجالية للحصول على رخصة من أجل ربط النادي بالماء والكهرباء)، فضلا عن إغلاقها بوابة العبور وآلية الحوار والتفاوض والتشاور في زمن هندسة قطاعية أرادها البعض فرصة لتصفية الحسابات.
لكن القول الفصل سيبقى للتاريخ كشاهد على العصر، الذي سيكشف حقيقة الأمور حول ما يجري ويدور بمدينة يئن فيها الشباب المقهور.
سؤال آني لوزير الشباب والثقافة والتواصل: متى تبعثون بلجنة تحقيق استجابة لرسالة النادي الرياضي للكرة الحديدية باليوسفية