كرة القدم وديبلوماسية الإشعاع !
لا أجد في نفسي أية حاجة للاستنجاد بملاحم تاريخية للتعبير عن سمو الانتصار على فريق إسبانيا الجار، والبلاد العاقلة…
كما لا جدوى من الاستنجاد بالتاريخ في الاستعداد النفسي لمقابلة فريق دولة جارة أخرى هي البرتغال تربطنا بها قيم تشكل سمفونية حقيقية من الاحترام.
لا أجد بالمقابل سببا لكي أمارس نوعا من التفلسف في الربط القسري بين الفرح في ملاعب الكرة وبين حقيقة الأوضاع العامة الحالية لكي أطالب بتأجيل الفرح إلى حين انتهاء أزمة الوقود والحروب والآثار الوخيمة لسياسة الحكومة والرفع من الحد الأدنى للأجور.
لا أجد مبررا أخلاقيا ولا سياسيا لمن يذكروننا بأن المغاربة ما زالوا يحلمون بالهجرة إلى إسبانيا وبناء عليه يضعون ذلك سببا كافيا، فلسفيا وأخلاقيا، لكي لا نفرح إذا ما نحن انتصرنا في الرياضة!
وهالني قراءة ما كتبه أحد الناس المحترمين، والذي يستكثر على المغاربة الاحتفال بالفوز على فريق إسبانيا، لأنه عاتبنا كيف لجأ بعض الشباب إلى الهجرة عبر طائرة بواسطة الحيل المعروفة في مثل هاته الحالات…ولا شك أنه لم يسأل نفسه: هل مطلوب من المغاربة أن يخسروا المقابلات لكي يكون الأمر منطقيا، إذ لا يمكن أن تفرح في ما يبدو، وشبابك يهاجر إلى البلاد التي خسرت مباراتها أمامك!
الشعب الذي يزيف مشاعره لا يمكن أن يصنع واقعا أفضل ! بل هو الذي يرقص في الطرقات ويغني ويعانق بعضه ويصارع كل مشاكل العالم بعد كل مباراة بدون انحناءة أوتفسير مغرض لأسبابها. لعل الشعوب المستضعفة هي الأكثر حاجة إلى الفرح كمنشط حضاري في ساعات تتحفز فيها إلى بلوغ مراتب جديدة في تطورها…
هناك بعض البؤس الفكري الشبيه بالحجر الصحي.. الذي يفرض قيودا على حركة الفكر والتفكير.
لنقل بكل بساطة إن الرياضة اليوم تملك من السياسة ما في ديبلوماسية الإشعاع من تأثير.
وليس المجال لوضع هاته القوة الناعمة، كما تصنف، مقابل القوة الصلبة، ممثلة في الجيش والاقتصاد والبنيات التحتية والنفوذ الميداني.. إلخ، هاته القوة الناعمة التي تملكها الرياضة اليوم هي قوة ديبلوماسية الإشعاع.
نفسه الذي جعل المغرب يُعْرف بشكل أفضل منذ عهد سعيد عويطة ونوال المتوكل ويستكمل دورته العالمية عبر مونديال قطر.
وهي بذاتها مثال حي على قدرة ديبلوماسية الإشعاع والقوة الناعمة على خلق مكانة الدول في عالم متلائم ومتسارع وتحركه غرائز القوة والهيمنة.
لا حاجة إذن لتنشيط الفرح بكويرات الحروب السابقة والذاهبة في مفازات الماضي..
ولا حاجة لنا أيضا لتنشيط الشك المنهجي بجدلية الأوضاع المعيشية …
ولا حاجة لنا إلى تزييف الأحاسيس لإقامة الدليل على وعي نقدي وحذر منهجي سقراطي ضروري لكي نفسد فخاخ السلطات المتقاطعة…
لا حاجة إلى اختزال الكرة في مجرد هواء مدور حوله جلد..
ولعلنا نكون أحيانا في حاجة إلى قلق الخصوم وجهالتهم وعبثيتهم، وهم «يقيدون» مباراة فريق ضد مجهول…! لكي نقدر بالفعل ما تحقق لنا بفعل الفرح والقتالية والعرق في الميدان، وما تحقق من إشعاع أثار حفيظتهم واستفز فيهم غريزة.. العماء!
ختام أول:
للذين سخروا من فريقنا الوطني ونعتوه استخفافا بمنتخب الأمم المتحدة، نقول بكل بساطة والابتسامة لا تغادر محيانا: إنه منتخب الأمة المتحدة…
منتخب الأمهات المتحدة حول الراية وفلذات الكبد.. !.
ختام ثان:
اعترف بأنني ما زلت، لحد الساعة، تغرورق عيناي كلما سمعت كلمة فريدة، أو رأيت مشهدا مؤثرا أو سمعت أغنية خاصة لفلسطيني أو قصيدة لسعودي أو عراقي أو تعبير عفوي لقطري أو مصري..وهذا لن يزيد من شعبية الحكومة عندي.
ختام ثالث:
من حسن المصادفات أن المغرب يلعب في مربعات الكبار في العديد من الملاعب والميادين. ليس الديبلوماسية الثقيلة والتقليدية وحدها، بل في المجال الاقتصادي الذي ما زال يطمح أن يساير رغباته في بناء مجتمع متضامن، وفي مجال الثورة الاجتماعية وفي باب الاستثمار الأخضر وأما في روحانيات العالم، فالمغرب له تأهيل كبير!.. والفرح هنا ليس بدعة ولا قناعا، بل هو شعور إنساني .. دافئ ومنعش في نفس الوقت كالمطر!…
الكاتب : عبد الحميد جماهري – بتاريخ : الجمعة 09دجنبر 2022.
المقال منقول عن جريدة الاتحاد الاشتراكي / الرابط ادناه