عوامل كثيرة ،جعلت المغرب يدخل في مرحلة الإجهاد المائي، وأمام هذه الوضعية ،وجدت البلاد نفسها مضطرة للإعلان عن حالة الطوارئ وتتخذ تدايير ترى أنها كفيلة لمجابهة هذه المعضلة، بعدما دق الملك محمد السادس ناقوس الخطر في إحدى خطبه.
بمناسبة افتتاح إحدى دورات البرلمان، مؤكدا أن إشكالية تدبير الموارد المائية أصبحت تطرح نفسها بإلحاح، خاصة أن المغرب يمر بمرحلة جفاف صعبة، هي الأكثر حدة، منذ أكثر من 3 عقود، مؤكدا أن المغرب أصبح يعيش في وضعية إجهاد مائي هيكلي، ولا يمكن حل جميع المشاكل، بمجرد بناء التجهيزات المائية المبرمجة، رغم ضرورتها وأهميتها البالغة، وأضاف جلالته أن الحالة الراهنة للموارد المائية تسائل الجميع و تقتضي منا التحلي بالصراحة والمسؤولية في التعامل معها ومعالجة نقط الضعف، التي تعاني منها،مشددا على ضرورة القطع مع كل أشكال التبذير، والاستغلال العشوائي وغير المسؤول للمياه.
ورغم أن مشكلة الجفاف وندرة المياه، لا تقتصر على المغرب فقط، وإنما أصبحت ظاهرة كونية، تزداد حدة، بسبب التغيرات المناخية.
هذه الإشكالية، أدت بالحكومة إلى اتخاذ عدة إجراءات لمواجهة شح المياه،خاصة بعدما تبين أن بعض الزراعات التي تستفيد من دعم مخطط المغرب الأخضر تستنزف الفرشة المائية بشكل كبير، منها على سبيل المثال زراعة البطيخ الأحمر في إقليم زاكورة،التي بدأت سنة 2008، وتوسعت الأراضي المخصصة لها خلال السنوات الماضية لتصل إلى حوالي 20 ألف هكتار،حيث تستهلك سنويا أزيد من 15 مليون متر مكعب من المياه الجوفية.
وكإجراء عملي، أقدمت الحكومة على وقف الدعم المالي الذي تصرفه لمزارعي البطيخ الأحمر وأشجار الأفوكادو والحوامض، لكونها من الزراعات التي تستهلك الكثير من المياه، وهي خطوة جاءت متأخرة كما يقول المختصون على اعتبار أن الجهاز التنفيذي كان على معرفة بما تستهلكه هذه الزراعات من مياه .
الأرقام التي كشف عنها الخبراء في هذا المجال، تؤكد فعلا أن المغرب دخل منطقة الإجهاد المائي، بل تم وصف هذا الإجهاد بالحاد، وذلك بمتوسط أقل من 500 متر مكعب للفرد سنويا، وهو أدنى مستوى لمؤشر الإجهاد المائي.
مخزون السدود .. تراجع مخيف يدق ناقوس الخطر
تسبب الانخفاض الواضح في التساقطات المطرية خلال العام الجاري، في تراجع مقلق لمخزون السدود الرئيسية بالمملكة والتي هبطت نسبة ملئها إلى ما دون 32 في المائة، معرضة هي الأخرى لمزيد من التناقص نتيجة موجات الحرارة المفرطة خلال الشهور الجارية من فصل الصيف، علما بأن حجم الخصاص في السدود يفوق حاليا 11 مليار متر مكعب.
وإلى حدود أول أمس السبت، وصلت نسبة الملء في سدود المملكة إلى 31.6 في المائة عوض 32.6 المسجلة خلال الفترة ذاتها من الشهر الماضي، ويعزى هذا التراجع في مستوى مياه السدود إلى الانخفاض الكبير في حجم التساقطات المطرية هذا العام، إذ عرف الموسم الفلاحي الأخير تساقطات مطرية تراكمية بلغت 207 ميلمترات، بانخفاض بحوالي -36 في المائة مقارنة مع سنة عادية (322 ميلمترا) وبزيادة 13 في المائة مقارنة بالموسم السابق (184 ميلمترا) في العام السابق.
