الفرح المغربي – الذي عم العالم العربي والإسلامي والقارة الأفريقية بعد الانتصار غير المسبوق الذي حققه أسود الأطلس في مونديال قطر 2022، بوصولهم إلى المربع الذهبي- تحدى الإغلاق الجوي والبحري والبري وتسرب إلى جارتنا الشرقية، رغم كل الاحتياطات الأمنية البليدة التي اتخذها النظام العسكري المريض بعقدة المغرب، لحرمان أشقائنا الجزائريين من التعبير عن فرحهم بالمنجز المغربي الهائل، مثلهم مثل إخوانهم العرب والأمازيغ والمسلمين واليهود المغاربة عبر العالم.
رغم التهديدات الأمنية والحصار الإعلامي المضروب على نتائج الفريق الوطني المغربي في الجزائر، خرج الجزائريون، في وهران على سبيل المثال لا الحصر، ناهيك عن المتواجدين منهم في ديار المهجر، للتعبير عن فرحهم بانتصار أسود الأطلس، في تحد صارخ للنظام وأبواقه الذين يُصوِّرون المغرب للجزائريين كعدو لدود لهم ولوطنهم، ويعملون على شحنهم ضد جارهم الغربي. لا أدري كيف تصرف النظام مع هذا التحدي، وكيف تعامل مع الذين خرجوا عن طوعه، وضربوا بتعليماته عرض الحائط.
لكن، هناك فئة من الجزائريين سهل على النظام معاقبتهم؛ يتعلق الأمر بالجنود المرابطين في الحدود، الذين عبروا عن فرحتهم بانتصار المغرب. وقد انتشر فيديو لجنود شباب فرحين ومبتهجين بانتصار فريق أسود الأطلس على نظيره البرتغالي برسم ربع النهائي المُؤَهِّل لنصف النهائي لكأس العالم المنظم في قطر. اعتقل النظام هؤلاء الجنود، وسيحاكمون في المحكمة العسكرية بتهمة ثقيلة؛ وقد تكون الخيانة العظمى. لقد جرَّمَهم النظام بسبب تعبيرهم عن فرحتهم بانتصار المغرب. وكان قصر المرادية قد أصدر أوامره لإعلام العار والشنار بعدم ذكر اسم المغرب في أخبار المونديال، إن كان في تلك الأخبار ما هو لصالح البلد الجار.
تخيلوا أن النظام العسكري الجزائري عزل مدير التلفزيون العمومي من منصبه لمجرد أن هذا التلفزيون تحدث عن فوز المغرب في المباراة التي جمعته مع البرتغال في ربع النهائي. ورغم أنه لم يزد عن تقديم الخبر، فلم يشفع ذلك لمديره لدى النظام العسكري.
ولم تشفع له الترهات المعهودة التي استرسل مقدم النشرة في سردها: الاحتفالات الشعبية العارمة التي عمت المدن والقرى المغربية، أصبحت، على لسان التلفزيون الجزائري، تعبيرا عن أزمة حقوقية كبيرة يعيشها المغرب بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان (ونعلم أن آخر دولة يمكن أن تتحدث عن احترام حقوق الإنسان، هي الجزائر). ولم ينس التلفزيون المذكور أسطوانته المشروخة حول ندرة المواد الغذائية، ومعاناة المغاربة من الفقر والجوع والطوابير، وهو يعلم جيدا أنه يصف ما يحدث في الجزائر حيث المواطن يعاني الأمرين من أجل الحصول على شكارة حليب أو كيلو بطاطا أو عدس أو غيره؛ رغم أن بلاده تزخر بثروات هائلة؛ لكنها تُبدد وتُبذَّر في غير صالح الشعب الجزائري.
النظام الجزائري مُصِر على النزول بالبلاد إلى الحضيض على جميع المستويات. ففضائح إعلامه أصبحت عالمية، وبجماجم. إنه يحتل المرتبة الأولى في سبورة الفضائح؛ وقد عرَّى المونديال عورة النظام الجزائري وكشفها للعالم. وهو بكل غباء، يستمر في إتيان الفضائح، وبكل أصنافها. فهو لا يعي بأنه قد أصبح أضحوكة في العالم، ولا يدرك بأنه بفضائحه يزيد من عزلته، ويسير إلى حتفه.
خلاصة القول، نحن أمام دولة، تستحق اسم دولة البؤس والعقد المزمنة؛ دولة زرع الكراهية والحقد والحسد؛ دولة السفاهة والتفاهة؛ دولة الفشل والعنترية الفارغة؛ دولة جعلت من بلادها سجنا يجمع كلا من المرضى النفسانيين (وما أكثرهم في أبواق النظام وفي صفوف المُبردَعين !) والأحرار المتطلعين للحرية وللغد الأفضل. وبمعنى آخر، فالنظام الجزائري سرطان في جسم شمال إفريقيا. والسرطان، إن لم يتم استئصاله قبل فوات الأوان، ينخر الجسم كله ويقوده إلى حتفه. وعملية الاستئصال لن يقوم بها إلا الشعب الجزائري الذي نُهبت ثرواته وسُلبت حريته؛ فآن الأوان لكي يستفيق لتحرير بلاده من أذناب الاستعمار، حتى يتمكن الاتحاد المغاربي، الذي عطَّلته الطغمة العسكرية الحاكمة، من بناء نفسه وتوحيد دوله.
مكناس في 14 دجنبر 2022