وبالإضافة إلى قلة التساقطات المطرية وتأخرها، اتسمت مواصفات التساقطات بسوء التوزيع الزمني والمجالي، إذ أن بداية الموسم عرفت ظروفا مناخية غير مواتية مع تأخير في الأمطار الأولى وعجز كبير في المياه وتوزيع زمني غير مواتٍ للتساقطات المطرية، خصوصا منذ شهر شتنبر إلى غاية العشرة أيام الأولى من شهر نونبر 2022؛ مما أخر توزيع الزراعات الخريفية وأثر سلبا على حالة المراعي.
وشهدت العشرة أيام الثانية من نونبر 2022 إلى نهاية فبراير 2023 تساقطات مطرية مركزة، مع هطول بعض الأمطار في مارس وأوائل أبريل في بعض المناطق. كما عرف الموسم الفلاحي درجات حرارة غير مستقرة، مع حد أدنى منخفض في فبراير ومارس وارتفاع فاق مستويات الموسم السابق ابتداء من شهر أبريل، وفقا لوزارة الفلاحة.
وتفيد آخر إحصائيات قطاع الماء بوزارة التجهيز حول وضعية السدود يوم 23 يونيو 2022، أن سدود المملكة التي تفوق سعتها الإجمالية 16 مليار متر مكعب سجلت حتى الآن حقينة تناهز 5 مليار متر مكعب.
ويتوفر المغرب حاليا على حوالي 145 سدا كبيرا، و250 سدا صغيرا، وتتفاوت نسبة الملء داخل هذه السدود حسب موقعها الجغرافي، فبينما تعرف بضعة سدود واقعة على الأنهار الكبرى وفي المناطق المطيرة نسبة ملء عالية، كما هو الحال بسد وادي المخازن بالقصر الكبير، والذي تحسنت نسبة ملئه لتصل إلى 73 في المائة، عوض 61 في المائة خلال نفس الفترة من العام الماضي، وسد الوحدة بتاونات، وهو أكبر سد في المغرب، والذي وصلت حقينته إلى حدود أمس لنحو 53 في المائة، وسد النخلة بتطوان 81 في المائة، وسد شفشاون 94 في المائة .. تعاني السدود الواقعة في وسط وجنوب المملكة من تراجع ملحوظ في مخزونها المائي كما هو الحال بالنسبة لسد بين الويدان بإقليم أزيلال الذي نزلت حقينته إلى 14 في المائة ، ونفس التدهور عرفه مخزون سد المسيرة وهو ثاني أكبر سد بالمغرب، الواقع في إقليم سطات حيث هبط معدل ملئه إلى 5.5 في المائة، علما أن هذا السد يؤمن الحاجيات المائية للعديد من المناطق الواقعة في جهة الدار البيضاء- سطات.
وبينما شكلت السدود، عبر عقود، صمام أمان للمغرب الذي يعتمد اقتصاده على الموارد المائية بشكل كبير، أصبحت هذه الأخيرة تتناقص عاما بعد عام، بفعل التقلبات المناخية، حتى أصبحت المملكة اليوم في وضعية حرجة دقت ناقوس الخطر بشأنها العديد من المنظمات والمؤسسات الوطنية والدولية.
المغرب يسابق الزمن لمواجهة الخصاص المائي..
ولمواجهة هذه الأزمة المائية، يسارع المغرب الزمن لتنفيذ مشاريع مائية عملاقة هي الأولى في إفريقيا لربط الأحواض المائية فيما بينها وضمان إمداد الدار البيضاء، كبرى المدن المغربية بالماء الصالح للشرب، وفي هذا الصدد يجري حاليا بناء الشطر الأول من الطريق السيار للماء، بطول 66 كيلومترا، لربط واد سبو بسد سيدي محمد بن عبد الله، بالقرب من الرباط، إذ ستتم إعادة توجيه 400 مليون متر مكعب من المياه سنويا وبالتالي ستوفر مياه الشرب لمدينة الدار البيضاء وجهتها.
والمشروع، الذي يرتقب أن يكون جاهزا قبل نهاية غشت القادم، يتم تنفيذه باستثمار يقدر بنحو 6 مليارات درهم، تم تمويله بالكامل تقريبا من قبل الدولة والجهات، هذا الطريق المائي الأول تنجزه وزارة التجهيز والماء، والتي تشرف على المشروع في مراحله المختلفة.
وبسبب التحولات العميقة التي تعرفها الوضعية المائية بالمملكة خلال السنوات الأخيرة، بفعل التغيرات المناخية وقلة التساقطات المطرية، مقابل تنامي الحاجيات الوطنية من مياه الشرب والسقي، وبالنظر إلى أن وضعيات الأحواض المائية تختلف حدتها من جهة إلى أخرى، جرى اعتماد حل التضامن بين هذه الأحواض لنقل الفائض بينها.
وقد بدأت التجربة بنقل فائض حوض سبو إلى حوض أبي رقراق، من خلال تشييد 66,7 كلم من الأنابيب الفولاذية بقطر 3200 ملمتر، مع إنشاء محطتي ضخ كبيرتين، قادرتين على ضخ 15 متر مكعب في الثانية، واحدة بسد سبو والأخرى بنواحي القنيطرة.
خبراء يدعون إلى تنويع العرض المائي
الخبراء يرون أن الوضعية الحالية تستدعي البحث عن موارد مياه غير تقليدية لتنويع العرض المائي سواء من مياه الشرب أو مياه الري لتحقيق الأمن المائي والغذائي.
ومن الحلول المستدامة وغير التقليدية التي يمضي عدد من جهات المملكة في تنفيذها لتجنب أي نقص محتمل في المياه، بناء محطات تحلية مياه البحر ومعالجة المياه العادمة،إذ يرجع إحداث أول محطة لتحلية مياه البحر بالمغرب إلى سنة 1976، وقد أنشئت بمدينة طرفاية ، وكانت الكميات المحلاة ضعيفة بالنظر للأساليب المكلفة في التقطير،ليتجه المغرب في السنوات الماضية إلى الاعتماد على الطاقات المتجددة سواء الهوائية أو الشمسية من أجل تحلية المياه بتكلفة أقل، وهو ما تجسد في بعض المحطات المنشأة حديثا.
واتجهت معظم المدن الساحلية مثل الدار البيضاء وطنجة وكلميم نحو تحلية مياه البحر، وبدأ العمل حاليا من أجل إنشاء 20 محطة تحلية، حسب ما أعلن وزير التجهيز والماء،إذ تبقى تحلية مياه البحر خيارا إستراتيجيا للتعامل مع مشكلة الإجهاد المائي، خاصة أن المغرب يتوفر على سواحل تمتد على طول 3500 كيلومتر،لكن الخبراء يرون أن هذا الأمر لن يخرج
البلاد من أزمة ندرة المياه، بل ينبغي الاستمرار في سياسة بناء السدود التي أثبتت نجاعتها في فترة الجفاف مع العمل ربطها .
الآبار العشوائية معضلة حقيقية وراء استنزاف الثروة المائية
وفق الأرقام الرسمية التي أعلنت عنها الحكومة ممثلة في وزارة التجهيز والماء، فإن عدد الآبار التي تم جردها بمختلف جهات المملكة يبلغ 372 ألف بئر ، 90 في المائة منها غير مرخصة.
هذا الرقم القابل للارتفاع في ظل غياب المراقبة، ساهم هو الآخر في استنزاف الثروة المائية ،مما جعل وزارة الداخلية وفق معطيات حصلت عليها جريدة الاتحاد الاشتراكي ،أن تدخل على الخط، وتعبىء مواردها البشرية من أجل إحصاء الآبار العشوائية، والعمل على محاربة ذلك، كما تتولى هذه الأطر يوميا على وضع تقارير بخصوص كل مايتعلق بالتداعيات التي يمكن أن تنجم عن هذا الخصاص في مادة الماء، على اعتبار ماتشكله هذه المادة الحيوية في حياة المواطن.
مخطط استعجالي لإنتاج الماء الصالح للشرب عبر تحلية مياه البحر
في إطار مخطط استعجالي لإنتاج الماء الصالح للشرب عبر تحلية مياه البحر، لفائدة وكالتي توزيع الماء والكهرباء بكل من آسفي والجديدة،تم
توقيع مذكرة تفاهم وعقد امتياز بين الحكومة ومجموعة المكتب الشريف للفوسفاط مؤخرا، تهم إنتاج الماء الصالح للشرب عبر تحلية مياه البحر بآسفي والجديدة.
ويأتي هذا القرار في إطار تسريع تنزيل البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي 2020-2027، الذي تم تقديمه أمام أنظار جلالة الملك محمد السادس، لاسيما في الشق المتعلق ببرنامج تعبئة الموارد المائية غير الاعتيادية، عبر برمجة محطات تحلية مياه البحر.
وكانت الحكومة قد قررت في فبراير 2022، وضع برنامج تكميلي يتضمن تطوير شراكة استراتيجية مع المكتب الشريف للفوسفاط، من أجل تعبئة طويلة الأمد ومستدامة للموارد المائية، من خلال تحلية مياه البحر، وذلك قصد مواجهة الوضع الحالي الذي يتسم بجفاف استثنائي، ومن أجل تخفيف الضغط على الحوض المائي لأم الربيع، وتجنب خطر انقطاع إمدادات مياه الشرب عن سكان المنطقة.
ووفق الحكومة فإن إطلاق مشروع مشترك لتحلية مياه البحر، كجزء من مخطط استعجالي، يهدف إلى إنتاج المياه الصالحة للشرب، لتزويد وكالتي آسفي والجديدة، وكذا إنتاج مياه صناعية تلبي حاجيات المكتب الشريف للفوسفاط، كما أن المشروع، يدخل في إطار استراتيجية « الحياد المائي» للمكتب، التي تحفز على استعمال الطاقة الخضراء، يهدف إلى استخدام المياه غير الاعتيادية حصريا (مياه الصرف الصحي المعالجة ومياه البحر المحلاة) في عمليات المكتب الصناعية.
هذا المخطط الاستعجالي سيتيح في مرحلة أولى، إنتاج 85 مليون متر مكعب سنويا خلال الفترة الممتدة من 2023 إلى 2025، وفي مرحلة ثانية بلوغ 110 ملايين متر مكعب سنويا ابتداء من سنة 2026.
وعلى صعيد إنتاج الماء الشروب، يروم المخطط الاستعجالي في سنة 2023، تأمين 10 ملايين متر مكعب لوكالة آسفي، و30 مليون متر مكعب لوكالة الجديدة، وخلال سنتي 2024 و2025، سيبلغ الإنتاج المرتقب 15 مليون متر مكعب سنويا لفائدة وكالة آسفي، و32 مليون متر مكعب سنويا لفائدة نظيرتها في الجديدة، وابتداء من عام 2026، يسعى المخطط إلى تحقيق 30 مليون متر مكعب سنويا لوكالة آسفي، و45 مليون متر مكعب لوكالة الجديدة.
وبشأن إنتاج المياه الموجهة لتلبية الاحتياجات الصناعية، يهدف المخطط الاستعجالي إلى ضمان تعبئة 35 مليون متر مكعب من المياه المعالجة سنويا.
وأكد بلاغ للحكومة أنه اعتبارا من عام 2026، ستستفيد الوكالتان من 75 مليون متر مكعب من المياه المحلاة سنويا لتلبية احتياجات الخدمات العامة، و35 مليون متر مكعب سنويا للاستخدام الصناعي للمكتب الشريف للفوسفاط.
وسيتم تنفيذ تحلية مياه البحر في أربع وحدات، اثنتان منها تقعان في الجرف الأصفر بالجديدة، واثنتان في آسفي.
جلال كندالي/ عماد عادل
بتاريخ : 10/يوليوز /2023 .
منقول عن دريدة الاتحاد الاشتراكي ./ الرابط :